مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الجمعة 07 / 03 / 2003م

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

دراســات

الإرهاب والفتنة أكبر من القتل

آفاق الإرهاب

أصبح عنوان الإرهاب في آفاقه العامة الدولية والخاصة المحلية، الفزاعة التي تُرهب بها الأمم والشعوب والجماعات والأفراد.

وغدا من أساليب المكر السياسي أن يصم العدو عدوه، والخصم خصمه بالإرهاب طريقة لاستباق الضربة القاضية ضد المخالفين، حسب قانون الفوضى الذي ساد أيام الثورة الفرنسية الأولى (أرسل عدوك إلى المقصلة قبل أن يرسلك إليها). ولم لا يكون الأمر كذلك، مادامت القوة العظمى في العالم قد أعلنت الحرب على الإرهاب وشايعها على ذلك الكثيرون من أصحاب السلطان والساسة والمثقفين، فأُخذ الناس بالظن والشبهة، ولوحقوا في حرياتهم، أو جمدت أموالهم، أو صودرت عقائدهم وأفكارهم.

وفي إطار الحرب على اسم (الإرهاب) يشهد العالم اليوم طوفاناً من التجاوز على الشرائع السماوية والقيم الإنسانية، والوثائق الأرضية: يُروّع الآمنون، وتسفك الدماء، وتنتهك الحرمات، وتهدر الحريات، ويتجاوز العدوان إلى كل مخرجات الحياة من حرث ونسل، حتى ليجد الإنسان نفسه بحق أمام من يتمثل فيه قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.)

هذه حقيقة المتولي لأمر الأرض اليوم، على فهم بعض من فهم قوله تعالى: (إذا تولى..) أصبح ذا ولاية وسلطان.

حقيقة ما يجري، أن فريقاً من الذي غلبوا على أمر الإنسانية اليوم، لم تعد ترقهم النظم والقوانين والأعراف الدولية، ولم يعودوا مضطرين لمصانعة أي  قيم سماوية أو روح إنسانية، كما أعاقتهم المواثيق التي أقروها لحقوق الإنسان وحمايتها، ولم يستطيعوا أن ينقلبوا عليها جهاراً ونهاراً؛ فجعلوا الحرب على اسم (الإرهاب) ذريعة للالتفاف على هذه القيم والقوانين والنظم والمواثيق، وتخوضوا في أمن الإنسانية ودمائها، وأموالها، للوصول إلى غايات دنيئة، ومقاصد خسيسة لا تليق بإنسان ثقفه العلم، وهذبته الحضارة، بل انطلقوا في حربهم المسعورة على القيم والشرائع والمواثيق برابرة جفاة يتجاوزون آداب الديبلوماسية التي هذبت الخطاب الإنساني منذ عهود، كما يتجاوزون قواعد العلاقات، وقوانين الحروب، ثم يجدون في قوتهم المادية والمعنوية في هذا العالم المتسربل بالوهن والهوان والتبعية من خلفهم تغطية لكل شنعاء، وذريعة لكل نكراء. وإليك بعض الدليل الذي يسمح به المقام.

ـ رفض القوة العظمى التوقيع على مواثيق حماية البيئة

يئن جسم الأرض المثخن من مخلفات الحضارة المادية بأشكالها وإفرازاتها المتعددة، التي تؤدي إلى ظواهر الانحباس الحراري، والتصحر والجفاف ومن ثم إلى الفقر وانتشار المجاعات، كما تؤدي إلى انتشار الأمراض المخيفة جراء اختلال التوازن في تركيب الغلاف الجوي.

ولقد تداعى عقلاء الأرض من العالم أجمع، ولاسيما دول العالم المنتجة لهذه المخرجات المزعجة، إلى وضع خطط وسياسات عامة تخفف من الآثار السلبية المدمرة للبيئة، وتوقف بعض أشكال العدوان عليها، وتعاهدت معظم دول الأرض على ذلك، ولكن الدولة الأقوى في العالم، تمتنع، معتدة بقوتها طبعاً، عن التوقيع على هذه المعاهدات والمواثيق بطراً وغروراً، واستهتاراً بالحياة الإنسانية في جميع أصقاع المعمورة. فهي تعتبر نفسها المالك الأول والأخير لهذه الأرض، وليس عليها في سكان العالم أجمع من سبيل. فهل من حقنا أن ننظر إلى هذا الفعل المفسد للحرث والنسل على أنه ضرب من الإرهاب العام المستعلن والمستهتر، والذي لا تنعكس آثاره السلبية على عدد محدود من سكان الأرض، وإنما تحيط آثاره السلبية بحاضر الحضارة على الكرة الأرضية، ومستقبلها على المدى البعيد.

ـ رفض التوقيع على معاهدات حظر الأسلحة النووية

وتجمع أمم الأرض، وقادة الرأي والفكر فيها، كما خيارات الأخيار من أهل السياسة؛ على ضرورة الحد من انتشار الأسلحة النووية والتخلص من الموجود منها، لإزاحة ستار الرعب النووي عن كاهل الضمير الإنساني، هذا الرعب الموكول أمره إلى بشر يرضى ويغضب، يقوى ويضعف، يأمن ويخاف، فإذا هو بضغطة زر واحدة يحول العالم أو جزءاً منه إلى رماد. وفي هيروشيما وناغازاكي عبرة.

ولكن الأقوى في هذا العالم يعتقد أن من حقه أن يحتفظ بهذه الأسلحة،  وأن من حقه أن يستخدمها بالذرائع التي يريد، يرفض أن يمنع انتشارها لدى أوليائه، كما يرفض أن يوقع على ضرورة التخلص منها. بل يفرض التوقيع على معاهدات الحظر هذه على عالمنا العربي، ويمنح الصهاينة المعتدين على أرضنا الحق في امتلاك هذه الأسلحة، بل ويزودهم بها، ويعزز قدرات هذا العدو النووية، ليعيش إنساننا العربي تحت سقف الرعب النووي المحلي المتغطرس كما يعيش تحت سقف الرعب النووي العالمي !!

ولقد بلغت إرادة الإفساد بهذه القوى أن استخدمت من غير ما مبرر (اليورانيوم المنضدد) ضد الإنسان في أفغانستان والعراق، مما يشير إلى كوارث إنسانية في هذين البلدين وما حولهما تمتد إلى ملايين السنين. كما تشهد على ذلك تقارير المختصين الغربيين أنفسهم !!

ثم لا يكون من حق أحد أن يصف كل هذه السياسات والتصرفات المدمرة للحرث والنسل (بالإرهاب). وأن يقول للقوي المتغطرس (إن الله لا يحب المفسدين).

ـ التدخل بالشؤون الداخلية للدول

لقد منعت مواثيق الأمم المتحدة، والنظام الدولي العام التدخل بالشؤون الداخلية للدول مهما كان حجمها أو قوتها، واعتبر ذلك مناطاً من مناطات احترام إرادات الأمم وخياراتها. ووجد (قوي العالم) في مصطلح الإرهاب، مدخلاً لاغتيال أنظمة، واستبدال حكومات لمجرد امتناعها عليه، أو تحقيقاً لمآرب من مآربه في السيطرة على العالم أو ابتزاز ثروة من ثرواته.. !!

ـ  العدوان على حرية الاعتقاد

وبلغ الأمر بقوى الهيمنة العالمية، أن تسعى إلى التدخل في عقائد الأمم والشعوب، وتطالب هذه الأمم بتغيير عقائدها، وتحريف أديانها، وتفسيرها تفسيرات يمليها وزير خارجية يظن أنه قادر بفضل قوته على أن يقول للشيء كن فيكون !!

إذا لم يكن الإرهاب هو هذا الذي أشرنا إلى بعض نماذجه في هذه العجالة، فماذا يمكن أن يكون ؟!

الأزمة العالمية

إن من يعتقد أنه له بفضل قوته أن يفعل ما يشاء، بالطريقة التي يشاء؛ فإن كل مقاومة تصدر عن المستضعف مهما كان بعدها وحجمها ستكون إرهاباً بالتأكيد. لأن القوي إذا أمر وجب على المستضعف أن يمتثل، حتى اختلاج الشاة تحت سكين الجزار هو ضرب من الإرهاب لا ينبغي أن يكون. هذه المعادلة التي يريدها القوي، ويسوّقها معه كل أولئك الذين يحطبون في حبله من سياسيين ومفكرين ومثقفين !!

معادلة مختلة قائمة على عوج، ولم يكن ديننا قط إلا حنيفاً قيماً، معادلة لا يمكن أن تستقيم في حياة الناس لأن الأرض منذ كانت كان فيها أقوياء وضعفاء، وأغنياء وفقراء، وطغاة جبارون ومستضعفون مقاومون، ولن تكون قط كما يريدها صاحب شعارات (القوة المطلقة) و(العدالة المطلقة)، وستسير الإنسانية دائماً في طريق وصفه المتنبي بقوله:

كلما أنبت الزمان قناة             ركب المرء في القناة سناناً

أو في جدلية أشار إليها الآخر:

لكل شيء آفة من جنسه     حتى الحديد سطا عليه المبرد

الإرهاب لن يولد إلا إرهاباً. وإذا كان إرهاب القوي منظماً فسيأتي رد فعله طائشاً. وإذا كان إرهاب القوي فاعلاً، فسيكون إرهاب الضعيف منفعلاً وسيكون الضحية دائماً هو (الإنسان) على اختلاف الجنس واللون والدين. ولكن السؤال: من يكسر طرف هذه المعادلة الدموية، ويضع حداً لدوامتها، ومن أين تكون البداية، أمن البيضة أم من الدجاجة ؟!!

القوي يظن أنه سيكون قادراً على كسر إرادة بني البشر، وتطويعهم لمشيئته وخدمته، وتجويع القطيع لتركيعه، ولذا يستمر بسياسة البطش والتنكيل والأمثلة أمامنا ناطقة أفغانستان والعراق وفلسطين. وبالمقابل ستتفجر روح المقاومة والرفض عند الشعوب، وستركب في كل قناة سناناً، وستكون مرة بزي إسلامي عندما تستهدف المسلمين، وستكون بزي اقتصادي عندما تقود ركب العولمة المستأثرة على يد الشركات المتعددة الجنسيات، وستكون بزي علماني عندما

تعدو على الإرادات والحريات، ستستمر المقاومة حتى يخر الثور صريعاً، إن لم يكن من السهم العاشر، فمن العاشر بعد المئة، هي حرب طويلة ضروس، ضحاياها في كثير من الأحيان من الأبرياء الذي سيطؤهم الأقوياء، دون التفكير بما يمكن أن يصيبه من جراء ذلك من معرة !! حرب يجب أن يفكر بالخروج من مأزقها العقلاء.

المخرج من الأزمة

هل للإنسانية بعد مسيرة حضارية عمرها آلاف السنين، أن تضع وسائل الإكراه، وأشكال الحرابة، والصيالة جانباً. وتجلس على موائد الخطاب، الذي كان أول معيار من معايير إنسانيتها وكرامتها. ووسائل الإكراه تشمل: الصاروخ المدمر، والإعلام المزور، والرغيف الذي يقيم الأود.

نقطة البداية، أن تعود الإنسانية إلى (لغة الكلام)، التي كانت سبب التميز الأول للإنسان: (وعلم آدم الأسماء كلها.) وستكون القضية الأولى على موائد الخطاب تحديد كنه الأسماء، وحقيقة المسميات، خطاب في المضامين والماهيات: لمعاني الحق والباطل، والخير والشر، والصلاح والفساد، والجمال والقبيح..

كلمات يريد أن يتلاعب بها المتلاعبون، فيفرضوا لها معاني جديدة ومضامين تروق لهم، وتخدم مآربهم، وتحقق مصالحهم. ومخطئ من يظن أنه بما يمتلك من قوة، قادر على تغيير الحقائق، وتشويه المضامين المطلقة للمعاني الإيجابية الخيرة التي قامت على أساسها وفي سبيل حمايتها حضارة الإنسان !!

المساواة الإنسانية

والخروج بهذا العنوان من حيزه الشعاراتي، من ساسة كانت حضارتهم حتى عقود قريبة منغمسة في مستنقع التمييز العنصري، والعرقي، والديني، إلى حقيقة معاشة واقعة كما هو شأنها. في ضمير المسلم ووجدانه، حقيقة انغرست في كينونة الإنسان منذ خمسة عشر قرناً.

المساواة بين أصحاب الياقات البيض ولابسي الأسمال الممزقة، بين من يمتطي صهوات الطائرات أو الدبابات وبين من لايزال يخطو على دابته، بين ساكن القفر وصانع المدنية، بين من يشرب من البئر، ومن يشرب الماء المعقم المقطر، بين من يعيش في برج مانهاتن، ومن يعيش في عشة أو كوخ من أكواخ اليمن أو السودان أو أفغانستان !!

وأن يتوطد في ضمير الجميع أن جوهر الإنسان كرامته، وأنه يألم ويحلم، ويفرح ويرضى، ويغضب، يحب حريته، ويكره إكراهه. إن من يظن أن إنساناً لفقره أو بدائيته أو ضعفه؛ لا يحب ولا يحلم ولا يألم فهو الإرهابي !!

مساواة تجعلنا نشعر بالألم والغضب للطفل الفلسطيني يذبح بالسكين الأمريكية، وللمرأة الأفغانية تقتل بالصاروخ الأمريكي، وللإنسان العراقي يذوب موتاً تحت سنابك حصار أمريكي لا يرحم، ولرجل أعمال أمريكي يدمر مع برجي منهاتن، أو ملحق في سفارة تدركه رصاصات الحانقين !!

عندما يوحدنا الألم من الفعل الواحد، ويشعرنا بالقدر نفسه من الغضب والاستنكار، ويدفعنا بالقدر نفسه إلى الأخذ على يدي القاتل المسيء، عندما يحصل ذلك؛ نكون قد بدأنا بوضع الاستراتيجية الأساسية لمصادرة معادلة الذبح المتبادل. ولتحل بالتالي الحقيقة القرآنية محل الحقيقة التلمودية ولتظهر عليها. فالقرآن الكريم قد نقل أن الله تعالى قد كتب على بني إسرائيل في توراتهم، كما كتب على المسلمين في قرآنهم (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..)

هذه الركيزة الأساسية في حرب قوى الخير على الإرهاب تحولت في التلمود المنقول، وفي التلمود الأمريكي والصهيوني الممنهج إلى سياقها التالي (من قتل يهودياً فكأنه قتل العالم أجمع ومن تسبب في خلاص يهودي فكأنه خلص الدنيا بأسرها)(1)

هكذا هي في التلمود المحرف الذي يدين به شارون، ثم تلقفها ساسة متصهينون ليقولوا (من قتل أمريكياً فكأنما قتل الناس جميعاً..) ومعادلة مختلة من هذا النوع لا تستقيم.

لا بد من العودة إلى الحقيقة القرآنية الربانية المطلقة، التي تعصم النفس الإنسانية المجردة من كل وصف غير إنسانيتها لا لون ولا عرق ولا جنس ولا دين. (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض...)

إن إعلان عصمة النفس البشرية، بغض النظر عن جميع انتماءاتها، واحترام هذه العصمة هي مخرج أساس للبشرية من أزمتها التي يفرضها العادون على إنسانية الإنسان.

وحين تعلن عصمة النفس الإنسانية مطلقاً، وتحترم هذه العصمة، وحين تحدد ملامح الحق والباطل، والخير والشر، والظلم والعدل، وينتفى من حياة الناس الشر والظلم والعدوان ستنتفي تلقائياً مدخلات الإرهاب، وستنتفى تبعاً لذلك مخرجاته.

ولكن حين يفرض قوي متغطرس الذبح على الناس، فليس له فيما نظن أن يفرض عليهم طرق مقاومته.

في فلسطين منذ نصف قرن شهد العالم على أبشع جريمة في تاريخ الإنسان الحديث، وأسس لواقع مأساوي، لا يقبله ضمير إنسان، ومع ذلك ماتزال معاقل القوة على هذه الأرض تدين اختلاج الضحية تحت السكين، وتتعاطف مع (القتلة الأبرياء !!)

في منظورنا أن الظلم بكل أشكاله، وأن التمييز بين بني البشر لأسباب دينية أو حضارية أو عرقية، وفرز الناس إلى أخيار وأشرار، ومحاولات كسر إرادة الشعوب، أو تغيير عقائدها، كل ذلك سيكون مدخلاً أساسياً لتعزيز الإرهاب، وإيجاد مناخاته التي تساعد على نموه وانتشاره، والتي ستجعل خطابه منطقياً، وذرائعه مقبولة. العنف سيولد العنف، والقتل سيقود إلى المزيد منه، ونؤكد أن المخرج من هذه الدوامة هو مطلب إنساني عام.

الإرهاب ـ الفتنة

والإرهاب ـ في نظرنا ـ هو نفس الفتنة في المصطلح القرآني، الفتنة التي شرع الإسلام القتال لنفيها من حياة الناس (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) كما اعتبر القرآن الكريم (الفتنة أشد من القتل) في آية (والفتنة أكبر من القتل) في آية أخرى.

والفتنة كما يقول المفسرون: هي إلقاء الخوف في القلوب، واختلال نظام العيش، وهي كما يقولون: لفظ يجمع بين اضطراب أحوال الناس وتشتت عقولهم وقلوبهم، وشعورهم بالخطر والخوف على عقائدهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم  وأوطانهم وأموالهم.

إشاعة هذا الخوف، سواء صدر عن قوة عظمى، أو عن دولة أو نظام أو فئة، أو جماعة أو فرد، بتهديد أحد المفردات السابقة، أو بالعدوان عليها، حتى يبقى الإنسان مشتت العقل، مهموم النفس، مسكوناً بالخوف والحذر عن العمل والإنتاج؛ ذاك هو الإرهاب بعينه.

موقفنا الإصلاحي الإسلامي من الإرهاب:

أراد الإسلام حياة الإنسان هادئة وادعة تنتفي منها الفتنة، ويسودها الحق والخير والسلام. وفي إطار الفقه الإسلامي ميز الإسلام بين (الصائل) أو (المحارب) الذي يسعى لفرض الفتنة على حياة الناس، وبين المدافع والمقاوم للفتنة، وإن تشابهت في كثير من الأحيان الأفعال.

ويبقى (الصائل) أو (المعتدي) هو الإرهابي الظالم الذي يمارس أنواع الفتنة تلك على الناس، بالعدوان أو بالتهديد بالعدوان؛ والمدافع هو الذي يأخذ دوره المقابل في الدفاع عن حق من حقوقه في المفردات المنظومة أعلاه، أو عن حقوق الآخرين من بني الإنسان.

في فقهنا الإسلامي، يرد الصائل بما يرتد به، وما زاد على ذلك فهو عدوان، وليس للصائل المعتدي أن يفرض على المظلوم المعتدى عليه طريقة رده أو مقاومته.

في فقهنا الإسلامي: من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد. وهذا حديث شريف.

إن من يمارس (الصيالة) أو (الحرابة)، بتهديد أمن الناس العام في عقائدهم أو حياتهم أو أعراضهم أو أوطانهم أو أموالهم، بغض النظر عن دينه أو جنسه أو عرقه أو أي انتماء من انتماءاته هو الإرهابي الخارج على المجتمع الإنساني، الذي يجب أن تتطهر الإنسانية منه، وأن نتكاتف جميعاً للأخذ على يديه سواء كان قوة عظمى أو دولة أو حزباً أو فرداً. أما المظلومون الذي يدافعون عن حقوقهم الأساسية فهؤلاء هم أحرار العالم الذين يجب أن تتكاتف الأمم لمساعدتهم.

وقولنا يرد الصائل بما يرتد به قاعدة مطلقة وأساسية، ولكنها محفوفة بنور الحكمة، وسياج العقل، وأفق الجدوى. لم يكن القتل في الإسلام قط غاية لذاته، بل بقي دائماً علاجاً استثنائياً مراً لحالات لابد فيها من نفي الفتنة من حياة الناس.

إن القتل العشوائي، أو الأذى العشوائي، لا يرد الصائل المعتدي وإن آلمه بعض الأحيان، وسلاح المسلم يحمل أخلاق المسلم نفسه في العدل والعفة والقصد والابتعاد عن الفساد في الأرض.

إن رد العدوان بمثله في قوله تعالى (ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم..) يعني أن نرد العدوان بما يردعه ويكافئه، ولا يعني أبداً أن نرد العدوان بفعل من جنسه، وقد يكون العدوان بما لا يليق ذكره، ويحرم فعله.

واستهداف أو قتل من كان خارج دائرة الصائلين يحتاج إلى دليل شرعي مكين لمن يدعيه. فعندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة بين يدي جيش المسلمين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ما كانت هذه لتقاتل) وفهم الفقهاء من هذا أن القتل للمقاتلين، وخرج من المعركة النساء والصبيان والرهبان والفلاحون والأجراء (المدنيون) إلا أن يكونوا من الصائلين. وقال تعالى (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً..)

ثم إن فقه (سد الذرائع) وموازنات المصالح والمفاسد تبقى أصلاً معمولاً به على كل حال. صحيح أن من حقي أن أقاتل من أجل درهم يريد أن يسلبني إياه صائل أو مغتصب، وإذا قتلت في دفاعي عن مالي فأنا شهيد؛ ولكن الحكمة تقول أنه ليس من المصلحة أن أدخل معركة من أجل درهم إذا كنت أعلم أنني غير قادر عليها، أو خاسر فيها، فأخسر حياتي وأخسر درهمي !!

الأمن الإنساني، ونفي الفتنة والخوف والتوجس من حياة الناس، مطلب إنساني عام، ومطلب شرعي إسلامي أكدته آيات القرآن الكريم، ولكن هذا المطلب لا يتحقق برغبة فريق واحد على هذه الأرض، بل لابد أن يكون عقيدة وهدفاً للجميع، ويد أهل الإسلام ممدودة بالخير لكل من يريد أن يتعاون على تحقيق أمن الإنسان، وصون كرامته. وإن لا، فحسبنا أن نردد قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر).



(1) هذه حقيقة واقعة وهو النص الحرفي لما ورد في التلمود. راجع كتاب الكنز  المرصود في قواعد التلمود.

السابق

 

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ