مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 06 / 05 / 2003م

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ

.....

   

 

مجموعة الحوار

الحوار الحضاري

توماس فريدمان : أبناء العراق والشرق الأوسط

أشرار علاجهم في القبضة الشريرة

لا نظن أحداً ممن يتابعون المشهد السياسي العربي، ويرقبون تدفق الأفكار على عالمنا عبر جسور العولمة وحسب خاصية الضغط الإسموزي، يجهل توماس فريدمان، الاسم والصورة. كيف وقد حرص توماس أن يقدم نفسه لمتابعيه في اكثر من مقام. الانطباع الأولي الذي يثيره توماس في النفوس هو جرأته على أن ينال منك وجاهة، وبدون مواربة. فهو صحفي أمريكي وهذه الصفة أعطته (المباشرة) أو الهجوم على المطلوب كما يقول كتابنا الأقدمون. وهو في الوقت نفسه (يهودي) وهذه في رأينا ليست سبة. بل جعلت منه يهوديته صاحب قضية ينافح عنها، فاستحق بذلك الاحترام، الذي يخسره الكثيرون ممن لا لون لهم ولا طعم.

وتوماس فخور معتد بنفسه، اعتداداً ينبني على مؤهلات يضاف إليها أن كُبّار القوم من أصحاب الأمر فينا يقدرون الرجل ويحتفون به. وهو مولع بالمكايدة والمناكدة والاستفزاز مع روح متعالية ترمي به تلقائياً في أحضان (العنصرية) أو (اللاسامية !!) إذا اعتبرنا اللاسامية: عملية تصنيف مسبقة للناس إلى أخيار وأشرار على أسس انتمائهم: الديني أو الحضاري أو العرقي. الأمر الذي رفضه إسلامنا الذي أنصف العالمين جميعاً (منهم أمة مقتصدة..) (وإن من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك..).

في مقال له نشر في جريدة الشرق الأوسط ( ) يشير السيد فريدمان إلى أن الحرب الأمريكية على العراق قد استوفت مسوغاتها الأخلاقية، بعد اكتشاف جمجمة لمجهول مظلوم قتل في عهد نظام صدام حسين، ويخمن السيد فريدمان أن تكون الجمجمة (لكردي) أو (شيعي) وهذا التخمين ببعده الطائفي أو الإثني له مغزاه في اللعبة التي يتكئ عليها رجال الإدارة الأمريكية والنفر  الذين يحومون حولهم.

يرى فريدمان أن اكتشاف هذه الجمجمة، أو لنقل تلك الجماجم والمقابر الجماعية كفيل بأن يجعل حرب الولايات المتحدة ضد العراق أخلاقية تستحق التأييد والتصفيق وسواء اكتشفت الولايات المتحدة في العراق أسلحة دمار شامل أو لم تكتشف.

وهنا يتساءل السيد فريدمان بإنسانية شفافة: مادام الصواب قد انتصر على الخطأ: (لم لا يبدو الجميع مبتهجاً. ولماذا مايزال هناك تيار يسعى لكبح جماح مظاهر الاحتفال..) ؟!

تسطيح مفتعل للموقف، فالسيد فريدمان أعمق من أن يكون سطحياً !! فإذا كنت ترفض سياسات القتل والطمر والدفن التي كانت بحق جزءاً من النظام البعثي في العراق فيجب أن تكون مع الولايات المتحدة، ومع حربها، وأن تصفق لهذه الحرب لأنها انتصار للصواب على الخطأ !! وإذا لم تفعل، إذا لم تخرج أنت والشعب العراقي، وشعوب المنطقة للإشادة بالفعل الأمريكي فأنت شرير تنتمي إلى مجاميع شريرة، ولا يمكن التعامل معك إلا بيد حديدية شريرة أيضاً. وليسمح لي القارئ أن أستطرد بنقل كلام السيد فريدمان العجيب بنصه: في الرد على سؤاله لماذا لا يبدو الجميع مبتهجاً يقرر السيد فريدمان ( بالنسبة لي ـ أي لفريدمان ـ يرتبط الأمر بطبيعة العراق ومنطقة الشرق الأوسط. فالمرء دائماً يشعر بذلك القلق من أن التصدي للشر، في المنطقة يبدو أشبه بالسيطرة على الصحراء. فما أن تتصدى لواحد من الأشرار حتى تجد ثلاثة يندفعون مكانه) !! وليؤكد السيد فريدمان حقيقة الشر المسيطر على سكان المنطقة يقول (يشعر المرء بالقلق الدائم من أن هذه الدول ليست دولاً حقيقة، بل هي تجمع للعشائر لا يمكن السيطرة عليه سوى بقبضة. وإن الخيارات الوحيدة تتمثل في قبضة حديدية شريرة. أو قبضة أخرى أكثر رأفة).

وهكذا يعود بنا السيد فريدمان إلى نظريته الاستعلائية حين ينفي عن دول المنطقة وصف (الدول) ويسبغ على أبنائها وحكوماتها وصف (تجمع للعشائر..) ويقترح لها كخيار وحيد للتعامل معها سياسة (القبضة) في مظهريها: الثوري، القبضة الحديدية الشريرة التي مثلتها وماتزال الأنظمة الشمولية في المنطقة، والقبضة الأكثر رأفة التي مثلتها القبضة (الأبوية) التقليدية. وهكذا يسقط السيد فريدمان خيار الديمقراطية لشعوب بل (لعشائر لا تستحقها..).

أما متى تستحق هذه الشعوب الديمقراطية ؟ يجيبك فريدمان: عندما تخرج إلى الشارع للإشادة بالفعل الأمريكي بصوت عال ((.. إننا سنجني الثمار فقط متى ما أصبح الشعب العراقي حراً بالفعل. ليس فقط أن ينهب ويتظاهر ضدنا (ليلاحظ القارئ العربي الهمز واللمز) بل حراً في الإشادة بنا بصوت عال !!))

لن ندخل في سجال مع السيد فريدمان حول حجم المغالطات التي ينثرها في مقاله، فهي لا تخفى عليه. وإنما الذي فهمناه، أن العقوبة التي فرضها الغرب والولايات المتحدة على هذه الأمة، طوال قرن، على أيدي حصادي الجماجم وحفاري القبور الجماعية، لم تنته بعد، وأنها لن تنتهي حتى يخرج أبناء الأمة أجمعون إلى الشوارع ليلهجوا باسم الأمريكي المنقذ والمحرر والمخلص.

كلمة وحيدة نريدها أن تصل إلى السيد فريدمان ومن وراءه هي أن الأنظمة الشمولية وكل ما فعلته بأمتنا هي سيئة واحدة من سيئات المنقذ الذي تأمرنا أن نُفدّيه.

وأن هذه التجمعات العشائرية التي تضن عليها بوصف (دولة) هي التي كتبت وثائق المواطنة لحماية أجدادك يوم كنتم تصرون على أن تحفروا لمخالفيكم من أبناء الإنسانية الأخاديد. نظن أنكم كنتم ومازلتم على النهج ذاته.

زهير سالم السابق     

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ