مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الإثنين 15 / 09 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

دراســات

تقرير سياسي

التغيير الوزاري ليس طريقاً إلى التغيير

النظام الجمهوري في سورية نظام برلماني على الأنموذج الفرنسي، يتمتع رئيس الجمهورية فيه بسلطات واسعة على حساب رئاسة الوزراء. حتى عندما يكون هناك رئيس وزراء معتمد على أكثرية برلمانية حقيقية، يستمد قوته ونفوذه منها يبقى رئيس الجمهورية هو صاحب الحظ الأوفر في السلطة. لن يغيب عن الذهن في هذا السياق الصراع الذي جرى بين الرئيس الفرنسي الديغولي جاك شيراك ورئيس وزرائه المعتمد على أكثرية برلمانية اشتراكية، وكيف أدى تعدد مصادر السلطة إلى تباين السياسات والمواقف وتضاربها، كما لا يغيب عن الذهن ما تشهده الساحة اللبنانية من صراع مستمر بين الرئيسين (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء) على خلفيات الصراع المختلفة.

في نظام جمهوري كالذي نتحدث عنه يبقى دور رئيس الوزراء محدوداً إزاء دور رئيس الجمهورية، حتى وإن كان رئيس الوزراء يستمد سلطته من مجلس النواب عن طريق أكثرية برلمانية داعمة، فكيف يمكن أن يكون الوضع إذا كان رئيس الوزراء مجرد موظف أول في ديوان رئيس الجمهورية، الذي يعتبر نفسه، أو يعتبره داعموه، فوق السلطات بل فوق الدستور والقانون !!

من ناحية أخرى فقد مضت السياسة السورية في عهد الرئيس الأسد الأب أن تقتصر مهمة رئيس الوزراء على المراسم التشريفية والبروتوكولية، حيث يستأثر رئيس الجمهورية بالصلاحيات المطلقة.. اعتمد الرئيس الأسد في سنوات حكمه الطويل على عدد محدود من رؤساء الوزراء كان كل واحد منهم يستقر في منصبه البروتوكولي قرابة عشر سنوات.

يذكر منهم محمود الأيوبي، وعبد الرحمن خليفاوي، وعبد الرؤوف الكسم ومحمود الزعبي ذو النهاية الفاجعة وأخيراً مخضرم العهدين: مصطفى ميرو.

دائماً كان يذكر اسم عبد الرحمن خليفاوي، على أنه رجل ذو مشروع إصلاحي. ولكن خليفاوي لم يستطع أن يقدم لسورية: الرئيس أو الوطن، أي شيء حقيقي وسط الإرادات المتشاكسة لمراكز القوى، التي يشكل كل واحد منها دولة داخل الدولة. ويجعل من القانون الذي ترعاه السلطة التنفيذية ظل سحابة. يذكر في هذا السياق ما أجاب به (عبد الستار السيد) وزير الأوقاف في السبعينات السيد عبد الرحمن خليفاوي رئيس الوزراء في حينها عندما اشتد عليه في إحدى المسائل بقوله (سِيدي أنا وأنت موظفان عند الرئيس..) وكانت الكلمة معبرة عن حقيقة جوهرية قائمة.

بغض النظر عن رئيس الوزراء النازل والآخر الصاعد، فإن شخصية (مصطفى ميرو) عموماً لم تكن عثرة في طريق التغيير أو الإصلاح، وكذلك فإن شخصية ناجي العطري لن تكون معقد أمل هذا التغيير، لأن كلاً من الرجلين النازل والصاعد لم ولن يملكا أدوات التغيير وسلطاته ليُنتظر من أحدهما أن يكون أقدر عليه من صاحبه، دون الدخول إلى جوانية الرجلين والحديث عن إرادتهما. يؤكد بعض الناس أن الرئيس بشار الأسد نفسه يريد التغيير ولا يقدر عليه؟ وفي هذا ما لا ينقضي من العجب !!

المشروع الإصلاحي: الكتلة والإنجاز

تنتظر سورية مشروعاً وطنياً إصلاحياً متعدد المحاور: سياسي واقتصادي واجتماعي وعلمي وعسكري.. ثمة كتلة ضخمة من التراكمات ينبغي إزاحتها للتأسيس لمشروع نهضوي سليم وبعيد المدى. فما هو حجم الإنجاز المنتظر بقياس الزمن حين يستدعي مشروع ترخيص بنك في سورية إلى خطة (خمسية) مضى منها الآن ما يقارب السنوات الثلاث دون أن يتم الإنجاز ؟! فكم من الزمن يتطلب مشروع: تحرير الإنسان أو تحرير الاقتصاد، أو تحرير الجولان ؟!!

إن حالة الاسترخاء والتردد التي تتلبس الإدارة السورية، إلى جانب التمسك بالماضي بكل جزئياته، حتى الثوب المرقوع، لا تشير إلى أن ثمة إنجازاً ما يمكن أن يتحقق.

وإذا كان الرئيس بشار الأسد قد نفى أنه يمتلك عصا سحرية، وإن كان بعضهم يزعم له ذلك، فإن عصا الدواليب ما تزال قادرة على منع الحد الأدنى من الانسياب الطبيعي، لتضرب على الوطن حالة من الجمود أو الموات، ليس على صعيد السياسات الداخلية فقط، بل الخارجية أيضاً، حيث بدأ الجميع يلحظ الفرق في مكانة سورية (بين القصرين).

لقد سبق للرئيس حافظ الأسد أن سمح لبعض أعضاء مجلس الشعب أن يفتحوا النار على حكومة السيد عبد الرؤوف الكسم ليكون ذلك تمهيداً لإسقاطها، وبالتالي ليسند رئاسة الوزراء إلى السيد محمود الزعبي رئيس مجلس الشعب تحت مظلة أنه منتخب مرتين، الأولى من قبل الشعب، والثانية من قبل مجلس الشعب نفسه فهو نخبة النخبة !

في إرهاصات الحديث عن التغيير الوزاري في سورية، انطلقت التكهنات في أكثر من اتجاه، فقد زعم بعضهم أن رئيس الوزراء الجديد سيكون من خارج الطاقم الحزبي، في إطار تخفيف الظل الحزبي عن الحياة العامة في سورية، لمواجهة الهجمة الأمريكية على (البعث) بوصفه مدرسة من مدارس (النازية) أو (الفاشية) ينبغي استئصالها، ليس فقط من العراق وإنما من سورية أيضاً. ولكن هذا الزعم لم يتحقق، حيث يبدو أن قيادات الحزب وكوادره ما تزال متمسكة بحقها في الوصاية على الدولة والمجتمع، وكل ما يقال لتخفيف ظل هذه الوصاية فإنما هو نوع من الدعاية الإعلامية المضادة للتوجه الأمريكي بشكل عام.

فأن تكون حزبياً يعني أن تكون صاحب الحق الأول في رئاسة الوزراء إن كنت سياسياً، وصاحب الحق الأول في البعثة التعليمية إن كنت طالباً، وصاحب الحق الأول في التسهيلات الاقتصادية إن كنت تاجراً، وصاحب الحق الأول في حصة الخشب أو الحديد أو الاسمنت إن كنت حرفياً.

وهكذا جاء السيد ناجي العطري من صميم التركيبة الحزبية ليؤكد أن الحزب ما يزال يتمسك بمكاسبه أو بإرثه السلطوي الذي يعتقد أنه ورثه كابراً عن كابر وأنه لا ينازعه فيه إلا ظلوم وغشوم.

في اتجاه آخر ذهبت التكهنات إلى ذكر العديد من الشخصيات المرشحة لرئاسة مجلس الوزراء، لم يكن ناجي العطري منهم، وقد كان المرشح الأول حسب تلك التكهنات رئيس غرفة تجارة دمشق ورئيس الغرف التجارية السورية عموماً، ورجل الأعمال المعروف (راتب الشلاح) الذي هُندِس له أنه إذا استلم رئاسة الوزراء سيقود حملة تطوير اقتصادي حقيقي ينسجم مع متطلبات العولمة، وشروط الشراكة الأوروبية التي تسعى سورية جاهدة للانخراط فيها لاستقطاب حجم أكبر من الاستثمارات لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار، ولكن الرياح أيضاً جرت إلى حيث لم يقدر المقدرون وتم اختيار السيد ناجي العطري لرئاسة الوزراء.

في مشروعه الإصلاحي، ركز الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم على الإصلاح الشامل، وأعطى الأولوية للإصلاح الاقتصادي. ففي ميدان الاقتصاد اتهم سياسات والده الاقتصادية على أنها كانت وقتية وانفعالية، وتنقصها الرؤية الشمولية.

وعاد في لقائه مع قناة العربية التي جرت في شهر حزيران 2003 ليتحدث عن الإصلاح الإداري، وليؤكد أن نظاماً إدارياً فاسداً لا يمكن أن يتحمل مسؤولية الإصلاح، وليشير في حديثه عن حراس المصالح الشخصية الذين يقفون عقبة في وجه الإصلاح. ووعد بأن يكون إطلاق مشروعه الإصلاحي من خلال تشكيل وزاري جديد. وعلى هامش هذه الرؤية يتردد أن لجنة من المختصين الفرنسيين استقدمت خصيصاً لوضع خطة الإصلاح الإداري التي ستتحمل الوزارة الجديدة مسؤولية تنفيذها.

 محمد ناجي العطري

ومحمد ناجي العطري من مواليد حلب في الشمال السوري، ولد سنة 1944 ،يحمل شهادة الهندسة من جامعة حلب سنة 1967 ،و دبلوم تخطيط المدن من هولندا سنة 1972 ، ينتمي العطري الى اسرة حلبية معروفة بالتجارة ،وميسورة نسبيا التحق متأخرا بحزب البعث (1970) وربما من اجل تحصيل بعض المكاسب ولا سيما انه لم يعرف في حياته الجامعية بأي انتماء حزبي ، وإنما عرف بالدماثة وحسن الخلق .فهو على ذلك ليس من قدماء المناضلين شأن سلفه مصطفى ميرو الذي يعتبر حزبيا عتيقا .

تولى ناجي العطري عدة مناصب اهمها عضو في فرع نقابة المهندسين في حلب ورئيسا لها بعد ان تم حل مجالس النقابات الشرعية وسيطر عليها من قبل الحزب بعد احداث عام 1980 . كما شغل العطري منصب محافظ مدينة حمص . وكان اعلى منصب شغله قبل ان يصبح رئيسا لمجلس الشعب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات تاريخ 7/3/2000 .

لا يستطيع المرء أن يزعم ـ إلا رجماً بالغيب ـ أن ناجي عطري يمتلك من الإمكانات ما كان يفتقده سلفه.. ولذا فإن آليات الإصلاح المفقودة سواء على صعيد الإرادة الأساسية للإدارة (النافذة)، أو على صعيد القدرة للسلطة التنفيذية سوف تكرس حالة العجز وتجعل الإصلاح الحقيقي أمراً مستحيلاً.

لقد كان سبب عجز السيد عبد الرحمن خليفاوي عن الإصلاح في تجربته القديمة واضحاً. ثم عندما حاول السيد محمود الأيوبي سنة 1979 في جولاته الميدانية على القطاعات الشعبية والرسمية أن يطرق الأبواب الحقيقية للإصلاح وسُمح للناس أن يتحدثوا ببعض الحرية والشفافية، وسمع المتنفذون ما لا يعجبهم من القول، في أشرطة سياسية محفوظة، أجهض هؤلاء المتنفذون محاولته ووأدوها!!

في الحقيقة إن منصب رئيس الوزراء في سورية ليس مناط تغيير، ولا معقد أمل.. مناط التغيير الحقيقي جهتان: إما حكام سورية الحقيقيون إن أرادوا أن يبادروا إليه، وإما شعب سورية إن كان قد حفظ ما ألقاه إليه يوماً الملك فيصل الأول رحمه الله تعالى وقد عاد من الغرب:

الحقوق تؤخذ ولا تعطى .السابق

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ