ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/04/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نظرات في فقه جماعات العنف 

د. يوسف القرضاوي

إن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات التي تنسب للإسلام، إنما هو إفراز لفلسفة معينة تتبناها هذه الجماعات، وثمرة لفقه خاص له وجهته ومفاهيمه وأدلته التي تستند إليها هذه الفئة من الناس.

ومن نظر إلى جماعات العنف القائمة اليوم في عالمنا العربي مثلا وجد لها فلسفتها ووجهة نظرها وفقهها الذي تدعيه لنفسها وتسنده بالأدلة من القرآن والسنة ومن أقوال بعض العلماء.

صحيح أنها تعتمد على المتشابهات وتدع المحكمات، وتستند إلى الجزئيات وتهمل الكليات، وتتمسك بالظواهر وتغفل المقاصد، كما تغفل ما يعارض هذه الظواهر من نصوص وقواعد، وكثير ما تضع الأدلة في غير موضعها، وتخرجها عن سياقها وإطارها، ولكن -على أية حال- لها فقه مزعوم يبرر العنف، ويروج لدى بعض الأغرار من الشباب والسطحيين من الناس الذين يقفون عند السطوح ولا يغوصون في الأعماق، وأساسه فقه الخوارج قديما الذين كانوا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.

* البداية بالأوطان! :

بدأت هذه الجماعات العنف في داخل أوطانها أنفسها، أي العنف ضد الأنظمة الحاكمة. فعلى أي أساس بررت ذلك وأجازته من الوجهة الشرعية، في نظرها على الأقل؟:

إن فقه جماعات العنف يقوم على أن الحكومات المعاصرة حكومات كافرة، لأنها لم تحكم بما أنزل الله، واستبدلت بشريعته المنزلة من الخالق القوانين التي وضعها المخلوق، وبهذا وجب الحكم عليهم بالكفر والردة، والخروج من الملة، ووجب قتالها حتى تدع السلطة لغيرها، إذ كفرت كفرا بواحا عندهم فيه من الله برهان.

ويؤكد فقه هذه الجماعات كفر هذه الأنظمة الحاكمة بأمر آخر، وهو أنها توالي أعداء الله من الكفار الذين يكيدون للمسلمين، وتعادي أولياء الله من دعاة الإسلام الذين ينادون بتحكيم شرع الله تعالى، وتضطهدهم وتؤذيهم، والله تعالى يقول: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة:51].

والحكومات المعاصرة تعارض هذه التهم بدعاوى مختلفة، منها: أنها تعلن أن دينها الرسمي هو الإسلام، وأنهم ينشئون المساجد لإقامة الصلاة، ويعينون الأئمة والخطباء والمؤذنين، ويؤسسون المعاهد الدينية، والكليات الشرعية، ويوظفون الوعاظ ومدرسي الدين في المدارس وغيرها، ويحتفلون برمضان وعيدي الفطر والأضحى، ويذيعون تلاوة القرآن في الإذاعات والتلفازات، إلى غير ذلك من المظاهر الدينية، التي تثبت إسلامية الدولة بوجه من الوجوه.

كما أن بعض دساتير هذه البلاد يعلن أن الشريعة مصدر رئيس أو المصدر الرئيس للتقنين، وبعضها يعتذر بضعفه أمام قوى الضغط الغربي، وبعضها وبعضها...

* فهمهم لابن تيمية :

كما تعتمد جماعات العنف على فتوى الإمام ابن تيمية في قتال كل فئة تمتنع عن أداء شريعة ظاهرة متواترة من شرائع الإسلام، كالصلاة أو الزكاة أو الحكم بما أنزل الله في الدماء والأموال والأعراض أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى آخره. وهو ما اعتمد عليه كتاب (الفريضة الغائبة) لجماعة الجهاد في مصر، وجعل هذه الفتوى الأساس النظري لقيام تلك الجماعة، وتسويغ أعمالها كلها.

ويستدلون أيضا بقتال أبي بكر ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم لمانعي الزكاة، فكيف بمن يمتنعون عن تطبيق أكثر أحكام الشريعة، برغم مطالبة جماهير الناس بها، بل هم أشد الناس خصومة لهؤلاء، وتضييقا عليهم، ومعاداة لهم؟!

ونسي هؤلاء أن الذي يقاتل هذه الفئة الممتنعة ولي الأمر، وليس عموم الناس، وإلا أصبح الأمر فوضى!. 

* الطعن في شرعية الأنظمة:

وتعتمد جماعات العنف أيضا على أن هذه الأنظمة غير شرعية، لأنها لم تقم على أساس شرعي من اختيار جماهير الناس لها، أو اختيار أهل الحل والعقد، وبيعة عموم الناس، فهي تفتقد الرضا العام، الذي هو أساس الشرعية، وإنما قامت على أسنة الرماح بالتغلب والسيف والعنف. وما قام بقوة السيف يجب أن يقاوم بسيف القوة، ولا يمكن أن يقاوم بسيف القلم!.

ونسي هؤلاء ما قاله فقهاؤنا من قديم: إن التغلب هو إحدى طرائق الوصول إلى السلطة، إذا استقر له الوضع ودان له الناس.

وهذا ما فعله عبد الملك بن مروان، بعد انتصاره على ابن الزبير رضي الله عنه، وقد أقره الناس، ومنهم بعض الصحابة مثل ابن عمر وأنس وغيرهما، حقنا للدماء ومنعا للفتنة، وقد قيل: سلطان غشوم خير من فتنة تدوم. وهذا من واقعية الفقه الإسلامي، ورعايته لتغير الظروف.

* تغييرهم للمنكر باليد:

وترى جماعات العنف كذلك أن هذه المنكرات الظاهرة السافرة -التي تبيحها هذه الحكومات- من الخمر والميسر والزنا والخلاعة والمجون والربا وسائر المحظورات الشرعية: يجب أن تغير بالقوة لمن يملك القوة، وهي ترى أنها تملكها، فلا يسقط الوجوب عنها إلى التغيير باللسان بدل اليد، كما في الحديث الشهير: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.

ويغفل هؤلاء الضوابط والشروط اللازمة لتغيير المنكر بالقوة التي قررها العلماء.

* تكفيرهم للمجتمعات:

وبعض هذه الجماعات تنظر إلى المجتمع كله أنه يأخذ حكم هذه الأنظمة التي والاها ورضي بها، وسكت عنها، ولم يحكم بكفرها، والقاعدة التي يزعمونها: أن من لم يكفِّر الكافر فهو كافر!.

وبهذا توسعوا وغلوا في التكفير وكفروا الناس بالجملة.

وعلى هذا لا يبالون من يقتل من هؤلاء المدنيين الذين لا ناقة لهم في الحكومة ولا جمل؛ لأنهم كفروا فحلت دماؤهم وأموالهم!.

كما يرون بالنظر إلى الأقليات غير المسلمة أنهم نقضوا العهد بعدم أدائهم للجزية، وبتأييدهم لأولئك الحكام المرتدين وأنظمتهم الوضعية، ولرفضهم للشريعة الإسلامية، وبهذا لم يعد لهم في أعناق المسلمين عهد ولا ذمة، وحل دمهم ومالهم. وبهذا استحلوا سرقة محلات الذهب من الأقباط في مصر، كما استحلوا سرقة بعض المسلمين أيضا.

* استباحة دماء السياح:

وهم يرون أن السياح وأمثالهم الذين يدخلون بلاد المسلمين بتأشيرات رسمية، وترخيصات قانونية، والذين يعدّهم الفقهاء (مستأمنين) ولو كانت دولهم محاربة للمسلمين، يرون هؤلاء مستباحي الدم، لأنهم لم يأخذوا الإذن من دولة شرعية؛ لأن بلادهم نفسها محاربة للإسلام، فلا عهد بينهم وبين المسلمين. والواجب أن يقاتل هؤلاء ويقتلوا، فلا عصمة لدمائهم وأموالهم!.

وكذلك يقول هؤلاء عن الدول الغربية -التي يقيم بعض هؤلاء فيها- وقد أعطتهم حق الأمان أو حق اللجوء السياسي لمن طردوا من بلادهم الأصلية، فآوتهم هذه الدول من تشرد، وأطعمتهم من جوع، وآمنتهم من خوف، يقول هؤلاء بكل جرأة وتبجح: "إن هذه الدول كلها كافرة محاربة للإسلام وأمته، ويجب أن نقاتلهم جميعا حتى يُسلموا فيَسلَموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".

ولما سئل بعضهم عن إقامته في هذه البلاد، قال: "إنها كدورة المياه، نستخدمها للضرورة رغم نجاستها! وهؤلاء الكفار دماؤهم حلال، وأموالهم حلال للمسلمين، بنصوص الدين".

ويذكرون هنا آيات وأحاديث يضعونها في غير موضعها، فإذا واجهتهم بغيرها من الآيات والأحاديث التي هي أكثر منها وأظهر وأصرح، قالوا لك: هذه نسختها آية السيف!.

هذا هو فقه جماعات العنف باختصار، الذي على أساسه ارتكبوا ما ارتكبوا من مجازر تشيب لهولها الولدان، وتقشعر من بشاعتها الأبدان، ضد مواطنيهم من مسلمين وغير مسلمين، وضد السياح وغيرهم من الأجانب المسالمين.

وهو بلا ريب فقه أعوج، وفهم أعرج، يعتوره الخلل والخطل من كل جانب. ويحتاج من فقهاء الأمة إلى وقفة علمية متأنية لمناقشتهم في أفكارهم هذه، والرد عليهم فيما أخطئوا فيه في ضوء الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وإجماع الأمة.

--------------------------

إسلام أون لاين ـ 14 /04/2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ