مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 13 / 01 / 2004م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

دراســات

فلسفة العولمة ! ؟... رجس من عمل الشيطان 

بقلم عبد الحميد حاج خضر الحسيني

الجزء الثالث

شتراوس ومن بعده من المريدين والأتباع ينظرون إلى الفكر والواقع كحصون وقلاع عدو يجب غزوها وتدمرها الواحدة تلو الأخرى .  لقد كانوا يرون في علم الاجتماع وفلسفة الاجتماع ، مدرسة ، وشيوخاً، ومريدين ، الاطار الفكري لدولة الرعاية ( Social state ) . شتراوس قدم ، بسلوكه وسيرته وفكره ، للصهونية ما يعرف باللغة الانكليزية " نو هاو " ( know-how ) أي من أين تأكل الكتف . من عرين المعاهد العلمية من مقاعد البحث والدراسة الموضوعية وبالاسلوب الأكاديمي المجمع عليه ومن وهم الحيادية العلمية أنطلق الصهاينة ليس لغزو مفاصل المجتمع الأمريكي ومراكز التأثير في صياغة العقلية الثقافية والسياسية فحسب ، بل وفي إقامة جامعات ومعاهد ومراكز للدراسات الاستراتيجية والفكرية تعمل لنفس الغرض ، أكاد أجزم أن كل الكليات والمعاهد التي تدرس الاقتصاد والادارة والمال والأعمال تتعامل فقط مع مادة وآليات العولمة ، فكراً وفلسفة ووسيلة ، ولكي تكون فعالة واقتصادية فهي تستقطب أبناء الذين يستطيعون أن يمولوا بأنفسهم دراسة باهضة التكاليف ، بعد أن تمني المنتمين إليها بفرصة عمل مغرية بعد التخرج ، في وقت يزداد فيه جيش العاطلين عن العمل في صفوف خريجي الجامعات وفي الدول الصناعية نفسها  . الطالب نفسه أو وليه والقائمين على هذه المعاهد على علم بسر الصنعة ، وهو أن هذه المعاهد " العلمية " على علاقات وطيدة  مع المؤسسات والشركات والبنوك التي تستحوذ على الحياة الاقتصادية .أي أن حياة ، الراشي والمرتشي والرائش بينهما ، تبدأ قبل البدء بالدراسة والعمل وهو ما يطلق عليه اليوم  الفساد  .  ولما كانت العلاقة بين الاقتصاد والحرب وثيقة جداً . أقامت الصهيونية العشرات من المعاهد والمراكز التي تبحث في مسائل الحرب والسلم لتصبح هي المرجعية التي تقدم المشورة في هذا المجال . ولأهمية هذه المراكز فقد استوطن بعضها في وزارات الدفاع نفسها . يجب أن لا نعتقد أو نظن أن الصهيونية جمع من الموهوبين أو العباقرة . إن التنظيم المحكم يمكنهم من الاستحواذ علي الجهد الفكري والعملي للأخرين . 

 في السبعينات كان أحد الأجنحة التي تؤمن بالماركسية ، ولكن لاتؤمن بالعنف والثورة ، تقول بنظرية الزحف إلى مؤسسات ومرافق الدولة ، بمسيرة علمية أكاديمية ذات نفس طويل ، ولا مانع من التقية والتلون والخداع والتضليل للوصول إلى الهدف المنشود ( الغاية تبرر الوسيلة ) . أعتقد أن تلك الخطة وذلك  الحلم من بعض الفرق الماركسية تهاوى في نفس اللحظة التي أعلن عن متل هذه الخطة . كان الاعلان عن ذلك ليس بمثابة شهادة وفاة للماركسة كفكر ثوري فحسب بل وافلاس جماهري تام . هذه الخطة أو الوسيلة للوصول إلى السلطة ليست من طبيعة النظرية الماركسة ، وهي ، وبكل تأكيد ، من صنع عقلية النحلة  بل إن النحل( SECT ) والفرق الدينية قد تتستر بالماركسية أو غيرها من الدعوات رائجة السوق كالقومية أو الاشتراكية أو الديمقراطية للوصول إلى  السلطة والفتك بالخصوم . الصهيونية هي نحلة يهودية المصدر شأنها شأن النحل الاسلامية أو المسيحية وقد تلتقي هذه النحل رغم اختلاف مصادرها على عدو مشترك تريد الفتك به ولكن بأسها بينها شديد أيضاً . وهذا كان : لقد استطاعت الصهيونية أن تزحف إلى كل مراكز القرار الأمريكي ، وأهمها على الاطلاق القرار الفكري ، أي كيف يجب أن يفكر ويتصرف رجل السياسة وجوارحه في السلطة التنفيذية ليكون أهلاً للمنصب الذي يشغله .إن آليات  الضبط والربط في وضع أو ازاحة  الرجل المناسب في /من المكان المناسب قد تذكرنا بالطقوس والشعوذة المتبع عند أهل النحل والفرق ، وما قصة كلنتن ومونكا ليفنسكي عنا ببعيد .حتى لا يكون الحديث مرسلاً وعاماً . نذكر بذلك الكم الغفير من  قادة الفكر والتنظير وخاصة في مجال السياسة والاقتصاد ونتسأل . هل الصدفة الشرود وحدها المسؤلة عن الجوقة " الفكرية " من الصهاينة الذين يعملون كمنظرين ومفكرين مقربين من مراكز صناعة القرار ؟ هل الصدفة هي التي حملت  أساتذة الجامعات الصهاينة لنشر كتبهم وأبحاثهم ودراساتهم مصحوبة بتسويق إعلامي فريد تدفع أنصاف المثقفين للاعتقاد أنهم حصلوا على الحقيقة من مصادرها الأول ، أليس عجيباً أن الأبحاث الصادرة عن جامعات أمريكية مثل هارفر وشيكاغو....الخ كلها أو جلها تدعوا إلى توجه معين في السياسة والاقتصاد ، وتلقى ذلك الرواج الكبير ، صمويل هنتنتونج ( صراع الحضارات ) أو فكوياما ،( نهاية التاريخ) ، برجنسكي ( الولايات المتحدة ، الدولة العظمى ) .......الخ  إن من يريد أن يحصل على درجة علمية معتبرة في العلوم السياسية أو الاقتصادية أو أحد فروع العلوم الانسانية لا بد من أن يمر عبر البوابة الصهيونية أو قريب منها ، وليحصل على فرصة عمل في الأوساط القربية من القرار السياسي أو المالي أو الاقتصادي لابد أن يكون صهيونياً أو مغفل نافع للصهاينة . أترك للزملاء العاملين في مجال الصحافة والاعلام أن يقوموا بعملية مسح واستقصاء لأبعاد الغزو الفكري والهيمنة المنهجية على مراكز البحث العلمية للحيلولة دون إدراك الحقيقة وتكوين الوعي الصادق المضفي للعمل والتغير . أذكر الزملاء بالمقال الذي نشرته مجلة نيوزويك بعنوان " ليو شتراوس ... ذلك الوثن " ( The cult of Leo strauss ) عام 1987  حيث تسأل كاتب المقال : لماذا هذا العدد الغفير من مريدي شتراوس في إدارة ريغان ؟ وقبل أن أصف ببعض التفصيل بعض من  مريدي شتراوس ممن مسك ويمسك بناصية القرار السياسي والاقتصاي والاعلامي سأعرض بعض الأفكار المدمرة التي كانت من الأسباب التي جيشت الهجمة الشرسة علي مصدر  رزق الانسان وقوته كما هيئت النفوس  والافكار للعدوان . أهم الأفكار هو الدفاع عن اللبرالية من منطق النحلة ، الغارق بالظلامية والتخلف ، فيرى شتراوس أن النقد الذي صاغه التكنوقراطيون والتجربيون ودعاة الشرعية كان جيداً من جهة ، ولكن غير كافي ، ويرى أن أزمة الحداثة واللبرالية المعاصرة نتيجة منطقية للمنطلقات الفلسفية للحداثة ، أي يمكن اعتبار الحداثة من بعض الوجوه مشكلة في حد ذاتها . يفصح شتراوس عن رأيه بالقول : إن اللبرالية المطبقة في الدول الغربية المتقدمة في القرن العشرين تحمل في جوهرها الميول للنسبية التي تقود إلى العدمية . لقد كانت بداية النهاية ، حسب رأيه ، في جمهورية فايمار ( أي الحقبة السياسية التى عاشتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تمكن النازيون من السلطة ) لقد كانت الليبرالية مسرفة في تسامحها لدرجة أنها مكنت أعداءها ،  من الشيوعين والنازين ،  أن تلعبا الدور الذي أدي إلى ضرب اللبرالية نفسها . ألا يمكن تطبيق نفس المحاكمة ونقول : إن اللبرالية المتسامحة سمحت للصهونية ، الذي يعتبر شتراوس أحد منظريها ، أن تلعب دور وضع اللبرالية الغربية والحداثة  كعدو في أعين مليارد ونصف المليارد من العرب والمسلمين . دعا شتراوس ويدعوا الآن أتباعه أن لا تكرر اللبرالية الغربية " خطيئة التسامح التي عرفتها ألمانيا في العشرينات من القرن المنصرم ،  وتسمح بالتنوع الحضاري حيث الأصولية الاسلامية تأخذ طريقها، كحصان طروادة ،  إلى الحواضر الغربية فتفتك باللبرالية الغربية كما فعلت النازية والشيوعية .

أمريكا في نظر شتراوس هي خليط غير متجانس من حضارة اغريقية – رومانية - وفلسفة حداثة سعى مهندسوها ، وبعناية ، إلى استبعاد مقصود للعناصر التوراتية والإنجيلية منها . شتراوس وجنده من بعد يرون من أولى مهامهم اعادة هذه العناصر إلى صلب الحضارة الأمريكية . ليس هذا فحسب بل يرون أن انقاذ اللبرالية من أزمتها المزمنة ، بالرجوع إلى المنبع والأصل إلى  أفلاطون وأرسطو العظيمين . كيف يكون الرجوع ؟   لقد كان هذا الرجوع المنشود صدمة وفاجعة مدوخة للعمل الأكاديمي . من المعرف بالضرورة أن المنهج السائد في  الأكاديميات من خمسينات  القرن المنصرم كان منهج العلم التجريبي ولهذا جعل المفكرون نصب أعينهم صياغة الأطر والآليات التي تجعل من السياسة والاجتماع علوم تقوم على المنهج التجريبي والاستنباطي دون استبعاد الفلسفة كلياً ،  وبكلمة أخرى إقامة ( علم السياسة ) بدلاً من ( فلسفة السياسة ) . لقد كانت أعمال شتراوس الأكاديمية في هذه الفترة من الزمن تسير بالاتجاه المعاكس ، ولكن بتلوي وتلون ، توحيان بالتقية عند أهل ( النحل ) لقد كان يدعوا إلى العودة إلى منطلقات الفلسفة العتيقة كحل لأزمة الليبرالية . لقد كان الرد من معارضيه وخصومه يمتاز بالبساطة والحزم ! كما أن المعارف الفزيائية العتيقة لا يمكن أن  تحل مسائل هندسية حديثة فكذلك الفلسفة القديمة لا يمكن أن تقدم أجوبة على مسائل عصرية ، ولكن شتراوس كصاحب صنعة ونحلة يجيب كما لو كان من أهل الباطنية فيقول : يا أهل الحداثة أن طريقة التفكر العتيقة تمارس وتعايش أكثر مما تتصورون ، علينا أن نفهم الفلسفة التقليدية لا من وجهة نظر الحداثة ،  ولكن من منطلقاتها الفلسفية نفسها ، ولهذا فإننا عندما نعالج مسألة من مسائل السياسة المعاصرة انطلاقاً من وجهة نظر فلسفية عتيقة فإننا نشعر بالتحرر من الاطار الضيق الذي تفرضه وجهة نظر الحداثة ، بنفس الوقت نشعر بقدر غير معهود من التسامي على آليات التحريف وا لابتعاد عن مواطن الفساد والرشوة التي تفرضها الحداثة . شتراوس يرى أن نظرة الحداثة هي نظرة اصطناعية خالية من الأصالة الحقيقية ، أما نظرة الفلسفة العتيقة فهي نظرة مباشرة ونبيلة .

نحن المسلمين ننظر إلى جدل كهذا ونتذكر أهل الكهف ، الذين مكثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وزدادوا تسعة فبعثوا أحدهم بورق ليأتهم بطعام فوجد أن الناس غير الناس والدنيا تبدلت ، فرجع بنبل ووقار إلى صحبه وناموا إلى يوم يبعثون . المنهج التجربي عندنا نحن المسلمين هو من اليقن الذي لا يمكن التفريط به . وهو ببساطة منهجنا الذي يدعوا قرآننا ويحض عليه . 

شتراوس رضخ وأقر بالعوامل الملزمة للأخذ بإسلوب الحداثة في حل مسائل السياسة العالقة ، ولكن فقط عندما يكون الحل الذي تقدمه الفلسفة القديمة مستحيل المنال . سياسة الحداثة ، عند شتراوس وأتباعه ، لا تقدم تبرير منطقي ودوافع معقولة لحياة انسانية طموحة ، ولكنها تقدم إطار صلب لحياة انسانية متواضعة واستقرار ممل ونوع من الرفاهية وحصلية كل هذا ، حسب شتراوس ، قاعدة صلبة لحياة منحطة . بعد موت شتراوس بدأت الكارثة فعلاً . لقد حمل أتباعه الراية وقاموا بطبع مؤلفاته التي لم تطبع في حياته ، وكانت في حقيقة الحال أسوء مما عرف عنه في حياته . لن يأخذ الملل مني مأخذاً  يمنعني من تكرار مقولتي الأولى ، وهي أن شتراوس وأتباعه أهل نحلة دينيه وبين الدين والنحلة بون شاسع ، فالنحلة تثبت بالخصومة وتزدهر بالدد بينما الدين يثبت بالإيمان والعمل  إن خطورة النحل ليس في فكرها وفلسفتها ، ولكن في آليات الضبط والربط التي تتخذها وهي تلج عالم السياسة والدعاية ، حيث يعمل أتباعها إلى توثين ما يدعون مقالة ورجالاً . مريدون شتراوس ، الذين آل إليهم صولجان السلطة والسلطان ،  أضفوا على " كبيرهم الذي علمهم السحر " هالة من القدسية الفلسفية والعلمية ، بل جعلوا الحكمة والمعرفة تجري على لسانه . قال أحدهم : شتراوس هو أحد العشرة العظام الذين عرفتهم الألفية الأخيرة ويضيف ؛ لفهم شتراوس علينا أن نقرأ النصوص التي كتبها شتراوس نفسه ، ففيها ما يقنع العامة وما يشبع فضول الخاصة ويشحذ همتهم جميعاً . شتراوس يجعل من خصوصيات فكره وصميم رأيه سر لا يباح به للدهماء وعامة الناس ويدعي إلى الاحتفاظ بخصوصة الخطاب ( Esoteric ) لأهل الفلسفة وسدنة المعرفة ، تماماً كما يقول أهل النحل والفرق عن حملة السر عندهم  , خوفاً من فتنة العوام . للعامة يقال ما تريد العامة أن تعلم أو ما يراد لها أن تعلم . إن عمومية الخطاب ( Exoteric  ) ضرورة للحفاظ على النظام وسيادة القانون . الحقيقة أنهم لم يأتوا بجديد أو إضافة فنحن نرى أن الشعوب الغربية قاطبة يمكن تقسيمها إلى عام  وخاص وللعامة طريقة معاشهم ولهوهم ومدى علمهم وللخاصة طريقتهم وسلوكياتهم وكل قوم بما لديهم فرحون . الجديد في مقالة شتراوس أنه يجعلها مسألة من مسائل الفلسفة و السياسية فيرى أن سقراط استحق عقوبة الاعدام لا لأن السوفسطائين كانو على حق ولكن لأن سقراط أباح السر ،  وتكم بلغة الخاصة إلى العامة والدهماء . ماكيافلي كان على خطأ ، حسب شتراوس ، لأنه أباح بسر الصنعة في صناعة السلطة والحفاظ عليها . إن ما سطره ماكيافلي في كتاب " الأمير " كان ترجمة أمينة للطبيعة وسيرة الأشياء . قبل ماكيافلي ، حسب شتراوس ، كان الفلاسفة ورجال الدين والفكر والسياسة يعللون الناس بالقيم والمثل والخير والفضيلة ويمارسون ما نصح ماكيافلي به الأمير والوزير . لعله على حق في ذلك ، وقد ذهبت نفس المذهب عندما ألقيت محاضرة سنة 1998 عن هنتنتوتنغ ( S.P. Huntington ) وكتابه ارتطام الحضارات أو صراع الحضارات  ( The Clash of Civilizations  ) كما يرأى البعض أن يترجم، فقلت آنذاك "أن هنتنتوتنغ فضح المماراسات السياسية البشعة التى تمارسها الدول الغربية على الدول التي تقع تحت هيمنتها في الوقت الذي تدعوا فيه إلى الحوار والتعاون " .وبالمناسبة هنتنتوتنغ أحد مريدين شتراوس ومترجم أفكاره في مجالات البحوث الاستراتيجية . شتراوس يرى في ماكيافلي ترجمان الطبيعة ولسان الفطرة ، عزز هذا الرأى وعمقه عندما قدم قرأته الفلسفية لتوماس هوبز ( Thomas Hobbes  1588-1679 ) وجون لوك  ( John Locke 1632-1704 ) . منذ كان شتراوس طالباً في مسقط رأسه المانيا كان من الشغوفين جداً بتوماس هوبز وقانون الطبيعة ، بل أن بواكير كتاباته الفلسفية كانت تدور حول هوبز أما قرأتة الفلسفية لفلسفة لوك فقد جاءت متأخرة . هوبز ولوك من الفلاسفة الماديين وفي نظر ماركس ماديين غير جدليين كلاهما يعتبر الطبيعة أو المادية المصدر الأساس للفكر والفلسفة . هوبز لا يرى في الاجتماع الانساني غير أفراد يكيد بعضهم لبعض ، كل على الكل عدو وخصم ، الجميع ضد الجميع ، والدولة  في نظره ، عبارة عن هيئة معنوية فرضتها ضروف معينة ولكن مبهمة ، هي القادرة على فرض النظام على ذلك الكم من الأفراد المتنازعين فيما بينهم . إن الطاعة ولانقياد للنظام والقانون رهن بقوة الدولة وجبروتها وليس قبول الناس لمنظومة قيمية أوأخلاقية ما ، من هنا يمكن اعتبار هوبز فيلسوف الاستبداد ، لقد كان  متطرفاً في دفاعه عن الملكية المطلقة رافضاً أي قيد دستوري لها . بعد الحرب الأهلية في انكلترا أصدر كتابه " ليفياثلن " ( Leviathan  ) عام 1648 وقد اختار له هذا الأسم ، الذي يرمز  لكائن أسطوري معادي للإرادة الإلهية ، كناية عن الحرب الأهلية أو الفتنة ، التي قد تقع في حالة غياب أوضعف الدولة . لم يكن الدافع لكتابة هذا الكتاب هو الحرب الأهلية نفسها وإنما لأن الحرب الأهلية قد وقعت فعلاً كما كان  يتوقع في كتابه " من المواطنة  " ) De Cive  ( الذي أنجزه في عام 1641 ولكنه نشر سراً عام 1647. إن أسباب الحرب الأهلية في رأيه هو السماح لعناصر غير أرستقراطية المشاركة في الحكم . هوبز كان ملوعاً بالرياضيات النظرية والتطبيقية ولهذا كان يجنح إلى التجريد في آرائه عند الحديث عن  فلسفة الدوله ، كان يرى الدولة هيئة اعتبارية اصطناعية  ليس من الضروري أن يكون لها صلة عضوية بالمجتمع ، هي أشبه بالغول المخيف الذي يلزم الناس  إطاعة الأوامر والنواهي . الغريب أننا نجد في الفقه السياسي الاسلامي من يقترب من هذه الآراء عند الحديث عن الدولة . بعد الفتنة الكبرى ،بعد مقل عثمان (رض ) ، نجد أن معظم فقهاء المسلمين يرون أن من أولويات الفقه الاسلامي درء الفتنة ، فضيقوا الأسباب الداعية للخرج على السلطان ، حتى أصبح الخروج على السلطان المستبد قد يخرج من الملة . شذ عن هذا التوجه الزيدية والخوارج الذين ذهبوا إلى القول ،  إذا عم الظلم يصبح الخروج على السلطان الظالم  واجب . هناك  فارق معتبر بين الفقه الزيدي وفقه الخوارج ليس مجال بحثه هنا  . ابن خلدون ذهب مذهباً وسطاً في طبيعة السلطان وصلته بالمجتمع أو الرعية فقال إن السلطان إضافة ولكنه يجب أن يكون من نوع المضاف إليه ، ولعله بهذا التشخيص يساعدنا على فهم تخاذل الأمة وسراتها عن مقارعة الاستبداد والظلم إذا كان الظالم أو المستبد من أبناء الأمة  وأحسن الابقاء على شعرة معاوية ، في حين تستأسد الأمة وسراتها في مقارعة المستبد الأجنبي حتى لو كان أقل استبداداً وظلماً .

يتبع  الجزء الرابعالسابق

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ