ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 26/09/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ملف المهجرين القسريين

جواز السفر الحلم! 

و"ضرورات المصلحة"

الطاهر إبراهيم*

في مقالنا السابق "المنفي السوري ومسلسل القهر والإهانة على أبواب القنصليات السورية" الذي نشره "مركز الشرق العربي" ... تحدثنا عن الوضع الشاذ الذي يعيشه المواطن السوري في بلاد الغربة، وعما يقاسيه من رفض القنصليات تقديم الخدمات المطلوبة منها للمغتربين، وهذه الخدمات هي أهم الشؤون ،التي من أجلها تم إنشاء الفروع القنصلية في السفارات. وتبين لنا أنه -في ظروف كالتي يعيشها المنفيون السوريون في مواجهة تعنت القنصليات السورية ورفضها منحه جواز السفر الذي هو حق أقره الدستور السوري في المادة 43 منه-، يصح أن يطلق اسم "البدون" على المواطن السوري المغترب، وأنه يشكل أدنى درجات "البدون" في العالم. وتكلمنا عن "تسوية الوضع" التي يلجأ إليها المواطن المنفي بعد أن تقطعت به السبل أمام أبواب القنصليات، دون أن يحصل على جواز سفر له أو لأسرته، يغطي به وضعه القانوني، فقرر أن يلجأ إلى آخر الدواء وهو العودة غير مضمونة العواقب إلى سورية.

ولمن لا يعلم فإن الاضطهاد الذي يتعرض له المواطن السوري "المهجّر قسريا"، على أبواب القنصليات السورية، يجعله ،كما قال القائد الفاتح المسلم "طارق بن زياد"، كالأيتام على مأدبة اللئام. فهو يبدأ مسيرة الألف ميل ذهابا و إيابا إلى قنصلية بلده، وفي أثناء انتظار نتيجة مسعاه للحصول على جواز سفر لولده، يقاسي من وجوه كالحة وكلمات جارحة. ولأنه لا بد من جواز السفر فهو يصبر ويصابر ويملّ الصبر منه ولا ينفد صبره. حتى إذا ما حانت الساعة الكئيبة، قال له معاون القنصل "صلاح علقم": ليس لك عندنا إلا جواب واحد، نعطي ابنك وثيقة صالحة للنزول إلى سورية فقط، وهناك يحصل على جواز السفر.

ولأن نزول ابنه إلى سورية إلى قبضة أجهزة الأمن السورية، هو قفزة في المجهول، وسير في ظلام دامس. فكم من شاب لم يجاوز عمره الخامسة عشرة ذهب ولم يعد، لأنه استضيف في سجن خمس نجوم في معتقل "صيدنايا"، ذي الطوابق العشرة تحت الأرض. 

والحديث عن الضغط النفسي الذي يفرضه الحصول على جواز السفر حديث ذو شجون، ويحتاج إلى بعض التفصيل. لأنه قضية شائكة، ولها تفرعاتها وتشعباتها، التي تتلون وتتشكل باختلاف الموظفين الموجودين في القنصلية.

وللأمانة فإن بعض القناصل "مساهم الله بالخير" كان يقول للمضطر للحصول على جواز سفر –وكل المنفيين مضطرون، ولكن بعض الشر أهون من بعض-:إن التعليمات لا تسمح بمنحك جواز سفر،ولكني لا أسمح لنفسي ،وأنت في بلاد الغربة، أن أدعك تتعرض للحرج. ثم يأمر بمنحه جواز سفر لمدة ستة أشهر.

وبعضهم تكلس عنده المخ والمخيخ والمخ المستطيل، وارتفع منسوب "الوطنية" في دمائه إلى مستويات عالية، لدرجة أن القنصل أو نائبه إذا ما شعر بأنك من المنفيين، أوصد باب مكتبه في وجهك ، وأخذته العزة بالإثم عند عرض طلبك عليه، فيؤشر عليه "مع عدم الموافقة". ولا ينسى أحيانا أن يزكيك، فيأمر برفع طلبك إلى سورية مزيلا بحاشية "لا ينزل صاحب الطلب إلى سورية".

وهناك صنف ثالث، لم تصل الوطنية عنده إلا إلى الدرجة التي تفتح طريقا للدولارات إلى جيبه. فله على كل جواز يوقعه "جعل" يتفاوت بتفاوت مظهرك ودخلك الذي لا يخفى على أمثاله. وغالبا ما يشكل مع مندوبي أجهزة الأمن شركة اسمها "حج قسام"، ولعله الصنف الأكثر قبولا عند المنفيين رغم ما ذكرنا عن مثالبه.

ولعلي لا أنسى صنفا رابعا، علم أن أجله في القنصلية محدود،ولا يريد أن يخسر منصبه وراتبه ، فاستقال من المسؤولية وجلس في مكتبه كالصورة المرسومة بإتقان داخل إطار مذهب، وترك المهمة لنائبه ومندوبي أجهزة الأمن، يتحكمون بعباد الله، فيقطعون أرزاقا ويصلون أخرى.

وأعرف سوريا قصد قنصلا من هذا الصنف، وقد اصطحب معه أحد أولاده. ولم يبخل سعادة القنصل عليه بالابتسامات وبعبارات الترحيب فاستبشر المواطن خيرا. قال المواطن للقنصل: "مخدومك" ولدي هذا عنده مرض مزمن وقد انتهت صلاحية جواز سفره. فحدق القنصل بآثار المرض –وهي أكزمة بنيوية من النوع الذي يأتي مع الولادة وتترك على الوجه واليدين آثارا بادية للعيان- ورأى الوضع الصحي المتردي للشاب. فهتف القنصل من داخل قلبه: يا لطيف.. يا لطيف..وهو يرى الولد بحالة صحية صعبة، قد أكلت الحساسية المزمنة جلد وجهه ويديه. ولما أخبره مسؤول الجوازات أن على الشاب "ضرورات مصلحة"، "زمّ عينيه وأبدى أسفه"، ووقف مادا يده مودعا قائلا: أن لا حيلة لديه طالما أن الولد ممنوع لضرورات المصلحة.

(وقارن ،إن شئت أيها القارئ، هذه القصة بقصة القنصل الذي منح المواطن السوري جواز سفر مع أن التعليمات تحظر ذلك، حتى لا يحرج المواطن).

أما ضرورات المصلحة تلك، فهي "كليشيه" تعني أن الطلب مرفوض لأن صاحب هذا الطلب أو والده، من المنفيين الذين لا ينزلون إلى سورية.

وحتى لا نظلم موظفي القنصليات، فإنه مما لا شك فيه، أن القضية أكبر من المندوبين الأمنيين، وأكبر من القناصل، إنها مشكلة نظام سياسي استمرأ الانفراد في السلطة، وأصبح الحفاظ عليها شغله الشاغل. وفي سبيل ذلك لا بأس أن يدوس على عشرات الآلاف من هؤلاء المنفيين، المهم عنده أن يبقوا حيث هم، لأنهم إذا عادوا إلى الوطن فقد يلتف حولهم الشعب ويفلت زمام الأمر من أيدي أجهزة الأمن وما يوم "شاوشيسكو" في رومانيا ببعيد.

ولعل المقاربة التالية تعطي القارئ صورة مبسطة عن عقلية أجهزة الأمن في سورية.

ولكن كيف عالجت وزارة الداخلية مشاكل المنفيين؟

وأنقل إلى القارئ الكريم مقتطفات من رسالة مواطن سوري، نشرتها جريدة تشرين السورية في  28 / 2 / 2004 جاء فيها:

رسالة من مغترب نشرتها تشرين في 28/2/2004

(.. وقد بادر معظم المغتربين إلى دفع البدل النقدي عن أولادهم "خمسة آلاف دولار عدا ونقدا"، قطعها من تحويشة العمر التي نقصت كثيرا بسبب الدراسة الجامعية التي كانت تكلف الواحد منا "الشيء الفلاني"، على حد تعبير إخواننا المصريين.

وبدفع البدل، ظننا أن مشاكلنا قد انتهت. ولكن خاب فألنا عندما فوجئنا بأن القنصليات السورية، والخليجية منها على وجه الخصوص، ترفض منحنا جواز سفر دون العودة إلى وزارة الداخلية، لأخذ موافقة. وعندما جادلنا المسؤول القنصلي، بأن قرار وزير الداخلية الذي صدر في عام 2002 قد حدد الأسلوب المتبع في منح الجوازات، وأن من دفع البدل النقدي، يمنح جواز سفر لمدة ست سنوات.

كما أن وزارة الداخلية ألغت الموافقات الأمنية منذ أكثر من ثلاث سنوات، سيما وأن معظمنا ولد في المهجر أي أنه ليس من المعارضين ، إلا إذا كانت تعليمات وزارة الخارجية تنص على أن الولد الذي يولد لأب معارض، فهو معارض في الفطرة.  السعودية -  المواطن السوري أحمد أحمد)

وقرأنا مرة ثانية في "تشرين" في 10 / 4 / 2004 توضيحا من وزارة الداخلية –كثّر الله خيرها على تنازلها بالرد- ردا على الرسالة السابقة جاء فيها:

من السيد العميد عبد الفتاح الصباغ مدير العلاقات العامة وصلنا التوضيح التالي:

السيد رئيس تحرير جريدة "تشرين":

(..أما فيما يتعلق بعدم منح جوازات سفر من قبل بعض البعثات، فقد نصت المادة السابعة من القرار رقم /1378/ الصادر عن إدارة التنظيم والإدارة في وزارة الداخلية بتاريخ 25/11/ 2002 ،على ما يلي: تخول البعثات القنصلية للجمهورية العربية السورية المعتمدة في الخارج صلاحيات منح جوازات ووثائق السفر للمواطنين وتجديدها دون الرجوع إلى وزارة الداخلية،­إدارة الهجرة والجوازات، ولمدة ست سنوات، للفئات التالية:

من أدى خدمة العلم. ‏ ­ دافع البدل النقدي. ‏ ­ المعفو وحيد لوالديه. ‏­ من تجاوز الخمسين من العمر. ­ المعفو صحياً. ‏ المعفو لأدائه الخدمة في جيش دولة أخرى. الإناث. الأطفال  دون سن الحادية عشرة من العمر. وكذلك الطلاب الموفدون والطلاب الذين يتقدمون مباشرة إلى البعثات القنصلية بوثائق تسجيل دراسية ويشترط أن يكون المذكورون قد غادروا البلاد بصورة قانونية وليس بحقهم أي إجراء ويؤخذ رأي إدارة الهجرة والجوازات في الحالات التي يقدرها القنصل....) انتهى ما ورد في رسالة سعادة العميد.

ومع التحية والتقدير لما ورد في التوضيح أعلاه، فإن سعادة العميد تحاشى الإجابة على رسالة الأخ المغترب "أحمد أحمد" بعد أن دفع البدل النقدي. فشرط مغادرة البلاد بصورة نظامية لا يلزمه، لأنه ولد في المهجر. إلا إذا كانت وزارة الداخلية تعتبر "أن من ولد لأب معارض، فهو معارض في الفطرة".كما جاء في رسالة المواطن السوري "أحمد أحمد" التي نشرتها تشرين. ثم ماذا يعني تعبير "إجراء"، الذي ورد في توضح سعادة العميد؟ ألا يكفي المواطن السوري إجراءات أجهزة الأمن التعسفية داخل القطر؟..

كما أن القنصليات كثيرا ما حرمت زوجات المنفيين وبناتهم من جوازات السفر، مع أن كتاب وزارة الداخلية لم يقيد منحهن الجوازات بأي شرط، والأمثلة على حرمان الإناث من منح جواز السفر أكثر من أن تحصى. وكثيرا ما تعطلت "خطبة" فتيات، لأن بعض من يتقدمون للخطبة كانوا يشترطون وجود جواز سفر نظامي.

ولا يفوتني هنا أن أذكّر بالتعميم الذي أصدرته وزارة الخارجية رقم / 38 / بتاريخ 17 شباط عام 2001 الذي قضى بمنح السوريين المنفيين جواز سفر لمدة عام واحد، خلافا للتعليمات المكتوبة على الصفحة الداخلية للجلد الأخير في الجواز، التي جعلت مدة الجواز سنتين يتم تجديدها حتى ست سنوات، وكأن وزارة الخارجية تعتبر السوري المنفي "سدس" مواطن. ومع هذا فقد عادت هذه الوزارة و"لحست" هذا التعميم بعد شهر من صدوره.

هل بقي شيء يتعلق بموضوع جوازات سفر المغتربين وأولادهم؟ نعم لقد بقي الشيء الكثير، ولكن المساحة لا تتسع. ولكن هناك الكثير من الظلامات الأخرى التي أوقعها نظام حكم حزب البعث بحق هؤلاء المغتربين، نذكر منها على سبيل المثال:تعطيل كل متعلقاتهم في سورية ،مثل: عدم اعتماد أي وكالة عامة أو خاصة ما لم تعرض على أجهزة الأمن، ومن ثم رفض هذه الوكالات. عدم الموافقة على بيع أو شراء لهذا المنفي طالما أن القضية تحتاج إلى توكيل.. و.. و.. والأمر أوسع من أن يحصى أو يعد.

* كاتب سوري / عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ