ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 11/07/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

  ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءة في كتاب (انتهى التحقيق)

تأليف الأستاذ سليم عبدالقادر

 (انتهى التحقيق)

زهير سالم*

(انتهى التحقيق) كتاب لطيف أنيق للأستاذ سليم عبدالقادر سجل فيه مشاهد مما كان يدور في أقبية التحقيق في سورية في السنوات العجاف أوائل الثمانينات. ما في الكتاب إعادة صياغة لحقائق ووقائع إذا كان فيها من الفن شيء فهو براعة الفنان الذي التقط الصورة، وصاغ العبارة. المشاهد القصيرة المكثفة معبرة تمام التعبير عن واقع وحالة. ولا بد لكل كتاب أن يخلف انطباعاً أولياً في نفس قارئه. ولقد نجح المؤلف في إثارة انطباعات متضاربة في نفوسنا ونحن نتابع بشغف أقاصيص أو مآسي أشخاص عرفناهم وأحببناهم. الحديث عن الألم ذو شجون ولكن الكتاب أو الكاتب أثار في نفسي انطباعاً آخر بلوحاته الخلفية التي لا أظن أنها كانت مقصودة لذاتها.

عزيزي (أبو الخير) بنهم أتيت على كتابك، الذي كان أنيقاً في كل شيء، حتى في وصف أكثر الأماكن وحشة وإثارة للنفور والرعب أو للتقزز والغثيان. كانت قدرتك على رؤية الخيط الأبيض في سدفة ظلام حالك. أو تلمس شعور إنساني عابر أو غابر فيما فاق الحجارة قسوة وصلابة محط إعجاب آخر.

(بشر) أولئك الأجلاف. نعم بشر، ولكنهم تجاوزوا بشريتهم منذ أن آثروا أن يأدموا رغيف خبزهم بدماء وعذابات الآخرين. وانخلع أولئك من إنسانيتهم منذ أن جعلوا العدوان على الإنسانية وظيفة منها يقتاتون.. ورأوا أن من حقهم من أجل رغيف أن يمارسوا القسوة ضد من عرفوه ومن لم يعرفوه.. واستطاعوا أن يسقطوا من اعتباراتهم أي إحساس بقدسية الإنسان أو بحرمته. إلى أي حد يحتفظ بإنسانيته من يقتل أو يعذب بدم بارد، ومن أجل لا شيء!! إلى أي حد يحتفظ بإنسانيته من يكون الإنسان بالنسبة إليه ليس أكثر من قطعة حديد في كير حداد، أو جلمود صخر تحت قدوم حجار. بل إن هؤلاء الذين حاولت أن تصيد بعض خيوط إنسانيتهم في ساعات ضعفهم الحقيقية يعتقدون أن الخضوع للشعور الإنساني (التعاطف .. الشفقة) هو نوع من الفاحشة النفسية التي تخونهم بارتكابها نفوسهم (الأمارة بالسوء). وهم دمروا منذ امتهنوا القتل السريع أو البطئ، جهازهم العصبي، وانتماءهم الإنساني.

أنا لا أظن أن هذه الطبقة، السادة منهم قبل العبيد، قادرة على الوقوف أمام المرآة، ولو فعلوا لما رأوا أنفسهم بالصورة الأنيقة التي رسمتها الريشة المبدعة التي تملكها لهم.. ولا أظنهم يطمعون بمثل هذه الصورة في مخيلات زوجاتهم أو أولادهم، الذين يحملون، ربما، إليهم الحلوى كل يوم.

أتصور الأزمة الحادة لأي من هؤلاء الأطفال حين يسأله معلمه أمام زملائه في المدرسة ماذا يعمل أبوك؟! أشعر بالأزمة في نفس الطفل ولكني لا أدري كيف يستطيع أن يجيب!! يجب أن نشفق على نفسية الولد ونجنبه الجواب على مثل هذا السؤال. ولو كنتُ أو كنتَ أخصائياً نفسياً لما وجدنا الجواب المعين للطفل لتجاوز أزمته.

أنا لا أشك من الناحية النفسية أن الذين يمتهنون مثل هذه المهن، وهي جنس من نوع كما يقول المناطقة، قد عانوا كثيراً في البداية. أقول في البداية، لأنهم ولدوا بشراً أسوياء وربما تكون لهم ظروف قاهرة دفعتهم، ككثير من نساء روايات نجيب محفوظ، إلى ما هم فيه. ولا بد أنهم حتى تكيفوا مع ما اختاروه لأنفسهم، أو اختارته لهم ظروفهم، لا فرق لدي، قد تحولوا إلى آلات أو أدوات لا تحب ولا تكره، ومثل هذا الفعل لا يمكن أن يتم إلا بالانفصال عن المجتمع أو عن الإنسانية وقطع كل الروابط التي تذكر بالانتماء إليه أو إليها.

أخي الأستاذ الكريم لا أدري إلى أين ساقني قلمي؟! كنت أتحدث عن الأناقة في الأسلوب، والبراعة في التقاط الصور والمشاعر وبعض خبايا النفوس في القوة والضعف في التزكية (والتدسِية)؛ ولكن هذا القلم الذي أتعبني كثيراً فرض عليّ أن أشرح انطباعاً خلفياً تركه الكتاب في نفسي. انطباعاً أعتقد أنه يفارق بعض ما أريد من الكتاب.

 قلمي يريد أن يقول: إنه وإن كان في الخمر والميسر منافع للناس فليس من الحكمة أن ننساق في تعداد هذه المنافع وشرح أبعادها. تسألني لماذا؟! وأنا لا أدري لماذا يكتب قلمي هذا!! فشرح مثل هذه النتيجة يطول.

أما الذي أريد أن أقوله أنا فهو أن أسطرك الجميلة الرائعة قد أقلقت النفس وهاجت اللواعج، واستنزفت فيضاً من الدموع. وهذا يدفعني إلى القول: لا لم ينته التحقيق، بل لعله لم يبدأ بعد.

فأنا وأنت وعدنان وأحمد وزاهد ومصطفى وعثمان وعمر وكل الأبرياء وكذلك الطغاة الأوغاد سنلتقي غداً أمام حكم عدل.. عند مليك مقتدر.

*مدير مركز الشرق العربي

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ