ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/06/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


محاذير قانونية في خطة الإدارة الأمريكية

للتخفي خلف حكومة عراقية مؤقتة

السفير ابراهيم يسري*

بناء علي طلب الولايات المتحدة وتنفيذا لخطتها في قيام كيان عراقي خاضع لها بعد 30 يونيو القادم، كلف الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي مبعوثه الخاص للعراق أن يستكمل مقترحاته حول أسلوب إنشاء وطبيعة الكيان العراقي الذي تهدف الولايات المتحدة أن تقيمه بغرض التخفي وراءه لاستبقاء الاحتلال والسيطرة الأمريكية علي العراق، واتسمت عملية الاختيار بالتخبط الواضح وتداخل الاختصاصات بين مبعوث الأمين العام ومجلس الحكم وبول بريمر حاكم العراق وفروع الإدارة الأمريكية في واشنطن في تعمد مقصود لإخفاء سيطرة واشنطن وإملائها لأسماء المرشحين، وقد أسفرت الحكومة المؤقتة المعلنة عن تحقيق الهداف الأمريكي الأساسي وهو تكريس و تقنين الاحتلال وتجميله بحلة قانونية قشيبة تخفي وحشيته وأغراضه الحقيقية، ونوجز أهم سمات المشروع الأمريكي التي يستهدف تحقيقها علي يد الحكومة المؤقتة فيما يلي:

إضفاء المشروعية الدولية علي الاحتلال باستصدار قرار من مجلس الأمن باعتماد الحكومة المؤقتة، تمهيدا للحصول منها علي اتفاق يعطي الأساس القانوني لبقاء الاحتلال والسيطرة الأمريكية خلف غلالة كاذبة من الاستقلال.

تثبيت نصوص قانون إدارة الدولة بكل ما يتضمنه من إهدار للقيم الأساسية العراقية وما يبثه من تفتيت القوي الوطنية، وتكريس الفروق العرقية والطائفية، وإنكار العروبة، وتغيير الهوية والمساس بالعقيدة.

إقامة الحكم علي أساس المحاصصة وذلك بتوزيع المناصب بين الطوائف والأعراق وهو ما لم يحدث في تاريخ العراق.

محاولة تكريس الروح العشائرية واجتذابها إلي جانب المحتل بتسمية الرئيس من اقوي العشائر وهو خطر ظهرت بوادره في الاحتفالات العشائرية بتعيين غازي الياور من عشيرة شمر رئيسا للدولة.

- منح طائفة الشيعة رئاسة مجلس الوزراء وهو المنصب التنفيذي الأكثر أهمية في التشكيلة الوزارية وذلك سعيا لإرضاء المرجعيات الشيعية التي ترفض أسلوب القتال المسلح وتفضل التفاوض والتفاهم، سعيا إلي تهميش فريق مقتدي الصدر.

علي أن هدفنا الأساسي في هذا المقال هو مناقشة الأساس القانوني لما سمي بعملية نقل السيادة لحكومة عراقية مؤقتة لنوضح تجاوز مجلس الأمن لصلاحياته بموجب الميثاق في رسم وإملاء واعتماد تشكيلة السلطة التي تحكم في العراق، كما أن قوات الاحتلال لا تكتسب السيادة علي العراق بحكم غزوه بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، كما السيادة لا تتجزأ ولا تنقل وبالتالي فليس لها أن تنقلها للعراقيين لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ونوضح ذلك كما يلي:

أولا: تجاوز مجلس الأمن لصلاحياته:

أمامي مشروع القرار الأمريكي البريطاني الذي يقع في 21 مادة بعد الديباجة والذي يهدف إلي شرعنة إنشاء حكومة عراقي مؤقتة ويبين سلطاتها وصلاحياتها، وفيما يلي نوجز مضمونه بعد التعديلات التي أدخلت عليه في أول يونيو 2004:

    تشير الديباجة إلي القوة المتعددة الجنسيات التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم 1511 بتاريخ 16 أبريل سنة 2003، والتي حدد مهمتها بالعمل علي حفظ أمن واستقرار العراق ودعم عملية الانتقال السياسي وإجراء الانتخابات، وتنص علي إقرار المجلس بأهمية موافقة حكومة العراق علي وجود القوة في أراضيها وعلي ضرورة التنسيق الوثيق بينها ووبين تلك الحكومة، ويلاحظ أن مشروع القرار لم يخضع تلك القوات لسيادة الدولة العراقية، كما أن تلك القوة المتعددة الجنسيات هي قوة الاحتلال ذاتها ولكن تحت غطاء دولي زائف.

-         وقد حرص المشروع علي أن ينص في الديباجة بأن الوضع في العراق ما زال يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وأن القرار يصدر تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، وذلك حتى يعطي أحكامه الصفة الإلزامية، غير أن مجرد ورود هذه العبارة ليس من شأنه أن يخول مجلس الأمن صلاحيات لم يمنحها له الميثاق فضلا عن تعارضها لنصوص و مبادئ الميثاق كما سنوضح لاحقا.

·  وتضمنت المادة 1 أن المجلس يصادق endorses علي إنشاء حكومة انتقالية ذات سيادةa sovereign interim government of Iraq . وليس من اختصاص مجلس الأمن البت في السيادة أو منحها أو الحرمان منها وإنما هي تنشا وتزول وفقا للقواعد السارية لقيام الدول وانتهائها، ولا يوجد في القانون الدولي ما يسمي حكومة سيدة أو ذات سيادة، وإنما تنسب السيادة للدولة وللإقليم .كما أن المجلس يتجاوز صلاحياته المنصوص عليها في الميثاق حيث يضع القرار العراق تحت الوصاية الدولية ويعين له حكومته في حين أن العراق دولة مستقلة ذات سيادة، كما أن مجلس الوصاية قد أنهي أعماله، كما يخالف القرار نص المادة 78 من الميثاق التي تحظر تطبيق إجراءات الوصاية علي إقليم اكتسب استقلاله وتمتع بعضوية الأمم المتحدة منذ قيامها ويتفرع عن هذا بطلان أي إجراء من إجراءات الوصاية في العراق.

-  ورحبت المادة الثانية من المشروع بالتزام قوي الاحتلال بإنهاء الاحتلال بحلول 30 يونيو 2004، حيث ستلغي سلطة الاحتلال The Coalition Provisional Authority  ، وتتولى حكومة عراقية مؤقتة المسئولية وسلطة حكم دولة العراق المتمتعة بالسيادة. والترحيب هنا ليس من مهام المجلس كما أنه يتجاهل واجب المجلس في إدانته وإلغاء كافة آثاره وعدم المساعدة علي تغطيته بثوب من المشروعية.

- وتشير الفقرة الثالثة بالموافقة علي الجدول الزمني لانتقال العراق إلي حكومة ديموقراطية بما في ذلك:

o  تشكيل حكومة مؤقتة ذات سيادة sovereign interim government

o  عقد مؤتمر قومي.

o إجراء الانتخابات في 31 ديسمبر 2004 أو 31 يناير 2005.

وواضح أن الإجراءات التي وردت في مشروع القرار والمادة الثانية علي وجه الخصوص هي إجراءات سلطة وصاية وبالتالي فهي تخرج عن صلاحيات مجلس المن طبقا للميثاق.

- وتحدد المادة 5 مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراقUN Assistance Mission for Iraq ((UNAMI  والمبعوث الخاص للأمين العام للعراق.

- وتؤكد المادة 6 أن القوة متعددة الجنسيات ستعمل وفقا للقرار 1511، وأن يراجع وجودها واستمرارها بعد 12 شهرا أو بناء علي طلب حكومة العراق المؤقتة. وقد تركت هذه المادة أمر بقاء سلطة احتلال في دولة ذات سيادة دون تأكيد سلطة الدولة في طلب جلاء تلك القوات وأوكلت هذا الاختصاص السيادي إلي مجلس الأمن وهو ما يتعارض بشكل واضح مع مبادئ الميثاق.

- وترسي المادة 15 قواعد ممارسة صندوق تنمية العراق لاختصاصاته مع الشفافية الكاملة مع سريان اختصاص هيئة المراقبة international Advisory and Monitoring Board  . وفي هذا انتقاص من سلطة الدولة العراقية علي مواردها وحرية تصرفها في عائدات البترول ووضعه تحت رقابة دولية.

ثانيا: تسييس المصطلحات القانونية :

 تداولت أوساط الأمم المتحدة والأوساط السياسية والإعلامية في العالم اصطلاح نقل السيادة للحكومة العراقية المؤقتة، وحكومة ذات سيادة بما ينبئ عن خلط شديد في المفاهيم و يخالف الطبيعة القانونية للسيادة كما اتفق عليها فقه القانون الدولي كما نوضحه فيما يلي:

تطور مفهوم السيادة:

برز مفهوم السيادة لأول مرة في القرن السادس عشر حين قدمه بودان في كتابهDe la République سنة 1577 وأعطاه مفهوما جديدا آنذاك يخرج عن الأفكار السائدة التي أرساها الفلاسفة السابقون، و ذلك لخدمة أهداف لويس الحادي عشر (1483-1577) فعرف السيادة بأنهاthe absolute and perpetual power of state  وعرف هذه السلطة بأنها عليا supreme لا ترد عليها أية قيود إلا بأمر من الله أو طبقا لقواعد القانون الطبيعي، فالسيد sovereign فوق القانون الوضعي.. وفي القرن 17 جاء هوبز ليقول أن السيادة لا تتقيد بشيء بما في ذلك الدين وفي القرن ال 18 جري التمييز بين سيادة الملوك المتمتعين بالاستقلال التام علي اعتبار أنها سيادة كاملة وبين سيادة الأمراء الذين يتبعون غيرهم من الملوك.. نصف سيادة، وفي القرن 19 تبلورت نظرية وحدة السيادة وعدم تقسيمها في الدولة الفيدرالية ووصفت بأنهاthe exclusive competence to determine jurisdictional limits .

فالسيادة إذن مكنة قانونية تتمتع بها الدولة في المجتمع الدولي الذي يقوم علي قاعدة أساسية مؤداها المساواة في السيادة، ويمارس رئيس الدولة السيادة خارجيا كممثل للدولة في المجتمع الدولي، وداخليا كرئيس للدولة يملك صلاحيات سيادية لا تخضع لرقابة السلطات الداخلية للدولة وفقا لنظرية أعمال السيادة التي لا تخضع للقضاء.

والسيادة لا تسقط ولا تنتهي عند تعرض الدولة للاحتلال، بل تبقي وإن كانت ممارستها موقوفة بعامل عارض هو الاحتلال الأجنبي وهو أمر مخالف للقانون الدولي، واقرب مثال علي هذا ما اتفق عليه فقهاء القانون الدولي عند احتلال الحلفاء لألمانيا حيث انتهي الرأي إلي السيادة بمعني الاختصاص القانوني للدولة الألمانية لم يختفThe legal competence of German state did not disappear وأن سلطات الاحتلال لا تمارس سيادة علي إقليم الدولة و إنما تتصرف بموجب و كالة قانونية منحت لها بحكم الضرورة حيث أنها الدولة القائمة بالاحتلال Legal representation or agency out of necessity . .

أما الأمم المتحدة (بما فيها مجلس الأمن ) والمنظمات الدولية فلا شان لها بالسيادة و ليس من صلاحياتها أن تمارسها أو تمنحها أو تمنعها وكل ما لها وفقا للقانون الدولي هو ما سمي بوظائف إشرافية علي الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، و قد كيف الفقه الدولي المستقر إدارة الأمم المتحدة لإقليم جنوب غرب إفريقيا سنة 1966 بأنه وكالة قانونية للأمم المتحدة دون أن يتطرق للسيادة من قريب او بعيد.

ويعترف الفقه الدولي للأمم المتحدة بوظائف إشرافيةsupervisory functions علي الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتيnon self governing territories   مثل القدس.

مما تقدم يتضح لنا أنه لا قوة الاحتلال في العراق ولا الأمم المتحدة تتملك صلاحيات ما يسمي بنقل السيادة للعراق ناهيك عن تعبير حكومة عراقية تتمتع بالسادة وهو تعبير غير قانوني حيث لا تمنح السيادة للحكومة وإنما للدولة ن كما أن السيادة لا تنتقل وإنما تبقي كامنة إلي أن يزول الاحتلال، وهي أيضا لا تقسم وتجزأ وتبقي واحدة وحيدة.

والخلاصة أن هذه الحكومة المؤقتة التي عينتها أمريكا، والتي تحاول أن تسخر مجلس الأمن لمنحها غطاء من المشروعية الدولية، لا تعدو أن تكون مشروعا استعماريا يصعب عليه اكتساب المشروعية لمخالفته الصارخة لقواعد الميثاق ومبادئ القانون الدولي المستقرة.

وعليه نري أن تتجنب الدول الأعضاء في مجلس الأمن هذا السراب القانوني الذي يفتقر إلي أي أساس من القانون، ومن باب أولي نتوقع من جامعة الدول العربية وجميع الدول العربية ألا تندفع في تقبل قرارات مجلس الأمن في هذا الشان حرصا علي مصلحة الشعب العراقي الشقيق و دعما للمشروعية الدولية.

*محام ومحكم دولي

القاهرة 3 يونيو 2004

التجديد العربي ـ4/6/2004

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ