مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الإثنين 15 / 04 / 2002م

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |

.....

   
 

دراســات

جماعة الإخوان المسلمين السورية

النشأة

    تمهيد : الظروف العامة

    (سورية: الواقع الحضاري، والفكري، والاجتماعي، والسياسي)

    يعتبر القرن العشرون، قرن الانفتاح على الحضارة الغربية المادية بكل ما فيها من معطيات: فكرية واجتماعية، وتقنية، وقد خلف هذا الانفتاح الذي تم طوعاً حيناً و كرهاً في كثير من الأحيان، في نفس المسلم إحساساً واضحاً بالنقص، و شعوراً بالذلة و الانكسار، لما رافق ذلك الانفتاح من قهر عسكري، و غلبة مادية.

    وإذا كان المسلمون، في تاريخهم الطويل، قد تعرضوا للعديد من الخسائر المادية، فإن تلك الخسائر لم تحدث التأثير السلبي في نفس المسلم بشكل عام، لأن الجيوش الغازية / التتار و الصليبين / كانت في مستوى حضاري متخلف كثيراً عن واقع الحياة الإسلامية لدى الأمة المغلوبة. ‍‍‍‍‍‍

    وفي ظل الموجه العارمة من الإحساس بالنقص و الهوان، و مع شعور عارم بالضياع، نتج عموماً عن سقوط الخلافة، التي كانت، مع ما كانت عليه، تمثل المرجعية العليا، ومعقد الأمل للأمة، والجهة التي ينتظر منها المسلم أن تفعل عنه كل شيء، وأن تنوب عنه في التصدي للمكاره و الخطوب..

انطلقت حملة التغريب، تواجه العالم الإسلامي، فتنفذ إلى القلوب والنفوس والعقول؛ فلا يكاد يمتنع عليها إلا القليل. ولم تكن سورية بمنجاة من هذه الحملة المسعورة، على الرغم من أنها ظلت فترة،محاطة بسور من الأمن أكثر من غيرها نظراً لقربها من مقر الخلافة، الذي كان يمثل رسمياً وجه الإسلام، فيحوط حدوده، ويمنع محارمه، ولو بقشرة كتيمة من التقاليد، أو بوازع شديد من السلطان.

    وقد فتح الفرنسيون خلال ربع قرن باب التغريب في سوريا على مصراعيه فمكنوا بذلك: للفكرة الغربية، ولأسلوب الحياة الغربي، في عقول ونفوس النخبة التي القوا إليها بمقاليد البلاد فيما بعد...

كانت الأمة بشكل عام، تتخبط فاقدة الرؤى، فاقدة المثل، وفاقدة للثقة بالذات.

    على الصعيد الفكري، كان صدى صرخات عصر النهضة، قد توارى تحت ركام الموجة العسكرية للاستعمار الغربي، والافتتان بالنموذج الغربي الذي بهر الكثيرين. كان المثقفون والمفكرون غالباً، من خريجي مدارس الغرب وجامعاته، فهم يرددون مقولات الغرب، وينضحون من إنائه، بينما نضب أو كاد تيار الفكر الأصيل الذي كان يحاول أن يعبر عن هذه الأمة، فهو ضعيف برجاله أولاً، وغير متمكن من لغة خطاب عصري يستطيع من خلالها مجاراة الآخرين، وهو ضعيف للقيود والسدود المفروضة عليه، من قبل الذين امتلكوا السلطة وامتلكوا أدوات إيصال الخطاب للجماهير...

    أما الحياة الاجتماعية... فكانت خليطا غير متجانس من العادات والتقاليد وأساليب الحياة..‍‍ فإذا كانت أساليب الطعام والشراب واللباس والسكن تعبر عن أبسط مظهر للحياة الاجتماعية، فهي في الوقت نفسه، تعبر عن أدق دقائق هذه الحياة.‍‍‍

    ولو حاولنا أن نقطع شريحة- بشرية- من أبناء المجتمع السوري في الأربعينات لوجدنا المدن الكبرى مثل دمشق وحمص وحلب، تعج بالمتناقضات...

    هذه المتناقضات كانت تنبع من الموروث ومن البيئة ومن الثقافة ومن الوضع الاقتصادي، دون أن ترتكز على أي معطى من القيم، أو القناعات الأخلاقية. كان التقليد يغطي قرابة 90% من أنماط السلوك الاجتماعي... التقليد للماضي... وكثيراً ما اختلط بالقيمة الدينية، والتقليد للبيئة والحي والعائلة والعشيرة، والتقليد للوافد من العادات التي أضحت تعني أن من يمارسها قد أصبح من(الأكابر).

    قد تجد المرأة تتحجب في حيها، وتسفر إذا ابتعدت عنه، والرجل يلبس البنطلون في الصباح، ولكنه يعود إلى (القنباز) بعد الظهر، والموائد التي كانت تزحف على الأرض سابقاً، أخذت ترتفع في بيوتات القوم على المناضد والكراسي. نستطيع أن نؤكد أن الحياة الاجتماعية، في سورية بين الثلاثينيات والأربعينيات لم تكن ذات وجهة، أو كانت تسير نحو الغرب بفعل عامل الانبهار الحضاري، فحتى الذين كانوا يقودون معركة التحرر ضد الاستعمار، كانت أنماط حياتهم الاجتماعية تحاول أن تحذو حذو حياة الإنسان الغربي في مأكله ومشربه وأثاث بيته، ونظام حياته اليومي، وقد استمر هذا الأمر مع الأسف إلى فترة طويلة من بعد...

    وعلى الصعيد السياسي... شهد العالم في الأربعينيات نهاية الحرب العالمية الثانية وخرجت فرنسا من الحرب منتصرة بعد أن ذاقت الذل على أيدي النازيين، وكان عليها أن تنفذ وعودها التي قطعتها للسوريين بالاستقلال والتحرر، ولكن هذا الإنجاز لم يتحقق دون معارك عنيفة من النضال على الساحة الوطنية...

    المسلم والحياة... السياسية

    سوف نستخدم المسلم في هذا المقام بمعنيين (عام) و(خاص) فبالمعنى /العام/كل فرد ينتمي إلى الإسلام فهو مسلم، ولقد تعود المسلم هذا مهما كان قربه أو بعده من الدين، أن قيادة الحياة السياسية، هي شأن يهم الخليفة والوالي، وطالب الإمارة ... لقد كانت مشاركة المسلم في الحياة السياسية منذ القرون المتقدمة محدودة جداً، ولقد كرس فقهاء العصور هذه المحدودية بتضييق دائرة /أهل الحل والعقد/ الذين يجب على الإمام أن يستشيرهم، إن استشارهم، فكان المسلم لا يجد أي ثلمة في دينه إن هو صام وصلى وحج وزكى، فالأمور الأخرى ليست من مقتضيات الإيمان. وأن يسيطر الآخرون على دفة الحياة ويتوجهوا بها إلى حيث يشاءون لا يهمه كثيراً، ما دام مقعده في السفينة محجوز...!!‍‍

    أما المسلم الخاص ... فقد بدأ يدرك أبعاداً أخرى، بدأ يدرك أنه لم يعد هناك خليفة، وأن السفينة إذا بقيت في أيدي الآخرين، فإنها سوف تسير بعيداً عن الإسلام، وأنه سيجد نفسه، في يوم من الأيام، وذريته من بعده قد أجبروا على نقض عرى الإسلام عروة عروة.. هناك جهد منظم لمحاصرة الإسلام، وهناك قوى متغلبة تفعل ذلك، وهي تملك السطوة وتملك العلم، وتملك مقاليد الأمور..

    كان رصيد هذه الفئة من التجارب السياسية محدوداً، فأنماط الحياة السياسية التي أفرزتها الدولة الإسلامية لم تعد تصلح للعصر الذي يواجه هؤلاء الأفراد... ولغة الخطاب كما أشرنا من قبل ما تزال تعيش في قرون خلت. ربما كان الخطأ خطأ السلطان عبد الحميد، وهو آخر خليفة يمكن الإشارة إليه، ربما كان خطؤه في عجزه عن تشكيل تنظيم إسلامي يكافئ التنظيمات التي أحاطت به من يمينه ويساره، وربما كان يريد أن يبقى خليفة للأمة كل الأمة... ولكنه لم يبق خليفة لأحد.!!

     كان رجال الحركة الوطنية في معظمهم الثمرة المباشرة للانفتاح على الغرب، فهم نخبة من الأرستقراطية الأسرية أو الاقتصادية درست غالباً في مدارس الغرب، وتشبعت بأفكاره، وأساليبه في الحكم والسياسية، واستطاعت أن تنقل إلى الساحة الوطنية انموذج – الحزب السياسي- الغربي، لتقود من خلاله معركة الصراع ضد المستعمر، ولتستحوذ بالتالي على مقاليد الأمور في سورية، وهكذا نشأت منذ وقت مبكر-الكتلة الوطنية- التي كانت وطنية بحق بمعنى أنها كانت تضم أفراداً من جميع التوجهات، إذ أن برنامجها المعلن وغير المكتوب كان الخلاص من الاستعمار... ولقد انقسمت هذه الكتلة فيما بعد وعلى أسس شخصية إلى حزبين رئيسيين: حزب الشعب... والحزب الوطني ولقد كان الحزب الشيوعي السوري قد سبق إلى الوجود منذ الثلاثينيات، حدث هذا بالطبع بتأثير عوامل خارجية، كانت لها اليد الطولى في تأسيس هذا الحزب وتدعيمه... وإلى جانب ذلك وفي عصر انفتاح مبهر على الأفكار والعقائد بدا أن كل صاحب رأي وقلم يمكن أن يشكل حزباً فأحزاب قومية ضيقة، وأخرى قومية عربية، وثالثة علمانية مطلقة، وأخرى قومية اشتراكية... ولقد غدت الحياة السياسية بالفعل كالسوق الأسبوعي يباع فيه الفحم كما يباع فيه أفخر أنواع السجاد...

    لم يكن الإسلام غائباً عن هذا كله، ولكنه كان يفتقد الصيغة.. نظر المسلم -الخاص- إلى هذه الأحزاب من حوله، وإلى رجالها وأساليبها وارتباطاتها، فأنف من مصطلح /حزب / وتجنبه، بل أعلن الحرب عليه، لم يغير موقفه هذا أن لفظ /حزب/ لفظ قرآني، وأنه ورد في القرآن الكريم مصطلح: حزب/الله/ وحزب /الشيطان/ لقد بدأ الأمر برفض فكرة /الحزب/ وسيستمر هذا الأمر نصف قرن آخر، لقد أحب المسلمون أن يتميزوا في العصر الذي يعيشون فاختاروا لأنفسهم مصطلح /جماعة/ وربما لأنهم رأوا فيه معنى أشمل وأجمع من مصطلح الحزب الذي أخذ معناه من واقع مفروض...

    وبدأت تظهر على الساحة السورية دعوات أخرى، هي النقيض المصطنع للحركة الوطنية، تلك الدعوات التي أرادها الاستعمار، أن تصنع الصراع مع الحكم الوطني، ليفوت الفرصة على المقابل الطبيعي...

    إن المستعمر حين يغادر أرضاً يخلف مصالح ومطامع في تلك الأرض، وهو لابد أن يطمئن على تلك المصالح بعد غيابه، وكان رجال الحركة الوطنية بأسلوب تفكيرهم الغربي، وبميلهم الطبيعي إلى الغرب، يقدرون قيمة تلك المصالح، ويتصورون ازدواجاً مباشراً بينها وبين مصالح الوطن الحقيقية.

ولكن المستعمر لم يكن على ثقة تامة بقدرة رجال الحركة الوطنية، على الاستمرار والبقاء، لأسباب عقائدية ودولية ومحلية؛ ولذا فقد فتح الباب للبدائل، ليضغط على رجال الحركة الوطنية أولاً، وليضع رجله في ركاب الآخر، لتحقيق ضمانة مستقبلية عند حدوث أي تغير. ومن ثم يستقطب جماهير الأمة حول دوامات الضياع بالجري وراء السراب. وهكذا أدخلت الساحة السياسية في سورية شعارات الأحزاب اليسارية والقومية الإقليمية والعامة...

    وعلى الصعيد الديني... بإمكاننا أن نلحظ بوضوح أن الدين، ونقصد بالدين هنا الإسلام، كان غائباً عن الساحة الرسمية على الأقل!!

    ثمة رجال مستغربون يسيطرون على مقاليد الأمور، قد درسوا في الغالب في مدارس الغرب، ونشأووا على عينه، ينظرون إلى الإسلام نظرة (تراثية) ويكيدون له عن علم أو جهل، ويظهرون احترام بعض شعائره تأدباً أو تهذيباً.

    وسواد عام من المجتمع؛ الإسلام بالنسبة إليهم ليس قضية أساسية. فالناس مسلمون في حدود بعض الشعائر الفردية، إلى جانب قلة من أتباع المشايخ، وأصحاب الطرق، انقطعوا بالإسلام، وبأنفسهم عن الحياة والناس وكأنهم يعيشون خارج الزمان...

    إضافة إلى كل أولئك كانت الساحة الدينية تعج بالبدع المستحدثات والعادات والخرافات، كان الجهل يسيطر على الساحة العامة للمجتمع وكل هذا جعل المسلم يستحيي من إسلامه، ويداري التزامه به، أو يتوارى بشعائره.

    ولكن الساحة لم تخل قط، من رجال حملوا الإسلام بصدق وعزم، وحاولوا أن يرفعوا راياته فتشكلت نتيجة لذلك جمعيات إسلامية، تناثرت في المدن والقرى، وكان ينقصها جميعاً سلامة الرؤية، ووضوح الغاية والهدف، كما تتسم بالمحدودية والاضطراب...

    الإخوان المسلمون... النشأة

    ذلك عرض سريع لواقع سورية يوم أن قام الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله يوحد الجماعات الإسلامية المحلية تحت عنوان (الإخوان المسلمون) ويجعل لهذا التجمع ارتباطه بالتنظيم الأول في مصر على يد المؤسس الأول حسن البنا رحمه الله تعالى... كانت ذكرى (الخلافة الإسلامية) ما تزال غضة، وفكرة (الجامعة الإسلامية) ما تزال حية، ولذا فقد كان من البديهي أن يرتبط تنظيم محلي قطري، ولو أدبياً أو رسمياً بالتنظيم الأم في مصر كبرى الأقطار العربية.

    وعلينا أن نذكر أن للدكتور السباعي رحمه الله تعالى، قبل سفره إلى مصر، ولقائه بحسن البنا محاولات متعددة للنهوض بالمسلمين، وتشكيل الجماعة الإسلامية، وقد شارك في تشكيل عدة جماعات منها ما هو في حمص بلده الأصلي، ومنها ما هو في دمشق.

    وإذا كان الإمام الشهيد حسن البنا، هو مجدد القرن بحق، وهو الذي استطاع أن يبلور الأسس النظرية والعملية للجماعة الإسلامية، فإن تتلمذ السباعي على يديه، وإعطاءه البيعة له، قد اكسبا السباعي رحمه الله خبرة ورؤية وثقة بالتجربة الناجحة التي خاضها البنا.

    لقد أعطى السباعي رحمه الله البيعة للبنا على السير في طريقه، ولذا فمنذ أن عاد من مصر 1945 بعد سجن وملاحقة من الإنكليز لاشتراكه في تحركات جماعة الإخوان المسلمين بادر إلى توحيد العمل الإسلامي في سورية تحت لافتة الإخوان المسلمين.

    لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين في سورية جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والتزمت بها.. وما كان يخطر ببال البنا والسباعي وهما من هما في الوعي والفكر والحركة أن يؤسسا جماعة إقليمية محدودة!!

    لقد دعا السباعي إلى الإخوان المسلمين. فاستجابت له جمعيات كثيرة ورجال فكر وعلم ودين، فتشكلت بذلك جماعة الإخوان المسلمين في سورية التي أخذت على عاتقها إنقاذ الأمة في كل الميادين.

    الإخوان المسلمون... المفهوم العام:

    لقد كانت دعوة الإخوان المسلمين، هي (دعوة الإسلام) بالشمول والتكامل والتوازن والوضوح والدقة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابتة لدينا بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة.

    وقد تبلور هذا كله في بداية الأمر في فكر حسن البنا، الذي ترجم إلى حركة واقعية، كما تم التعبير عنه ضمن مجموعة الرسائل، إلى جانب البنيان التنظيمي الذي أقام البنا هيكل الجماعة على أساسه والذي يعتبر ظلاً مباشراً لبنيان الدولة الحديثة، المتمثل في السلطات الثلاث، مع تغيير في بعض المسميات: المكتب التنفيذي –مجلس الشورى- المحكمة العليا...

    ولا غرو أن نقول: أن فهم الإخوان المسلمين للإسلام، كان غريباً على كثير من المسلمين، ولا سيما ممثلي الإسلام الرسمي الذين ألفوا العزلة والوحدة وحب السلامة..

    ودخلت دعوة الإخوان المسلمين الساحة في سورية، فلم تجد المقاومة التي وجدتها في مصر نظراً لغياب المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر واتباعه الذين اعتبروا الحركة منافساً لهم، أو القصر ورجاله الذين رأوا في الحركة تهديداً لوجودهم وعلاقاتهم… ولكنها لم تنتشر أيضاً فيما بعد، الانتشار السريع في الأرياف والقرى كما حصل للحركة في مصر، لأسباب تتعلق بنفسية الشعبين، وطريقة تأثرهما بالخطاب الديني، وتمسكهما به.

    حركة (الإخوان المسلمون)… الامتداد الجماهيري

    يعتبر قيام حركة الإخوان المسلمين في سورية، إنجازاً ضخماً يحققه الإسلام، فوجود الحركة يعني أن الإسلام غدا قادراً على الوقوف في الساحة، متمثلاً في قالب فكري عصري، وتنظيم سياسي قوي يطرح الفكرة الإسلامية، ويدافع عنها، ويتحدى بها الأفكار والأحزاب السياسية الأخرى… في فترة راجت فيها الأفكار الحمراء أيّما رواج!!

    ويعني ثانياً: أن الإسلام، سلب الأحزاب الأخرى إمكانية المناورة عليه، أو على المسلمين، وعرّاها أمام أعين الجميع، ووضع في قفص الاتهام جميع الدعوات والأحزاب المعادية للإسلام عقيدة أو شريعة.

    وبقيام جماعة الإخوان المسلمين، وجد المسلمون، والمثقفون منهم بشكل خاص، الإطار الملائم الذي يصبون جهودهم من خلاله في سبيل نصرة الإسلام. ذلك أنه إذا وجد عدد من القادرين على العطاء، فإنه ليس بوسع هؤلاء دائماً، أو أي واحد منهم، أن يشكل الجماعة التي توظف الطاقات وتوحد الجهود.

    إلا أن الواقع التاريخي يفرض علينا أن نعترف أن حركة الأخوان المسلمين في سورية بقيت تنظيماً نخبوياً ثقافياً قوامها المثقفون، ولا سيما العاملين في سلك التعليم والأطباء والمهندسين والمحامين... وظلت قواعدها تتشكل باستمرار من طلبة المدارس والجامعات، وأكثر هؤلاء ممن ينتمون إلى الشرائح الاقتصادية المتوسطة عموماً، أو بيوتات العلم الشرعي.

    ولم يغب عن قادة الجماعة في أي مرحلة من مراحل العمل، هذه الثغرة في البنيان التنظيمي، فسارعت إلى تشكيل جهازين؛ أحدهما للعمال، والآخر للفلاحين بغية استدراك النقص، وتوجهت في خطاب خاص إلى هذه الفئات الاجتماعية إلا أن وضع نواة هذه القاعدة التنظيمية في مرحلة متأخرة نسبياً لم يتح للحركة في طور عملها أن توجد قاعدة جماهيرية منظمة عريضة تضم هذه الشرائح بشكل واسع.

    وإذا لم يكن من السهل، وضع حدود قاطعة في مراحل نمو الجماعات وتطورها التاريخي، فإننا نستطيع في هذه العجالة، أن نقف عند مراحل النمو البارز في تاريخ الدعوة… (أنظر الملاحق آخر البحث).

    إن أضخم إنجاز حققته جماعة الإخوان المسلمين، هو أنها أخرجت المسلمين من الزوايا والتكايا، وأسقطت وصاية القاصرين، والمسيئين عنه، وأكسبته مداً جماهيرياً، وأبرزته في الإطار الحضاري المتناسب مع روح العصر.

    وامتدت شعب الإخوان في كل أنحاء القطر،فتوحدت نظرة العاملين للإسلام، ومن خلال الجهد الثقافي والفكري للجماعة، من الأحداث والقضايا الساخنة على الساحة.

    وفي حديثنا عن المد الجماهيري لدعوة الإخوان المسلمين لابد أن نميز في مراحل نمو الجماعة مرحلتين أساسيتين الأولى: هي المرحلة العلنية التي امتدت من 1945-1985، على تقطع في بعض الفترات: ولقد انحسر المد الجماهيري الإخواني، بفعل عاملين اثنين…

الأول: الأوضاع الدكتاتورية، التي سادت الوطن في عدة مراحل من تاريخه، ولاسيما في عهد البعث الأخير.

والثاني: الهجمة: القومية واليسارية الحمراء، التي سادت في الخمسينيات والستينيات، 1952-1967، فحرب العدوان الثلاثي، والوحدة السورية المصرية، والموقف السوفيتي من دول المنطقة، أعطى تلك الدعوات بعداً جماهيرياً ضخماً لم يكن بإمكانية الحركة بوسائلها المحدودة أن تتصدى له…

ومع بدايات المرحلة السرية في أوائل الستينات، ظهرت بذور الانشقاق الذي حل في الجماعة والذي تكرس نهائياً في مطلع السبعينات حيث نزل أحد الفريقين ـ تنظيم حلب ـ على شروط المرشد العام في مصر، الذي تدخل لحل المشكلة، فعرف من ذلك الحين باسم جناح التنظيم العالمي، بينما أصر الجناح الآخرـ جناح دمشق ـ على مواقفه مطالباً ببقاء كل شيء على حاله لأنه يمثل الشرعية من وجهة نظره.

    ومنذ تلك الفترة، بدأت الجماعة، مسيرة جديدة، ولكنها في الحقيقة لم تقفز قفزة نوعية، في سبيل نفض ركام الخلافات الداخلية، والعفوية في الحركة.. وإن كانت قد استطاعت أن تحصل قدراً كبيراً من المنهجية والتخطيط… السابق

 

for

S&CS

للأعلى

2002 © جميع الحقوق محفوظة     

   

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |