ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 10/01/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية

خطوة إلى الأمام ونظرة في المجهول

المهندس شاهر أحمد نصر

الإخوان المسلمون جماعة دينية من حيث الأساس، قامت بدور سياسي لا يمكن تجاهله عند تأريخ الحياة الحزبية في سورية. تأسست جمعية الأخوان المسلمين في مصر عام 1928 سبيلها بناء جيل مؤمن بأنّ الإسلام دين ودولة.. وانتقلت دعوة الأخوان المسلمين من مصر إلى سورية، وبدأ تأسيس الجمعيات الأولى بأسماء مختلفة منذ عام 1937 في حلب ودمشق وحمص وحماة، ثم انضمت هذه الجمعيات تحت اسم واحد هو جمعية "شباب محمد" إلى أن اتخذ مؤتمر عام عقد في حلب عام 1944 قراراً بتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق لها مكتب عام دائم برئاسة مراقب عام هو الشيخ مصطفى السباعي وأصبح اسم الجمعية "الأخوان المسلمون".

وباشرت الجمعية منذ ظهورها بنشاط اجتماعي واسع النطاق، فأسست المعهد العربي بدمشق، وأسست دار طباعة، وأصدرت صحيفة "المنار"، وأنشأت شركة نسيج حلب، وألفت عدة لجان للاهتمام بالشؤون الثقافية والسياسية والاجتماعية العامة. وحددت أهدافها في مؤتمرها العام الذي عقد في يبرود (سوريا) عام 1946 في النقاط التالية: تحرير الأمة وتوحيدها وحفظ عقيدتها على أساس الإسلام، وإصلاح المجتمع ومحاربة الاستعمار، ومحاربة محاولات التفرقة بين الطوائف والأديان، وإصلاح جهاز الدولة بتنفيذ القوانين دون محاباة.

اشتركت كتيبة من متطوعيها في معركة فلسطين في أربعينيات القرن العشرين، وبقيت قضية فلسطين في صلب مهامها.. فاز عدد من مرشحيها في الانتخابات التي جرت عام 1947. في أواسط سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين مارس تيار مسلح في الجماعة أعمال عنف دموي واشتباكات مسلحة راح ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء.. تحتاج تلك المرحلة إلى مراجعة مسؤولة ونظرة نقدية من قبل جميع الأطراف.. وكان آخر ما صدر عن جماعة الإخوان المسلمين مشروع برنامج سياسي يتضمن رؤية الجماعة لمستقبل سورية، من بنوده الدعوة إلى الحوار الديموقراطي ونبذ العنف..

قبل مناقشة هذا المشروع نجد مفيداً التنويه إلى وجود اتجاهات وتيارات إسلامية متعددة في المجتمع السوري تلقى حضوراً جماهيرياً ملحوظاً، وجدت هذه الجماعات والتيارات، وستبقى موجودة لأن مقدمات وجودها كامنة في أعماق المجتمع، ومن غير المنطقي تجاهل ذلك، ومن الضروري التعامل معها بموضوعية، ومن منطلق الحرص على المصلحة الوطنية.. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تجاهل ومحاصرة التيارات المعتدلة، سيفتح المجال أمام بؤر العنف لتحل محل الاعتدال، وفي هذا السياق من المفيد والضروري دراسة تلك الظاهرة التي أفرزت تلك المجموعة التي قامت بأعمال إطلاق النار والتفجيرات في حي المزة بدمشق عام 2004.. سيبقى ينتصب سؤال مشروع حول خلفية مثل هذه الظاهرة، وهل درست بشكل سليم ومتكامل لتتخذ العبر منها العمل على عدم تكرارها، فمثل هذه الدراسة توازي أو تفوق أهمية الأحكام المتخذة بحق مرتكبي تلك الجريمة؟! إنّ عدم معالجة أسباب الاحتقان، وعدم صياغة أسس قانونية وشرعية للعمل السياسي العلني للأحزاب الوطنية المعارضة سيبقي الباب مفتوحاً أمام ظواهر العنف، وما ينتج عنها من تبعات.. والطريق السليم هو الحوار الديموقراطي الذي ينبذ العنف، وال ذي يساهم في معالجة خبايا ومخاطر إغفال الجمر تحت الرماد..

إنّه لأمر هام ومعبر ومفيد أن تطرح الأحزاب والجماعات رؤيتها وبرامجها للنقاش العام، إنّها خطوة على طريق الديموقراطية، فهي من ناحية تبين لنا الأسس الفكرية لهذه التنظيمات، كيف تفكر وتعمل لتحقيق أهدافها، ومن ناحية ثانية تفسح المجال للآخرين لمناقشة تلك الرؤى، علنا نصل إلى تصور عام مشترك لمستقبل بلادنا.. بناء عليه نرى من الضروري مشاركة جميع الأطراف المهتمة في مناقشة كل مشاريع البرامج السياسية التي تطرح.. والابتعاد عن الانعزالية، أو الغطرسة والفوقية، وأساليب الأستذة، أو التجاهل.. لأنّ طبيعة الحياة الاجتماعية تؤكد ضرورة وحتمية وجود مختلف التيارات والاتجاهات الاجتماعية والسياسية..

أما فيما يخص مشروع برنامج جماعة الإخوان المسلمين فيمكن القول إنّه يتضمن أفكاراً جديدة، وتعد هذه الأفكار الجديدة في بناء الدولة على أسس عصرية، والدعوة إلى الحوار الديموقراطي والاعتراف بالآخر، ونبذ التعصب والعنف، خطوة إلى الأمام بالنسبة لكثير مما يطرحه العديد من التيارات الإسلامية، إلاّ أنّ التأكيد على الكثير من الأفكار القديمة يتناقض أحياناً مع الجديدة منها، ويمكن أن يلغيها.. ومن الجدير بالذكر أنّ رمز وشعار الجماعة الذي يتصدر غلاف المشروع، وهو عبارة عن سيفين متقاطعين يطوقان الكتاب، وشعار (وأعدوا)، فضلاً عن الخلفية الدينية لهذا المشروع قد تكون عقبة أمام ترخيص الجماعة (الحزب) وفق قانون الأحزاب السياسية العصرية، لو وجد مثل هذا القانون في البلاد، لأنّ أغلب قوانين الأحزاب العصرية، تتطلب موافقة الجهات القانونية المختصة على رموز وشعارات والبرامج السياسية لكل حزب يطلب الترخيص، وفق أسس محددة في القانون والتشريعات، منها عدم تأسيس الأحزاب على أسس دينية، أو استخدام رموز تدعو إلى العنف.. بالتالي قد يكون مفيداً التفكير بشعار ورمز جديدين للجماعة، فضلاً عن إعادة النظر بكثير من الأفكار التي قد لا تنسجم مع المتطلبات القانونية لتشكيل الحزب السياسي..

بعض الموضوعات الواردة في المشروع والتي نرى ضرورة تدقيقها ومراجعتها:

* المشروع من حيث الحجم كبير، فيه كثير من الإطالة والإسهاب، يحتاج لأكثر من مقال لمناقشة الكثير من الأفكار التي نتفق معها، أو نعارضها في هذا المشروع، وإنّه لمن الأفضل اختصاره، إذ يمكن اختصار البابين الأول والثاني، اللذين يتضمنان أفكاراً حول المنطلقات النظرية والفكرية، بعد إدخال كثير من التعديلات عليها كي لا تتناقض مع سياسات الشروع والبرنامج العملي، ونشرها في كتيب مستقل..

* نرى مفيداً أن تكون مرجعية المشروع السياسي وأسس بناء الدولة الحديثة هي الموروث الحضاري لسورية والأمة العربية، والحضارة الإسلامية، وحصيلة ما أنتجه الفكر الإنساني على صعيد بناء الدولة العصرية التي ترتقي وتسمو بالإنسان، وعدم تقييدها ببعد ديني واحد..

* يؤكد المشروع على الالتزام بالحوار الديموقراطي وعدم إلغاء الآخر، إلاّ أنّ بعض الأفكار الواردة في المشروع لا تنسجم مع هذه الرؤية والالتزام، إذ يقول المشروع: "وجماعتنا تؤمن أن الإسلام في جوهره التوحيدي وقيمه العليا، وشريعته السمحة، ورصيده في نفوس أبناء الشعب السوري، هو أصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل" ولما كان المشروع قد حدد رؤيته بأنّها أصلح المنطلقات، فقد ألغى سلفاً أية منطلقات أخرى، وهذا يتناقض مع المقدمة التي انطلق منها، ولإصلاح ذلك نرى ضرورة تعديل هذه العبارة لتنسجم مع نهج عدم إلغاء الآخر.. وتتكرر الرؤية الأحادية التي تلغي الآخر في العبارة التالية والتي تقول "ونحن إذ نطرح مشروعنا على أبناء الوطن للنهوض به جميعا، لنرحب بأي تطبيق له من جانب الأفراد والدولة والمجتمع، كليا كان أو جزئيا، ساعين للتعاون مع الجميع في هذا الاتجاه". فالجماعة ترحب بأي تطبيق لبرنامجها، علماً بأنّ الاعتراف بالآخر يستوجب الترحيب بالتعاون مع القوى الوطنية الأخرى لتطبيق برامج مشتركة، وليس برنام ج جماعة محددة أو حزب بمفرده، وإلاّ سنعود إلى مفهوم الحزب القائد الذي ننتقده كما تنتقده الجماعة.. والتعديل الذي نقترحه ينسجم مع ما جاء في المشروع لاحقاً من كلام جميل، هذا نصه: "مذكرين بأننا حين نعتمد على الإسلام بوسطيته واعتداله، لا ندعي أننا جماعة المسلمين، ولا أننا أوصياء على الناس باسم الإسلام، وإنما أصحاب مشروع نعرضه على الناس، وسبيلنا إليه هو الحوار المتكافئ مع كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية، والدينية.."

* "مشروعنا السياسي إعلان مبادئ وتوجهات نقدمها من خلال فهمنا لشمولية الإسلام" نرى أن تدقق كلمة (شمولية) وأن يضاف هذه الجملة: (ما أنتجته البشرية من فكر وقيم وعلوم جديدة) وواقع شعبنا السوري.

* "ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جماعتنا طرحت سابقاً ميثاق الشرف الوطني في 3/5/2001م، وهو يمثل الدعوة إلى إطار مشترك تلتقي عليه جميع القوى السياسية والنخب الفكرية في سورية " نرى استبدال (تلتقي عليه جميع) بعبارة: (يلبي في جوهره تطلعات نخب فكرية وسياسية هامة في المعارضة السورية).

* "لقد كون الإسلام بعطائه النظري والعملي على مرّ العصور ذاتية الأمة" تحتاج هذه العبارة إلى تدقيق لتبيان أية عصور؟ والأدق منذ نشر الإسلام في بلاد الشام.. كذلك تبيان أية أمة؟ الصيغة تحتاج إلى تدقيق، مع التنويه إلى وجود حضارات أخرى قبل الإسلام تركت أثراً في الوعي الجمعي، كما أثرت الحضارات الأخرى التي نشأت بعد الإسلام في تطور الوعي والنظري عند كافة الشعوب بما فيها الشعب السوري، كما أنّ المسيحية والكتاب المسيحيين لعبوا دوراً في صياغة هوية الأمة، كما أنّ ترجمة الفكر اليوناني، والفكر الغربي منذ عصر محمد علي لعب دوره أيضا في صياغة فكر هذه الأمة وصاغ هويتها.. كما نرى من المفيد والضروري عند الحديث عن المرجعية ومصادر الفكر، في جميع أبواب المشروع، التنويه إلى أهمية ما أنتجه الفكر الإنساني ليستفيد منه العرب في بناء أسس دولتهم المعاصرة، وعدم قصر ذلك على الإسلام، وقد يكون مفيداً إفراد كتاب نظري تثقيفي مستقل للحديث عن الشريعة الإسلامية..

* "إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة" نرى أنّ القضايا الحياتية اليومية تحتاج إلى دساتير أرضية، تستند على متطلبات الحياة وما ينتجه الفكر الإنساني من علوم تستند إلى الواقع وتعالج قضاياه ـ وخير مثال على ذلك دستور المدينة، وهو أول دستور حدد أسس المواطنة في الأرض العربية والذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين دون وثيقة المدينة المنورة التي ضمت المهاجرين والأنصار وغيرهم من الطوائف والقبائل، ووادع فيها يهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم.

* ومن الأفكار الهامة والجديدة والتجديدية في الفكر الإسلامي ما جاء في المشروع "إن من صميم موقفنا الشرعي والحضاري أن الحكمة ضالةٌ لنا، ومهما كانت مشاركتنا في بناء الحضارة الإنسانية كبيرة أو ضئيلة، فإننا نعتقد أن ثقافات الأمم، وتجارب الشعوب، ومعطيات الحضارة الإنسانية بشقيها المادي والمعنوي هي مصدر إغناء لمشروعنا الحضاري، (فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها) والاستفادة من تلك المعطيات يبقى محكوماً بالضوابط الشرعية والمصالح المشروعة. كما تحرص على وضع حد لما هو شائع بين بعض دعاة الإسلام من استخفاف بتجارب الأمم والشعوب في مجال النظم السياسية والاقتصادية بدعوى أن المسلم لا يحتاج إليها أو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرط في الكتاب من شيء وترى أنه لا يجوز الرفض المطلق ولا القبول المطلق لأي مذهب أو نظرية من نظريات الإصلاح السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي لأن الأمر مرهون بمصالح الأمة المنضبطة بميزان الشرع، وقد اقتبس عمر رضي الله عنه من أنظمة الدول الكبرى المعاصرة له، ولم يجد من الدين ما يمنعه من ذلك". ونرى أن ما يلي لاحقاً من حديث عن القواعد الشرعية ومن نصوص الإسلام الثاب تة وقواعده الكلية ومقاصده العامة يمكن إيراده ضمن كتاب تثقيفي مستقل.. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تطبيق شريعة الله مسؤولية أكبر من قدرة وطاقة بني البشر، الذي يمكنهم محاولة بناء مجتمع العدالة على الأرض..

* "تؤمن الجماعة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وينظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان والإنسان، وهو بذلك دين عبادات ودين معاملات وتشمل تشريعاته كل الجوانب الروحية والثقافية والاقتصادية والسياسية للحياة". نرى هنا عودة إلى الشمولية وإلغاء الآخر، بالتالي نعتقد أنّ هذه الفقرة تحتاج إلى توقف ومناقشة بما يراعي منتجات الحضارة الإنسانية والديانات الأخرى..

* "وتؤمن كذلك أن الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة على أننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية فنحن لا نقبل الشمولية التي تغلف الاستبداد البشري بالمقدس الديني.." إنّه لكلام هام وجميل، عدم الدعوة إلى دولة ثيوقراطية، بالتالي هل يفهم من ذلك عدم الدعوة إلى قيام دولة على أسس دينية، بما في ذلك الدولة الإسلامية، وهنا نلمس تناقضاً في المشروع يحتاج إلى معالجة في صالح متطلبات التطور والتقدم العصريين، علماً بأنّ الكثير من أركان الدولة التي تدعو إليها الجماعة من دولة مواطنة، تعاقدية، تمثيلية، دستورية، قانونية، تعددية، مؤسساتية، تداولية.. تنسجم مع متطلبات العصر، ونرى أن ينجلي الأمر بتبيان أن عدم الدعوة إلى قيام دولة ثيوقراطية يعني عدم الدعوة لقيام دولة إسلامية، وفد عالج زعيم الإخوان المسلمين في سورية الشيخ مصطفى السباعي هذه القضية كما سنبين لاحقاً، ومن المفيد والضروري الاستفادة من معالجته لها..

* "فالنمو الطبيعي و الطاقات البناءة المتسامحة لا تظهر إلا في أجواء الحرية والعدل، ولذلك فإن الجماعة تطالب بالحرية وبحقها في التعبير عن نفسها بشكل علني، وطرح برامجها بالطرق السلمية والديمقراطية". إنّها خطوة إلى الأمام ودعوة جريئة ومتقدمة وواضحة لبناء المجتمع والعلاقات الاجتماعية على أسس ديموقراطية، نقول جريئة ومتقدمة نظراً لوجود الكثير من التيارات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين الذين يكفرون صراحة من يدعو إلى الديموقراطية..

* جاء في المشروع: "في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما اندلع نشاط معارض مسلح ضد السلطة شارك فيه الإخوان المسلمون قمعته السلطة بوحشية ونتج عن ذلك خسائر باهظة دفع ثمنها أبناء الوطن جميعاً" من الضروري نقد لجوء الإخوان المسلمين إلى العنف في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ومراجعة تلك المرحلة بنظرة نقدية من قبل جميع الأطراف..

* "الباب مفتوح لمشاركات المرأة، ولاسيما أولئك اللواتي تسمح ظروفهن الشخصية أن يلجن أبواب الحياة العامة لتكون لنا: المرأة الداعية، والمرأة العاملة، والمرأة الأديبة، والمرأة المفتية، والمرأة الناخبة، والمرأة المنتخبة في حدود الولايات العامة، بل لا مانع أن تكون المرأة قاضية أو مديرة أو وزيرة إذا كانت تملك المؤهلات المطلوبة لوظيفتها، ولم يكن ذلك على حساب بيتها وأطفالها، وكان تطور المجتمع يرشحها لذلك، ولنا في مذهب أبي حنيفة والطبري والظاهرية ما يسندنا في ذلك". إنّها دعوة حضارية متقدمة لتحرر المرأة اقتصادياً وحصولها على حقوقها، وهي تتقدم كثيراً على كثير من الدعوات من قبل بعض الفئات المنغلقة التي تحرم المرأة من حقوقها وتلزمها البيت..

* "إن لباس المرأة في إطار من الحشمة جزء من شخصيتها العامة، ولا بد أن نؤكد على أن تميز المرأة بلباس خاص يؤكد عفتها وحشمتها ويصون جسدها، عن تقحم أعين فيها مرض، يأتي مصداقاً لقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) نأمل ألا تكون هذه دعوة قسرية لالتزام المرأة بحجاب محدد، والنص صريح، ذلك أدنى أن يعرفن بالحشمة والطهر والعفة فلا يؤذين. فالنص يتعلق بزمان ومكان محددين تتعرض فيه المرأة للأذية، ومن المسلم به أنّه إذا انتفت الأذية يسمح للمرأة أن ترتدي الزي واللباس الذي ينسجم مع الزمان والمكان والعصر الذي تعيش فيه... والخلفاء الراشدين قدوة حسنة في تطبيق النص بما ينسجم مع الزمان والمكان، وخير مثال على ذلك موقف الخليفة العادل عمر بن الخطاب في عام الرمادة..

* عند الحديث عن تعميق روح المواطنة، واعتماد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وكذلك اعتماد مبدأ الكفاءة وتساوي الفرص، نرى مفيداً التأكيد على حقوق الأقليات القومية وإعادة الحقوق لمن بخس حقهم من الأخوة الأكراد في إحصاء 1962..

* يتحدث المشروع في بعض أبوابه عن أسس بناء الدولة العصرية، ويدعو إلى بنائها على أسس حضارية عصرية، وينبذ الدعوة إلى إقامة الدولة الثيوقراطية، ويجري الحديث في أبواب أخرى عن أسس النظام السياسي الإسلامي، فتستبدل، على سبيل المثال، الديموقراطية بالشورى، وتعلو الدعوة إلى الاقتصاد الإسلامي، وإقامة الدولة الإسلامية، وتجاهل أبناء الطوائف الأخرى في المجتمع...

من الصعب التمييز بين الدولة الإسلامية والدولة الثيوقراطية، وتتضمن في هذه الدعوة تناقضاً وتحولاً عن الأسس العصرية لبناء الدولة والاقتصاد، ونظرة في المجهول.. إنّها تبعث إلى القلق والتساؤل حول جدية الدعوة لبناء الدولة على أسس حضارية عصرية، وتزيد من شكوك المشككين في تقدم وتطور وتجديد نظرة جماعة الإخوان المسلمين، والزعم بأنّها تحمل طابعاً ديماغوجياً، ستتراجع الجماعة عنها، في حال استلامها السلطة.. من هنا تأتي أهمية الدقة والوضوح لإزالة أي لبس وتناقض في الموضوعات المطروحة والدعوة لبناء الدولة على الأسس الحضارية المتفق عليها.

* تلتقي الخطوط العريضة والأساسية في نظرة جماعة الإخوان المسلمين إلى تحرير الأراضي العربية المحتلة، وإحقاق حقوق الشعب العربي الفلسطيني مع نظرة القوى الوطنية في البلاد.. وعند الحديث عن مأساة العراق أود تأكيد الرأي الذي بينته عند مناقشة مشروع برنامج الحزب الاجتماعي الديموقراطي: الذي يقول بضرورة التذكير بأنّ سياسة النظام الاستبدادي القمعي السابق في العراق واحتلال ذلك النظام العراقي للكويت، لعبت دوراً في التسهيل لاحتلال أمريكا للعراق.. وكذلك إعلان تأييد حق الشعب العراقي في انتخاب قيادته الجديدة ووضع دستوره الجديد ومحاكمة جلاديه ومرتكبي جرائم المقابر الجماعية، وحماتهم، ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه انتهاك حقوق الإنسان وسجن وتعذيب الأبرياء زوراً وبهتاناً.. وبناء عراق موحد، يقوده نظام وطني ديموقراطي، سيد على كامل أراضيه، يعمل على تحرير كامل تراب العراق من الاحتلال وفق السبل المشروعة والمعترف بها دولياً..

* من الضروري الحذر كثيراً عند الحديث عن موضوع الطائفية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ السلطات بشكل عام قد تستخدم الطائفية لتعزيز سلطاتها، لكن الطوائف لا تستفيد بالضرورة من السلطات، وكما أنّ السنة بأغلبيتهم لم يكونوا المستفيدين الوحيدين من النظام السابق في العراق، فإنّ الأقليات الطائفية هي المتضرر الأول من أي سلطة تحاول استغلالهم، وإذا بحثنا على مدى العصور وفي جميع المجتمعات نجد في صفوف المعارضة أكثرية نسبية من الطوائف الأقلية، كما نجد الأكثرية المستفيدة من الطوائف الأخرى، إنّها مسألة حساسة، والمجتمع السوري تاريخياً لم تجرفه التشرذمات الطائفية، ووحده الشعور الوطني في معاركه ضد الاستعمار الفرنسي وضد الصهيونية والمشاريع المعادية، ومن المفيد في هذا المجال التعرف على وجهة نظر الأحزاب السياسية في سورية، بعيد الاستقلال، في العلاقة بين الدين والدولة، إذ أثار نص في مشروع الدستور، يقول: إن الإسلام دين للدولة، انقساماً وتبايناً واضحاً بين الأحزاب والقوى السياسية السورية ذات المنطلقات الفكرية والبرامج السياسية، والتركيبة الاجتماعية المختلفة. فلا نجد في أدبيات حزب الشعب مواقف واضحة من قضية العلاقة بين الدين والدولة، علماً بأنّه يدافع عن الإصلاح ويدعو إلى سن القوانين العصرية والتقدمية، مع الأخذ بالتراث العربي الإسلامي في الحسبان. أما الإخوان المسلمون فقد تجلى موقف بعضهم في شعارهم "الإسلام ديناً ودولة، وقرآن وسيف، جامع ومدرسة ـ قانون وأخلاق، عدالة وأخوة، حياة وخلود" ، وينقل عن أحد قادة الأخوان المسلمين، قوله الذي يلخص فيه سياسة الإخوان المسلمين السياسي في هذا الخصوص "إنّ أية محاولة للسير بسورية نحو العلمانية والإلحاد والمادية تشكل خطراً على حاضر العرب ومستقبلهم". وكان موقف الحزب الشيوعي السوري، والحزب القومي السوري الاجتماعي، وحزب البعث، مبنياًً على أسس المطالبة بدولة علمانية، فعلى سبيل المثال أكد الحزب القومي السوري ما قاله أنطون سعادة: "إنّ فكرة تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية لا تتفق ومفهوم القومية عموماً والقومية السورية بصورة خاصة".

ولم تتأخر الطوائف الدينية المسيحية عن مناقشة هذه المسألة، فجاء موقف المسيحيين واضحاً، على لسان رئيس الروم الكاثوليك المطران حريكة، الذي قال: "إن دين الدولة هو الإسلام سواء أنص الدستور على ذلك أم لا، لا سيما أنّ سورية قد ورثت التشريع الإسلامي للإمبراطورية العثمانية"، مضيفاً مع ذلك أنّ إضافة مادة تتعلق بالدين إلى الدستور سيحط من سمعة البلاد.

كما عارض فارس الخوري وهو بروتستانتي ورفض أي ذكر للدين، وقال أنّ الدين لله أما الوطن فللجميع".

" وبعد نقاش استمر أسبوعاً تم التوصل إلى تسوية (ينسبها البعض إلى زعيم الإخوان المسلمين الشيخ السباعي، وهذا ما يعبر عن سعة أفق) تبقي على الصيغة الواردة في دستور عام 1930، وتنص على "دين رئيس الجمهورية الإسلام"، ثم أضيفت لتلطيف الرأي العام المحافظ، في المادة الثالثة عبارة تذكر أنّ " الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع"، وفي المادة نفسها أعلن أنّ الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة مرعية، وتضمنت مقدمة الدستور ما نصه "ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فإنّ الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا".. هكذا كان شعبنا وبلادنا وهكذا نريدها لا تعترف بالتشرذم الطائفي، وتجد حلولاً جماعية لمشاكلها، تلبي فيها مصلحة جميع أبنائها من مختلف الديانات والطوائف والأقليات.. وهكذا نريد لأحزابنا أن تستفيد من الماضي وتتجاوزه إلى الأمام وتتقدم بالبلاد، لا أن تتراجع إلى الوراء، أو تسير في المجهول..

أجل هناك الكثير من الأفكار المتقدمة والتجديدية الجريئة في مشروع جماعة الإخوان المسلمين والتي تلتقي مع طروحات القوى الوطنية في البلاد، وفي نفس الوقت هناك عدد من القضايا التي تحتاج إلى تحديد وتدقيق، كي لا تتعارض مع الأسس الحضارية والعصرية لبناء دولة القانون الدستورية التي يدعون إليها.. من المفيد تطوير الأفكار المتقدمة التي تدعو جماعة الإخوان المسلمين إليها لتكون أساساً سليماً وقانونياً لبناء تنظيم على أسس عصرية تنسجم مع متطلبات قانون الأحزاب العصري، الذي نصبو إلى الإعلان عنه في بلادنا، لبناء بنية سياسية عصرية ترفع من مكانة ومنعة وطننا، وتنسجم مع متطلبات وتحديات العصر..

( كلنا شركاء) 5/1/2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ