ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حديث الرئيس بشار الأسد إلى قناة "الجزيرة" القطرية

26/4/2004م

أدلى الرئيس بشار الأسد بحديث شامل إلى قناة "الجزيرة" القطرية. وقد أجرى الحوار مراسل "الجزيرة" السيد غسان بن جدو بتاريخ 26/4/2004‏

وفيما يلي نص الحديث:‏

المذيع:‏

أولاً مرحباً بكم سيادة الرئيس وشكراً جزيلاً لكم على تلبيتكم هذه الدعوة واستضافتكم لنا في قصر الشعب في دمشق.‏

ـ الرئيس:‏

أهلاً بكم في سورية.‏

سؤال:‏

سيادة الرئيس، إذا بدأنا بالوضع العربي العام، الرأي العام، لا ينظر بإيجابية للوضع العام والقمة العربية التي أجلت أخيراً في تونس بعثت نوعاً من القنوط، ربما لم يكونوا يتوقعون كثيراً مما يحصل ولكن هذا الذي جرى. كمدخل عام، كيف ترون هذا الوضع العربي العام كقائد وكزعيم.‏

ـ الرئيس:‏

نراه من خلال رؤية الناس. أعني أننا نحن كقادة عرب طرف أساسي سواء في موضوع القمة أو القمم التي تتوج موضوع العمل العربي أو في تأثيرنا وقيادتنا للوضع العربي العام، وبالتالي تقييمكم من خلال استطلاع آراء المواطنين لا يرتبط بكل تأكيد ومنذ زمن بالأوضاع أو بسبب تأجيل القمة أو بسبب سقوط العراق فقط، هناك حالة من الإحباط واليأس التي أصابت معظم المواطنين العرب نتيجة الأوضاع السائدة. القادة العرب يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية وهذا شيء طبيعي. ليست القضية أو المشكلة في أن نصل لليأس أو لا نصل إليه. المشكلة الأهم هي هل نستسلم لليأس أم لا نستسلم. الآن هناك تياران في العالم العربي، وكلا التيارين موجود في الحكومات وموجود بين عامة الناس، في الشرائح المختلفة. التيار الأول يدعو للاستسلام لليأس وللقبول والخضوع للأمر الواقع ويستند إلى كلمة "فات الأوان". والتيار الآخر يرى أن عوامل الضعف موجودة، ولكن لدينا الإمكانية لأن نتحرك باتجاه الأمام وبأن الأوان لم يفت. التيار الأول ينظر أحياناً بشيء من النظرة المطلقة للأمور، أي الضعف العربي هو ضعف مطلق. القوة لبعض الدول العظمى هي قوة مطلقة ومن هنا تأتي كلمة "فات الأوان" أو استنادهم على هذا المصطلح. وهناك تيار آخر يرى الأمور نسبية، وأنا واحد من هذا التيار. الضعف موجود ولا نستطيع أن نعطي آمالاً بأن الوضع سيتغير بسرعة. هناك ظروف موضوعية وغير موضوعية تؤدي لهذا الشيء. هناك تراكمات عمرها عقود، تساهم في ما وصلنا إليه، ونحن نضيف عليها بممارساتنا اليومية الحالية.‏

سؤال:‏

كحكام وكمجتمع؟.‏

ـ الرئيس:‏

بالدرجة الأولى كحكام. أنا دائماً أحمّل الحكام، خاصة وأنني واحد منهم. طبعاً أية قيادة وأي قائد وأية حكومة تمثل المجتمع بشكل أو بآخر ويدعمها المجتمع، يدفعها للأمام أو يشدها للخلف أو بالعكس، العلاقة تبادلية. لا نستطيع أن نقول "حكم من دون مجتمع". دائماً هناك ربط. ما هي النسبة؟ هذا الكلام نظري. خمسون أربعون بالمائة هذا كلام نظري. المهم ان القسم الأكبر من هذه المسؤولية يتحملها القادة.‏

أنا لا أعتقد بأن الأوان قد فات، وإلا لو كنا آمنا بالشيء المطلق بأن الضعف مطلق، لكنا الآن غير موجودين لا مادياً ولا ثقافياً. نستطيع أن نتحرك. نحن بحاجة لبعض الإرادة، لبعض الصبر، ولا أقول لكل الإرادة. الآن، ببعض الإرادة وبعض الصبر وبعض الجدية نستطيع أن نقلع.‏

سؤال:‏

عفواً. لماذا تقولون ليس حتى كل الإرادة، حتى الإرادة تحتاج الآن أن نصبر على أن تكون للقادة إرادة كاملة؟.‏

ـ الرئيس:‏

لكي أعطي الأمل، أريد أن أقول اننا بقليل من الإرادة نستطيع أن نقلع. طبعاً إذا كنا نستطيع أن نضع كل الإرادة وكل الجدية فهذا شيء ممتاز. لكن أنا أقول بشيء من الإرادة أقصد أن الضعف الذي نراه، ليس لأنه توجد إرادة ولكنها غير كافية. أحياناً لا توجد إرادة ولذلك أقول بقليل من الإرادة نستطيع أن نحقق شيئاً بسيطاً على الأقل. ما هو الشيء البسيط؟ هل هو أن نحسن الوضع العربي؟ بمعنى لو افترضنا ان الوضع العربي أيضاً رقم نظري ـ هو عشرة بالمئة، هل نستطيع أن نجعله خمسة عشر بالمئة؟ لا، ربما العام المقبل سيكون خمسة بالمئة. فعلى الأقل فلنحافظ على العشرة. إذا كانت الأمور لابد ستتراجع فليكن تراجعاً بالحد الأدنى. أما أن نترك الأمور تسير بالدفع الخلفي للوراء ولا نتحرك فمن المستحيل أن تكون هناك إرادة وجدية ونحن نرى الأمور تسير بهذا الاتجاه مهما تكن الظروف الخارجية.‏

سؤال:‏

سيدي الرئيس، حتى ندخل في التفاصيل، عندما نتحدث عن هذا الوضع، على الأقل لعلكم معنا أن الساحتين الأكثر سخونة الآن في المنطقة العربية هما الساحتان الفلسطينية والعراقية. لنبدأ من الساحة الفلسطينية. الآن الوضع ملتهب جداً، رئيس الوزراء الإسرائيلي حصل على وعد كبير من قبل الرئيس بوش في زيارته الأخيرة لواشنطن. ثمة الآن تهديد بإيذاء الرئيس عرفات، اغتيال قادة حركة حماس. كيف تنظرون إلى هذا الوضع الفلسطيني الملتهب الآن؟‏

ـ الرئيس:‏

أولاً ما الفرق بين الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل وفي مقدمتها اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي ومجازر صبرا وشاتيلا؟ نفذها نفس الشخص مع فرق الزمن. ما الفرق بين مجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة دير ياسين وغيرها من المجازر التي حصلت في 1948 وقبل 1948؟ أنظر إليها كأنها هي حالة مستمرة، لا شيء جديد. كيف أعبر عن هذا الشيء؟ أقول هذه هي إسرائيل تعبر عن نفسها. هي لا تعبر عن نفسها بالكلام، لا تتحدث عن حرية الكلام، تتحدث عن حرية القتل. هذه ديمقراطية بالنسبة لإسرائيل. يقولون إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. صحيح من ناحية القتل هي حرة، تمارس حرية القتل. هذه هي الصورة الطبيعية. لا نتوقع شيئاً آخر. لكن الغريب أن نبقى متفاجئين دائماً في كل حالة، وهي حالة مستمرة كما قلت. نقول لماذا حصل ذلك أو هناك شيء جديد، اغتيال شخص. الاختلاف هو الأسماء، الأعداد، الأسماء العربية والأسماء الإسرائيلية، لكن المبدأ هو واحد والمنهج هو واحد.‏

السؤال الأهم ما هو دورنا؟ إذا كنا نريد أن نحمّل إسرائيل الجزء الأكبر والولايات المتحدة جزءاً أقل والغرب بشكل عام ودول أوروبا والقوى العظمى الأخرى جزءاً آخر، فهل نحمّل أنفسنا مسؤولية ما يحصل؟ بكل تأكيد علينا أن نبحث عن مسؤوليتنا.‏

سؤال:‏

أين مسؤوليتنا؟.‏

ـ الرئيس:‏

الصمت، عدم الفاعلية، عدم معالجة التراكمات التي تحدثت عنها قبل قليل، الالتهاء بالقضايا الثانوية على حساب القضايا الأساسية، عدم وجود منهجية، عدم وجود تعاون، إذا أردت أن أعد وأحصي لا أذكرها الآن فهي كثيرة.‏

سؤال:‏

فيما يتعلق بوعد الرئيس الأميركي جورج بوش إلى شارون، الأخير في واشنطن نود أن نعرف موقفكم منه بشكل دقيق، سيادة الرئيس.‏

ـ الرئيس:‏

أنا قرأت الكثير من المصطلحات. البعض أسماه بلفور اثنين. الآن واحد أو اثنين أو ثلاثة لا يهم. كل عمل تقوم به الولايات المتحدة منذ وجود إسرائيل وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة وأكثر بقليل نستطيع أن نسميها كلها بلفور بالممارسة. الفرق الآن هو الإعلان. هم أعلنوا عن هذا الشيء لكن هل كنا نتوقع بأن الولايات المتحدة ستسير مع الفلسطينيين؟ أيضاً هذا السؤال هو جزء من السؤال الذي سبقه. أين هي مسؤوليتنا؟ لماذا نطالب الدول الأخرى بأن تأخذ مواقف أخلاقية بينما لديها مصالح؟ كثير منهم يقولون نحن معكم لكن أنتم لا تتحركون داخلياً في الساحة الأميركية، هي ساحة مفتوحة. هناك لوبي إسرائيلي يتحرك لكن لا يوجد لوبي عربي، فأيضاً لا يكفي أن ننظر ونقول بلفور اثنين وأن نشتم وأن نندب، ماذا سنفعل؟ أين هو الخطأ؟ لماذا وصلنا إلى هنا؟ كيف سنتحرك باتجاه المستقبل.‏

سؤال:‏

لكن الداخل الفلسطيني اعتبره أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية في هذه اللحظة بالتحديد سيما وأن الهجوم الشاروني مستمر بشكل كبير، جدار الفصل العنصري. فهذا امتياز كبير قدمته الإدارة الأميركية؟.‏

ـ الرئيس:‏

صحيح، لذلك أنا لا أختلف مع هذه الطروحات. كل واحد يراها بمقدار من الخطورة لاشك بأنه خطير لكن أنا لا أريد أن أتوقف عند تقييمه، أنا أريد أن أقول لو أننا نظرنا بنظرة مستقبلية منذ سنوات لرأيناه حاصلاً لكنه كان بحاجة لظرف مناسب ولفرصة مناسبة، هذا هو الفرق. أنا أقصد ألا نتوقف عند التقييم. دعونا نطرح حلولاً، هذا هو المطلوب.‏

سؤال:‏

قبل مدة، سيادة الرئيس، أعلنتم مبادرة، أو لنقل إعلاناً إن صح التعبير، باستعدادكم لاستئناف المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية. الحكومة الإسرائيلية لم تتجاوب مع هذا الأمر، بل بالعكس، ربما وجدنا بعض التحديات وربما بعض التهديدات. هل أنتم مازلتم مستعدين لاستئناف المفاوضات مع حكومة آرييل شارون؟.‏

ـ الرئيس:‏

أريد أن أعلّق على كلمة مبادرة، طُرح كثيراً بأنها المبادرة السورية. أنا لم أطرح أية مبادرة، كل ما قلته هو الموقف السوري المكرر في كل مناسبة. نحن في كل خطاب سياسي سواء كان خطاباً رسمياً أو مقابلة صحفية أو لقاء مع مسؤولين من أية جنسية وخاصة الأجانب، نؤكد على استعدادنا دائماً للسلام بمعزل عن تسميات الأشخاص في إسرائيل لأن لدينا منهجية واضحة. هناك حق ثابت، وهناك قرارات مجلس أمن، وهناك آلية واضحة. فنحن نقول دائماً اننا مستعدون للتفاوض عندما تكون الظروف مناسبة في إسرائيل، فأنا لم أطرح أية مبادرة لكن طرحتها في لقائي مع صحيفة "نيويورك تايمز". وقد اعتُبرت مبادرة بالنسبة للأمريكيين لأنهم لا يعرفون اننا نطرح سلاماً، أي طروحات سلمية، فاعتبرت مبادرة وكأننا نحن دائماً صامتون أو لا نتحدث سوى بالحرب أو القتل أو العنف وفجأة طرحنا السلام، فاعتبرت مبادرة. وهذا يدل تماماً على الغياب، غيابنا عن الساحة الأميركية السياسية. لكن نحن دائماً نقول بمعزل عمن يوجد في إسرائيل، نحن لدينا حقوق، والحقيقة بالنسبة لنا لا نفرق كثيراً بين الأسماء. هذا الكلام معروف قبل مجيء شارون. يقولون أن رئيس الحكومة هذا المعيّن حديثاً هو أفضل من الذي سبقه، ونحن دائماً نقول كلهم مثل بعضهم البعض، الشكل يختلف. البعض يقتل العرب والفلسطينيين ويدّعي بأنه رسول سلام، والآخر يقتل ويدعي بأنه رسول حرب، لكن بالممارسة كلهم متشابهون.‏

سؤال:‏

ومع ذلك إذا كان لحكومة شارون الآن استعداد لاستئناف المفاوضات فدمشق مستعدة؟.‏

ـ الرئيس:‏

كما قلت، الكل متشابهون بالنسبة لنا في إسرائيل.‏

سؤال:‏

هناك ما يشبه التحذيرات، لو صح التعبير. أي ان إسرائيل تعتبركم غير متعاونين بالقدر الكافي، كما يقول شارون، سيما على خلفية الموقف من حزب الله والمنظمات الفلسطينية المعارضة التي تنتهج خيار المقاومة والتي بعضها موجود هنا في دمشق حتى وإن كان لا ينشط بشكل علني ورسمي. ماذا تقولون، سيادة الرئيس، في هاتين النقطتين؟.‏

ـ الرئيس:‏

هم يريدون أن نتعاون معهم ربما في القضاء على القضية الفلسطينية كلها، وربما القضية السورية، أي قضية الجولان. يريدوننا أن نكون ربما شركاء لهم في قتل الفلسطينيين. لماذا نتعاون؟. هناك قضية واضحة، نحن لا نغير موقفنا منها منذ عقود وهي لن تتغير. هذا الكلام مجرد بالونات سياسية لا قيمة لها.‏

سؤال:‏

سيادة الرئيس، خيار المقاومة مطروح الآن في المنطقة ولاسيما في الساحة الفلسطينية. بشكل صريح وكقائد عربي، هل تعتقدون بأنه خيار مجدٍ ومثمر يمكن أن يحقق نتائج ملموسة على الأرض؟ أم تعتقدون بأن اختلال موازين القوى يدفع هؤلاء باتجاه خيار ما يسمى بالخيار الواقعي والسلمي والمفاوضات؟.‏

ـ الرئيس:‏

أولاً الفلسطينيون جربوا كل الخيارات منذ 1948 وحتى اليوم، هم لا يسيرون في اتجاه واحد، هناك تيارات. وفي كل مرة كان الشعب الفلسطيني يجرب تياراً من التيارات ويدعمه، والدليل دعمه لأوسلو، ومن ثم الانتفاضة التي نعتبرها نحن انتفاضة على أوسلو. لكي لا نقول بأنه اجتهاد، أو نظرة للمستقبل، لن نتحدث في التوقعات المستقبلية. علينا أن نتحدث بالواقع ونستطيع أن نأخذ تجارب مشابهة، لكن أريد أن أؤكد على نقطة.‏

سؤال:‏

لكن على الأقل، عفواً سيادة الرئيس، هل هو مشروع خيار المقاومة؟‏

ـ الرئيس:‏

سأصل إليها، سأبدأ من موازين القوى لأصل إلى كلمة مشروع. بالنسبة لموازين القوى لا توجد مقاومة عبر التاريخ حسمت ميزان القوى خاصة من الناحية العسكرية، لأنها ليست قوى عسكرية. المقاومة لا تكون جيشاً، المقاومة هي حالة شعبية. ومن هنا نصل إلى أنه بما أن المقاومة هي حالة شعبية، فهي حالة مشروعة، وأي شيء شعبي هو مشروع. هي ليست حالة شاذة، هي ليست حالة لا تعبر عن المواطن الفلسطيني، وطالما أنها تعبر عن المواطن الفلسطيني فهي حالة مشروعة.‏

لو كانت حالة شاذة مرتبطة ببضعة أشخاص، والشعب الفلسطيني يرفضها، فعندها لا تكون مشروعة. وهنا أصل لنقطة مهمة: نحن لا يحق لنا أن نقيّم شرعيتها أم لا. المواطن الفلسطيني هو الذي يقيّمها. هي حالة داخلية نحن يحق لنا فقط أن نقف معها عندما يرغب الشعب الفلسطيني. أما أن نقول انها مشروعة وغير مشروعة، فهذا الكلام هو بحد ذاته غير مشروع. لكن أريد أن أكمل تتمة السؤال: هل هي مجدية أم لا. كما قلت، لن أتحدث عن المستقبل لكن هذا الكلام كان يقال للبنانيين في الثمانينيات. بالحرف الواحد كان يقال أن ما تقوم به المقاومة اللبنانية "هو كخرمشة القط"، يعني تزعج لكنها لا تؤثر. لكن في النتيجة وفي المحصلة، كانت مؤثرة وكان من نتائجها تحرير الأراضي اللبنانية ولم يبق سوى مزارع شبعا. فإذا أردنا أن نتحدث، انها مجدية على الساحة الفلسطينية، مع اختلاف الظروف بين المقاومتين، لكن هناك تجارب عديدة. أنا أتحدث فقط عن التجربة اللبنانية كتجربة حديثة نتائجها حصدناها أو حصدها اللبنانيون في أيار 2000. فأنا أخذت آخر تجربة. لو عدنا لتجارب أخرى نرى أن هذا الشيء قد تحقق.‏

سؤال:‏

أشرتم أنه إذا طلب منا فنحن ندعم هكذا خيارات. سيدي الرئيس، حقيقة رغم أن سورية دولة مجاورة لإسرائيل، رغم أنها معنية بهذا بشكل عام، ثمة من يلاحظ انه فيما يتعلق بالتطورات الفلسطينية، الدولتان الأساسيتان اللتان تتحركان هما مصر والأردن. في هذا الملف، أين الدور السوري؟ كأنه غائب؟.‏

ـ الرئيس:‏

لأوضح ماذا تعني كلمة دور، وكيف ننظر لكلمة دور. أي دور يجب أن ينشأ من ظروف موضوعية وألا يتحول لحركة بهلوانية أو بالونات جزء منها إعلامي، جزء منها مسرحي. الظروف الموضوعية التي تحدد دور أية دولة أو شعب بالنسبة إلى قضية ترتبط بدولة أخرى أو شعب آخر، هي ظروف يجب أن تكون جغرافية، سياسية، تاريخية، ثقافية وتربوية.. الخ. هل هذه الظروف متوفرة لدى هذه الدول، سورية ومصر والأردن؟ نعم متوفرة. أولاً القضية الفلسطينية تجمع العرب كلهم معنوياً. فإذاً الدور العربي بشكل عام بالنسبة للقضية الفلسطينية موجود من الناحية المعنوية. مصر لها تماس مباشر مع غزة. الأردن له تماس مباشر مع الضفة الغربية، وبالتالي هناك تفاعل يومي وبالتفاصيل مع وضع الشعب الفلسطيني، فهذا الدور، الظروف الموضوعية متوفرة له، ومتوفر لسورية من جانب آخر. ورغم أنه لا توجد حدود مباشرة لكن، هناك ترابط مصيري كبير جداً بين القضيتين. إن قلنا القضية السورية والقضية الفلسطينية، إن قلناها بهذه الصيغة، فحل الموضوع السوري، أي موضوع الجولان من خلال مفاوضات سلام، سيؤثر بشكل مباشر على نتيجة المسار الفلسطيني، والعكس صحيح. عندما يكون هناك حل لقضية السلام على الاتجاه الفلسطيني ما هو مصير نصف مليون فلسطيني موجود في سورية؟ ما هو مصير نصف مليون فلسطيني أو ربما أقل موجودين في لبنان، خاصة أن المسارين السوري واللبناني متوازيان أو مترابطان. فإذاً سيكون هناك تأثير مباشر، بالإضافة إلى أن المواطن السوري يعيش القضية الفلسطينية من خلال وجود نصف مليون فلسطيني مندمجين في المجتمع السوري يومياً. فنحن نعيش الوضع الفلسطيني من خلال هؤلاء. الآن الجانب الآخر الذي يلجم هذا الدور هو الخلاف الموجود مع القيادة الفلسطينية. الخلاف مرّ بمرحلتين: مرحلة ما بعد خروج المقاومة من لبنان عام 1982 ومرحلة ما بعد انطلاق عملية السلام وحتى اليوم نحن مختلفون سياسياً إلى حد كبير، وكبير جداً، ولكن مع ذلك طبعاً نحن نقف مع الرئيس عرفات وهناك اتصالات مع الرئيس عرفات لأن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان أن تحاصراه كنتيجة لبعض المواقف التي لم ترضهم بدءاً من كامب ديفيد عام 2000 وحتى اليوم، فنحن وقفنا معه في هذا الاتجاه. هذه هي صورة الدور السوري. طبعاً هناك تواصل مع القوى الفلسطينية أكثر من قبل لكن مازلنا في اتجاه سياسي يختلف.‏

سؤال:‏

مع ذلك، سيادة الرئيس، تجزمون الآن بأنكم تقفون إلى جانب الرئيس عرفات، خاصة وأنه يتعرض إلى حصار. ولكن هناك من يعتبر بأن بوادر المصالحة، لو صح التعبير، بين بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة كفتح الانتفاضة، والقيادة العامة، كأن سورية هي التي تقف وراء هذه المصالحة سيما وأن هذه القوى موجودة في دمشق.‏

ـ الرئيس:‏

نحن لا نقف ضد أشخاص ولا ندعم أشخاصاً، لا نقف ضد الرئيس عرفات ولسنا مع الرئيس عرفات. كأشخاص، نحن لدينا منهجية وهي تتعامل مع المنهجيات. نحن ضد نهج الانفراد، ضد نهج أوسلو وبأية تسمية سمّها. وقفنا مع الرئيس عرفات لأنه كانت هناك طريقة غير مقبولة بالتدخل. يريدون أن يقيلوا رئيساً ويضعوا رئيساً ومن هذا الكلام. هو تدخل في الشؤون الداخلية. وقد وقفنا معه انطلاقاً من هذا الشيء وقلنا له ربما نختلف معه، لكن هو يمثل حالة تاريخية نحن لا ننكر هذا الشيء. وقفنا ضده لكنه أخذ بعض المواقف التي لم ترضِ الإسرائيليين والتي فيها شيء كبير من التنازل. وقفنا معه ربما لأنه لم يقف ضد انتفاضة الشعب الفلسطيني المشروعة لأسباب كثيرة، فنحن إذاً نقف مع النهج، لا يعني هذا الشيء بأننا نوافق على النهج السياسي الذي بدأه ومازال مستمراً الآن. هذه طريقتنا.‏

سؤال:‏

لكن عفواً، سيادة الرئيس، فيما يتعلق بهذه المصالحة الآن بين هذه القوى والسلطة هل سورية تدعمها، هل تعتبرونها شيئاً إيجابياً؟.‏

ـ الرئيس:‏

نحن لا نتدخل في التفاصيل، أن ندخل في الخلافات هذا موضوع داخلي فلسطيني، لكن نحن نقول لهم دائماً توافقوا لأن عدوكم واحد. أُكل الثور الأبيض عندما أُكل الثور الأسود. فعدوكم واحد، قفوا مع بعضكم البعض بمعزل عن أي خلافات أو اختلافات بينكم.‏

سؤال:‏

طالما نتحدث عن هذه الفصائل، سيادة الرئيس، انكم تعلمون جيداً أن هناك الآن تهديدات آرييل شارون لقادة بعض الفصائل الفلسطينية علنياً وبوضوح، حتى الأسماء والصور موجودة على صفحات الصحف الإسرائيلية، سواء قيادات في الداخل أو قيادات في الخارج، بعضها موجود في دمشق. كيف تنظرون لهذه التهديدات باغتيال هؤلاء القادة لاسيما الموجودون في دمشق؟ أكان من حركتي حماس أو الجهاد.‏

ـ الرئيس:‏

أي تهديد من قبل إسرائيل متوقع، وهي ليست المرة الأولى، هم دائماً يهددون وحتى لو لم تهدد إسرائيل فالتهديد بحد ذاته موجود. لا أحد يثق بإسرائيل. إسرائيل بنيت على القتل والاغتيالات والتدمير، إلخ.. فهذه منهجية إسرائيل. لا نتوقف عند تهديد بالتعامل مع ما تطرحه إسرائيل، التهديد موجود منذ وجدت إسرائيل فهي أيضاً حالة مستمرة.‏

سؤال:‏

لكن ماذا لو فعلت ذلك؟.‏

- السيد الرئيس:‏

الاعتداء يعامَل كاعتداء.‏

سؤال:‏

سيادة الرئيس، إذا دخلنا في الملف الثاني بالغ الحساسية في المنطقة وهو الملف العراقي. أولاً بعد عام على الاحتلال الأميركي للعراق، كيف تنظرون لهذه التطورات العراقية؟ سقط نظام صدام حسين. هناك احتلال أميركي، بعبارة أخرى، أنتم دولة مجاورة ومعنية بشكل كبير بالوضع العراقي. كيف تنظرون لهذا الملف العراقي بعد عام من الاحتلال؟.‏

ـ الرئيس:‏

كما نظرنا قبل الاحتلال بنفس الطريقة وقد عبرنا عن هذه النظرة في مناسبات مختلفة كان آخرها في القمة العربية التي انعقدت في شرم الشيخ قبل الغزو بأسابيع قليلة. أقول بشكل واضح وقلت في مقابلات صحفية عديدة، حتى خلال الحرب، بأن ما سيحصل بالنسبة للأميركيين هو انهم سيغرقون في مستنقع بالنسبة لقوى الاحتلال بشكل عام وليس فقط الأميركيين. بالنسبة للعراقيين سيدفعون ثمناً أقسى بكثير مما كانوا يدفعونه في العقود الماضية. بالنسبة لنا كدول مجاورة سندفع ثمناً مباشراً ونتأثر بما يحصل في العراق. بالنسبة للوضع العربي سيكون وضعاً أسوأ. هذا ما قلته ورأيته في ذلك الوقت، وهذا ما نراه اليوم وربما بشكل مضخم أكثر مما رأيناه. الواقع أتى أكثر ضخامة.‏

سؤال:‏

أكثر مما توقعتموه؟.‏

ـ الرئيس:‏

أكثر مما توقعناه بالحجم وبالسرعة الزمنية.‏

سؤال:‏

بمعنى؟.‏

ـ الرئيس:‏

بمعنى أن عدم الاستقرار والمعاناة العراقية والمعاناة لدول الجوار أتت بتأثيراتها أسرع بالزمن، ربما حصل خلال أشهر ما كان متوقعاً حصوله خلال ثلاث أو أربع سنوات.‏

سؤال:‏

لكن كيف ترون الأداء الأميركي بشكل عام في العراق؟.‏

ـ الرئيس:‏

كل شيء ما عدا ما يقوله الأميركيون.‏

سؤال:‏

بمعنى؟.‏

ـ الرئيس:‏

بمعنى كل شيء ما عدا تحرير العراق، ما عدا الديمقراطية، ما عدا تحسين الوضع المعاشي، ما عدا الازدهار. كل شيء ما عدا هذه المصطلحات التي يطرحونها. تستطيع أن تستخدم أي مصطلح آخر ما عدا هذه المصطلحات المستثناة من الأداء الأميركي.‏

سؤال:‏

إذاً هو احتلال. وكأن أمريكا فشلت في العراق حتى هذه اللحظة؟.‏

ـ الرئيس:‏

طبعاً بكل تأكيد هم يقولون أنه احتلال وهم يعبرون مؤخراً بشكل أو بآخر عن الفشل ربما بكلام غير مباشر لكن بأداء سياسي وأداء ميداني يعبرون عن الفشل. لاشك في انهم فشلوا. لا حاجة للتحليل، ماذا طُرح؟ وما هي النتيجة الآن؟ هل الشعب العراقي مزدهر؟ هل الخدمات أفضل؟ هل الأمن متوفر؟ ما الذي تغير؟ قارن. هذا شيء بديهي واضح لا حاجة لنقاش وتحليل.‏

سؤال:‏

بمعزل عن الاحتلال وبمعزل عن أمريكا، سيادة الرئيس، هناك من يعتبر بأن سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين إنما هو سقوط لنظام الحكم القومي العربي، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك. القومية العربية بمعناها السياسي انتهت وماتت؟.‏

ـ الرئيس:‏

علينا ألا نحمّل القومية العربية أخطاء نظام أو شخص، وإلا فإننا نظلمها. وألا نحمّلها عدوانية دولة، فأيضاً نحن نظلمها. هي لا ترتبط لا بالأولى ولا بالثانية.‏

القومية العربية لها عوامل الجغرافيا والتاريخ واللغة والدين والمصالح المشتركة والهموم المشتركة والعواطف، الخ. هل ما تزال هذه العناصر موجودة؟ نعم موجودة بكل تأكيد، وإلا لماذا نرى هناك تعاطفاً في أقصى العالم العربي مع ما يحصل في العراق وفي فلسطين؟ فهناك فرق بين القومية العربية كفكرة وبين الممارسة القومية. الممارسة القومية شيء آخر، الممارسة القومية نحن نضربها بشكل مستمر. ربما بعد عام 1973 لا توجد ممارسة قومية بالمعنى الفعلي، بالأخطاء الكثيرة الموجودة، حرب العراق وايران هي ضرب العمل القومي ووقوف العرب مع هذه الحرب بشكل مادي ومعنوي ضرب العمل القومي. كنتيجة لهذه الحرب، كنتيجة ربما غير مباشرة أو مباشرة لا يهم، أتت عملية غزو الكويت، ضرب آخر للعمل القومي، لكنها نتيجة للحالة الأولى.‏

غزو العراق أتى مباشرة لغزو الكويت. أيضاً ضربة أخرى للعمل القومي لكن هناك محطات أخرى، الانفراد، الفشل في عملية السلام، محطات كثيرة يُضرب بها العمل القومي. لكن العمل القومي أيضاً ضُرِبَ في خلال فترة الاستعمار في القرن الماضي في الفترات التي سبقت تلك المرحلة، ومن ثم عاد. لا أقول عاد. بقيت القومية العربية موجودة خلال تلك الفترة. وأنا أفرق بين القومية كفكرة أو كعناصر، وبين ممارسة العمل القومي.‏

سؤال:‏

والنظام السياسي القومي لا يزال قابلاً للحياة برأيكم؟.‏

ـ الرئيس:‏

أنا أقول فكرة. النظام السياسي ربما يربطها البعض بحكومات. إذا أردنا أن نربطها بحكومات يجب أن نربطها مباشرة بالممارسة، لذلك أقول بالممارسة نحن لا نمارس عملاً قومياً سليماً إلا ربما بعض العناوين وببعض الشكليات حتى عندما تعقد قمة، ولا نتفق. أين هي ممارسة العمل القومي. العمل القومي هو عمل توحيدي، توحيدي ليس بمعنى الوحدة العربية، أقصد توحيدي بالمصالح، توحيدي بالاقتصاد، بالفكر، بأشياء كثيرة، بعناصر مختلفة موجودة على المجتمعات في الساحة العربية، داخل المجتمعات العربية.‏

سؤال:‏

هذه صراحة جريئة، سيادة الرئيس، وأنتم نظام قومي عربي هنا في سورية.‏

ـ الرئيس:‏

نعم لكن هذا هو الواقع.‏

سؤال:‏

إذا بقينا في الملف العراقي هذه العمليات المسلحة التي تستهدف القوات الأميركية أو مواقع أخرى. هل تعتبرونها مقاومة، تسمونها مقاومة؟ ثم ماذا تقولون في هذا الامتداد الذي حصل؟ إن كان فيما يسمى بالمثلث السني الآن امتد إلى بعض المناطق ذات الكثافة الشيعية. هل ترون هذه مقاومة أم ماذا؟.‏

ـ الرئيس:‏

أستطيع أن أقول أن الجواب يأتي ضمن السؤال ويرتبط بالسؤال المرتبط بالمقاومة الفلسطينية. أنا قلت في المقاومة الفلسطينية إذا كانت شعبية فهي مشروعة وعندما يسميها الشعب الفلسطيني مقاومة فهذا يعني أنها مقاومة. لا يحق لنا وللآخرين أن نسميها أية تسمية أخرى. لأن الدعم الشعبي هو الذي يسميها مقاومة أو يدفع هذه المقاومة. لو أردنا أن نجد تسمية أخرى لها ماذا نستطيع أن نقول؟ هل من المعقول أن كل هؤلاء، مئات الألوف والملايين الذين يقاومون الاحتلال بأشكال مختلفة، ليس بالضرورة فقط المقاومة العسكرية، هم كلهم قاعدة، كما يقال، ولا نعرف إن كان هناك شيء اسمه القاعدة في كل الأحوال؟ أم انهم كلهم أنصار نظام صدام حسين كما يقولون؟ فإذاً النظام السابق كان شعبياً. فلماذا قلتم أنتم أنكم أتيتم كي تحرروا الشعب العراقي من صدام حسين؟ فإذاً كل هذه الطروحات التي تطرح بمعزل عن الطروحات الشعبية في العراق هي غير صحيحة. نعم بكل تأكيد. ما حصل شعبياً يعطي شرعية للمقاومة، ويؤكد بأن ما يحصل ـ الجزء الأكبر منه ـ مقاومة. أيضاً لأن العراقيين هناك جزء من الأعمال التي تقتل المدنيين هم لا يوافقون عليها. ما علاقة قتل المدنيين بالمقاومة؟ فأنا أفرّق. لكن أنت تتحدث الآن عن المقاومة التي تأتي ضد قوى الاحتلال. طبعاً تسمى كذلك.‏

سؤال:‏

والعمليات العسكرية الأخرى التي لا تستهدف قوات الاحتلال، يعني استهدفت قوات الأمم المتحدة، والمدنيين؟.‏

ـ الرئيس:‏

كما قلت، هذه لا يوافق عليها الشعب العراقي، ونحن أدنّا هذه العمليات.‏

سؤال:‏

من الواضح، سيادة الرئيس، أنكم تعترفون بمجلس الحكم الانتقالي بدليل أنكم استقبلتم رموزه. الآن الوضع على وشك أن يتغير، يفترض أن يشرع قانون لإدارة الدولة المؤقت، وإعادة ما يسمى بالسيادة للعراقيين. كيف تنظرون لهذا الأمر، وهل ستقبلون بهذا المشروع في القمة العربية المقبلة؟.‏

ـ الرئيس:‏

لنحدد معنى كلمة اعتراف. هناك اعتراف بواقع، وهناك اعتراف بشرعية، فأي واحدة تقصد تماماً لكي يكون الجواب دقيقاً؟ الاعتراف بشرعية المجلس.‏

سؤال:‏

أنتم تعاملتهم مع مجلس الحكم الانتقالي. هل هو اعتراف رسمي بمشروعيته أم اعتراف به كأمر واقع؟.‏

ـ الرئيس:‏

الثانية، نحن نعترف بمجلس الحكم كأمر واقع لأنه أمر واقع، وما سأقوله الآن لك هو نفس الشيء الذي قلته حرفياً لأعضاء مجلس الحكم الذين زاروا سورية وعاتبوا سورية لماذا لم تعلن اعترافها بمجلس الحكم، فقلنا نحن: هناك منهج وموقف، بالموقف نحن لا يوجد لدينا موقف من مجلس الحكم. البعض منهم عاش في سورية لعقود ولدينا علاقات خاصة معه، لكن هذا يختلف عن المنهج. بالمنهج لا يحق لنا أن نعطي الشرعية لكم. هذا ما قلته لهم. هذا موضوع داخلي عراقي لا يحق لقمة عربية أن تعطي شرعية، لا يحق لدول الجوار أن تعطي شرعية إذا اجتمعت، لا يحق للأمم المتحدة أن تعطي شرعية. إن لم تأخذوا الشرعية من الشعب العراقي لا قيمة لأية شرعية يعطيها الآخرون. فنحن نتعامل معهم كأمر واقع طبيعي نتيجة ظروف الاحتلال. أما التقييم فهو تقييم عراقي. هذا بالنسبة لي، موقفنا من مجلس الحكم، فنحن فعلاً نتعامل معهم كأمر واقع. بالنسبة لقانون الإدارة أو الدستور المؤقت، أولاً اسمه دستور مؤقت. لا نستطيع أن نقيّم دستوراً مؤقتاً. ما نقيّمه هو دستور دائم. المبدأ بالنسبة للدستور، أي دستور أو أسوأ دستور في العالم هو جيد عندما يتفق عليه الشعب العراقي، وأفضل دستور في العالم هو سيء إذا اختلف عليه الشعب العراقي، لأن هذا الدستور سيحدد مصير العراق ووحدة العراق خاصة إذا كان هناك خلاف حول هذا الدستور الدائم، لذلك أنا لا أعلّق على المؤقت، سيعني أو يعني بذور حرب أهلية في المستقبل، فلذلك من المهم جداً لدعم أي دستور أن يكون يعبر، ربما من خلال الانتخاب أو أية آلية يختارها العراقيون، عن تطلعات الشعب العراقي. الآن ننتقل هنا من دعم الدستور إلى الاعتراف بشرعية الدستور. ماذا سيكون موقفنا نحن سواء كدولة مجاورة كسورية أو كقمة عربية، لا أعتقد بأن من مهام القمم العربية أن تجتمع لتتحدث بشأن داخلي لدولة ما. في كل العالم عندما يصاغ الدستور يطرح على المواطنين، ويقوم المواطنون بالتصويت على هذا الدستور. كيف نفسر أو أين هي المنطقية في أن نطرح دستوراً عراقياً على قمة عربية ونقوم نحن كقادة عرب بالتصويت عليه؟ أين هو المنطق؟ علينا أن لا نستغرب في المستقبل أن نحوّل كرؤساء وملوك، القوانين والمراسيم إلى القمم العربية بدل أن نحولها لمجالس النواب. وهذا الكلام غير منطقي. ليست مهمة القمة العربية أن تتدخل في شأن داخلي. من يريد شرعية لدستوره عليه أن يعود لشعبه.‏

سؤال:‏

لكن، سيادة الرئيس، الملف العراقي ملف ساخن الآن، وربما الآن العراقيون بحاجة إلى مدد عربي بدل أن يبقوا فقط تحت رحمة الاحتلال الأميركي، ومن ثم جانب كبير من الرأي العام العراقي يقول نحن في انتظار مواقف واضحة من قبل القادة العرب، من قبل القمة العربية، من قبل الشعوب العربية، حتى لا نفقد عروبتنا نحن كعراقيين.‏

ـ الرئيس:‏

المواقف الشعبية واضحة، نراها بالمظاهرات التي تخرج من وقت لآخر تعبر عن دعمها للشعب العراقي حتى لا يوجد تناقض بين توجهات تلك المظاهرات أو المواطنين والتي تعبر عن المواطنين بشكل عام. أما نحن كحكومات فلا نستطيع أن نخرج عن الرأي العام أولاً في العراق، الرأي العام الشعبي نحن لا نحل محل الشعب العراقي، هذا شيء يجب أن يكون من الثوابت بالنسبة لنا لا يجوز لنا أن نتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، ندعم العراقيين بالشكل الذي يرونه، وعندما توجد جهة تمثل تلك القوى العراقية المختلفة أو الشعب العراقي نتعامل معها.‏

سؤال:‏

طبعاً الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تتهمكم بأنكم تتدخلون في الشؤون الداخلية للشعب العراقي، بدليل أنكم تسمحون لمن يسمونهم بالمتسللين أن يدخلوا من الأراضي السورية ليشاركوا في العمليات الموصوفة بأنها قتالية إرهابية.‏

ـ الرئيس:‏

هذا الموضوع طرح مباشرة بعد احتلال العراق، وطرح معي بشكل مباشر من قبل عدد من المسؤولين الأميركيين وبعض الأوروبيين، وكنا دائماً نقول لهم ـ حتى انني قلت هذا الكلام لبعض أعضاء مجلس الحكم ـ بما أنكم تقولون أن هناك أشخاصاً يدخلون إلى العراق من سورية فأنتم تعرفون من هم أو ألقيتم القبض على عدد منهم. ما هي أسماؤهم، ما هي جوازات سفرهم؟ هل هي سوريّة؟ هل هي مزورة؟ أعطونا بعض الأسماء، قولوا لنا كيف دخلوا، حققوا معهم. حتى الآن لا توجد أية معلومات.‏

سؤال:‏

ولا حتى معلومات سرية، سيادة الرئيس؟.‏

ـ الرئيس:‏

ولا شيء، لا أمنياً ولا سياسياً ولا شيء. قلنا لهم بأية قناة؟ أعطونا معلومة واحدة لسبب بسيط، لأن هذا تهريب. يعني أن هناك أشخاصاً يدخلون عبر الحدود السورية ونحن لا نعرف، نحن يهمنا هذا الموضوع، بمعزل عن الموضوع الأميركي والعراقي. نحن كبلد، بالدرجة الأولى، يهمنا ماذا عن تهريب السلاح؟ ماذا عن تهريب الأشخاص؟ كل شيء يحصل من دون معرفتنا، هو عمل غير قانوني، فلا بد لنا أن نعرف. لا توجد أية معلومة حتى هذه اللحظة.‏

سؤال:‏

عفواً، حتى بالقنوات السرية لم يخبروكم؟.‏

ـ الرئيس:‏

بأية قناة.‏

سؤال:‏

هي فقط اتهامات هكذا؟.‏

ـ الرئيس:‏

مجرد كلام. أقول لهم أرسلوا لنا اسماً واحداً. لا يوجد شيء. طبعاً هذا متوقع. هو نوع من إلقاء مسؤولية الفشل على دول أخرى. هذه هي القضية كلها.‏

سؤال:‏

أخيراً، في الملف العراقي، سيادة الرئيس، التطورات تدفع باتجاه نظام ما، يجعل لبعض المناطق خصوصية كبيرة توصف بأنها فيدرالية. هل تخشون هذا الأمر؟ ما هو موقفكم من قضية الفيدرالية، وربما حتى تجزئة العراق كدولة مجاورة؟.‏

ـ الرئيس:‏

كل دولة لديها خصوصية في العمل. الفيدرالية ناجحة في ألمانيا ربما تنجح بشكل آخر في العراق. هناك من يطرح في العراق أشكالاً مختلفة من الفيدرالية. هل الفيدرالية تعني لا مركزية إدارية أو شكلاً من أشكال اللامركزية الإدارية تعني فيدرالية، بمعنى أن هذه المقاطعات أو المحافظات التي تتميز بحكم ذاتي أو صلاحيات، هل هي متنوعة أم لا.‏

الخطر أن تكون الفيدرالية مبنية على عرقيات أو طوائف. هذا شيء نراه نحن، ويراه الآخرون كشيء خطير وحتى الشعب العراقي يرفضه من خلال ما نسمع من العراقيين.‏

فبهذا الشكل الفيدرالية المبنية على العرق أو الطائفة أو الدين هي شيء خطير. أما كمبدأ الفيدرالية فهي ليست شيئاً نقف معه أو ضده هي شأن داخلي.‏

سؤال:‏

أشرت إلى بعض الاتهامات الأميركية، سيادة الرئيس، نحن نريد أن نفهم حقيقة هذا الواقع الآن في العلاقة بين دمشق وواشنطن المواقف متراوحة، أحياناً نسمع انتقادات واتهامات كبرى. أحياناً نسمع بعض المرونة. قبل مدة شُرّع ما سمي بقانون محاسبة سورية، وإعادة السيادة إلى لبنان. كيف هي العلاقات الآن بين دمشق وواشنطن؟ على أي قاعدة تقام؟ ما هو الأداء في هذا الملف بالتحديد؟.‏

ـ الرئيس:‏

لازالت القاعدة حتى الآن هي الحوار، لكن لا يعني ذلك أن العلاقة جيدة، فهي تتبدل بشكل مستمر ويومي، وتختلف بين تيار وتيار داخل الإدارة الأميركية. هناك تيارات ترفض حتى الحوار مع سورية، هناك تيارات ترغب بالحوار مع سورية، وتعتقد بأهمية الحوار مع سورية لأسباب لها علاقة بقضايا المنطقة بشكل عام ولدور سورية.‏

لا نستطيع أن نحدد الآن بدقة، خاصة وأن الإدارة الأميركية دخلت في مرحلة انتخابات، وكل شيء في الولايات المتحدة تحكمه الانتخابات. هناك الكثير من الأشخاص قالوا لنا نحن صوّتنا على قانون محاسبة سورية ونحن غير مقتنعين، لكن مصلحتنا الانتخابية تدفعنا باتجاه التصويت، وهذا شيء معروف عن الولايات المتحدة.‏

سؤال:‏

أعضاء في الكونغرس قالوا لكم ذلك؟.‏

ـ الرئيس:‏

نعم، أعضاء في الكونغرس. أغلب الأشياء الأساسية الداخلية في الولايات المتحدة تؤثر على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، لكن كما قلت في البداية، الحوار مازال مستمراً.‏

سؤال:‏

طالما هم في مرحلة انتخابية حساسة، هل تخشون تصعيداً أمريكياً تجاهكم؟.‏

ـ الرئيس:‏

لا نستطيع أن نقول أننا نخشى تصعيداً، ولا نستطيع أن نقول أننا نطمئن للتهدئة، هذا شيء مؤقت. التصعيد ربما يكون إعلامياً، ربما يكون عابراً، والتهدئة ربما تكون إعلامية وربما تكون عابرة. هناك شيء أكبر. الولايات المتحدة هي قوة عظمى، لدينا تاريخ من العلاقات بدأت بشكل فعلي في عام 1974 بعد إعادة العلاقات بين سورية والولايات المتحدة، مرت هذه العلاقات بمراحل مختلفة، مد وجزر، وصلت إلى حد الصدام. في أسوأ مراحلها كان دائماً هناك هامش للإدارات الأميركية، هامش لعب دور القوى العظمى التي تحافظ على الاستقرار في المنطقة. التي تلجم فلَتان الأمور ليس بشكل كامل ومطلق. كان هناك على سبيل المثال، حالات اجتياح لبنان، لم تقم الولايات المتحدة في ذلك الوقت بعملية الضبط، لكن في مراحل أخرى، وهي الأغلب، كان هناك نوع من اللجم، كنا دائماً ننظر إلى هذه القوى التي لا نتفق معها في معظم الأمور على أنها جزء من الضمانات الدولية الموجودة للعالم وللدول الصغرى بشكل خاص. هذه الصورة الآن تغيرت، أصبحت الولايات المتحدة بدلاً من أن تكون قوة استقرار أو عامل استقرار، تحولت إلى عامل عدم استقرار. هذا الشيء الذي يجب أن نقلق منه وليس مجرد تصعيد عابر أو تهدئة عابرة لا تستطيع أن تقيّم في يوم واحد، ربما يأتيك الموقفان بنفس الوقت، الموقف التصعيدي والموقف المهدىء أو الذي يبحث عن الحوار. فعلى أي موقف تستقر؟.‏

سؤال:‏

أنتم كيف تنظرون لهذه؟ هل تعتبرونها ازدواجية مبرمجة منظمة أم هو اضطراب أو ارتباك داخل الإدارة الأميركية حيث نسمع عدة مواقف في وقت واحد؟.‏

ـ الرئيس:‏

هناك ارتباكات لها علاقة بفشل الإدارة في حل عدد من القضايا وخاصة الموضوع العراقي. لاشك أنه حقق ارتباكاً أو أنه أدى لارتباك داخل الإدارة الأميركية. هناك الانقسام داخل الإدارة الأميركية منذ بداية هذه الإدارة. هناك انقسام واضح في هذه الإدارة. هناك تياران ولا نعلم إن كانوا أكثر من تيارين.‏

سؤال:‏

على هذا الأساس، سيادة الرئيس، هل تفضلون إدارة ديمقراطية بديلة للجمهورية المحافظة الآن؟.‏

ـ الرئيس:‏

علينا أن لا نضيع وقتنا الآن بالرهان على هذا الشيء. في كل مرة نراهن وندفع الثمن بخيبة أمل، لماذا؟ لأننا دائماً منفعلون ولسنا فاعلين، لأننا دائماً نتمنى أن تأتي إدارة وتقوم بما نريد وهذا مستحيل. ربما تأتي إدارة أفضل بقليل، أسوأ بقليل، هذا الشيء لا نستطيع أن نتوقعه، ولكن ماذا علينا أن نقول نحن كي تأتي إدارة وتلتزم بما نريد أو بشيء مما نريد؟ فهذه الرهانات هي مضيعة للوقت، وعلينا أن لا نضيع وقتنا. جربنا هذا الشيء كعرب، راهنّا كثيراً، وماذا كانت النتيجة؟ أنت كنت تسألني الآن عن ما يسمى وعد بلفور الثاني، هذه هي النتيجة.‏

سؤال:‏

إذا بقينا في الغرب، واضح أن دمشق حريصة على دور ما لأوروبا بدليل أنكم قمتم بأكثر من زيارة لأكثر من عاصمة أوروبية، بطبيعة الحال، واضح أن ثمة استراتيجية سورية من أجل تعميق هذه العلاقات. هل تأملون، سيادة الرئيس، بعد كل هذه الزيارات من خلال قراءتكم، من خلال ما هو موجود على الأرض، فعلياً في دور أوروبي فاعل أم تعتقدون بأن أوروبا لا تزال في مرحلة التبعية لأمريكا حتى وإن سمعنا أصواتاً من هنا وهناك؟.‏

ـ الرئيس:‏

نحن دائماً أيضاً في الخطاب السياسي وفي الحديث مع الأوروبيين نقول نحن ندعو لدور أوروبي فاعل، لكن أيضاً من الواضح تماماً من خلال الممارسة أن أوروبا الآن لا تمتلك أدوات الفاعلية. البعض يعزوها لأسباب اقتصادية، البعض لأسباب سياسية، لكن أنا أقول هناك جانب آخر موجود قد يكون بالإضافة لهذين العاملين هو الإرادة السياسية، خاصة أن أوروبا الآن غير موحدة لا بقرار سياسي ولا بالإرادة السياسية، ونرى فروقات في الأداء السياسي بين تلك الدول.‏

الدور الأوروبي اتبع سياسة التسويق للطروحات الأميركية خاصة في عملية السلام. تطرح الولايات المتحدة شيئاً فتقوم أوروبا بتسويقه، أي أن أوروبا لم تلعب حتى الآن دوراً أوروبياً. يجب أن يكون هناك موضوع لنفترض بأنه مبادرة، ولنفترض بأن أوروبا تريد أن تطرح مبادرة، يجب أن تكون هذه المبادرة منطلقة من رؤية أوروبية خاصة أن أوروبا هي الأقرب إلينا والأكثر فهماً لقضايانا، فإذاً هي التي يجب أن تطرح هذا الموضوع، ليس بالضرورة أن يكون دورها في هذا الموضوع أو هذه المبادرة مناقضاً للدور الأميركي، بل مكملاً للدور الأميركي، لكن هو الأساس أو ليكن موازياً للدور الأمريكي.‏

الحقيقة حتى الآن هي أن الدور هو دور أميركي وأوروبا تقوم بدور التسويق. مازالت هناك محاولات، أو هي ليست محاولات، هي واقع. واقع الهيمنة الأمريكية على القرار الأوروبي وهناك خضوع أوروبي للقرار الأمريكي نراه في مفاصل مختلفة منها وضع حركتي حماس والجهاد الإسلامي على لائحة الإرهاب، فأوروبا لم تكن ترغب بهذا الشيء، وهذا قلّل كثيراً من الفاعلية الأوروبية، وأفقدها أدوات. عندما تضع أوروبا منظمات على لائحة الإرهاب، وتريد أن تلعب دوراً على الساحة الفلسطينية. من هي القوى الموجودة على الساحة الفلسطينية، حماس والجهاد والسلطة وربما قوى قليلة أخرى، كيف تستطيع أن تلعب دوراً خارج إطار هذه القوى، السلطة معزولة أو الرئيس معزول وحماس والجهاد هي منظمات إرهابية، مع من تتحاور؟ فهم خسروا أدوات، أنا أقول نحن نريد دوراً أوروبياً فاعلاً، لكن حتى الآن لا تبدو هذه الأدوات موجودة بيد الأوروبيين.‏

سؤال:‏

دائماً نلاحظ، سيادة الرئيس، ليس أنا فقط، ولكن معظم المراقبين في خطبكم ولقاءاتكم حتى الآن أنا ألاحظ في هذا اللقاء حتى هذه اللحظة من الواضح أنك كرئيس وكقائد عربي تحاول دائماً أن تُقَعِّدْ للجانب السياسي بإطار نظري وفكري على هذا الأساس أنا أريد أن أسألك فيما يتعلق بعلاقاتكم مع الغرب بمعزل عن الجانب السياسي، هل تعتقد، سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد، بأن العلاقات مع الغرب أمر واقع يتجه نحو الصراع الحضاري بيننا وبين الغرب أم لا؟.‏

ـ الرئيس:‏

دعني أعلّق على كلمتَي النظري والفكري: البعض يعتقد بأن النظري والفكري تعنيان كلمة تنظير. ويقول لك فلان من الناس منظّر أي أن كلامه غير واقعي. عندما اختُرعت الطائرة لم يكن هناك علم طيران، اخترعت الطائرة ومن ثم أتى من حللها علمياً وأصبح هناك علم طيران. عندما اخترعت الآلة لم يكن هناك علم هيدروليك فاخترعت الآلة ومن ثم أتى علم الهيدروليك. فمن المهم عندما ننظِّر أن ننظِّر بناء على الواقع، أن ننطلق من الواقع لذلك نحن نحلل ما يحصل ولا نتخيل أشياء غير موجودة من دون عوامل فأردت أن أوضح هذه النقطة، الآن نستطيع أن نعود للسؤال.‏

سؤال:‏

يعني كيف تنظر لهذه العلاقات مع الغرب هذا الواقع السياسي المفروض علينا هل يدفع باتجاه الصراع الحضاري حتى لو لم نحب ذلك؟.‏

ـ الرئيس:‏

نعم. أنا لا أؤمن بفكرة الصراع الحضاري، وأنا أقول لا توجد حضارات، توجد حضارة إنسانية نعيشها الآن، في الماضي كنا نقول حضارات عندما كان يفصل بين الحضارات إما فترة زمنية كبيرة أو ربما جغرافيا كبيرة، لم يكن هناك ربما تواصل بين حضارة أمريكا الجنوبية أو أمريكا الوسطى، والحضارة في شرق آسيا. فكنا نقول حضارات أما الآن العالم متواصل مع بعضه البعض لذلك نقول حضارة إنسانية واحدة. ولكن نقول ثقافات هذا ما أؤمن به أنا، لا أقول بأن هناك صراع ثقافات، الصراع يحصل بين من يمتلك حضارة ومن لا يمتلك حضارة. أنا أقول هناك شيء آخر أو خطر آخر، هناك قضية العولمة الثقافية أي نموذج واحد من الثقافة لكل العالم. هذا خطير، وهو يؤدي لصراعات بين من يريد أن يسير مع العولمة الثقافية ويغيّر النموذج الوطني، وبين من يريد أن يحافظ على نموذجه الخاص. الشيء الخطير بالنسبة لنا من خلال هذه العلاقة هو عملية الإلغاء الثقافي التي ربما تأتي من خلال عولمة، من خلال غزو ثقافي، وربما نساهم فيها من خلال عملية إلغاء لثقافتنا الذاتية وهذا موضوع، له متخصصون يناقشونه. فإذاً من المهم أن نتفاعل مع الثقافات الأخرى والحفاظ على الثقافة لا يعني الانغلاق، بل على العكس الانفتاح، الحوار، التأثر بكل ما هو إيجابي وتطبيق الثقافة الخاصة بكل دولة أو بكل شعب بشكل تتوافق به مع معطيات الحاضر، وتتخلص من سلبياتها، وتحافظ على إيجابياتها وتقوم بزيادتها من خلال الاحتكاك مع الثقافات الأخرى.‏

سؤال:‏

سيدي الرئيس، ما هي برأيكم أبرز وأخطر التحديات التي تواجه سورية حالياً، تحديات أمنية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، اجتماعية؟.‏

ـ الرئيس:‏

كلها. تواجهنا ليس كسورية، وإنما كدولة في المنطقة، ربما هذه التحديات نواجهها أو هي تحديات تواجهها معظم دول العالم، لكن منطقة الشرق الأوسط لها وضع خاص وسورية بالذات تقع في قلب المناطق المضطربة، في قلب الأحداث. التحديات الأمنية موجودة دائماً لكنها ازدادت بعد الطريقة الخاطئة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، وبعد غزو العراق والأخطاء المستمرة يومياً بالتعامل مع القضية العراقية. التحديات الاقتصادية موجودة منذ زمن ولكنها تزداد مع توحد دول الشمال، أو العالم الغني، في مصالحه، ليس لتحقيق مصلحة الدول الأقل تطوراً أو الدول الفقيرة أو دول الجنوب. التحديات الاجتماعية هي نتيجة طبيعية للاضطرابات السياسية وللاضطرابات الاقتصادية وللفقر ولغيرها، التحديات الثقافية نتيجة طبيعية لكل هذه الأشياء بالإضافة للهجمة الثقافية التي تأتي باتجاه واحد من قبل الغرب إلينا، ولا يوجد مقابلها غزو ثقافي عربي أو شرقي، لنَقُل باتجاه الآخر. كل هذه التحديات نواجهها كدولة من دول المنطقة، وبشكل خاص كسورية، كدولة تقع في شرقها القضية العراقية الآن، وفي غربها قضية السلام واحتلال الجولان، وتعيش في منطقة يمر عبرها موضوع الإرهاب.‏

مداخلة المذيع:‏

نعم لأول مرة أسمع مصطلح القضية العراقية إلى جانب القضية الفلسطينية.‏

ـ السيد الرئيس: هي قضية. أصبحت قضية.‏

سؤال:‏

على هذا الأساس، سيادة الرئيس، ما هي برأيكم الأولويات المطروحة على أجندة القمة العربية المقبلة المرتقبة في تونس مرة أخرى.‏

ـ الرئيس:‏

التي طرحت. تقصد من قبل القادة العرب أم التي تعتقد بأنها يجب أن تكون مطروحة؟‏

سؤال:‏

لا. التي تعتقدون بأنها ينبغي أن تكون أولوية في القمة العربية المقبلة.‏

ـ الرئيس:‏

أريد أن آخذ القمة العربية الحالية أو المقبلة ضمن الإطار العام، وهو العمل العربي المشترك. والقمم العربية المقبلة. لكن انطلاقاً من تجربة العمل العربي المشترك في الماضي وانطلاقاً من أداء القمم العربية أيضاً في الماضي. طبعاً تقول لماذا نقول عملاً عربياً مشتركاً ولماذا نقول قمة عربية. القمة العربية هي تتويج للعمل العربي المشترك. الخطأ بداية أن ننظر للقمة كحدث، فنحلّ كل المشاكل في يومين. فعلياً اليومان عبارة عن بضع ساعات من اللقاءات. الجزء الأكبر خطابات والجزء الآخر لقاءات ثنائية. أين هو العمل الجدي في القمة العربية؟ إذا افترضنا أن اجتماع وزراء الخارجية سيحضّر لهذه القمة. وزراء الخارجية مهامهم الأساسية هي سياسية، وكم ساعة يجتمعون، عشرين ساعة، أربعاً وعشرين ساعة، على مدى يومين أو ثلاثة. بالنتيجة إذا نظرنا للعمل العربي المشترك بهذا الإطار، عندها لا يهم ما هي الأولويات لأن أي أولوية أضعها لا قيمة لها. فإذاً الأولوية الأولى هي المنهجية في العمل العربي المشترك، لكي نصل لوضع أولويات نستطيع تطبيقها. لذلك فإنك تسمع دائماً من المواطنين ماذا سيصدر عن القمة؟ لماذا نغضب إذا ألغيت قمة ونفرح إذا عقدت قمة؟ النتيجة واحدة. هذا ما نسمعه بشكل يومي. هناك مشكلة في العمل العربي المشترك، في المنهجية، وأنا هنا أستبعد الخلافات السياسية، وأستبعد سوء النية الذي يطرح دائماً في الأوساط العربية. أولاً، ما هو العمل العربي الذي نقوم به بين قمتين. نريد أن نختصر كل قضايانا، وهي كثيرة جداً، في بضعة أيام. هذا لن يعطي نتيجة. ما هي مستويات المشاركة؟ القمة العربية الآن أو العمل العربي المشترك هو عبارة عن لقاءات لرؤساء وملوك وأمراء أو وزراء خارجية. ماذا عن بقية الجوانب في العمل العربي المشترك؟ أين اللقاءات الاقتصادية والاتفاقيات الاقتصادية، الثقافية، إلخ.. الآن أستطيع أنا أن أطرح أي موضوع قبل القمة بيومين خلال القمة وقبل القمة بعشر دقائق قبل انتهاء القمة بعشر دقائق وأستطيع أن أنسف أية قمة مهما تكن عن حسن نية أو عن سوء نية. لنفترض بأنني طرحت أي موضوع بهدف المصلحة العامة، وأن أطرحه على قمة عربية يعني أن هذا الموضوع يشمل الوضع العربي، ومئات الملايين من المواطنين العرب. فهل من المعقول أن أطلب موافقة المسؤولين العرب بأي مستوى على هذا الموضوع دون دراسة؟. أي موضوع هو بحاجة لدراسة من الجانب السياسي، هناك أشخاص مختصون عليك أن تعود إليهم هناك قانونيون، هناك مصطلحات ربما تمس الجوانب الأيديولوجية الدينية بحاجة لمراجعة. هذا من جانب، من جانب آخر، هل من المعقول أن نذهب إلى القمة قبل أن نناقش هذا الموضوع، وأن نعطيه زمناً لنناقشه كمسؤولين عرب على المستويات المختلفة، لكي نصل للحد الأدنى من الاتفاق، ومن ثم يأتي القادة والرؤساء ليضعوا الرُتوش الأخيرة، ويضعوا التوجهات السياسية بدلاً من أن نضيع الوقت في الحديث عن مصطلح نحن لسنا مختصين، ولا وزراء الخارجية مختصين به. فإذاً هناك قصور في العمل العربي المشترك يؤدي لفشل القمة. هذا من جانب. ومن الجانب الآخر، إذا افترضنا بأننا وصلنا لمنهجية سليمة في هذا العمل العربي المشترك، واستطعنا أن نحدد مثلاً أن الزمن المحدد هو شهر، شهران، أشهر، أسابيع، لا يهم، هو الحد الأدنى أو الحد الأقصى لطرح أية مبادرة عربية، لكي تكون هناك فترة زمن للتواصل والاتصال، فماذا عن القرار السياسي، أي شيء من دون قرار سياسي سليم وصادق لا قيمة له. نصدر بيانات، نأخذ قرارات، ومن ثم لا نلتزم. فإذاً الأولوية هي لوضع منهجية. وهذه نستطيع أن نضعها، ربما تكون نظاماً داخلياً، ربما تكون عرفاً متفقاً عليه، ولكن القرار السياسي لا نستطيع أن نضع له قانوناً أو نظاماً داخلياً، فهذا يعود لكل دولة وقيادتها، فإذا أعطينا الجانب الأول نختصر خمسين بالمئة من اللا فاعلية التي توصَم بها القمم العربية والعمل العربي المشترك. ثانياً نحن بحاجة لإرادة سياسية بالنسبة لأي قرار نتخذه، عندها نستطيع أن نتحدث بالإصلاح، إصلاح الجامعة، إصلاح الوضع العربي، اتخاذ مواقف من قضايا طارئة، اغتيال الشيخ أحمد ياسين، ما يحصل في الفلوجة، حصار الفلوجة، حصار النجف، كل هذه الموضوعات نستطيع أن نحوّلها لقضايا. لو أردنا أن نصدر بياناً فيكون حتى للبيان مصداقية في ذلك الوقت.‏

سؤال:‏

لكن تعلمون، سيادة الرئيس، بأن الرأي العام العربي مع كل الملاحظات التي تتفضلون بها، وأنا أعتقد بأن جزءاً من الرأي العام العربي يوافقكم على هذا الأمر لأنه بصراحة ينظر بسلبية لهذه القمم ويقول هؤلاء القادة يجتمعون حتى يصدروا بياناً لا يسمن ولا يغني من جوع وان حبره يجف حتى قبل أن تقلع هذه الطائرات. ولكن الوضع العربي يحتاج قمة تتخذ فيها قرارات، بعض المواقف على الأقل أليس كذلك؟ يعني تأجيل القمة التي حصلت في تونس حتى وإن كان البعض لم يكن ينتظر منها شيئاً، ولكن بعثت في النفوس الكثير من اليأس ومن القنوط، ألا تعتقدون، سيادة الرئيس، أن القمة المقبلة مطروحة أيضاً ربما بشكل ملح ومطروحة أيضاً فيها أولويات ما الذي ترونه في هذا الإطار؟.‏

ـ الرئيس:‏

هذا ما تكلمتُ عنه وهو يأتي ضمن فكرة القرار السياسي. هل أنا مستعد كدولة لكي آخذ قراراً أو أصدر بياناً أو أعلن موقفاً جماعياً تجاه القضايا اليومية التي تحصل؟ هناك شيء طارىء، هناك أمور طويلة الأمد كالتعاون الاقتصادي والتعاون الثقافي وغيرها، وهناك قضايا طارئة ما يحصل في فلسطين وما يحصل في العراق، هل نحن مستعدون؟ هل هناك قرار سياسي في دولة ما، أن تأخذ قراراً أو تصدر بياناً أو موقفاً صريحاً بهذا الاتجاه؟. هنا يأتي الاختلاف بيننا كدول عربية. وهذه هي المشكلة.‏

سؤال:‏

في القمة المقبلة، برأيكم، ما هي الأولويات المطروحة، هل الإصلاح، الأولويات المطروحة للقادة العرب؟.‏

ـ الرئيس:‏

هناك طبعاً مشروعا إصلاح، إصلاح الجامعة وإصلاح الوضع العام. إذا أردنا أن نناقش هذه النقطة، هل نحن نطرح هذا الموضوع لأننا مقتنعون به وراغبون به ونمتلك أدواته الآن؟ أم انه رد على طروحات الشرق الأوسط الكبير والطروحات الأوروبية الأخرى؟ فإذا كان رداً ـ وهنا نعود للحالة الانفعالية ـ فسيكون حالة مؤقتة هي مجرد رد، ولن تؤدي لشيء. أما إذا كانت هناك قناعة داخلية، فهذا شيء آخر. لذلك هذا الموضوع يعود أيضاً للقرار السياسي ضمن السلطة. الإصلاح أولوية دائمة، ليست أولوية لقمة، أولوية لكل دولة بشكل بديهي لكن هل يستطيع العالم العربي أن يقوم بعملية إصلاح لدوله على شكل مشروع موحد؟ هل هذا ممكن؟.‏

سؤال:‏

برأيكم ممكن أم غير ممكن؟.‏

ـ الرئيس:‏

لا، هذا صعب. فكل دولة لديها تفاصيل تخصها. هم يستطيعون أن يحددوا المبادىء التي ستطرح في هذه القمم كلها، وكلنا نقولها في دولنا، نتحدث عن الإصلاح والديمقراطية والتحسين والتطوير وإلى آخره، لكن كيف نأخذ قرارات وتفاصيل واحدة؟ هناك اختلاف بين الدول العربية. ثم من جانب آخر، نحن لم نستطع أن نتفق على القضايا الكبرى التي تمسنا بشكل مباشر، على سبيل المثال، قضية العراق في العام الماضي، وقضايا سياسية يومية، هناك من يريد أن نتحدث عن اغتيال وجريمة، كاغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، وهناك من لا يريد أن نتحدث. من أين هبط هذا الوحي لكي نتفق على الإصلاح ولا نتفق على المواقف السياسية؟ أريد هنا أن أقول بأن الحالة الانفعالية هي التي تدفعنا للتعامل مع قمة الدول الصناعية التي ستجتمع في شهر حزيران، وعلينا أن نعدّ ورقة لكي نطرحها على هذه القمة وبالنتيجة ستكون هذه الورقة عبارة عن طلب حسن سلوك من هذه القمة، بدلاً من أن نذهب إليهم ونطرح شيئاً، كأن نطلب دعماً لنا في عملية التنمية التي هي جزء من الإصلاح، هذا الإصلاح بالنسبة للوضع العربي، وبالنسبة لإصلاح الجامعة العربية يأتي ضمن إطار القسم الأول والذي تحدثت عنه أنا والذي يأتي ضمن المنهجية، ويكتمل بتطوير آليات الجامعة العربية نفسها. هذا طبعاً أولوية، كل هذه المواضيع هي أولوية، لكن المهم النية المنهجية. الأدوات التي نمتلكها. أي إطار وُضعت ضمنه، هناك عوامل كثيرة تحدد ما هي الأولويات.‏

سؤال:‏

عندما تقولون، سيادة الرئيس، من أين هبط الوحي كأنكم تقولون أنه بالفعل ثمة ضغوط خارجية لعلها أمريكية بشكل واضح على بعض القادة من أجل توجيه هذه القمة أو غيرها في بوصلة معينة؟.‏

ـ الرئيس:‏

الضغوط ليست على بعض القادة، بل هي على كل القادة. ووزراء الخارجية والسفارات تتحرك بشكل دائم بهذا الاتجاه. هذه ليست حالة سرية أو غير معلنة بل معروفة، والكل يتحدث بها، طبعاً الضغوط مستمرة دائماً ودائماً هناك محاولات للتأثير في كل قمة من القمم. أنا لا أقول أنه لا يجب علينا أن نتعامل مع هذه الضغوط أو المطالب أو الطروحات، لكن هناك طرق مختلفة، على سبيل المثال، عندما نذهب لقمة الدول الصناعية لكي نقدم أو نطلب شهادة حسن سلوك شيء، وعندما نذهب لنلومهم، لنقول لهم أين أنتم أخطأتم؟ أنتم تتحدثون عن ديموقراطية في منطقتنا، أنتم تتحدثون عن ديكتاتوريات، أين هي التنمية؟ أين هو حل القضية الفلسطينية؟ ماذا عن احتلال العراق؟ أنتم تطرحون مواقف، لماذا نحن نشعر بعقدة الذنب؟ لدينا أخطاء، نحن نعترف بها ونعرفها، لكن ماذا عنهم؟ هل هم ملائكة أم مساهمون بشكل مباشر في هذا الوضع؟.‏

سؤال:‏

بالنسبة لسورية، سيادة الرئيس، هل أنتم مع إدانة الاحتلال الأمريكي للعراق؟ هل ستتخذون في القمة؟ مواقف إدانة ما وصفته بجرائم اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي إلى آخره؟ ما هو موقفكم مما قيل عن مشروع لإدانة العمليات الفدائية ضد إسرائيل؟.‏

ـ الرئيس:‏

موقفنا معلن، نحن أدنّا اغتيال الشيخ أحمد ياسين وأدنّا كل السياسة الإسرائيلية، سياسة الإجرام والقتل. هذا موقف ثابت بالنسبة للاحتلال. أيضاً لدينا موقف واضح، ونحن نقول للأمريكيين نحن ضد الاحتلال كمبدأ وكممارسة قبل الحرب وبعد الحرب ودائماً.‏

سؤال:‏

أنا أقصد هل أنتم تدفعون باتجاه أن تتخذ القمة هكذا مواقف؟.‏

ـ الرئيس:‏

من المفترض. وإلا لماذا نقول أن هناك قضايا طارئة.. هل تهم هذه المواقف المواطن العربي أم لا؟ وإذا كانت تهمه علينا أن نتعامل معها، وإذا كانت لا تهم المواطن العربي فعلينا أن لا نتعامل معها، هل يهتم المواطن العربي بما يحصل يومياً في العراق وفي فلسطين. هذا السؤال، يعني نحن نمثل المواطن العربي. هكذا يفترض في هذه القمة، لا نعبّر عن مواقف شخصية، نعبّر عن مواقف من هو خلفنا وهو الشعب العربي أو الشعوب العربية.‏

سؤال:‏

لاحظنا، سيادة الرئيس، خلال الأشهر الماضية، ربما خلال العام أو العام والنصف الأخير، أن ثمة فاعلية لديكم في السياسة الخارجية وفي الاستراتيجية الخارجية. في سورية، في السابق كنتم، هكذا نلاحظ كمراقبين، في اعتماد كلي تقريباً على ما يسمى بالثلاثي السعودي ـ المصري ـ السوري، بينما بدأنا نلاحظ أنكم حتى، ربما شخصياً، تقومون بعدة زيارات لأكثر من عاصمة أخرى. هل هذا يعني بأن ما سمي بالمحور السعودي ـ المصري ـ السوري لم يعد كافياً، ومن ثم أنتم مع تفعيل هذه العلاقات، سيما وأنه بدا واضحاً أن دولاً تعتبر صغيرة ولكن تأثيرها بدا واضحاً الآن في المنطقة العربية؟.‏

ـ الرئيس:‏

طبعاً، بالنسبة لكلمة محور، أحياناً تُفهم كلمة محور كأنها توجه لمجموعة دول ضد مجموعة دول أخرى، فنحن نفضل كلمة نواة عمل عربي مشترك هي ليست بديلاً للعمل العربي، هي وهذه صيغة وجدت في مراحل معينة، خاصة بعد غزو الكويت في العام التسعين، توقف انعقاد القمم العربية بعد القمة التي عقدت بشكل خاص من أجل تلك الحرب حتى عام ستة وتسعين، فكان هذا اللقاء الثلاثي هو للحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق العربي. هذا من جانب، من جانب آخر، هذه الدول لها فاعلية خاصة في القضايا المطروحة، ليست قضية دول كبرى وصغرى، أنت تتحدث عن مشاركة بعض الدول الصغرى، أنا أعتقد بأن مشاركة الدول الصغرى هو دليل صحة وهو دليل العافية أو عودة العافية للعمل العربي. لا يمكن لدول أن تختصر دولاً ولا يمكن لدول أن تحل محل دول، لكن أنا أريد هنا أن أعلق على كلمة صغرى لأن هذا الموضوع يطرح كثيراً، سورية ليست من الدول الكبرى بالمقياس المعروف، لا بالمساحة ولا بالسكان، فهل لديك تعريف لكلمة دول صغرى؟.‏

سؤال:‏

لكنها دولة مركزية وهي بحكم تاريخها وعمقها الجغرافي تعتبر دولة مركزية، لكن ثمة من يصف سيادة الرئيس بعض الدول كأنها شيء طارىء على المنطقة العربية؟.‏

ـ الرئيس:‏

ماذا تقصد بدول صغرى؟ هل تقصد المساحة أم السكان؟ لا الأولى ولا الثانية. الدول الكبرى، تكبر الدول بمدى أو بنسبة استقلالية قرارها الوطني وبإنجازاتها على الصعد المختلفة وسأعطيك مثالاً: لبنان من أصغر الدول العربية بالمساحة وبالسكان، ليس الأصغر وإنما من أصغر الدول العربية، هو البلد العربي الوحيد الذي استطاع أن ينجز ما لم تستطع الدول العربية مجتمعة إنجازه، تحرير أرضه بقواه الذاتية وهو خارج من حرب أهلية، وبدأ التحرير وهو في منتصف وفي ذروة الحرب الأهلية، وربما اشتدت أكثر بعد وجود مقاومة لأسباب مختلفة لكنه استطاع أن يصل بالنتيجة للتحرير ولو على مراحل، فهل يكون هو دولة صغرى أم كبرى؟ أنا أعتقد بأنه من أكبر الدول العربية، وربما العراق يكون كذلك في المستقبل وربما فلسطين كذلك. فإذاً أنا لا أؤمن كثيراً بهذه المصطلحات صغرى وكبرى، هناك دولة فاعلة وهناك دولة غير فاعلة هذا هو الأساس.‏

سؤال:‏

هذا سيفرح كثيراً من القادة والدول التي تُعتبر بأنها صغرى؟.‏

ـ الرئيس:‏

يجب أن لا يعتبروا أنفسهم صغاراً إلا بإنجازاتهم وفعالياتهم.‏

سؤال:‏

إذاً، واستطراداً هنا، سيادة الرئيس، بعيداً عن المنطقة العربية لكن في عمق دائرتنا الحضارية والجيوستراتيجية ما لوحظ أن علاقاتكم مع أنقرة تطورت وتعززت بشكل كبير وتجسدت أو توجت بزيارتكم إلى أنقرة هذا علاوة على العلاقات المتميزة على مدى ربع قرن مع ايران. هل أنتم كدولة الآن تعتقدون بفاعلية إمكانية تنسيق ثلاثي سوري ـ إيراني ـ تركي على الأقل في بعض الملفات الأساسية.‏

ـ الرئيس:‏

طبعاً العلاقة السورية ـ التركية تنفصل عن العلاقة الثلاثية التي تتحدث عنها. هناك خصوصية لهذه العلاقة سواء بالمراحل الجيدة أو المراحل غير الجيدة لهذه العلاقة. هناك أشياء كثيرة تجمعنا مع الجانب التركي وهذه الأشياء هي التي ساعدت على انطلاق هذه العلاقة بالشكل السريع في الأعوام القليلة الماضية، وأهمها الرغبة المشتركة والصدق في التعامل. كان هناك صدق متبادل بين سورية وتركيا إلى حد كبير، وهذا ما دفع هذه العلاقات. أتت قضية العراق مؤخراً لكي تجعل الخطر مباشراً ومتشابهاً على سورية وتركيا وايران. الحكومة التركية الجديدة اتبعت سياسة منذ مجيئها هي فك العزلة عن تركيا ـ المعروف أن تركيا، لفترات طويلة، كان لها خلافات مع دول كثيرة ـ اتبعوا سياسة معاكسة وربما تكون هجومية باتجاه تحسين العلاقات مع الدول المختلفة، وسورية و إيران منها، هذا قبل احتلال العراق. ثم أتى احتلال العراق ليوحد هذه الدول الثلاث المجاورة لبعضها والمجاورة للعراق بمخاطر مشتركة. التنسيق السوري ـ التركي بمستوى عال، التنسيق السوري ـ الإيراني منذ زمن طويل بمستوى عال جداً أيضاً، والآن التنسيق الإيراني ـ التركي يتحسن سواء بالنسبة لهذه القضية أو بالنسبة لتداعياتها، أو لمواضيع أخرى منها العلاقة الثنائية ومنها السياسة، كما قلت التركية، باتجاه الانفتاح، فلا أستطيع أن أقول ان هناك محوراً أو أيضاً نواة، لكن هناك تنسيقاً بين هذه الدول الثلاث وهو مستمر.‏

سؤال:‏

فيما يتعلق بالملف الداخلي السوري، سيادة الرئيس، حتى أكون صريحاً معكم في هذه النقطة بالتحديد، أنا أذكر جيداً بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، في فجر ذلك اليوم، أنا كنت هنا في دمشق، وأنا شاهد عيان على ذلك التدافع الشعبي العفوي، لو صحّ التعبير، لتأييدكم شخصياً بغض النظر هل نُظم بعد ذلك أم لا، هذه نقطة أخرى. لكن دعني أكون صريحاً معك، سيادة الرئيس، بعد كل هذه السنوات، هناك من يقول أن ما سمّي بربيع دمشق انتهى وأنه لم يعد هناك أمل في الإصلاح والتغيير الحقيقي.‏

ـ الرئيس:‏

أولاً، أعلّق على كلمة نُظِّم لاحقاً. لم يُنظم لا لاحقاً ولا سابقاً، كل شيء رأيته كان عفوياً، ربيع دمشق هو مصطلح.‏

سؤال:‏

لكن هو ليست مشكلة في أن ينظم لاحقاً يعني بعد يومين أو ثلاثة؟.‏

ـ الرئيس:‏

لا، ليست مشكلة، لكنه لم ينظم. نحن عندما تكون الأمور منظمة ننظمها ونعلنها، لكننا لم ننظم شيء أبداً في ذلك الوقت كل شيء فعلاً كان عفوياً.‏

بالنسبة لربيع دمشق مصطلح، مشكلة أن تتعامل مع سورية بالمصطلحات، نحن دائماً نؤمن بشيء أن البشر هم اخترعوا المصطلحات، المصطلحات لم تخترع بشراً ولم تخترع دولاً. فإذاً أريد أن أناقش المصطلح. أولاً، نحن في شهر نيسان، يعني أنت في الربيع، الآن وفي دمشق، فربيع دمشق موجود ولدينا كل الفصول. لكن لن أناقشه بهذه الطريقة. لنأخذ من أين أتى هذا المصطلح، ربيع دمشق، أخذ من ربيع براغ، ربيع براغ كانت هناك حركة مدعومة خارجياً لقلب الوضع أي يوجد فيها جانبان فيها الدعم الخارجي، وفيها العلَن النسفي. أنا من البداية لم آتِ لأنسف، ومن البداية ودائماً في سورية الموضوع هو العلاقة مع الخارج، في موضوع الإصلاح الداخلي عندما يكون هناك تدخل، فهو مرفوض بالمطلق ومحسوم ولا نناقشه بمعزل عن أي صورة تعطى لسورية، فلذلك أقول بهذا المعنى ربيع دمشق إذا افترض بأنه بهذه الصيغة كما هي يؤخذ ويوضع في سورية، فهو مرفوض، لم يكن ولن يكون فهو لم يبدأ حتى ينتهي، ولن يبدأ ولن ينتهي، فإذاً هو غير موجود، ومرفوض بالنسبة لنا. نحن نقوم في سورية بعملية تطوير ونقود عملية تطوير، عملية التطوير هذه ليست كما يقال، كبسة زر، لذلك أنا في خطاب القسَم، وكنت يوم استلام المهام، قلت لا أمتلك عصا سحرية لأن الموقع، والموقف، والمعطيات واضحة وظاهرة، هناك قصور في نواحي كثيرة، وهناك حاجة لتطوير كبير وهناك قصور في الأدوات.‏

سؤال:‏

ما الذي تعنيه بقصور في الأدوات؟.‏

ـ الرئيس:‏

الأدوات بالدرجة الأولى هي الأشخاص، يعني عملية تطوير شاملة. أنت تقصد بربيع دمشق فقط الجانب السياسي، نحن نقوم بعملية تطوير واسعة سياسية، اقتصادية، ثقافية، في كل المجالات، الجانب السياسي هو أحد الجوانب. نحن أعطينا أولويات، الأولوية بالنسبة لنا هي الإصلاح الاقتصادي، هناك نوعان من الأولوية، لا تعني الأولوية أن أبدأ بشيء وعندما أنتهي منه أبدأ بشيء آخر، لأن الإصلاح الاقتصادي لا ينتهي. لكن الأولوية تعني أن تركز على مجال أكثر من مجال آخر. بالنسبة للمواطن في سورية ما هي أوسع أو أكثر المشاكل عمومية انها المشكلة المعاشية، خاصة بالنسبة للموظف ولغير الموظف ربما لا يكفي المعاش لنهاية الشهر فمن الطبيعي أن تكون الأولوية هي معاناة المواطنين المعاشية. كيف سيؤمن المواطن مدخولاً لأولاده؟ كيف يطبّب أولاده؟ كيف يؤمن لهم دراسة جيدة؟ وكل المستقبل بكل معانيه، كيف يؤمّن لهم طعامهم اليومي؟ هذه المشكلة الأساسية. فركزنا على الوضع الاقتصادي. الدولة لا توجد فيها موارد، ليست فيها جباية جيدة أو صحيحة، بالأصح لا توجد جباية موارد صحيحة، ولكي أدقق المصطلح، توجد موارد لكنها غير كافية. هناك خلل في جباية الموارد في النظام الضريبي، خلل في توزيع سلّم الرواتب وتفاصيل كثيرة لن أدخل بها الآن. لم أذكر أولوية الإصلاح السياسي مع ذلك لم نتوقف، قمنا بإصلاح سياسي من غير الصحيح أن الوضع اليوم هو كالوضع قبل بضع سنوات. لا، هذا كلام غير صحيح وإلا لو نزلت إلى الشارع فسوف تسمع آراء ناقدة كثيرة، لكن إذا كنا سنضع كل من ينتقدنا في السجن، فماذا يفعل كل هؤلاء في السجن؟.‏

سؤال:‏

لكن الجماعات التي تقول أنها من جماعات المجتمع المدني وتريد أن تنشط، تقول إنها لا تملك الحرية الكاملة للنشاط، وتقول أن ثمة بطئاً في هذا الإصلاح؟.‏

ـ الرئيس:‏

من هم جماعات المجتمع المدني؟ ماذا تعني كلمة مجتمع مدني كمصطلح؟ لماذا نأخذ المصطلح من الخارج ولا نعرف ماذا يعني؟ هناك في سورية مجتمع واحد، لا يوجد مجتمعان مدني وغير مدني. هناك مجتمع واحد، مجتمع مدني متمدن. كل المؤسسات يقولون مؤسسات المجتمع المدني، هناك مؤسسات لهذا المجتمع، الحكومة هي مؤسسة مجتمع مدني، مجلس الشعب، الجيش، الشرطة، الأحزاب، الجمعيات الخيرية، المنظمات غير الحكومية أو ما يسمى (NGO) باللغة الانكليزية، أية مؤسسة، النقابات، الاتحادات، كلها منظمات مجتمع مدني. لا يوجد لدينا في سورية مجتمعان، فهذا الكلام غير سليم. هناك خلط بين كلمة المجتمع المدني وبين المنظمات غير الحكومية، أو الجهات غير الحكومية، فهذه المؤسسات أو المنظمات أو الأشخاص لا تنفصل عن المجتمع، هناك أقنية للعمل في سورية، هناك عملية تطوير تتقدم في مجالات وتتراجع في مجالات أخرى. لا نقول بأن العملية تسير بشكل سهل، هناك عوائق كثيرة، هناك ظروف موضوعية تؤثر بأية عملية تطوير سواء كان جانباً سياسياً أو غيره، لكن هناك نقطة أنا أعطيها دائماً الأولوية في إيقاف وتأخير وإعادة عملية التطوير إلى الخلف هي الانتهازية. دائماً الانتهازيون عندما يركبون موجة التغيير يخرّبون كل شيء، وهم طبعاً موجودون في الدولة وفي خارج الدولة ويركبون موجة الإصلاح بهدف، إما لأسباب ذاتية ترتبط بمصالح خاصة، أو ربما لأهداف تصل إلى حد نسف النظام الحالي وهذا شيء لا نقبل به. فإذاً نحن نسير بعملية التطوير ولكننا نسير بحذر ولا نسير بشكل منفلت. لا تعنينا المصطلحات. لا يعنينا ما يقال عنا في الخارج، عندما لا نمتلك الواقع علينا أن نمتلك الواقع الجيد الصلب قبل أن نتحدث عن الصورة الجميلة في الخارج فنحن نسير من خلال قناعات خاصة بنا ومتأكدون بأنها تسير بالاتجاه الصحيح، وفي كل يوم نكتشف أن هناك انحرافاً أو خللاً أو خطأً في هذه العملية نقوم بإصلاحه، ونوسع المشاركة. هذا أهم شيء نقوم به، نشارك كل المواطنين وربما لا نتفق كلنا مع بعضنا البعض وهذا الشيء طبيعي لكن مبدأ المشاركة هو مبدأ أساسي.‏

سؤال:‏

يعني لنقل أنكم تسيرون أو ما زلتم متمسكين بخيار التطوير الإصلاحي في سورية؟.‏

ـ الرئيس:‏

طبعاً بكل تأكيد.‏

سؤال:‏

في هذا الإطار، سيادة الرئيس، ألا تقرّون بأن الخطاب السياسي وحتى الحزبي هنا في سورية مازال خطاباً متخشباً مازال خطاباً محنطاً.‏

ـ الرئيس:‏

لا يوجد لدينا خطاب سياسي وحزبي، يوجد لدينا خطاب سياسي، أما الحزب فهو أيديولوجيا يختلف. فلا يوجد خطاب حزبي توجد أيديولوجيا حزبية.‏

مداخلة المذيع: (أنا أقصد الخطاب السياسي الذي يطلقه الحزب أو عناصر الحزب).‏

ـ الرئيس:‏

الدولة بشكل عام، ليس بالضرورة أن تكون الدولة كلها من الحزبيين، هذا الكلام يطرح دائماً ويُكتب أحياناً، أنا أقول أن هؤلاء خانتهم لغتهم العربية الضعيفة وخانتهم معلوماتهم الأساسية الضعيفة لأن الخشب هو مادة مرنة جداً كان من المفترض أن يقولوا لغة متحجرة وليست متخشبة. أنا لا أدخل في سجال هنا ولا أدافع عن سورية، لكن أعطي حوادث أو أمثلة هي تحدد هل نحن مرنون، لدينا رؤية أم لا نمتلك الرؤية. أبدأ بمثال عن الهجمات الإرهابية التي تعرضنا لها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وكانت دول عربية ودول غربية احتضنت تلك القوى ودعمتها وقلنا لهم، نصحناهم بأن هذه القوى سوف تنقلب عليكم، سوف تدفعون ثمنها لاحقاً. في بداية التسعينات حصل هذا الشيء في بعض الدول العربية وامتد إلى دول عربية أخرى، والآن انتشر في أماكن أخرى من العالم، تلك الدول العربية نفسها أتت إلينا لتقول لنا ساعدونا والدول الغربية الآن وبعض أعضاء الكونغرس قالوا لنا عندما أعطيتهم هذا المثال، أنتم كنتم ترون قبلنا بخمسة عشر عاماًَ، وذلك لأننا طالبنا بمؤتمر لمكافحة الإرهاب، وقلنا لهم سوف يمتد وينتشر وأحد لم يسمع. موضوع المقاومة تحدثت عنه سابقاً في لبنان، كانوا يقولون خرمشة القط، وكنا نقول لهم سوف تحقق نتائج وثبت بأننا كنا على حق. موضوع العراق أيضاً تكلمت عنه. ما رأيناه الآن يحصل وبالتفاصيل وبالمحاضر، لكن المثال الأهم الذي أعطيته هنا هو موضوع الحرب العراقية ـ الإيرانية. لأننا دفعنا ثمن موقفنا من عام 1980 زمن اندلاع الحرب حتى التسعين زمن غزو الكويت، حصاراً عربياً منظماً، منهجياً، إعلامياً، مادياً، سياسياً، وفي كثير وليس في بعض الأحيان، كان يأخذ الطابع العسكري. كان الرئيس حافظ الأسد يقول للمسؤولين الخليجيين وفي مقدمتهم الكويت، الرئيس صدام سينتهي من إيران وسوف يتجه إليكم، وهذا الكلام لم أسمعه في ذلك الوقت. لم أسمعه إلا منهم، ونحن نقدّر أن هذا الكلام قالوه لي في الكويت وفي السعودية. هم الذين قالوا لي هذا الكلام ـ الذي لا أعرفه ـ ومن كبار المسؤولين، وقالوه لي مراراً وتكراراً وفي كل لقاء كانوا يكررون لي نفس المقولة. نفس المسؤولين وعلى مستويات واسعة، وكما قلت. فنحن نقدّر هذه الصراحة منهم، وهذا الاعتراف. في عام تسعين قالوا للرئيس حافظ الأسد: لقد كنت على حق. فأنا أسأل سؤال بسيط: إذا كنا في كل هذه الأحداث نثبت بأننا نرى الشيء الصحيح، فمن عليه أن يغير لغته وطريقة تفكيره، نحن أم الآخرون؟ أترك للأحداث أن تحدد هذا الشيء. نحن مقتنعون بأننا كنا نرى بشكل صحيح، وهذا لا يعني بأننا مكتملون، الكمال لله، لكن نسعى دائماً لتطوير هذه الرؤية لكي تكون أكثر دقة.‏

سؤال:‏

سيادة الرئيس، كيف ترون إمكانية التعاطي مع الجماعات التي تصف نفسها بأنها معارضة في الخارج، هناك الاخوان المسلمون، هناك جماعات أخرى، ربما متعاونة أكثر مع الولايات المتحدة الأمريكية. هل تضعون كل هذه الجماعات في سلة واحدة؟ وكيف يمكن أن تكون هناك إمكانية للمصالحة معها؟.‏

ـ الرئيس:‏

لا نستطيع أن نضع الأشخاص كلهم بسلة واحدة، كل شخص يتحمل مسؤولية موقفه. انطلاقاً من هذا الشيء، هناك عدد من قادة الاخوان المسلمين عادوا إلى سورية والذين كانوا منغمسين إلى حد ما في الأحداث في ذلك الوقت. الأهم من ذلك، أن هؤلاء القياديين الذين أدخلوا إلى السجن وكانوا مسؤولين عن أعمال تدمير في الثمانينات، الآن أٌخرجوا وحتى الذين هم في المستويات العليا جداً، خرجوا من السجون، والآن معظم الاخوان المسلمين يعيشون حياة طبيعية في سورية. فإذاً طبعاً هذا الشيء ممكن. بالنسبة للموجودين في الخارج، عدد منهم كما قلت، من القياديين، عاد إلى سورية وعدد آخر من غير القياديين من الأشخاص العاديين المنتسبين أو المتعاطفين مع الاخوان المسلمين، يعود بشكل هادىء وبشكل منظم. فالقضية ليست قضية عقد من الماضي لكن هناك أسس معينة، هناك الاعتراف بأخطاء الماضي، أعمال قتل حصلت ضد المواطنين السوريين، هناك تخريب، العمل السياسي في سورية له أقنية كأية دولة أخرى، هذه الأقنية موجودة بشكلها الحالي، وستتطور، وسيكون هناك شكل آخر لهذه الأقنية. المهم أن هناك إطاراً عاماً للعمل السياسي تحدده الأنظمة والقوانين.‏

سؤال:‏

حصلت أحداث القامشلي، سيادة الرئيس، هناك من سمعنا في هذا الخطاب حتى عندما أقول هذا الخطاب، محنط ومتحجر، هناك من يقول أن هذه مؤامرة خارجية. هل هي بالفعل كانت مؤامرة خارجية أم أن هناك أمراً واقعاً سيما وأن مئتي ألف كردي تقريباً يفتقدون الجنسية حتى هذه اللحظة؟.‏

ـ الرئيس:‏

هناك فصل بين الموضوعين، بين موضوع من لا يمتلك جنسية وبين أحداث القامشلي. بالتحقيقات التي جرت مع الأشخاص الذين خضعوا للتحقيق، لم يثبت أي تدخل خارجي. وهي فعلاً كما رأيناها مباراة ثم أحداث غوغائية تحولت إلى صِدام وأخذ الشكل القومي لاحقاً، وتحصل حالات انفعالية. طبعاً هي المرة الأولى التي يحصل هذا الشيء في سورية، لكن حصل وتمّت معالجته بشكل سريع. التحقيقات مستمرة، لكن حتى الآن لا نرى أي شيء له علاقة بالخارج، خارج سورية. موضوع الجنسية هي قضية عمرها الآن اثنان وأربعون عاماً تقريباً من عام اثنين وستين كان هناك قانون الإحصاء، كان فيه ثغرات، فأشخاص أُعطوا الجنسية، وأشخاص تحقّ لهم الجنسية، كما يُطرح، لم يُعطوا هذه الجنسية. أنا قمت بزيارة لمدينة أو لمحافظة الحسكة، والتقيت بفعاليات مختصة من مختلف الشرائح وطرحوا هذا الموضوع وأعطيتهم جواباً في ذلك الوقت بأن هذا الموضوع سوف يُحل، وفعلاً لا توجد مشكلة بالنسبة لهذا الموضوع. الشيء الوحيد الذي كان يؤخره هي الأمور السياسية المختلفة، ولكن وُضعت أسس ونوقشت هذه الأسس فكان الموضوع في المراحل الأخيرة، فهم يمتلكون جواباً حول هذا الموضوع، ولا توجد أية معارضة من أية جهة في سورية. فهم مواطنون سوريون يعيشون بيننا، والقومية الكردية جزء أساسي من النسيج السوري ومن التاريخ السوري، ومندمجة بشكل كامل. فهذا الموضوع محلول. هكذا هي القصة بكل بساطة.‏

سؤال:‏

أخيراً، سيادة الرئيس، لا يمكنني في حوار هام معكم إلا أن أتطرق إلى الملف اللبناني، العلاقات المتميزة جداً بين دمشق وبيروت. هناك استحقاق في الأفق الآن، الاستحقاق الرئاسي. وتساؤلات كثيرة في لبنان لما لسورية من تاثير ما. هل انكم مع التجديد للرئيس إميل لحود أم مع انتخاب رئيس جديد؟.‏

ـ الرئيس:‏

كلا الأمرين وارد. المهم بالنسبة لنا ليس الأشخاص. المهم الرؤية. منذ توقفت الحرب الأهلية في لبنان في عام التسعين، ونحن ندعم المؤسسات اللبنانية. اتخذنا قراراً في ذلك الوقت هو دعم المؤسسات اللبنانية لأنها هي الضمانة لعدم عودة لبنان إلى ظروف أو إلى أجواء أو بيئة الحرب الأهلية أو إلى أسبابها. دعمنا كل المؤسسات من دون استثناء، ودعمنا كل الأشخاص الذين يقفون على رأس هذه المؤسسات من دون استثناء. والشيء الطبيعي أن ندعم بشكل أكثر المؤسسة الأولى وهي رئاسة الجمهورية، وهذا ينفصل عن موضوع الصلاحيات. موضوع الصلاحيات يختلف. أية مؤسسة بهذا الموقع سواء كانت جمهورية أو ملكية، هي التي تمثل كل الشعب، وهي التي تبقى في المحصلة النهائية الضمانة للوطن وللشعب أيضاً بمعزل عن صلاحياتها. دعمنا الرئيس الهراوي بشكل كبير، ودعمنا الرئيس لحود بشكل كبير، وسندعم أي رئيس يأتي ضمن هذا النهج، النهج المؤسساتي، بنفس المقدار، لكن تبقى الخيارات كلها مفتوحة لأن الأشخاص موجودون دائماً.‏

سؤال:‏

على أية قاعدة تفضلون خياراً عن الآخر، الوضع الخاص في لبنان أو الوضع الإقليمي؟‏

ـ الرئيس:‏

لا، الوضع اللبناني بالدرجة الأولى. لا نستطيع إلا أن ننطلق من ظروف تاريخية للبنان وخاصة مرحلة الحرب الأهلية والاضطرابات التي سبقتها في عقود.‏

سؤال:‏

لا. أنا أتحدث في الاستحقاق الرئاسي المقبل؟.‏

ـ الرئيس:‏

نعم. لذلك أقول أي شيء ينطلق من هذا الشيء هو ليس حالة مجردة وبالتالي نحن دائماً ننظر إلى الحالة الوطنية، الحالة الطائفية، الوضع بلبنان وضع طائفي، هذا موضوع مهم جداً. لا نستطيع أن نقبل أو أن ندعم رئيساً له توجه طائفي، رئيس لا يريد أن يكون لكل اللبنانيين، يريد أن يعيد الوضع إلى الوراء. هذا هو التوجه الأساسي. طبعاً الجانب القومي مهم، الجانب المؤسساتي يصب في النقطة الأولى، لأن المؤسسة هي التي تحمي من التقسيم ومن الطائفية ومن كل هذه الأمور.‏

سؤال:‏

لكن لا يخفى عليكم، سيادة الرئيس، بأن جانباً من الشريحة، من الطائفة المسيحية، تنظر بسلبية إلى الدور السوري وتقول أنها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويشعرون حتى بما يسمى بالإحباط؟.‏

ـ الرئيس:‏

نحن، جزء من هؤلاء نسمع منهم بشكل مباشر، نلتقي بهم ونسمع هذا النقد، وجزء آخر نسمعه عبر وسطاء أو عبر الإعلام. أي لنقل هناك نقد موضوعي وهناك نقد غير موضوعي. النقد غير الموضوعي لنضعه جانباً لأنه لا يعنينا. هناك نقد موضوعي نسمعه وهو صحيح، أن هناك أي عمل فيه أخطاء، ونحن نحترم هذه الآراء ونعتقد بأنها مساعدة، تساعدنا على تجنب الكثير من السلبيات. بنفس الوقت هناك كثير من الأمور تحمّل لسورية، سورية لا علاقة لها بها. لكن الشيء الأهم، لا نستطيع نحن أن نتجاوز السلبيات طالما أن هناك سلبيات لبنانية. فإذاً سورية، أنا أتكلم الآن عن الجانب السلبي، لنقل في الممارسات السلبية التي تحصل، هي ترتبط بشكل أو بآخر بالممارسات السلبية الموجودة في لبنان. فيجب على اللبنانيين أن يقفوا، لا نستطيع أن نقف نيابة عنهم، نستطيع أن نساعدهم، لكن لا نستطيع أن نقف نيابة عنهم. بكل الأحوال، هؤلاء الذين ينتقدون، القسم الأكبر منهم ينتقد بهدف تطوير هذه العلاقة وهذا شيء إيجابي.‏

سؤال:‏

هل ان أبواب دمشق مفتوحة لكل الأطراف والشرائح اللبنانية؟.‏

ـ الرئيس:‏

من دون استثناء، بكل تأكيد، وهذا شيء نقوله للجميع. أبوابنا مفتوحة.‏

سؤال:‏

سيادة الرئيس، لعلكم تعلمون بأن البلد الوحيد في العالم الذي يُذكر فيه مصطلح الرؤساء الثلاثة هو لبنان، وهؤلاء الرؤساء الثلاثة، نسمع أن بينهم في بعض الأحيان الكثير من الاحتكاكات، والآن لا يخفى عليكم الوضع الموجود. كيف تنظرون لهذا الاحتكاك السلبي والمبالغ فيه، خاصة بين الرئيسين الحريري ولحود؟.‏

ـ الرئيس:‏

تخيّل أنك في دولة ما، أية دولة، إذا أردت أن تعيّن أو أن يُنتخب رؤساء أو مسؤولون بمستويات مختلفة يجب أن يكونوا متوافقين على المستوى الشخصي، هذا مستحيل. من يضبط الإيقاع في العلاقة؟ هو المؤسسات والأنظمة والقوانين. وهذا يدل بأنهم في لبنان بحاجة لقفزة كبيرة باتجاه دعم المؤسسات لكي تقوم بصياغة العلاقة بين كل المسؤولين. الخلل ربما نسمعه بشكل خاص على مستوى الرؤساء لموقعهم، لكن هناك خللاً على مستويات مختلفة متشابهة، وكله يرتبط بعدم وجود مؤسسات فعلية. فإذاً على الطبقة السياسية أولاً، ومن خلفها الشعب اللبناني، أن تقوم بدعم عملية بناء المؤسسات، لأنها هي الحل الوحيد لنقل الحالة من حالة صراعات بين الرؤساء وخلافات إلى حالة حوار، حوار مبني على أسس وأنظمة وقوانين وأعراف.‏

سؤال:‏

هل من كلمة أخيرة، سيادة الرئيس، في نهاية هذا اللقاء؟.‏

ـ الرئيس:‏

علينا أن لا نفقد الأمل. أنا بطبعي متفائل. أنا أنظر إلى النصف المليء من الكأس من دون أن أغض النظر عن النصف الفارغ. وعندما ننظر إلى النصف المليء بهدف أن نملأ النصف الفارغ، لا أن ننظر إلى النصف الفارغ فقط من دون أن ننظر إلى النصف المليء، عندها لن نحقق شيء. يعني بمعنى أصح، أنا أدعو للتفاؤل مهما كانت الصورة سوداء لأن أي شيء أسود، لو بحثنا بشكل جدي عن شيء أبيض فيه سوف نراه. فإذاً نحن نحدد الرؤية. الرؤية والمستقبل بالدرجة الأولى هو شيء ذاتي. نحن نحدده، علينا أن نتمكن من رؤيتنا الذاتية، أن نجعلها أقل تأثراً مع الرؤى الأخرى الخارجية وأكثر تفاعلاً معها وليس أقل تفاعلاً وأكثر خضوعاً لها.‏

26/4/2004‏

 

 


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ