ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/05/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مقالات مختارة ـ عدد المقالات 10

1- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والعدالة والسياسة / ياسين الحاج صالح

2- ترشيد أجهزة الأمن / سين من الناس : ( كلنا شركاء) 2/5/2005

3- إدارة بوش وضعت خططها لـ "مرحلة ما بعد البعث السوري" وهمها قلب النظام بهدوء دون "مجزرة دموية" /السعودية لا تقبل بأقل من رأس البعث بديلا عن اغتيال الحريري لندن ¯ كتب حميد غريافي: السياسة الكويتية 29/4/2005

4- رفع المصادرة عن أملاك مراقب الإخوان بهية مارديني : ايلاف 1/5/2005

5- ازدياد الحمل السفاح في سورية/ حسام شحادة : ايلاف 1/5/2005

6- هل يحقق المؤتمر القطري العاشر آمال السوريين؟!! د.زهير ابراهيم جبور : جامعة تشرين ( كلنا شركاء) : 2/5/2005

7- موجة غاضبة تسود حلب السورية / بهية مارديني: ايلاف 2/5/2005

8- إدارة جديدة لمنشآت مجموعة الديري ...الملاح: نعمل لتوزيع الأسهم على الدائنين / محمد مسلماني : الثورة 9/5/2005

9- صورة السوري علي الفضائيات العربية ونظرية طبوزاده في الأخبار! حكم البابا - القدس العربي  5/5/2005

10- في فقه التمكين الأمريكي/  فهمي هويدي

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 1

حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والعدالة والسياسة

ياسين الحاج صالح : الحياة 1/5/2005

تفرض وجوه الشبه بين وضعي حزب الله في لبنان ومسلحي البشمركة الأكراد في شمال العراق نفسها على المراقب المتجرد. ففي الحالين لدينا قوة مسلحة، يسميها خصومها ميليشيا، مستقلة عن الدولة ولا تخضع لسلطتها. وفي الحالين ثمة انتقاص من سيادة الدولة التي تحتكر، تعريفاً، ممارسة العنف المشروع في الداخل والخارج. في الحالين كذلك يمكن الكلام على سيادتين ضمن دولة واحدة (والسيادة واحدة تعريفا) أو على دولة داخل الدولة. وتكونت القوتان المسلحتان، في الحالين، في سياق مزدوج: انهيار الدولة او خفض مرتبة سيادتها، وصعود جماعة جزئية، مذهبية في لبنان وإثنية في العراق. في لبنان تكون حزب الله في سياق الحرب اللبنانية وضعف أو غياب الدولة، وفي الوقت نفسه صعود الشيعية السياسية والمحاربة بعد الثورة الإيرانية وبدعم إيراني. في العراق تكونت البشمركة من قوات حزبية استفادت من حصار العراق بعد حرب الخليج الثانية، وتمتع الأكراد بدرجة واسعة من الاستقلال طوال قرابة 12 عاما. منذ أواخر الثمانينات وبالتواقت مع انتهاء الحرب اللبنانية، تحول التحديد الأساسي لهوية حزب الله السياسية إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بينما اندرجت البشمركة في تحقيق هوية سياسية كردية لا تستبعد استقلالا تاما ولا تنخفض عن حيازة وزن سياسي محوري في العراق ما بعد البعثي.

في الحالين كان ثمة سند دولي: سورية وإيران لحزب الله، والولايات المتحدة للبشمركة. في الحالين ثمة عدو أساسي: إسرائيل لحزب الله ونظام صدام حسين للبشمركة الكردية. الفارق المهم أن حزب الله يستطيع ان يضع مواجهته مع العدو في سياق الدفاع عن السيادة اللبنانية، فيما المشروع السياسي الكردي الذي قد تكون البشمركة ذراعا عسكريا له ليس سياديا، أي لا يدافع عن السيادة العراقية ولا يستطيع ان يعمل من أجل سيادة كردية. وهذا مصدر ارتباك أكيد: فوجود البشمركة متعارض مع سيادة الدولة العراقية، ولا حل لهذا التعارض إلا بالاستقلال عن العراق او بحل البشمركة. ليس ثمة خيار يتيح الجمع بين قوة مسلحة مستقلة وسيادة عراقية واحدة.

وفي حالة حزب الله تسعى الولايات المتحدة إلى تجريده من السلاح باسم استكمال سيادة الدولة اللبنانية وانتشار جيشها إلى الحدود ورفض وجود ميشليات مستقلة، لكن دافعها لذلك يتصل بثأر قديم وبمصالح مستقبلية. وفي الجوهر من هذا هناك مسعى الولايات المتحدة ذاتها إلى احتكار السيادة العليا في المنطقة وحذف اية قوى جذرية قد تعترض مشروعها السيادي هذا، المسمى «الشرق الأوسط الكبير». وضمن هذا المشروع ثمة الاستثناء الأمني الإسرائيلي، اعني السعي الإسرائيلي وراء الأمن المطلق، الذي يعتبر أية مقاومة عربية فعالة له تهديدا وجوديا لا يمكن التسامح معه. أقرب شيء إلى وضع حزب الله هذا، كرديا، موقف تركيا من البشمركة. من وجهة نظر سياسية واقعية ترى تركيا ان تحسنا كبيرا في وضع أكراد العراق من شأنه ان يثير ميولا نابذة أو انفصالية في تركيا. من هذا الباب موقفها المناهض للأكراد بخصوص قضية كركوك. فإذا اجتمع للأكراد نفوذ سياسي محوري في عراق ما بعد صدام، مع قوة عسكرية لا يستهان بها مكونة من 75 ألف مسلح، ومع مورد اقتصادي بالغ الأهمية يتمثل في نفط كركوك، كان ذلك تهديدا محتملا للمصالح الوطنية التركية. إلى ذلك فإن وجود البشمركة سيضيق هامش الاستقلالية التركية حيال السياسات الأميركية في «الشرق الأوسط». إذ يمكن للأميركيين الاستفادة غير المباشرة منها للضغط على تركيا عن بعد باستخدام آلية الرافعة: تعظيم وزن الأكراد في العراق سيخفف وزن تركيا (بخلق «خاصرة ضعيفة» لها في جنوبها الشرقي) ويضطرها إلى مراعاة زائدة للأميركيين.

قلنا إنه من وجهة نظر الدولة السيدة لدينا مشكلة في الحالين تتمثل في وجود سلاح وقوات لا تخضع لسلطة الدولة. لكن، في الحالين أيضا، يشكل مفهوم الدولة السيدة وحده دليلا سيئا إلى معالجة وحل المشكلة. والحال ثمة مقاربتان غير صالحتين لمقاربة المشكلة السيادية التي يطرحها حزب الله الشيعي اللبناني والبشمركة الكردية العراقية. المقاربة الأولى (نسميها السيادوية) هي التي تجعل من مفهوم السيادة برنامجا سياسيا للتطبيق الفوري، وتستنبط منه وجوب نزع سلاح اية مجموعات مستقلة عن سلطة الدولة. المقاربة الثانية تنكر وجود مشكلة اصلا، وتحول التشوه السيادي الذي اصاب الدولة اللبنانية في سياق الحرب والاحتلال الإسرائيلي والهيمنة السورية، ونظيره الذي اصاب العراق نتيجة حرب الخليج الثانية والحصار الأميركي ومناطق حظر الطيران، شرطين سياسيين سويين.

حيال هاتين المقاربتين قد يكون الأنسب اقتراح مقاربة انتقالية تقر بان هناك مشكلة لا يمكن التعايش معها على الدوام، لكن مع رفض المعالجات السيادوية التي تنكر الجوهر السياسي للمشكلة. مقاربة تأخذ عامل الزمن بالاعتبار، وتحرص قبل كل شيء على التصدي للمشلات السياسية والاجتماعية الأصلية التي تسببت في نشوء حزب الله والبشمركة. السيادة مهمة، لكن العدالة أهم. السياسة دائما هي الأهم.

في لبنان، لا يمكن مقاربة قضية حزب الله جديا دون معالجة مشكلات موقع الشيعة في النظام السياسي اللبناني من جهة، ومسألة التهديد العسكري الإسرائيلي للسيادة اللبنانية والوجودي لحزب الله ذاته من جهة أخرى. بعبارة اخرى يلزم جهد على مستويين: مستوى لبناني ومستوى إقليمي ودولي. على المستوى اللبناني تمس الحاجة إلى تفاهم سياسي واسع على أمرين. اولهما تمييز إيجابي، تنموي وإداري، لصالح الشيعة والمناطق الشيعية في لبنان ما بعد الهيمنة السورية، وثانيهما وضع الانحياز للدولة اللبنانية ضد حزب الله في سياق مفهوم منسجم للسيادة منحاز لدور حزب الله في مواجهة إسرائيل والضغوط الأميركية. باختصار: إذا كان السلاح المستقل لحزب الله مشكلة (وهو كذلك) فإن اللبنانوية أو السيادوية الأحادية الجانب التي تتجاهل المسألة الإسرائيلية أو تقلل من اهميتها ليست الحل. أليس من المثير للتأمل، بالمناسبة، أن من يهتمون بأحد بعدي السيادة قلما يهتمون بالبعد الآخر؟ يثير التأمل ايضا ما قد نسميه التقسيم الطائفي للسيادة أو تطييف السيادة: أحد وجهي السيادة ماروني تقريبا والآخر شيعي تقريبا. يثير التأمل كذلك ان أبرز سياسي في كل من الطائفتين هو رجل دين: حسن نصر الله ونصرالله بطرس صفير.

في النهاية، سيبقى لبنان منفصم الشخصية غير متوازن دون توحيد وجهي سيادته: الخارجية في مواجهة اي دولة أخرى (عمليا إسرائيل بعد الانسحاب السوري)، والداخلية في مواجهة اية طائفة أو مجموعة مسلحة.

على المستوى الدولي والإقليمي تمس الحاجة كذلك إلى ضمانات دولية بأن لا تعتدي إسرائيل على الأراضي والمياه والأجواء اللبنانية، وأن تمتنع هي والولايات المتحدة عن ملاحقة اي اعضاء من حزب الله بالاغتيال أو الاعتقال أو التهديد.

هذا برنامج خمس سنوات يسير فيه بالتوازي احتكار السيادة في الداخل مع احتكار السيادة حيال الخارج.

حالة البشمركة ايضا سياسية ولا تعالج إلا علاجا سياسيا. هنا ايضا ثمة مستويان للعمل. مستوى التفاهم العراقي على المساواة في الداخل على جبهتي توزيع السلطة والثروة وعلى جبهة المساواة السياسية والحقوقية، الفردية والجمعية، بين العراقيين. ومستوى الضمانات الدولية والإقليمية بأن لا يتم التدخل في شؤون العراق وان لا يسعى أي طرف خارجي، تركي او إيراني أو سوري، إلى المس بموقع الأكراد في النظام السياسي العراقي. هنا ايضا ليست العروبة البعثية حلا لمشكلة البشمركة وللاندماج الكردي في العراق الجديد. لا حل غير تعاقدي لهذه المشكلة. وهنا ايضا لا بديل عن معالجة على خطين: خط احتكار السلطة العراقية للعنف الشرعي داخل العراق وخط احتكارها العنف حيال الخارج، سواء كان تركيا أم أميركيا. الأساسي في الحالين ان لا تمر التفاعلات الداخلية، العراقية أو اللبنانية، باي طرف خارجي. هذا ايضا برنامج خمس سنوات في العراق. التعجل مشكلة، لكن نقيض التعجل هو الأناة وليس المماطلة والتسويف والمراوغة.

الفارق الأكبر بين حالتي حزب الله والبشمركة هو ان من يستهدف حزب الله اليوم هو الدولة الأقوى في العالم، الدولة القادرة على جعل أجندتها أجندة عالمية، والتي لا يمكن التعويل على حكمتها ووفائها لقيم المساواة والقانون على الصعيد الدولي. فيما تواجه البشمركة والقوى الكردية العراقية اعداء اضعف بكثير. لعل هذا هو السبب في ان من يهتمون بإحدى المشكلتين قلما يهتمون بالأخرى، وأن تماثل الوضعين لا يستدعي مقاربتين ومعالجتين متماثلتين. فالقضايا المهمة هي التي وراءها أناس مهمون. وكثيرا ما يكون العقل عميلا للسلطة.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 2

ترشيد أجهزة الأمن / سين من الناس : ( كلنا شركاء) 2/5/2005

الترشيد: هو جعل الدور رشيداً أي كافياً دون تقصير ودون إفاضة ومبالغة، وقد كان معاوية بن أبي سيفيان، خليفة دمشق الأموي، قد وضع هذا المبدأ في مقولته الشهيرة التي سنأتي على ذكرها.

أعتقد أن الإصلاح في سورية ، الإصلاح بمعناه الشامل الإداري والاقتصادي والقضائي والسياسي، وربما السياسي في أولها، إنما يتوقف على مبدأ "الحفاظ على الاستقرار" ويقوم عليها، أي ألا تؤدي هذه الإصلاحات، وخاصة السياسي منها، إلى التأثير السلبي، ليس على استقرار السلطة ( النظام) فحسب، بل وحتى أي تأثير سلبي على استقرار الشارع وعدم إثارة أية اضطرابات بالمعنى الواسع.

الوجه الآخر لمبدأ "الحفاظ على الاستقرار " وجذور هذا المبدأ إنما تقوم على قدرة أجهزة الأمن على ضبط إيقاع حركة المجتمع.

إذا كانت الإصلاحات جميعها، وفي مقدمتها الإصلاح السياسي، ستمنح المجتمع قدرة أكبر على التعبير، كما ستمنحه حقوق تشكيل الأحزاب والجمعيات بأنواعها، وحريات الإعلام بل والتظاهر والإضراب السلمي ومختلف أشكال التعبير السلمي، فإن منح هذه الحريات سيبقى مشروط بألاّ يؤدي إلى أية اضطرابات وألا تستخدم من قبل البعض لزعزعة استقرار النظام، أو حتى لخلق صعوبات داخلية إضافية وخلق ضوضاء إعلامية من حول النظام (وجع رأس).

من قبل كان النظام يغلق هذا الباب الذي ستأتي منه الريح ويستريح. ولكن الظروف الجديدة تخلق من حول سورية ظروف تجعل من العسير الاستمرار في إغلاق الباب، خاصة وأن انفتاح سورية الاقتصادي ودخولها في شراكات سيخلق حاجة موضوعية تتحول إلى ضغوط للقيام بانفتاح سياسي. ثم إن الانفتاح الإعلامي وتأثيراته، وخاصة الفضائيات والإنترنت، قد أفلت الرقابة من أيدي الأجهزة ووضعها في يد المشاهد الذي يقبض على جهاز التحكم (الرومولت كونترول)، ولسنا بحاجة للشرح، ويخطئ من يقلل من شأن التغيير العظيم الذي تخلقه الفضائيات والإنترنت في الذهنية العامة وتعاطيها مع واقعها المحيط وتقييمها له وقبولها به وتأثيرات ذلك المستقبلية. من لا يعرف ذلك ويستعد له سيفاجأ يوماً باستحقاقات تتراكم مشكّلة احتقاناً يهدد بانفجار مدوٍ. هذا إذا لم نضيف الضغوط الأمريكية والدولية على سورية في اتجاه الانفتاح الديمقراطي، رغم أنها ضغوط لها أهداف أخرى، فأمريكا تبقى آخر من يهتم بديمقراطيات الآخرين (كلمة حق يقصد بها باطل).

في مركز تحقيق التوازن بين الاستجابة لمتطلبات التغيير والحفاظ على الاستقرار، تبرز مشكلة التخوف من "فلتان" الشارع، لأن أجهزة الأمن تعودت استخدام المنع ومجابهة حالات التمرد باستخدام القوة وتعودت التعامل مع حالات الاحتجاج المعارض بالاعتقال. إذاً المسألة تكمن في رفع قدرة أجهزة الأمن على التعامل مع حريات سياسية أوسع وقدرة أكبر للمجتمع على التنظيم والتعبير، فإذا ما تم رفع وتطوير قدرات أجهزة الأمن هذه فإنها ستكون أقل معارضة، بل ستساهم في تنظيم هذا الانفتاح السياسي.

في جميع بلدان العالم يوجد أجهزة أمن تراقب وتتدخل لتحفظ الاستقرار، ولكنها تمارس هذه المهمة ضمن نطاق القانون الذي يطبق بكفاءة، فيمنع الشطط ويمنع التصرفات الشخصية لأفراد الأمن التي تخرج عن نطاق وظيفتهم العامة. ومن يعتقد أن الشرطة والأمن في البلدان المتقدمة لا دور لها يكون مخطئاً.

في الولايات المتحدة طبقوا نظام طوارئ، وتدخلوا في الحريات الفردية والعامة التي تعد لديهم قدس الأقداس، ويتعرض اليوم زوار الولايات المتحدة من البلدان العربية والإسلامية على نقاط حدودها لتفتيش مهين، بينما أصبح جميع سكان العالم يعبرون الحدود السورية بكل احترام. ولكن حكومة الولايات المتحدة فعلت كل ذلك باللجوء الصريح إلى القانون، وقد نجحت حكومتهم في إقناع غالبية الأمريكيين بأن هذا في مصلحتهم، طبعاً تحت التهويل بأخطار مبالغ فيها كثيراً لإخفاء أهداف غير معلنة، ولكن المهم أن غالبية الأمريكيين قالوا نعم، وأعادوا انتخاب الرئيس بوش.

الرقابة على المجتمع في الدول المتقدمة ليست عبر أجهز ة الأمن أولاً، فدورها يأتي في النهاية، بل عبر وسائل أخرى تبدأ من المدرسة وتمر في أماكن العمل، ثم النظام العام في المجتمع وفي السكن وفي المشاركة في التنظيمات المجتمعية المختلفة، كالجمعيات والنقابات والأحزاب، ثم وبخاصة دور وسائل الإعلام الهائل وغيرها. ويأتي دور أجهزة الأمن في الأخير كالكي في الطب العربي. إن أجهزة الأمن في البلدان المتقدمة هي أجهزة متطورة إدارياً وتنظيمياً وتكنولوجياً. وهي تستخدم مقولة معاوية بن أبي سفيان " والله لا استخدم سوطي حيث ينفع لساني، ولا أستخدم سيفي حيث ينفع سوطي، ولو كان بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، فإن شدوا رخيت وإن رخو شددت".

سورية تتجه نحو استكمال بناء اقتصاد السوق، أي الانفتاح الاقتصادي، والوجه الآخر المكمل والمشروط معه مع الانفتاح الاقتصادي هو الانفتاح السياسي، فهما مترابطان. إن شعار "دعه يعمل دعه يعمر" الذي أطلقته بورجوازية أوروبا لتكسر القيود والحدود الإقطاعية أمام حركة البضائع والأفراد تبعها في النهاية فتح الحريات السياسية أيضاً. وإذا كانت هذه العملية قد احتاجت لحقبة تاريخية طويلة في السابق، فإن عصر السرعة يختصر القرون بالعقود والعقود بالسنوات.

توجه سورية نحو اقتصاد السوق رفع قدرات الإدارات الحكومية للتعامل مع اقتصاد مفتوح، ولم يكن لدى هذه الإدارات خبرات كافية للتعامل معه، بعد عدة عقود من التدخل الحكومي المبالغ فيه، عقود حدثت خلالها تطورات كثيرة في العالم وفي المنطقة، مما فرض الحاجة لبرامج للإصلاح الإداري وبرامج لتطوير الخبرات إلى جانب تطوير البنيتين التشريعية والمؤسسية .

الانفتاح السياسي يرتبط بالانفتاح الاقتصادي، وهو شرط لرفع كفاءة الأداء الاقتصادي. الاستثمار المنافس يطلب سيادة القانون ليتمكن من الدفاع عن حقوقه، ويهرب من أية أسواق يكون التدخل الأمني فيها غير مقيد، ولا يحكمه القانون بقوة. هذا يعني بالنسبة له أن البيروقراطية مرتفعة وإمكانية "السلبطة" كبيرة.

الانفتاح الاقتصادي والسياسي يتطلب رفع قدرات الإدارة الحكومية والمجتمع السوري عموماً على التعامل مع الانفتاح السياسي كما الانفتاح الاقتصادي، ومع مناخ حريات عامة أوسع، يتم التعبير فيها بأشكال وطرق لم تكن مألوفة أو متاحة في سورية، منذ ما يقل قليلاً عن نصف قرن من الزمان، بشكل متقطع، وما يزيد عن أربعين عاماً على نحو مستمر. وبما أن أجهزة الأمن هي اللاعب الرئيسي في إدارة الشارع السوري اليوم، فإن تطوير قدراتها كفيل بالإفساح أمام انطلاق الانفتاح السياسي ومشاركتها الفعالة في إدارة هذه العملية ضمن التزام صارم بالقانون على النحو المألوف في الدول المتقدمة، بل وحتى الكثير من الدول النامية التي نأمل أن تكون سورية من بين الدول التي تحتل مكانة مرموقة في مقدمتها لا في مؤخرتها.

خلاصة فكرتي: أن الإصلاح الاقتصادي والإداري والقضائي والسياسي والاجتماعي والثقافي يتطلب بالضرورة إصلاح أجهزة الأمن، كونها لاعباً رئيسياً في كل هذه العملية. وإذا لم يتم إصلاح أجهزة الأمن فإنها ستشكل عنق زجاجة أمام التغيير في بقية القطاعات.

أخيراً سيبدو حديثي الصريح حول أجهزة الأمن أنه اختراق لتابو مقدس، لم يكن من الجائز مساسه أو الاقتراب منه قبل سنوات قليلة، ولكن أردت بهذا الاختراق أن أطبّع الحديث عن أجهزة الأمن كإحدى مؤسسات المجتمع وفي خدمة المجتمع وليست فوق المجتمع، مؤسسة تقوم بدور هام، ولكنها تحتاج لأن تكون تحت الأضواء وتحت المسائلة وتحت القانون الذي يمثل إرادة المجتمع وشريعته، والذي يجب أن يكون المقدس الوحيد، كونه المعبر عن إرادة المجتمع الحرة. هذه الإرادة الحرة للمجتمع لها حق مطلق في تطوير وتعديل وتغيير أسس عقدها الاجتماعي كي نخلق شيئاً من التوازن نذكر أن الكثير من أشكال تعاطي أجهزة الأمن مع البلاد والعباد وكذلك سلوك أفرادها قد تغيّر، وطهور هذه المقالة والكثير مما يشبهها هو أحد الأمثلة الصغيرة، ولكنه تغير طفيف لا يصنع الربيع المنشود، وجاء تحت الضغوط بأكثر مما جاء بدافع القناعة الرؤية المستقبلية الذاتية، وربما كانت برامج إصلاح ما تطبق في أجهزة الأمن، ولكن يتم التكتم عليها عملاً بالقواعد القديمة. هنا نذكر أن الإعلان عن هذه البرامج سيحسن من سمعة أجهزة الأمن كثيراً. وسيساعد في تحسين هذه البرامج ذاتها، وسيساعد في رسم أدوار هذه الأجهزة بالتشاور مع المجتمع ومؤسساته ومباركتهما، كما هو الحال في البلدان المتقدمة التي تلعب فيها أجهزة أمنها دوراً كبيراً في خدمة مجتمعاتها.

كلمة أخيرة:

سمعت عن لسان أحد كبار ضباط أجهزة الأمن في سوريا، ما معناه أن هذه الأجهزة مظلومة جداً، وأنها كأجهزة ليست ضد التغيير، بل هي مستعدة وقادرة أن تسهم في التغيير على نحو إيجابي جداً لمصلحة البلاد والعباد، على قاعدة الاستقرار، عندما يطلب منها ذلك.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 3

إدارة بوش وضعت خططها لـ "مرحلة ما بعد البعث السوري" وهمها قلب النظام بهدوء دون "مجزرة دموية" /السعودية لا تقبل بأقل من رأس البعث بديلا عن اغتيال الحريري لندن ¯ كتب حميد غريافي: السياسة الكويتية 29/4/2005

لم يحصل هناك اجماع دولي قط من قبل على ان نظام البعث في سورية يتأرجح الان قبل السقوط كما هو حاصل منذ صدور قرار مجلس الامن الدولي 1559 في سبتمبر الفائت وخصوصا بعد خروج السوريين من لبنان بهذه الطريقة التي ليس فيها الكثير من »حفظ الكرامة« او »ماء الوجه« اللذين جهد نظام اميل لحود الامني في لبنان في اسباغهما على هذا الخروج »الليلي« المشابه لانسحاب القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان »هربا تحت جنح الظلام« في مايو عام 2000 كما وصفه حلفاء دمشق في لبنان, و»طنطنت« له صحف سورية المؤممة واذاعتها وتلفزيونها بسخرية وشماتة غير مسبوقتين.

واذا كان الرئيس الاميركي جورج بوش اعلن جهارا الاسبوع الماضي انه »محا« بشار الاسد من اي نظرة له الى دول الشرق الاوسط وانه »اصبح في نظره كياسر عرفات في ايامه الاخيرة, لا يعتزم التفاوض معه او حتى التكلم في اي موضوع« فان دوائر القرار في البيت الابيض ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) ووزارتي الدفاع والخارجية والكونغرس بجناحيه وخصوصا دوائر »المحافظين الجدد داخل هرميات هذه المؤسسات تذهب ابعد من ذلك جين تؤكد ان »تداعيات الانسحاب السوري من لبنان قد تلعب لعبتها السلبية بل ربما الدموية في وقت اقرب مما يتوقعه الكثيرون ضد نظام بشار الاسد بحيث يتساقط قطعة بعد قطعة في اشهر معدودة«.

وذكرت صحيفة »يديعوت احرونوت« الاسرائيلية هذا الاسبوع في هذا السياق الاميركي ان »سورية اليوم في حالة دفاع ولم تفقد القدرة لا على خطواتها السياسية او العسكرية في لبنان فحسب بل وفي منطقة الشرق الاوسط برمتها فالنظام السوري ضعيف اليوم اكثر من اي وقت مضى, ومنعزل في الساحتين الدولية والاقليمية, فيما يكافح في سبيل حياته«.

وقالت انه »في هذا الوضع السوري الحالي, واذا لم يتغير الاسد فان انسحاب قواته من لبنان كفيل بأن يبشر ليس فقط بنهاية العصر السوري في لبنان بل وايضا بنهاية عصر حكم الاسد في دمشق«.

وكشف مسؤول اميركي كبير في وزارة الخارجية بواشنطن النقاب امس الاربعاء عن ان »كل هذه المؤسسات الاميركية مجمعة على وجوب حسم سريع للوضع القائم الان في سورية وعدم منح نظامها اي فرصة لالتقاط انفاسه بعد ضربة انسحابه من لبنان وعزله حتى عربيا كيلا يتكرر السيناريو الاميركي مع صدام حسين الذي نجم عن طول نفسه نحو 12 عاما منذ غزوه الكويت عام 1991 ما تكابده الولايات المتحدة الان في العراق ولو كان قضي عليه فور تحرير الكويت لكانت منطقة الشرق الاوسط تسبح الان في محيط من السلام والديمقراطية.

ونقل ديبلوماسي عربي عن هذا المسؤول قوله ان »خططا نهائية متفقا عليها وتلقى اجماع مختلف الاطراف الاميركية دون اي معارضة تذكر وضعت بالفعل لما اطلق عليها »مرحلة ما بعد البعث السوري« وان مختلف دوائر القرار الاميركية »مهتمة الان بكيفية بلوغ هدف اطاحة نظام البعث دون مجزرة دموية تحول سورية الى عراق آخر لن يكون بمقدور المجتمع الدولي تحمل اعبائها الثقيلة مرة اخرى«.

وذكر المسؤول ان »الساحتين العسكرية والسياسية السوريتين اكثر سهولة علينا من الساحة العراقية التي كانت تشكل حلقة مقفلة امامنا فهناك المئات من قادة القطاعات العسكرية غير البعثية وان كانت شبه مهمشة قد تكون جاهزة اكثر من اي وقت مضى لقلب ظهر المجن للنظام البعثي خصوصا بعد لطمة لم تعرفها من قبل بخروجها من لبنان الذي تحمل تبعته لسياسة الحزب الحاكم واخطائه وارتكاباته وكذلك بسبب غرق الحزب السافر والعلني في المستنقع العراقي الذي طالما حاولت سورية الابتعاد عنه جارا خلفه الشعب السوري برمته نحو عداء مستقبلي مستحكم لا مع العالم فحسب بل مع الشعب العراقي المفترض ان يكون الاقرب الى الشعب السوري برمته«.

وقال مسؤول الخارجية الاميركية ان اجتماع الرئيس بوش مع ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز في مزرعته بكراوفورد في تكساس, »وضع حدا مفاجئا لشكوك الولايات المتحدة حيال الموقف العربي الموحد من ضرورة الخلاص من حزب البعث السوري الذي هو الجناح المصفق الآخر لشقيقه العراقي المقصوص, وقد يكون الرئيس الاميركي لمس من مرارة حديث الامير السعودي وألمه من طعنة سورية القوية في ظهره باغتيال رفيق الحريري تصميما »عربيا قبليا« يؤكد رغم عدم التصريح العلني للامير عبدالله انه لا يقبل بأقل من رأس النظام السوري بديلا عن اغتيال الحريري«.

وقال المسؤول ان بوش »لم يلق اي دفاع عن نظام بشار الاسد عندما جس نبضي الرئيس المصري حسني مبارك وملك الاردن عبدالله الثاني بالنسبة لضرورة وضع حد نهائي لبقائه (البعث) اذ ان الطرفين ابديا ¯ مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ¯ يأسا من اي امكانية في التوصل الى اعادة هذا النظام الى صوابه المفقود«.

 

أصحاب المحال على الحدود ينتظرون «سياحاً سوريين» انسحبوا

ناجية الحصري:الحياة 30/4/2005

انتظر امس، اصحاب المتاجر الممتدة من بر الياس الى نقطة المصنع الحدودية «السياح السوريين» حتى الى ما بعد الظهر لكن احداً لم يأت. فمنذ غادر آخر جندي سوري الاراضي اللبنانية في 26 الجاري، لم يعد ثمة من يشتري تلك البضائع المكدسة في اسواق تشكلت على مدى 29 سنة على وقع حركة هؤلاء الجنود.

انه يوم الجمعة وفي روزنامة رجال الجمارك والأمن العام والبائعين في منطقة المصنع هو من اكثر ايام الاسبوع مدعاة للعمل الكثيف، لأن طوابير السيارات السورية الآتية الى لبنان تمتد خطوطاً طويلة، لكنها ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تراجعت الى حد يشبه الانقطاع الكلي، وعلى رغم تراجع حدة التوتر السياسي والانباء عن تعرض سوريين الى اعتداءات مختلفة فإن هذه الحركة ما زالت اقل من خجولة كما وصفها احد موظفي الجمارك اللبنانية.

بعض سيارات عبرت امس، في اتجاه الاراضي اللبنانية، بعضها يحمل لوحات سورية لا سيما سيارات الاجرة منها ووجهة اصحابها أما شتورة او محطة شارل الحلو في بيروت، والبعض الآخر يحمل لوحات لبنانية او اردنية او ديبلوماسية، وفي الاتجاه المعاكس حركة مماثلة، اما الخط العسكري الذي لم يقفل بعد فإن الحركة عليه معدومة. وفي ما عدا ذلك صمت يطبق على المكان، ورجال في لباس عسكري يتسامرون قليلاً او يجولون بنظرهم على مشاهد حفظوها عن ظهر قلب، وخلف شريط شائك فصل الطريق عما خلفها، وقف اربعة شبان استحدثوا لأنفسهم وظيفة «تخليص معاملات تسجيل السيارات» ينتظرون رزق اليوم الذي ينتهي مع حلول المغيب بعدما كانت الحركة لا تتوقف حتى الى ما بعد منتصف الليل.

لا شك في ان الحياة في تلك البقعة من لبنان اختلفت عما كانت عليه قبل ثلاثة ايام فقط. والاعلام اللبنانية التي تلوح على شرفات المنازل المطلة على طريق دمشق الدولية والصور المختلفة الاحجام للرئيس الحريري، من دلائل ذلك الاختلاف. قال المهندس الميكانيكي المقيم في عنجر انهم حينما سحبوا الدبابة التي كانت متمركزة على مسافة من منزله احس بأنه قادر على «التنفس بصورة افضل»، وهو لا ينكر «ان بين الجنود والضباط السوريين من كانت العلاقة معه جيدة، انما حينما كان يأتي احدهم لطلب أي شيء من أي دكان او مصنع باسم المسؤول عنه كان علينا ان نلبي طلباته وهي كثيرة ولا تنتهي».

لكن الناس في هذه المنطقة يواصلون حياتهم كما اعتادوا وثمة هواجس من نوع آخر تنتاب البعض. فالأسواق التي تعرض بضائع احضرت من الصين بأسعار بخسة لبيعها الى الجنود، تعيش «صدمة الانسحاب»، والعشرات من هذه المتاجر اقفلت ابوابها لانتفاء الغاية منها. فغالبيتها تبيع البسة وعطوراً وزجاجيات وأدوات كهربائية والكترونية. وكان الجنود يشترون كميات قليلة ويعبرون بها الحدود السورية بحسب ترتيبات مسبقة لبيعها في بلادهم.

وتقول سيدة تملك محل نوفوتيه ان الجنود كانوا يشترون بضاعتها «الاجنبية» لأن الطلب عليها في سورية كبير، «ومنذ غادروا البقاع توقف عملي، صحيح ان الانسحاب السوري يبعث على الشعور بأننا أسياد في وطننا لكن يهمنا اكثر استقرارنا المعيشي، ولا اعلم متى يحين الوقت لأغلق محلي، فالسياح السوريون لا يأتون».

ولأنها تجارة مربحة لكل الاطراف، فإن ثمة بدائل بدأت تتشكل وبسرعة. ويقول محمد من شمسطار، وهو يملك محلاً للألبسة انهم يتلقون اتصالات من زبائنهم لإيصال «البضاعة» الى نقطة الحدود السورية ويتم ذلك بواسطة سيارات الاجرة التي تعبر الحدود وهناك من يكون في انتظارها لتسلمها.

انها مخارج بديلة لتشدد من نوع آخر، فعمليات التهريب التي كانت تقلق رجال الجمارك اللبنانية والسورية على حد سواء تراجعت الى حد التوقف النهائي خلال الايام الاخيرة، فالسواتر الرملية التي كان يرفعها عناصر الجمارك في المنطقة الجبلية، لا سيما في وادي عنجر وبرك الرصاص وكفرزبد لسد الثغرات التي كان ينفذ منها المهربون لا تزال على حالها، بعدما كانت في السابق تزال ما ان يخيم الليل، وأكثر البضائع التي كانت تهرب التبغ والمشروبات الروحية والمخدرات وكل ما هو خاضع للرسوم الجمركية في الاتجاهين.

واذا كانت ثمة شبهات تحوم حول دور الخط العسكري في بعض عمليات التهريب، فإن هذا الخط يُنتظر البت بمصيره خلال ساعات مقبلة بعدما أُعطي من دخلوا عبره وفي الاتجاهين مهلة لمغادرة البلد الذي قصدوه وجعل اقامتهم قانونية. ويردد العاملون عند الحدود ان ثمة تغييرات حصلت اخيراً للطواقم الامنية السورية عند نقطة جديدة يابوس السورية بهدف ضبط الحدود، وتتلقى النقاط الامنية اللبنانية طلبات من سوريين لتسجيل سياراتهم بهدف دخول لبنان في شكل قانوني، وبين الطلبات ما يعود الى اعضاء في مجلس الشعب السوري.

ولا ينفي السوريون الذين يعبرون الى الاراضي اللبنانية ان زيارتهم تقابل باستغراب من اهاليهم لجرأتهم على التوجه الى لبنان، الا ان معظمهم ممن لديه اقارب في لبنان او اقام فيه لفترات طويلة او ممن يقصد شتورة لمتابعة حركة ايداعاته المالية في احد مصارفها.

مشهد حواجز الجيش اللبناني يثير في النفوس احاسيس متناقضة، مزيج من الفرح بعودة الدولة والخوف منها، واذا كان الشبان رقصوا بالأمس على الحدود لحظة مغادرة آخر دفعة من القوات السورية وجدت من يتهكم عليها ويذكرها بما انتفعت به من نفوذ خلال هذا الوجود، فإن المتهكمين انفسهم يخشون من ان عودة الدولة تعني انتفاعاً من نوع آخر.

 

في سورية الحركة النقابية غائبة عن السمع

دمشق - خليل صويلح : الحياة 30/4/2005

تعمل رنا منذ نحو خمس سنوات في عيادة طبيب مشهور بدوامين، مقابل أجر شهري لا يتجاوز 3000 ليرة سورية (60 دولاراً). وهي لا تكاد تلتقط أنفاسها. إذ ينبغي أن تحضر إلى العيادة قبل قدوم الطبيب، لتسجيل مواعيد المرضى، وتنظيف العيادة يومياً، وأحياناً عليها أن تتحمل»مضايقات» الدكتور.

فالتحرش كما تعلق «ضريبة إجبارية تدفعها النساء العاملات». وعلى رغم الشروط القاسية، فهي كما تقول ، لا تفكر في البحث عن فرصة عمل أخرى، لأنها لم تجد عملاً أفضل إلى اليوم.

حسن يحمل شهادة بكالوريا، سعى كثيراً للحصول على وظيفة لائقة. وعندما فقد الأمل، عمل غرسوناً (نادلاً) في مطعم من دون أجر في مقابل نسبة من «البقشيش» الذي يحصل عليه من الزبائن. أما سليمان فقد جاء إلى دمشق من إحدى القرى البعيدة، بحثاً عن عمل موسمي، إلى أن قادته خطواته إلى رصيف إحدى الساحات الكبيرة في العاصمة... فافترش الرصيف إلى جانب عشرات العمال المهاجرين، في انتظار فرصة عمل، مهما كان نوعها، مقابل100 ليرة في اليوم، على أمل مساعدة عائلته وأطفاله.

وهناك أسر بكاملها نزحت من الريف إلى أطراف دمشق للعمل في المصانع والورشات الصغيرة بأجور زهيدة وشروط صحية سيئة. لكن «أبو سلوى» الذي تعلم تدخين النارجيلة، قال إنّ الوضع هكذا أفضل بالنسبة إلى شخص مثله، لديه ست شابات، وجدن عملاً في معمل للسكاكر. أما هو فآن له أن يستريح من عناء العمل في الأرض التي أصابها الجفاف.

فرص نادرة

في بلد مثل سورية حيث يتخرّج نحو250 ألف شاب إلى سوق العمل سنوياً، تبدو فرصة الحصول على عمل مناسب نادرة وصعبة في غياب الخطط التنموية والاهتمام الجدي من الحكومة. ذلك أن مكاتب الاستخدام التي فتحت أبوابها منذ ثلاث سنوات لاستقبال طلبات العمل في المؤسسات الحكومية، لم تتمكن من تخفيف نسبة البطالة. وأصبحت بالنسبة إلى بعض القائمين عليها مكاناً للمحسوبيات والرشوة والفساد الإداري. وهذا الواقع يقود الشباب لقبول أي عمل بصرف النظر عن اختصاصاتهم. فالجامعي يعمل سائق تاكسي، مثلما تعمل الفتيات المدللات مذيعات في التلفزيون من دون خبرة أو شهادة.

ويرى عمر قشاش وهو نقابي قديم أن «أصحاب العمل في القطاع الخاص يحصلون العامل يوقع على»عقد إذعان» قبل بدء العمل. ويقضي هذا العقد «بأن يتنازل العامل عن مختلف حقوقه القانونية من دون ذكر التاريخ». ويوضح أن هناك نحو مليوني عامل محرومون من التسجيل في مؤسسة التأمينات الاجتماعية،

ما يجعل المؤسسة تخسر سنوياً بلايين الليرات بسبب تهرّب أصحاب العمل من تسجيل عمالهم فيها. الأمر الذي يرفع نسبة «التسريح التعسفي» بين العمال، على رغم أن القانون وضع ضوابط وقواعد ضد تعسّف أصحاب العمل. لكن الانتهاكات تحدث كل يوم في ظل ضعف الحركة النقابية وعجزها عن اتخاذ «مواقف نضالية» جدية، دفاعاً عن حقوق العمال، طالما أنها غير مستقلة وتابعة للسلطة السياسية. كما أنّ وزارة العمل تتحمّل مسؤولية كبيرة بسبب تقصيرها وإهمالها واجباتها في عدم اتخاذ أي تدبير إداري أو قانوني لإلزام أصحاب العمل بتنفيذ أحكام قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية». ويشير إلى انتهاكات من نوع آخر تتعلق بتشغيل العمال12 ساعة في اليوم، بدلاً من 8 ساعات، كما ينص القانون، وخلافاً للمادة 114 من قانون العمل.

كما أن معظم عمال المعامل والورش الصغيرة محرومون من الافادة من العطل الأسبوعية المأجورة، وهؤلاء يقدر عددهم بنحو مليون عامل. وفي حال فكر أحدهم باللجوء إلى القضاء، فإن أي دعوى عمالية تستغرق خمس سنوات على الأقل.

في العام 1985، هللت شريحة واسعة من العمال والموظفين، لمناسبة صدور «قانون العمل الأساسي». لكن صدور هذا القانون بعد انتظار طويل، كان بمثابة صدمة لهؤلاء، نظراً إلى الشروط المجحفة التي حملتها بنوده التنفيذية، وهو جاء أشبه بالزي الموحّد، بعد أن حدد الأجور والرواتب بمسطرة واحدة، وبسقف محدد. ما ألغى حسّ المبادرة والابتكار في غياب الحوافز،

وصار بعض السائقين القدامى في المؤسسات الحكومية، أعلى أجراً من خريجي الجامعات الجدد. وعلى رغم أن هذا القانون خضع أخيراً لتعديلات جديدة تنصف العاملين، إلا أن اللوائح التنفيذية لم تصدر إلى اليوم.

هذه الصعوبات لا تمنع آلاف الشباب من محاولة دخول سوق العمل في وجود نحو ثلاثة ملايين عاطل من العمل، معظمهم يعمل في قطاع الزراعة. وآخرون يتسللون إلى وظائف موقتة في القطاعين الحكومي والخاص كنوع من البطالة المقنّعة. ففي دراسة إحصائية أعدها الدكتور مطانيوس حبيب، لمصلحة «الجمعية الاقتصادية السورية»، أن نحو 50 في المئة من فرص العمل المتاحة، تعدّ بمثابة العمل الضائع. وتؤكد الدراسة أن «كل أشكال البطالة متوافرة في سورية ويضاف إليها ما تمكن تسميته «البطالة البنيوية»، وتعني اشتغال بعض العاملين في أعمال بإنتاجية متدنية وأحياناً معدومة بسبب عدم التناسب بين عنصري العمل ورأس المال».

كما أن أرقام هيئة البطالة تشير إلى أن عدد العاطلين من العمل بلغ نحو15 في المئة من عدد السكان وتذهب إحصاءات أخرى إلى أن النسبة تفوق20 في المئة، أي نحو ثلاثة ملايين عاطل من العمل.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 4

رفع المصادرة عن أملاك مراقب الإخوان بهية مارديني : ايلاف 1/5/2005

اعتبرت مصادر حقوقية سورية ان القانون 49 لعام 1980 القاضي باعدام كل من ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين "يشرّع العنف ضد السوريين" ، وطالبت المصادر بالعفو العام عن "مرتكبي الجرائم السياسية وإلغاء القانون السابق وعدم الاكتفاء بعودة المعارضين اثر تسويات فردية مع الحكومة السورية عبر سفاراتها في الخارج" ، مثل عودة عدنان طباع احد قياديي الاخوان المسلمين دون اي مساءلة ، وفي سياق ذات صلة نوهت المصادر بقرار الحاكم العرفي (رئيس مجلس الوزراء ) في سورية برفع مصادرة املاك عصام العطار المراقب العام السابق للاخوان المسلمين .

واعتبر المحامي هيثم المالح رئيس جمعية حقوق الانسان في سورية في تصريح لـ"إيلاف" ان القانون 49 يشرع العنف ضد المواطنين السوريين ، مشيرا الى اقراره من قبل مجلس الشعب في جلسته المنعقدة بتاريخ 7 تموز(يوليو) 1980 ومصادقة الرئيس السوري عليه في اليوم التالي ونشره في الجريدة الرسمية بعد 13 يوما من صدوره ، منوها بان هذا القانون خالف الدستور السوري حيث نصت المادة 30 على انه "لاتسري احكام القوانين الا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها اثر رجعي ويجوز في غير الامور الجزائية النص على خلاف ذلك" وقد طبق القانون 49 باثر رجعي.

واكد المالح ان هذا القانون خالف المادة 1 والمادة 6 من قانون العقوبات السوري حيث نصت المادة الاولى على "لاتفرض عقوبة ولا تدبير احترازي او اصلاحي من اجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه "، واما المادة السادسة فنصت على انه" لايقضى باي عقوبة لم ينص عليها حين اقتراف الجرم " واشار المالح الى انه مما تقدم يتضح ان أي مفعول رجعي لقانون يتناول العقوبات يعتبر مصادما للدستور ولقانون العقوبات ويتعين رفض نتائجه.

واكد المالح مخالفة القانون 49 للمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الحكومة السورية ، وان الغرض منه كانت تصفية المعارضة الاسلامية ، وطالب المالح بالغائه واصدار عفو شامل عن جميع الجرائم السياسية ليعود كل المواطنين السوريين المنفيين والمهجرين طوعا وقسرا في الخارج وليس عبر حالات فردية وتسويات خاصة بين الحكومة وبينهم عن طريق السفارات السورية .

وفي سياق ذات صلة نوه المالح برفع سورية المصادرة عن بعض املاك المنتمين الى جماعة الاخوان المسلمين ومن بينهم عصام العطار المراقب العام السابق للاخوان المسلمين وهي المصادرات التي اعتبرها المالح خارج اطار القانون فالحاكم العرفي (رئيس مجلس الوزراء ) او نائبه(وزير الداخلية) وفق قانون الطوارئ السوري لا يجب ان يصادر الاملاك الا اثناء الحرب وفي حالات الكوارث على ان تكون المصادرة غير نهائية.

ولفت المالح الى ان هناك الالاف من البيوت المصادرة للعديد من المعارضين السوريين الذين غادروا البلاد والذي يجب عودتها الى اصحابها .

ولفت الدكتور محمد قديمي القنصل السوري العام لدى تركيا في اتصال هاتفي اجرته إيلاف معه الى ان السفارات السورية في الخارج تقوم بتجديد جوازات سفر المواطنين السوريين جميعهم لمدة سنتين، والمواطن الذي لم يحصل على جواز سفر يقوم بتعبئة استمارة توجهها السفارات لادارة الهجرة والجوازات في دمشق، لافتا الى تعميم اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السوري بالانتهاء من دراسة الاستمارات خلال موعد اقصاه اسبوع لاعادتها الى السفارات السورية لاصدار جوازات سفر للسوريين في الخارج.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 5

ازدياد الحمل السفاح في سورية/ حسام شحادة : ايلاف 1/5/2005

في ضوء الانفتاح المتسارع للمجتمعات العربية في ظل ثورة الاتصالات الهائلة بكل ما ينطوي عليه ذلك من تأثير قيم أخلاقيات وافدة من المجتمعات الغربية، نجد أن المجتمع السوري كغيره من المجتمعات العربية بدأت تجتاحه في السنوات القليلة الماضية ظواهر اجتماعية لم تكن مألوفة أو ظاهرة للعيان مثل الحمل السفاح.. وإذا كنا نعاني من ندرة الأرقام الإحصائية عن هذه الظاهرة لاعتبارها سلوك يمارس في الخفاء وبعيداً عن الأعين في غالب الأحيان، إلا أن ملفات القضاء والدوائر الجنائية حافلة بالعديد من قصص هذه المظاهر والتي يتم كشفها بالصدفة المحضة حيث كثيراً ما تروى أو ترد إخباريات عن وجود طفل وليد ملقى في حاوية قمامة أو بالقرب من ساقية ماء أو أمام باب جامع، عل أحد المارة يلتقطه، فإما يتبناه أو يدفع به الى بيوت اللقطاء.

من ملفات القضاء العامرة في هذا السياق

في واحد من أحياء دمشق، عثر عمال التنظيفات على جثة وليد في حاوية فسارعوا إلى إخبار أقرب مخفر شرطة بالأمر، وفي ضوء التحقيقات التي أجريت تبين أن جثة الوليد تعود إلى المواطنة (حنان م. 19 عاماً) وتعمل خادمة في المنازل.. عند سؤال حنان عن والد الطفل، أجابت أنه رب عملها.. وقد طردها من المنزل بعد أن أعلمته بوقوع الحمل خوفاً من افتضاح أمره عند أسرته وعائلته وقد هددها بتهمة السرقة إن هي عادت إلى منزله مرة ثانية، وبدافع الخوف من افتضاح أمرها لم تجرؤ حنان على العودة إلى أهلها، فراحت تمتهن مهنة التسول في شوارع المدينة وفي المساء كانت تنام في أحد البيوت المهجورة، إلى أن حان موعد وضع الجنين فقامت بقطع حبلها السري بموس حلاقة ولفت الجنين وألقت به في حاوية للقمامة.

وتعليقاً على الحادثة تقول الباحثة الاجتماعية هالة فلوح: "نظراً لأن إثبات نسب الوليد بعد الحمل السفاح يخضع في المجتمعات الشرقية للعديد من المعايير الاجتماعية، لذا نجد أن المرأة وهي الطرف الأضعف لا يمكنها أن تتصرف إلا كما فعلت حنان حيث المجتمع والطرف الأقوى في هذه العلاقة وهو الرجل يرفضن بتأثير من موروثات الشرق الاقتران بهذه المرأة أو الاعتراف ببنوة حملها فالرجل في قرارة نفسه يعتبر هذه المرأة حين وهبته نفسها قد زنت رغم أنها استسلمت له بدافع الحب أو وعد بالزواج وعلى الرغم من كونه شريكاً في العمل، ومع ذلك نراه أي الرجل يمعن في رفض هذه المرأة وإذلالها ومعاملتها كعشيقة لا أكثر.

وحول عقوبة الحمل السفاح، يقول المحامي محمد جلول: لقد تحدث القانون عن السفاح وعاقب عليه وشدد في العقوبة نظراً لما لهذه الجريمة من أثر سيء على المجتمع، إذ ورد في قانون العقوبات: أن السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين، أو بين الأشقاء والشقيقات، والأخوة والأخوات من الأب أو الأم، أو من هم بمنزلتهم جميعاً من الأصهرة، يعاقب عليها بالحبس ثلاث سنوات (المادة /476/ من قانون العقوبات السوري)... بينما إذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية مثل رب العمل الذي يعتدي على خادمته، فإن العقوبة لا يمكن أن تنقص عن سنتين حسب المادة السابعة من قانون العقوبات.

وحول خلفيات انتشار الظاهرة وبيئة نموها، تقول الباحثة الاجتماعية هالة: لاشك أن البيئة الاجتماعية الخاصة وانفتاح المجتمع في ظل ثورة المعلومات والاتصالات حيث البث الفضائي الغير مراقب يتم على مدار الساعة، وهذا البث بالتأكيد يهدف فينا يهدف الى تهديد الأمن الاجتماعي في المجتمعات المغلقة كمجتمعنا الشرقي، فالهدف هو ترويج لقيم وسلوكيات المجتمعات الغربية المنفتحة والإباحية ليتسنى نسف تماسك الأسرة العربية وتحطيم تحليها بالقيم والأخلاق النبيلة.

وتتابع قولها: إن غزو وسائل الاتصال والبث الفضائي لعقول وقلوب شريحة الشباب في مجتمعاتنا يهدد هذه المجتمعات بتلوث ثقافي حقيقي سوف يؤدي بالنتيجة الى انهيار وتفسيخ النظام الاجتماعي العام ومن هنا ليس غريبا ان تتسع دوائر الحمل السفاح في مجتمعنا، وبناء على هذا الوضع، أرى أن على الأسرة والمدرسة والجهات الثقافية والإعلامية والمنظمات الشعبية والأهلية العمل في اتجاه معاكس وبكل الإمكانات المتاحة والجرأة المطلوبة حيث يمكن زج شبابنا في أنشطة وفعاليات مجدية ومفيدة وتحقيق لقاءات عفوية يتم فيها الاختلاط بشكل سلس وطبيعي مع الجنس الآخر، بما يساهم في نمو صحيح بلا قمع أو منع.. وعندها لن ينظر الى الجنس الآخر على أنه "موضوعهم الجنسي" وحسب وإنما شريك فعلي في الحياة والنشاط سواء على مقاعد الدراسة أو في التفكير والحوار، فتقوم العلاقة بينهما على الانفتاح والود والاحترام المتبادل، بدل الكبت والتشوق لاستغلال أي فرصة سانحة لتفريغ الرغبات المقموعة في أقرب المقربات لهم.

لابد من القول أن جرائم الحمل السفاح تهدد بنية الأسرة والمجتمع نظراً لعواقبها الواضحة على المرأة والوليد.. كما أنها تساهم في زيادة عدد جرائم قتل الأجنة وتصاعد أرقام اللقطاء وجرائم القتل بدافع الشرف وما يتبع ذلك من جرائم ثأر وخاصة في المناطق الريفية والنائية الأمر الذي يتطلب معالجة جريئة بكل الوسائل المتاحة وبمساعدة ومساندة كل أطياف المجتمع.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 6

هل يحقق المؤتمر القطري العاشر آمال السوريين؟!!

د.زهير ابراهيم جبور : جامعة تشرين ( كلنا شركاء) : 2/5/2005

لا يستطيع المعنيون بالشأن السوري على مختلف أطيافهم إنكار الدور الأساسي الذي لعبه حزب البعث في الحياة السياسية السورية منذ الاستقلال وحتى كتابة هذه السطور رغم تأرجح هذا الدور بين قدرة خلاّقة على تحريك الشارع السوري وإسقاط الأحلاف ودخوله اللعبة الديمقراطية وقيادته البرلمان في الخمسينات من القرن الماضي وإنجاز تجربة الوحدة رغم المآخذ الكثيرة على هذه التجربة وانعكاساتها السلبية على الحياة السورية وبين انحسار شعبية الحزب إثر تسلمه السلطة في الثامن من آذار وسيطرة الأجهزة التي راحت تحوله من حزب سياسي إلى أداة بأيدي رجالات السلطة التنفيذية التي رفدته بالانتهازيين والوصوليين من كل الأصناف، فشاعت فيه الولاءات اللاحزبية وانعدمت الروح النقدية أو المراجعة أو المساءلة للتجاوزات التي مارسها بعض القياديين الذين راحوا يتناسلون أزلاماً وأتباعاً على شاكلتهم ويغلّبون مصالحهم الأنانية الضيقة على مصلحة الوطن ودون اعتبار للقوى والشرائح السياسية الأخرى، اللهم إلاّ إذا أخذنا بعين الاعتبار التنسيق والتعاون مع أحزاب تعاني هي الأخرى الانتهازية والركود والعقم السياسي وضعف شعبيتها بين السوريين أنفسهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أشكال التعاون اقتصرت على العلاقة مع قيادات ما سمي بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي اكتفت بالحصول على امتيازات استثنائية يحسدهم عليها حتى البعثيون أنفسهم إلى درجة أن أغلب الوطنيين والمخلصين داخل حزب البعث كانوا يشعرون باضطهاد مزدوج، مرة من قبل قياداتهم الانتهازية الغارقة بكل أنواع الفساد وأخرى من قبل أحزاب الجبهة والمعارضة التي تنظر إلى هؤلاء البعثيين كانتهازيين ومستفيدين من السلطة وامتيازاتها!!

ومع الاعتراف بأن أغلبية الذين انتسبوا إلى البعث بعد تسلمه السلطة كان دافعهم انتهازياً، مصلحياً، إلاّ أن هذه الانتهازية كرسها الحزب من خلال أسلوب الانتساب إليه ومن خلال آلية التوظيف التي اعتمدها عندما حصر الوظائف والامتيازات الأساسية على نطاق واسع في صفوف البعثيين فقط وخاصة في المواقع الإدارية التي أثمرت وتثمر أرباحاً هائلة على شاغليها!!

الأمر الذي أخرج حزب البعث من الحياة السياسية السورية بتحويله من حزب له شعبية كبيرة إلى حزب من الأجهزة والانتهازيين والموظفين البيروقراطيين العاجزين عن أي فعل سياسي حقيقي أو تحقيق أية مردودية سياسية والجاهزين في الآن نفسه للتخلي عنه عند أول استحقاق وطني حقيقي!!

لقد قادت هذه الممارسات إلى حالة شبيهة بحالة الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية قبيل سقوط أنظمتها الذي فسر بنظريات عديدة, إلا أنني ما زلت أؤمن بأن الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه وقادته هم السبب الرئيسي في سقوط هذه القوة الكبرى لأن عتاة الفساد كانوا داخل الحزب نفسه، والدليل على ذلك أن أكثر قادة الحزب فساداً هم الذين أصبحوا لاحقاً دعاة الإصلاح وزعماء المافيا المالية، وهم أنفسهم الذين كانوا يعطلون الحوار والنقد داخل الحزب وخارجه ويمارسون قمع الرأي الآخر والمكابرة بعدم الاعتراف بأية معارضة منذ الأيام الأولى لانتصار البلاشفة بزعامة لينين الذي كان معلماً بارعاً في سحق الرأي الآخر وإخماده. وكثيراً ما كان قادة الحزب الشيوعي يخلقون معارضة وهمية لإشغال الناس بها وتحويل الأنظار عن فسادهم وممارساتهم اللاوطنية، لذلك سقط النظام بما فيه على رؤوس أصحابه عند أول بادرة إصلاحية، لأن الفساد لايصلح بالأداة التي أنتجته.

ونظراً لأن سورية ليست الاتحاد السوفيتي ولأن مشاكلها تختلف نوعياً عن مشاكل الاتحاد السوفيتي السابق، فإن الإصلاح في سوريا يمكن أن ينطلق بوتائر أسرع باتباع سياسة بديلة لما نمارسه الآن، وإلاّ فإن السقف سينهار علينا جميعاً بعثيين ومعارضين، ويمكن أن نأخذ العبرة مما يجري في العراق والأكلاف الباهظة التي يدفعها الأبرياء من العراقيين يومياً، وهذه السياسة البديلة أي الانتقال من الشعارات التي لا تقول شيئاً إلى العمل السياسي الملموس النتائج، لا بد أن يكرسها المؤتمر العاشر لحزب البعث للتخلص من ازدواجية الرؤية السياسية والانفصام بين القول والممارسة كما فعل بعض صناع القرار السياسي السوري لعقود عديدة عندما حذّروا من أن الدعوات إلى الانفتاح في المجتمع السوري قد تقود إلى الجزأرة بمعنى اندلاع الحرب الأهلية على الطريقة الجزائرية لينبهوا في مكان آخر وراء الحدود بأن الإحباط يفرز حالتين:

إما الانكفاء وإما الخروج عن المألوف، أي الخروج للعنف!!

وهنا نتساءل كيف يمكن قطع دابر العنف ونتائجه دون الانفتاح على شعبنا بكافة أطيافه والثقة به والحوار معه دون خوف لأن الحوار لغة الأقوياء, لكن التساؤلات الأهم:هل يستطيع المنتخبون إلى المؤتمر القطري العاشر إجراء هذا الحوار, وهل تؤهلهم ثقافتهم السياسية لتحقيق ذلك, وهل يملكون المصداقية في الشارع السوري للتحاور معهم؟؟؟!!!!!!!!

هل يدرك هؤلاء بأن الشعب السوري يطلب أكثر بكثير من مجرد إصلاح الحزب لنفسه " وتغليب التيار الإصلاحي فيه وتحريره من القوى الانتهازية الفاسدة التي تركب موجة الإصلاح كما تقتضي مصالحها" و تمثل الخطر الأكبر على مستقبل الحزب والوطن لأنها تريد إضفاء الشرعية على فسادها من خلال انتصارها في انتخابات اعتمدت على العدد وهي ستنتصر في أي من الانتخابات ما دام الحزب يمثل أكبر تجمع للانتهازيين، مع الاعتراف بأن التيار الإصلاحي المعارض للفساد داخل البعث قد يكون من أنظف وأكفأ التيارات المعارضة للفساد في المجتمع السوري، لكنه الأضعف على مستوى الحزب الأمر الذي يجعل تعيين الكفاءات من ذوي الثقافة الرفيعة والأخلاقية السياسية العالية في الظروف الراهنة أفضل من الانتخاب في الشروط التي تم بها، حيث تساوى أفراد غير متساوين في القدرات والطاقات والأخلاقيات المهنية والسلوكية أمام صناديق الاقتراع أو على نحو أدق أمام صناديق الأتباع!!! وحيث نسبة كبيرة من البعثيين لا يملكون ثقافة انتخابية تخولهم على ممارسة حقهم الانتخابي سوى سنوات أمضوها داخل حزب لم يطلب منهم خلالها إلاّ حضور الاجتماعات ودفع الاشتراكات الشهرية. وإلا كيف نفسر أن الأغلبية الساحقة من الواصلين إلى المؤتمر القطري هم من أمناء الفرق وقيادات الشعب وقيادات الفروع والمدراء والمسؤولين الذين هم على رأس عملهم والمؤثرين على ناخبيهم بسبب الاستحقاقات الوظيفية والحياتية؟!

وإذا كان هؤلاء هم الطاقم الإصلاحي فعلا, فكيف نفسر الفساد المؤسساتي وتدهور الأداء الإداري وحصار الكفاءات الوطنية على مختلف المستويات؟!

في ضوء ذلك نؤكد ودون مبالغة بأن المسار الديموقراطي داخل الحزب لن يكون بالاتجاه الذي يريده الإصلاحيون وبالتالي لن يتمكن الحزب من أن يصبح أداة سياسية فعّالة للانتقال بالوطن إلى مرحلة جديدة تلبي طموحات السوريين وآمالهم، حيث لم يعد الأمر يقتصر على تحديث البعث لنفسه و تعديل منطلقاته ودستوره وآلية الانتساب إليه وتحريره من جيش الموظفين البيروقراطيين، وإنما التحول إلى حزب عصري، يتجاوز ذاته وينقلب على نفسه وهو الأمر الذي عرفته الكثير من الأحزاب الدولية التي تعرضت لهزات عنيفة أخرجتها من مآزقها لتصبح أكثر قوة وشعبية، عندئذ نستطيع الزعم بأن الحزب بدل أن يكون قوة معيقة للإصلاح وعبئاً عليه فإنه يتحول إلى تعزيز مشروع الإصلاح الذي أسس له نظرياً الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم.

وهنا نشدد على أن سوريا الجديدة لايبنيها سوريو الزمن الماضي الذين ينبغي وداعهم بعدما جعلوا سوريا تدفع اُثمانا باهظة بسبب أفكارهم ومواقفهم السياسية الخاطئة, ولأن الذين ترهلوا سياسيا وذهنيا عاجزون عن تقديم أي شيء مثمر للشباب السوري الذي يشكل أكبر شريحة عمرية في مجتمعنا والذي يبدي انعدام الثقة واللامبالاة بكل مايجري حوله بعدما اقفلنا أبواب الأمل في وجهه. ولايخفى على العقلاء منا بأن توترا خفيا يتراكم خلف هذه اللامبالاة والذي يمكن أن ينفجر في أية لحظة وينذر بالخراب الذي لانستطيع معرفة حدوده!!

لذلك لابد أن يعقب انتهاء المؤتمر القطري دعوة جدية وعاجلة إلى انعقاد مؤتمر وطني شامل يجمع كل الأحزاب والفعاليات السياسية الوطنية وإطلاق حوار شفاف تتم فيه المكاشفة والصراحة والاعتراف الأخلاقي والشجاع بالأخطاء التي مورست بحق الآخرين والتي تسببت بها الأطراف المختلفة, لتكون نتيجة هذا المؤتمر تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على تطوير الدستور الحالي وإلغاء المواد التي تعيق تطوير الشخصية السورية وتشل قدرتها عن مواجهة الاستحقاقات الراهنة والمستقبلية وإطلاق حرية الصحافة وحماية استقلاليتها والعمل الرصين والهادىء من أجل صياغة قانون جديد للأحزاب للوصول إلى تعاقد جديد بين القوى السياسية السورية قائم على نبذ العنف والطائفية والمذهبية والعرقية والشوفينية وتحقيق استقرار المؤسسات بقوة القانون وليس بقانون القوة, وإنجاز إصلاح شامل يحقق آمال السوريين.

فهل نحن مستعدون بعد المؤتمر القطري لإطلاق مبادرة جديدة تصل حد المغامرة لإحياء الدولة والسياسة بالفصل التام بين البعث والسلطة ليستعيد دوره النهضوي مع الاعتراف الصريح بأنه لايشكل المرجعية الوحيدة لجميع السوريين, وإنما إحدى المرجعيات العديدة الأخرى التي ينبغي الاعتراف بشرعية وجودها واحترام دورها في بناء سوريا الجديدة بعيدا عن المراهنة على قوى خارجية لم تمنح الأمن يوما لأي بلد في هذا العالم وبعيدا عن المراهنة أيضا على قوى إقليمية مستعدة للتضحية بنا إذا اقتضت مصلحتها ذلك وبعيدا عن مراوغات بعض الأشقاء العرب ليكون الرهان على الشعب السوري الذي ينتظر منا الكثير, وجاهز لتقديم الكثير لبناء الوطن الذي يعيش فوق ترابه.

فهل نفوت الفرصة مرة أخرى, وإذا ماحصل ذلك فلن نتكهن حينئذ بالعواقب الخطيرة التي تنتظرنا؟!!!

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 7

موجة غاضبة تسود حلب السورية / بهية مارديني: ايلاف 2/5/2005

تسود مدينة حلب الشمالية السورية موجة غاضبة اثر اعلان غرفة تجارة حلب افلاس مجموعة الديري لصاحبها هيثم الديري واخوته، بعد أن أودع مسؤولون وتجار سوريون حوالي 12 مليار ليرة سورية لدى المجموعة، وحصل هيثم الديري قبل افلاسه على قروض من المصرف الصناعي بقيمة مليار ليرة وبنك الانماء الاقتصادي بقيمة 20 مليون ليرة.

وكشفت مصادر في مدينة حلب عن ان من بين المودعين المتضررين بهذا الافلاس محمد مصطفى ميرو رئيس الوزراء السوري السابق، عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في سورية، بمبلغ مليار ليرة، حوالي 20 مليون دولار، ومن المتضررين ايضا اياد غزال محافظ حمص 250 مليون ليرة، وصهيب الشامي مدير اوقاف حلب بقيمة مليار ليرة ايضا، ومحمد الاشتر مليارا ليرة، ومحمد صيرفي 750 مليون ليرة، واحمد صباغ 675 مليون ليرة وعمر حميدة 250 مليون ليرة ، واحمد زبيدة 200 مليون ليرة، ومحمد قدسي 400 مليون سورية وحمدو حمال 792 مليون ليرة ، وحسني ودادي 600 مليون ليرة ، ووليد حمادة 175 مليون ليرة ، ووليد مشعل 400 مليون ليرة.

ونتيجة لذلك بات حوالي 2000 عامل يعملون في شركات المجموعة دون عمل.

وقال العديد من المواطنين السوريين في مدينة حلب: " نهبوا البلد خربوا البلد خربوا الاقتصاد رفعوا اسعار العقارات، ورفعوا ايجارات البيوت ، لعبوا بالقوت اليومي للناس ".

واشارت مواطنة سورية الى وجوب "سؤال المسؤولين السوريين من اين لكم هذا ؟ وهذه احدى بؤر الفساد، والمخفي اعظم وهم من جعلوا البطالة تتفشى" .

وتمنى مواطن سوري على السلطات المسؤولة ان تتابع الموضوع وتجري تحقيقا حول مصادر المبالغ التي ُجبيت من جيوب المواطنين واعادتها "الى بيت مال المسلمين " وان تتقصى الدولة عن كل بؤر الفساد وتكشفها للمواطن وتحاسب الفاعلين مهما كانوا حتى يعود الوطن الى عافيته.

وقال إن الوطن في هذه الظروف احوج ما يكون الى المساهمة في بنائه واستمرار ابتزاز الوطن سيؤدي به الى الضياع فلنحكم معا الضمير الوطني ولنتخلى عن مطامعنا والاموال التي تذهب في المحصلة الى بنوك اجنبية تستفيد منها شعوب اخرى .

وتمنى مواطن سوري آخر الا تكون هذه المرحلة مرحلة التفاخر بجمع المليارات بين المسؤولين كما كانت المرحلة السابقة مرحلة تفاخر بشراء شهادات الدكتوراه من جامعات وهمية في اوروبا الشرقية.

 

بصراحة.. كبوة «الديري»

عبد الفتاح العوض : تشرين 2/5/2005

ربما علينا ألا نجعلها أكثر من كبوة.. فما حدث مع مجموعة «الديري» بحلب تجعلنا أكثر حرصاً على صرح صناعي كبير.

ما حدث.. أن مجموعة «الديري» تمر الآن بأزمة صعبة جداً.. وليس لدي كثير من المعلومات عن اسباب هذه الأزمة التي جعلت تعيين «حارس قضائي» أمراً لا مفر منه.. ‏

والتي جعلت اصحاب الشركة يقدمون حصصاً لدائنيهم من الشركة.. فالمسألة هي الآن في كيفية تعاطي السوق مع مثل هذه الحالة.. ‏

فلاشك ان اقامة منشأة صناعية بهذا الحجم وتشغل اكثر من ألف وخمسمئة عامل تستحق المساعدة. ‏

المساعدة هنا تأتي من ثلاثة اطراف: ‏

الطرف الأول.. هي المصارف السورية التي يمكن ان تقدم قروضاً عاجلة.. ‏

والطرف الثاني.. هم الدائنون والذين يمكن ان يكونوا اكثر سماحة وهم يتعاملون مع هذه الحالة. ‏

والطرف الثالث.. هم فئة رجال الاعمال الذين يشاهدون زميلاً لهم في وضع لا يتمنونه حتى لأعدائهم!! ‏

المبلغ الذي تحتاجه «المجموعة» ليس واضحاً حتى الآن فهناك حديث عن مليارين او ثلاثة مليارات ل.س. وحقيقة الأمر.. ان مثل هذا المبلغ اكبر مما تحتمله السوق، إلا ان تضافر الجهود يساعد على ايجاد مخرج بأقل الاضرار هذا مع التأكيد على ان اي حل او مخرج يجب ألا يكون على حساب الدائنين.. من ناحية أخرى. ‏

اعتقد ان دور غرف التجارة مهم في مثل هذه الحالات.. ‏

فالمسألة لا تتعلق بمجموعة «الديري» إلا من خلال انها «حالة راهنة» .. ‏

فهذا الدور مهم لخلق التوازن المطلوب، ولتخفيف الاضرار ليس على مستوى الاشخاص فقط.. بل على مستوى الاقتصاد.. فنحن الآن نتحدث عن احد اكبر الشركات الصناعية في سورية. ‏

على اي حال.. القصة هي «غلبة دين» و«قهر رجال» وربما اخطاء رجال ‏ اعمال!!

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 8

إدارة جديدة لمنشآت مجموعة الديري ...الملاح: نعمل لتوزيع الأسهم على الدائنين / محمد مسلماني : الثورة 9/5/2005

تواصل لجنة التحكيم المشكلة بتاريخ 4/5/2005 لمتابعة الأمور المتعلقة بأزمة منشآت مجموعة الديري والمكونة من الفريق الأول مجموعة الديري والفريق الثاني مجموعة الدائنين عملها في محاولة لاستمرارية المنشآت بالعمل والإنتاج.

وقد تعهد الدائنون والمستثمرون برفد المجموعة بمبلغ 500 مليون ل.س لتوفير المواد الأولية اللازمة للإنتاج.‏

وذكر السيد محمد صالح الملاح رئيس غرفة تجارة حلب في حديث للثورة أن أصحاب المنشآت وجميع المساهمين والمستثمرين والدائنين متفهمون ومتعاونون إلى أبعد الحدود باستثناء اثنين من الدائنين اللذين كانوا قد رفعوا دعوى قضائية على مجموعة الديري وتجري المشاورات معهما من أجل الوصول إلى حل رضائي.‏

وحالياً تقوم اللجنة التحكيمية بالبت في موضوع تقسيم الأسهم على الدائنين وقد توقع الملاح ألا تستغرق هذه العملية أكثر من أسبوعين في حال لم تظهر أي عقبات أو عثرات كما سيكون قريباً إحداث إدارة جديدة لمجموعة الديري حيث يساهم فيها كل المستثمرين بحسب حصصهم ونسبة أموالهم وسوف يكون لأصحاب المجموعة حصة بسيطة.‏

وحول سؤال يتعلق بمشكلة منشآت الديري وفيما إذا كانت قد فتحت الباب لتوضيح وكشف خفايا الأمور المتنوعة في الشركات العائلية أجاب الملاح: إن مشكلة مجموعة الديري قد تحصل في أي مكان في العالم فهناك شركات تقام وأخرى تتوقف عن العمل أو يعلن إفلاسها ولكن بما أننا نعيش في ظل الاستقرار الاقتصادي فإنني أستطيع القول إن هذه المشكلة كغيمة عابرة.‏

وفي حديث مع السيد هيثم الديري رئيس مجلس إدارة مجموعة الديري أفاد للثورة بأن المجموعة لم تتوقف عن العمل حتى في خضم المشكلة وهي لن تتوقف أبداً ومجلس الإدارة مستعد لقبول أي قرارات تتخذها اللجنة بشأن الاستمرارية في العمل والإنتاج

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 9

صورة السوري علي الفضائيات العربية ونظرية طبوزاده في الأخبار!

حكم البابا - القدس العربي  5/5/2005

تتعامل القنوات الفضائية العربية مع السوري (كاتباً أو صحفياً أو محللاً سياسياً)، بالطريقة التي تختار فيها السينما المصرية الكومبارس الذي يؤدي في كل أفلامها دور الشرير، فتظهر رجلاً جهماً كئيباً موتوراً، يعصّب علي من يقول رأياً مخالفاً للحقيقة التي يطمئن إلي كونها مخبأة مع قطع العملة المعدنية الصغيرة في أصغر جيوب بنطلونه، ويشبه القراصنة الأشرار إنما بدون العصابة الجلدية التي تخفي إحدي عينيه المقلوعة، وبدون سن أمامي مكسور في فكه العلوي، وللوهلة الأولي لظهوره علي الشاشة ببدلته الأوروبية وربطة عنقه المنقطة، تظنه رجلاً مسالماً كباقي الرجال، لكن ما إن يبدأ بالحديث حتي يظهر القرصان الملوح بسيفه وهو يأمر زعرانه بالهجوم علي سفينة، وباستثناءات قليلة تخص السوريين المقيمين خارج سورية، يندر أن يظهر سوري في برنامج تلفزيوني خارج دور (البعبع) أو (أمنا الغولة)، مكشراً عن أنيابه، مهدداً بقبضته المشاهدين علي الشاشة، يقول جمله المحفظة له بآلية ببغائية بالطريقة التي يُعلّم بها الأطفال في منظمة طلائع البعث السورية، إنشاد الأناشيد وهو يرفعون أيديهم بشكل نصف دائري، وبالتناوب في الهواء!

تابعوا برامج الصحافة التي تناقش ماينشر في الإعلام العربي والعالمي، وستجدون أنهم يختارون ضيوفاً من كل الدول العربية للتعليق علي أخبار الصحف وتحليلاتها، باستثناء السوري الذي لايحل ضيفاً إلاّ علي نشرات الأخبار ليقول رأياً في خبر عن سورية، فيبدأ بتكذيب الافتراءات والحملات الظالمة، ويصعّد باتهام وسائل الإعلام المغرضة، ثم يمد يده ليمسك بقوة بالكرسي الذي يجلس عليه وهو يتحدث عن الثوابت المبدئية، ويسترسل في أداء مونودراما أو مونوكوميديا طويلة ومكرورة ومملة، غير آبه بسؤال المذيع الذي يحاول مقاطعته بسؤال، ربما لأن أي توقف له سيجعله يعيد حواره المحفوظ بصماً من البداية، إلي أن يضيق المذيع والمعد والمخرج والقناة ذرعاً بالمفردات والجمل التي يكررها نفسها المستضاف السوري (مهما تبدل المستضاف) في كل مرّة، وفي كل موضوع (مهما اختلف الموضوع)، فيقطع البث شاكراً السوري بالطريقة التي تدفش بها ضيفاً ثقيلاً من علي باب بيتك لتتخلص منه وتغلق الباب.

أدرك وأقدّر أن حيرة وعذاب المعدين في القنوات الفضائية العربية وهم يبحثون عن ضيف عربي لبرنامج سياسي أو للتعليق في نشرة أخبار، وهم يترددون بين المناسب والأكثر مناسبة لموضوعهم، هي نفس حيرة وعذاب من يدخل (مولاً) تباع فيه منتجات بيير كاردان وآزارو وفيرزاتشي ليختار قميصاً من بين مجموعة قمصان، بينما لايعانون من أية حيرة ولا يضنيهم أي عذاب وهم يطلبون (مرغمين لوجود خبر أو موضوع يخص سورية) سورياً، أي سوري بدون تحديد الاسم، فهم يعرفون مسبقاً رأيه، ومن أية نقطة سيبدأ، ومتي سيرتفع صوته، وكيف سيسخر هنا، وطريقة تشدده في هذه الجملة، وعند أية نقطة سيقطعون البث عنه وهم يشكرونه، فيختارون السوري بطريقة من يدخل تعاونية في كوريا الشمالية ليشتري واحدة من بدلات اللباس الموحدة الأشكال والألوان وحتي المقاس.

حفاظا علي صحة المشاهد

فضلاً عن كون نشرات الأخبار في التلفزيون السوري تنضوي تحت بند البرامج الدينية، لأن مشاهدها المضطر لرؤيتها يزداد إيماناً بالله كلما جلس أمام الشاشة، فلسانه لايتوقف عن ذكر الله طوال فترة بثها، فعندما تظهر صافرة شارة بدء الأخبار، يشعر هذا المشاهد بأنه في وضع مريض يدخل غرفة عمليات لإجراء عملية قلب مفتوح فلا يجد أمامه إلا الله ليتوكل عليه، وعندما ينظر إلي وجه مذيع ومذيعة النشرة يتذكر عذاب القبر وملكي الحساب فيعود مرةً أخري إلي ذكر الله إنما هذه المرّة مستعيذاً به، وحينما يري في النشرة صور مسؤوليه الذين تماهوا (من طول عشرته معهم علي الشاشة) بصورة زوجته النكدة يفاجأ بلسانه يردد بآلية: لاحول ولاقوة إلاّ بالله، وعندما تنتهي النشرة يشعر براحة الموظف الذي استطاع الإفلات من دائنيه (السمان واللحام والخباز) والوصول بسلام إلي بيته فيحمد الله.

فضلاً عما سبق فيما يتعلق بشكل وصورة نشرات الأخبار في التلفزيون السوري، فإن مضامين أخبار النشرة فيما يخص الخبر المحلّي أو العربي تستند إلي نظرية خاصة في الإعلام، تخالف كل نظرات الإعلام العالمي في البحث عن السبق الصحافي، وتعتمد علي المثل الشعبي الذي يقول (كل تأخيرة فيها خيرة)، ومبتكرها هو الفنان الكوميدي المصري فؤاد المهندس في شخصية طبوزادة التي لعبها في إحدي مسرحياته، فالأخ طبوزادة ولخشيته من أن يُصدم بخبر يؤثر علي صحته النفسية، أو يزعج مزاجه الصباحي، أو يؤرق رشفه الهادئ لفنجان قهوته، كان يؤخر قراءة صحيفته اليومية إلي اليوم التالي لصدورها، ولأنه يقرأ اليوم عدد البارحة فقد كان يعتبر حتي أكثر الأحداث سوءاً غير مزعجة كونها جزءاً من الماضي.

وقد وجد التلفزيون السوري ضالته في نظرية طبوزادة الإعلامية، ولم يتشبث بها فقط بل طورها وحدّثها حفاظاً علي الصحة النفسية لمشاهديه، فلم يعد يؤخر الأخبار فقط، بل صار يتجاهلها، والمعلومة الوحيدة التي يمكن لمشاهد نشرات الأخبار السورية أن يحصل عليها هي حركة تنقلات المسؤولين والسياسيين المحليين والعرب في المنطقة العربية، وتحولت نشرة الأخبار إلي مايشبه نشرة وصول وإقلاع صادرة عن برج مراقبة في أحد المطارات، أما لماذا وصل هذا وغادر ذاك، وما الذي دار في هذا اللقاء، وماتمخض عن ذلك الاجتماع، فهو سر الأسرار مثله مثل الرسالة التي كتبت علي رأس جابر بطل مسرحية سعد الله ونوس (مغامرة رأس المملوك جابر) تحت شعره حتي حاملها لا يعرفها، فلا أحد يعرف من المشاهدين أكثر من (بحث العلاقات الثنائية، والمستجدات التي تشهدها المنطقة)!

أظن لو أن الفنان فؤاد المهندس فكر بإعادة تقديم شخصية طبوزادة اليوم، عليه أن يقوم بتعديلات في النص المسرحي، بحيث يستبدل قراءة صحيفة البارحة اليوم، بمشاهدة نشرات الأخبار السورية في أوقاتها المحددة وقراءة الصحف السورية في يوم صدورها، لأن غرضه الدرامي سيتحقق بالكامل دون أن يُصدم بخبر يؤثر علي صحته النفسية، أو يزعج مزاجه الصباحي، أو يؤرق رشفه الهادئ لفنجان قهوته!

زادها تلفزيون المستقبل

أوافق علي ماقاله لي إعلامي رسمي سوري وهو يشير بيده إلي شاشة التلفزيون المثبت علي فضائية المستقبل اللبنانية بكونهم (زادوها)، في تحويل كل البرامج لتصبح عن وحول الشهيد رفيق الحريري، أوافقه ولكن بتحفظين بسيطين، الأول هو أن هذه القناة هي قناة خاصة ملكيتها تعود للشهيد الحريري، وليست قناة حكومية يصرف عليها من أموال الشعب وتجيّر برامجها لشخص أو حزب، أما التحفظ الثاني فهو أن الشهيد رفيق الحريري هو شهيد حقيقي، استشهد في سيارته ليس بسبب السرعة، وفُجّر جسده ليس بقنبلة كان يلعب بها، انما كان ضحية عملية ارهابية حقودة، تجاوزت الاغتيال السياسي المعروف برصاصة مسدس أو بندقية، لتظهر مدي لؤم مرتكبيها باستخدامهم طناً من المتفجرات لقتل وحرق والتمثيل بجسد إنسان.

ــــــــــــــــــــ

المقال رقم 10

في فقه التمكين الأمريكي/ فهمي هويدي

تفكيك الأمة سابق على تفكيك الملة. والذين يحاولون جاهدين الان صياغه ¢اسلام امريكي¢ لنا، ما كان لهم ان يجرؤوا على ذلك او يفكروا فيه الا بعد النجاح الذي احرزوه في انصياع المنطقة للسياسات الامريكية. علما بان ذلك كله من تجليات انتعاش «فقه التمكين» في الولايات المتحدة، الذي لا يريد للمنطقة افقاً خارج دائرة الخضوع والامتثال.

(1)  عبد السلام الحيلة ضابط مخابرات يمني برتبة عميد، كان يتحرك باعتباره رجل اعمال. وبهذه الصفة الاخيرة غادر صنعاء في شهر سبتمبر عام 2002، الى احدى العواصم العربية الكبري. و بعد سفره ظل يتصل باسرته يوميا، ثم انقطع اتصاله بهم فجأة، واستمر مصير الرجل مجهولا حتى شهر ابريل عام 2004، حيث تلقت منه رسالة افادت بانه مسجون في قاعدة ¢جوانتانامو¢، التابعة لسلاح البحرية الامريكية في كوبا، الامر الذي بدا لغزاً محيرًا، كشفت ¢منظمة هيومات رايتس واتش¢ عن اسراره الاسبوع الماضي.

حسب تقرير المنظمة فان الضابط اليمني اختطف من احد شوارع العاصمة العربية بواسطة عملاء المخابرات الامريكية، ثم نقل الى افغانستان. و بعدها رحل الى جوانتنامو، وخلال رحلته لم يكن صاحبنا متهما بشيء نسب اليه، و لكنه ظل يستجوب عن اوضاع المقاتلين العرب الذين كانوا في افغانستان. ثم انتقلوا الى اوروبا، وبقي نفر منهم هناك. لان عمله كضابط مخابرات في اوساط اولئك العرب وفّر له معلومات غزيرة عنهم، اراد المحققون الامريكيون الحصول عليها و الافادة منها.

صحيح ان وضع العميد عبد السلام الحيلة افضل من ذلك اليمني الذي اشتبه في انتمائه لـ¢القاعدة¢، و اختفي في بلاده، ولكن طائرة امريكية بدون طيار رصدته و قتلته بصاروخ مزقه ارباً، وهو فوق تراب اليمن. لكن تقرير منظمة ¢هيومان رايتس واتش¢ ذكر ان ثمة حالات مماثلة، اختطفت فيها اعداد من الشباب المسلم من بلادهم، او من بلاد اخرى تواجدوا فيها، بواسطة عملاء المخابرات الامريكية، او بايدي اجهزة الامن المحلية، التي ¢اهدتهم¢ الى الامريكيين. وهؤلاء نقلوا على متن طائرات امريكية، كانت بمثابة سجون طائرة عابرة للقارات واودعوا سجونا مختلفة، عذبوا فيها وجرى استنطاقهم. وانتهى بهم المطاف في جوانتانامو او افرج عنهم في صمت (احدهم مصري يحمل الجنسية الالمانية غيّب في السجون لمدة عام، بعد اختطافه من كرواتيا ثم اطلق سراحه و أعيد الى ذات المكان الذي اختطف منه. و ثمة ازمة قائمة الآن بسببه بين المخابرات الالمانية و الامريكية)

كل هذه الاجراءات تهدر القانون و تنتهك حقوق الانسان بشكل صارخ. و ما ذكرته ¢هيومان رايتس واتش¢ مجرد نقطة في محيط كبير يحفل بالانتهاكات التي اطاحت بكل القوانين و الاعراف، فضلا عن القيم و المبادئ. الامر الذي يشكل سجلا للعار يشين اي مجتمع انساني ينتسب الى الحضارة من اي باب.

(2)   ليس دقيقا القول بان الولايات المتحدة مارست تلك الانتهاكات لاجل مكافحة الارهاب، لان الاستقواء و الاستعلاء الامريكيين سابقان على حكاية الحرب ضد الارهاب. ذلك ان ¢فقه التمكين¢ في الولايات المتحدة انتعش وراجت سوقه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، وما اسفرت عنه من خلو الساحة لصالح القطب الاوحد. وهو ما هيأ ظرفا مواتيا لانطلاق افكار التوسع والهيمنة على العالم، والحديث عن القرن الامريكي وصراع الحضارات ونهاية التاريخ. و كل ما فعلته احداث 11 سبتمبر، انها فتحت الباب واسعا لتنزيل ذلك الفقه على الواقع، حيث بدا الشرق الاوسط مختبراً مثالياً، ليس فقط لان الذين فعلوها في احداث 11 سبتمبر من ابناء تلك المنطقة، و لكن ايضا لان المغريات فيها بلا حدود (النفط). ثم ان حالة الهشاشة والضعف فيها ايضا بلا حدود (انت ادري!)، كما ان التحريض الاسرائيلي عليها كان بدوره بلا حدود.

وللتذكرة فقط فان الاستعلاء الامريكي كان وراء رفض واشنطن لمعاهدة ¢اوتوا¢ المتعلقة بالالغام ضد الافراد التي ايدتها دول العالم وقتذاك، في شهر ديسمبر عام 1997، قبل اربع سنوات من احداث سبتمبر. كما انها تحدت الارادة الدولية في عام 98, و تراجعت عن موافقتها (المسبقة تحت ادارة كلينتون)عن اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية، مصرة بذلك على ان تظل فوق الحساب و فوق القانون. و كان ذلك التحدي ايضا وراء رفضها لبروتوكول «كيوتو» المتعلق بمكافحة انبعاث غاز الكربون الذي وقع في عام .97

ذلك الاستعلاء هو الذي شجع الولايات المتحدة على ان تطبق قوانينها المحلية على مختلف دول العالم، و ان تمنع حتى دول اوروبا من الاستثمار في ايران لإحكام الحصار من حولها. و هو الذي سوغ لها ان تقسم العالم بين دول الخير والشر، لكي تضع في مربع الاشرار من لا يعجبها، و تصنف بين الابرار من تشاء. و هو ايضا ما سوَّغ لها ان تغزو العراق و تحتله استنادا الى اكذوبة تم تلفيقها خاصة باسلحة الدمار الشامل.

مجمل هذه الظروف انعشت كثيرا فقه التمكين، الذي تصدت له العديد من مراكز الابحاث في الولايات المتحدة، و باعها مشهود في صناعة القرار الامريكي. و قد ساهم في تنشيط تلك المراكز كون اكثرها متعاطفا مع اسرائيل، لذلك فانها لا تتمنى للعرب خيرا، ولا تنشغل الا بامرين: ان تصبح الولايات المتحدة قوة عالمية كبرى، وان تغدو اسرائيل قوة اقليمية كبرى، لا منافس لها و لا منازع.

(3)   بين يدي نموذج حديث للاجتهاد الامريكي في فقه التمكين، يجيب على السؤال: كيف يمكن تأديب و تهذيب العالم العربي، لكي يدخل في بيت الطاعة الامريكي ولا يخرج منه ابدا؟ صاحب هذا الاجتهاد هو الدكتور روبرت ساتلوف مدير مؤسسة واشنطن لشؤون الشرق الادنى، و هو من ابرز العقول المؤثرة في التفكير الاستراتيجي الامريكي. و اهتمامه الاساسي منصب على موضوع العلاقات العربية الامريكية الاسرائيلية (يجيد العربية والفرنسية و العبرية الى جانب لغته الانجليزية الام)

في منتصف شهر مارس الماضي نشر الدكتور ساتلوف على موقع الانترنت الخاص بالمؤسسة دراسة من حلقتين حول السياسية الامريكية في الشرق الاوسط، و رؤيته لاستراتيجية «الاضطراب البناء» التي ينتهجها الرئيس بوش في المنطقة، وتستهدف إحداث او تشجيع هزات عنيفة في اقطارها، لخلخلة اوضاعها، ثم اعادة بنائها على اساس ¢ديمقراطي¢- و هي السياسية التي نقرؤها نحن بحسبانها تستهدف تفكيك المنطقة ثم اعادة تركيبها بمواصفات جديدة، تلبي المتطلبات الامريكية و التطلعات الاسرائيلية ضمنا.

في الدراسة افكار متعددة، ساتعرض لخطوطها الاساسية حالا, لكن قارئها يلاحظ ان السيد ساتلوف تحدث عن المنطقة باعتبارها كيانا متهالكا منزوع العافية، و كل ما يشغله هو كيفية تكريس الاستسلام للتطلعات الامريكية والاسرائيلية. لذلك فانه في الجزء الاول من دراسته (المنشورة في 15/3) ركز على الوضع في لبنان و سوريا و شدد على عدة امور اهمها ما يلي:

ـ الدعوة الى استئصال اي نفوذ سوري في لبنان، بعد ضمان استئصال الوجود السوري هناك. و قال ان الرقابة الدولية على الانتخابات اللبنانية يجب ان تكون محكمة للغاية، بحيث يتولى الفريق الدولي المرشح لتلك المهمة (الذي سيوفده مركز كارتر) ليس فقط مراقبة عملية التصويت، و لكن عليه ان يراقب الحملة الانتخابية ذاتها.

ـ الاصرار على نزع سلاح حزب الله حتى لا يشكل اي تهديد لاسرائيل، وقطع الطريق على تلقيه اي مساندة او عون عسكري من ايران، والقبول بوجود الحزب في الساحة السياسية فقط، وذلك شرط اساسي لرفعه من القائمة السوداء التي تتضمن المنظمات الارهابية.

ـ بعد ضمان استئصال الحضور السوري في لبنان، ينبغي ان يلاحق النظام البعثي في دمشق ذاتها عن طريق: تركيز النشاط الاستخباراتي لمراقبة الوضع في الداخل - فتح ملفات الديمقراطية وحقوق الانسان و حكم القانون في سوريا- وانهاك النظام هناك الا اذا استجاب لشرطين:

اولهما: زيارة الرئيس بشار الاسد لاسرائيل و التحاقه بمسيرة السلام معها، و ثانيهما: طرد منظمات المقاومة ¢الارهابية¢ من دمشق واغلاق مكاتبها هناك.

(4)   تحريك اوضاع العالم العربي كان محور الجزء الثاني من دراسة روبرت ساتلوف، التي دعا فيها الى توسيع نطاق العمل بسياسية «الاضطراب البناء». و قال ان ادارة الرئيس بوش ترى ان عملية اعادة رسم الخرائط في المنطقة سوف تستغرق جيلا باكمله - حوالى عشر سنوات- و ان هذه المدة ليس مقطوعا بها، نظرا لتسارع التحولات في العالم العربي، في ظل هرولة الانظمة صوب محاولة استرضاء الولايات المتحدة بكل السبل. ولاجل تحقيق ذلك الاسترضاء فانه تحدث عن دول عربية عملت على التقرب من اسرائيل و تلطيف الاجواء معها، واخرى لجأت الى اتخاذ بعض الخطوات الاصلاحية استجابة للضغوط الامريكية، في حين ان دولا ثالثة لعبت على الحبلين، فاشاعت قدرا من الدفء في علاقتها باسرائيل، واعلنت عن اصلاحات داخلية.

وهو يرصد مظاهر الاسترضاء العربي للادراة الامريكية حرصا على كسب ودها، قال الدكتور ساتلوف: ان بعض العواصم تنافست على تأييد قرار مجلس الامن رقم 1559 الداعي الى الانسحاب السوري من لبنان، كما تسابقت على اقناع دمشق بالانسحاب من لبنان باسرع وقت. و لم يقف الامر عند ذلك الحد، وانما تنافست بعض الدول العربية على ابلاغ واشنطن بان الجهود التي بذلتها لاقناع الرئيس الاسد بالانسحاب، كان لها الفضل في امتثاله و استجابته لقرار مجلس الامن. و لفت الانتباه في هذا الصدد اشارته الى ان الرئس بوش كافأ احدى تلك الدول على موقفها من اقناع سوريا بالانسحاب، بان خفف من انتقاداته لها في احدى خطبه، و غض الطرف عن تباطئها في اجراء الاصلاحات الداخلية.

اهم ما قاله صاحبنا في هذا الجزء كان دعوته الى عدم اكتفاء واشنطن بتشجيع الديمقراطية في العالم العربي، ومطالبته بضرورة مساندتها المعنوية و المادية للديمقراطيين ايضا. الامر الذي يستدعي المراهنة على الليبراليين العلمانيين العرب، الذين هم يشاركون الامريكيين قيمهم، و يعتبرون نظامهم السياسي مثلا اعلا يتعين احتذاؤه. وفي هذا السياق فانه ابدي تحفظه على الرأي الذي يتبناه البعض في واشنطن، ممن يدعون الى الحوار مع ¢الاسلاميين المعتدلين¢، معتبرا ان تلك مغامرة غير مضمونة النتائج، لانها قد تسفر في نهاية المطاف الى تعزيز موقف اولئك الاسلاميين و اضفاء شرعية عليهم، في حين ان الليبراليين اقرب الى الامريكيين وعواطفهم تجاه الولايات المتحدة اضمن.

(5)   حتى مجلس الامن اصبح اداة امريكية التمكين. اذ لم يعد الامر مقصورا على قرار يصدره مجلس الشيوخ الامريكي لمحاسبة هذه الدولة او تلك (كما حدث مع سوريا) وانما بات بوسع واشنطن ان تستصدر ما تريد من قرارات الاخضاع من خلال مجلس الامن. و هو ما حدث مع السودان مؤخراً، حيث اجاز المجلس (في30/3) مشروع قرار امريكي وضع السودان تقريبا تحت الوصاية، ففرضت عليه حظر السفر وتجميد ارصدة المسؤولين عن ارتكاب جرائم بحق المدنيين في دارفور، والذين ينتهكون الهدنة هناك. كما فرض حظرا على الطيران الحكومي فوق الاقليم الا باذن من الامم المتحدة. و في يوم لاحق قرر المجلس احالة 51 مسؤولا سودانيا الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لاتهامهم بالمسؤولية عما جرى في دارفور. وتلك اول قضية تنظرها المحكمة، التي تحفظت واشنطن على اقامتها كما هو معلوم، كي لا يحاسب اي جندي او مسؤول امريكي امامها في اي وقت (لهذا السبب تولت فرنسا تقديم مشروع القرار).

هكذا، فان منطق التفكيك واعادة التركيب حسب الهوى الامريكي، يجلد السودان و يضعه تحت الوصاية، و يقدم بعض مسؤوليه الى العدالة الدولية، في حين يرفع التكليف عن سحق روسيا للمسلمين في الشيشان، و عن جرائم اسرائيل في فلسطين، واستمرارها في اقامة الجدار الوحشي الذي ادانته وحكمت ببطلانه محكمة العدل الدولية. وذات المنطق هو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لوقف البرنامج النووي الايراني، رغم التأكيد على توظيفه للاغراض السلمية، في حين يغض الطرف عن البرنامج النووي الاسرائيلي، الذي بات الجميع يعرفون امرالمائتي قنبلة ذرية التي في حوزتها، فضلا عن استمرارها في انتاج بقية الاسلحة الاخرى الكيماوية والبيولوجية.

حين يحدث ذلك في امور السياسة، ويكون الرد العربي عليه متمثلا في الانصياع والامتثال والتسابق على استرضاء واشنطن، فينبغي الا نستغرب او نستنكر ان يفتح باب الخوض في الدين على مصراعيه، تفكيكا و تركيبا حسب الطلب!

* المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ