ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/09/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ملف المهجرين القسريين

المنفي السوري ومسلسل القهر والإهانة

على أبواب القنصليات السورية

الطاهر إبراهيم*

تتحدث الأخبار هذه الأيام عن سعي النظام السوري لتوفيق وضعه مع ما تتطلبه منه الإدارة الأمريكية التي أوفدت إليه "وليم بيرنز" مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى. ومهما حاول إعلام الدكتور "أحمد الحسن" أن يجمل ما جاء به "بيرنز" فهو هباب أسود، وقائمة من الطلبات الأمريكية التي لها أول وليس لها آخر.

ولعلنا ندرك حجم هذه الطلبات من الوفد الضخم الذي جاء إلى دمشق برفقة "بيرنز" ويضم خبراء عسكريين يحملون خططا وخرائط مفصلة، ليس لقلعة حلب التي جاؤوها قبل ثلاث سنوات للتنقيب عن آثار محمد عطا الزعيم المزعوم لهجماتا 11 أيلول "سبتمبر"، وإنما لفرض تعاون سوري أمريكي ،بموجب خرائط على الحدود السورية الشرقية، عدا عن باقي القائمة التي تضم سبع بنود، لعل تطبيق القرار الأممي 1559 بشأن لبنان أقلها شأنا.

وإذا كان "بيرنز" قد تكلم بصوته الخفيض أثناء المقابلة مع الرئيس بشار الأسد، فإن مرافقه في الوفد "بيتر رودمان" أحد مساعدي وزير الدفاع "رمسفيلد" قد طرح أسئلة متشعبة ومستفزة وبصوت أجش، أثناء تلك المقابلة.

قدمت بهذه المقدمة الطويلة بين يدي موضوعي، الذي يظهر وكأنه بعيد كل البعد عن مهمة "بيرنز" و"رودمان"، لأقول إن طلبات الشعب السوري من نظام الحكم السوري هي أقل وأهون بكثير من قائمة الطلبات الأمريكية المستفزة للشعور الوطني العام. وهذا الشعب في النتيجة النهائية هو الحصن لأي حكومة في وجه التهديدات الأجنبية. ومع ذلك فالنظام السوري يضعه في ذيل قائمة اهتماماته.

 ومن حق هذا الشعب أن يسأل كيف يستجيب النظام لطلبات أمريكا ويدير ظهره ويعرض بوجهه عن طلبات الشعب السوري. ولعل هذه العجالة لا تتسع لكل الطلبات فسأقصرها على شؤون المنفيين المبعدين.    

"البدون" السوريون

كلنا سمع عن جماعة "البدون" في الكويت، وعن محاولة المجتمع الرسمي هناك علاج هذه الظاهرة، التي تكونت وتعاظم شأنها من دخول بعض العرب من بلدان مجاورة، -خصوصا بعد الطفرة التي حدثت في العقود الأربعة الأخيرة- إلى الكويت.ومع إحساس أهل الكويت أن هؤلاء جاءوا ليقاسموهم الثروة ولقمة العيش، فإن الكويت الرسمية لم تعمل على إخراجهم، بل إنها فرضت لهم من الرعاية ما يكفل لهم العيش الكريم، والتعليم والرعاية الصحية، دون أن تصل الرعاية إلى منحهم الجنسية. وبمقارنة بسيطة بين هؤلاء وبين السوريين المنفيين سنصل إلى نتيجة تجعل المنفي السوري في مرتبة رابعة أو خامسة من أنواع "البدون"، مع ملاحظة أن البدون السوري لا يحظى من حكومته إلا بجزء صغير مما يحظى به أيّ "بدون" في العالم. 

المنفيون السوريون

ورث السوري ،فيما ورث عن أبيه وجده، حقه الكامل الذي يتيحه له انتسابه إلى وطنه سورية. ومع أن والد هذا المواطن المنفي أو جده،  ما استشار حزب البعث عندما انتمى إلى هذا الوطن انتماء عضويا منذ مئات وآلا ف السنين. وأن هذا المواطن المنفي له كل الحقوق الوطنية الأصلية، بالتساوي مع كل أبناء هذا الوطن، بحكم كونه يملك جزءا من هذا الوطن السوري .

ومع ذلك فإن أجهزة أمن حزب البعث أعطت لنفسها حق حرمان هذا المواطن المنفي من بعض تلك الحقوق أو كلها، مثل حرمانه من حقه في العودة إلى سورية متى شاء، بشكل آمن وغير منقوص. وحرمته من الحصول على جواز سفر له ولعائلته، وهذان الحقان هما بعض حقوقه التي حرمته منها أجهزة أمن النظام السوري.

بل إن هذه الأجهزة قد خالفت نص الدستور الذي فصله حزب البعث على مقاسه ومقاس قياداته، حيث نصت المادة 43 منه على أن (القانون ينظم الجنسية العربية السورية ويضمن تسهيلات "للمغتربين العرب السوريين"). 

القنصليات السورية صورة مصغرة عن فروع الأمن العسكري.

ولئن كانت قنصليات دول العالم كلها بلا استثناء، قد جعلت كل همها خدمة مواطني تلك الدول، فإن القنصليات السورية، جعلت كل همها التضييق على المواطن السوري المنفي. ونقلت معاناة المواطن من داخل سورية إلى الشوارع الجانبية التي تقع فيها تلك القنصليات. بل إن من يدخل إلى قنصلية سورية في دول الخليج، يعاني من الإرهاب، ما يعانيه شقيقه المواطن داخل سورية، عندما يستدعى إلى فروع أجهزة الأمن السورية.ويتمنى لو أن "العولمة" الجديدة قضت بإلغاء جوازات السفر كوسيلة للتنقل بين دول العالم،عله يرتاح من الوجوه المكفهرة التي تطالعه عند زيارته إلى القنصليات السورية.

معاملة موظفي القنصليات للمواطن السوري.

عموما فالمعاملة خشنة مع الجميع، المنفيين والذين غادروا سورية للعمل. وتختلف من موظف لآخر،  ومن بلد لآخر. لكن موظفي القنصليات السورية في دول الخليج، هم الأسوأ بين موظفي القنصليات السورية في باقي دول العالم. 

فالقنصل العام الذي تود مقابلته ،لشرح قضيتك التي تعسرت في مكاتب القنصلية وتحتاج إلى "ولادة قيصرية"، ،دائما مشغول ،بحسب ما يفيدك به موظف الاستعلامات "أبو علي". وإذا حاولت أن تتصل به بالهاتف، فهو أيضا مشغول بحسب ما يفيدك به "أبو الخير".

 معاون القنصل لشؤون الجوازات قد يرد عليك هاتفيا، وقبل أن تشرح له قضيتك يقول : قدم الطلب للموظف على الشباك. فتذهب إلى الموظف الواقف داخل الشباك.، وتقدم له جواز سفر ابنك الذي انتهت صلاحيته لأن مدته ستة أشهر، ينظر فيه ويقول لك: هذا الجواز ممنوح من "فوق الأساطيح"... لماذ؟! لأن مما هو متعارف عليه في عهد معاون القنصل العتيد، أنك إذا كنت من المنفيين الذين لا ينزلون إلى سورية، فأنت وأبناؤك وأحفادك محرومون من جوازات السفر. وبدلا من أن يكون حرمان المواطن من جواز السفر هو تصرف من "فوق الأساطيح"، صار منحك جواز السفر هو الأمر المنكر.

وإذا سألت هذا الموظف عن الحل لمشكلة ابنك؟ قال: قدم الطلب وسنرفعه إلى سورية. ولأنه ليس أمامك سبيل آخر، فما عليك إلا ملء الاستمارات وتصوير جواز السفر وإرفاق كل ذلك بعدد معين من الصور، ويقال لك: اتصل بعد شهرين.

وقد تطول المدة حتى يأتيك الجواب، وقد تصل إلى سنة، وفي أثناء ذلك ليس لك من عمل إلى الاتصال بالهاتف والاستعلام عن الجواب.

تتصل بالقنصلية،ويرد عليك "أبو علي"،وتسمعه وهو يتكلم مع مواطن سوري آخر قائلا له: مبروك. وقد يظن غير العارف أن هذه المباركة لحصول المتصل على  الشهادة الجامعية ،أو على القبول موظفا في إحدى الوزارات في دولة خليجية. وطبعا فالمباركة ليست على هذه ولا تلك، وإنما على الموافقة على جواز سفر لمدة ستة أشهر أو سنتين، وفي النادر قد تصل إلى ست سنوات.

أما الجواب على طلبات المنفيين وأبنائهم،فيأتي بالرفض غالبا،ونادرا ما يأتي مع الموافقة. وإذا سألت عن سبب الرفض قيل لك: "ضرورات المصلحة".وهو يعني "بالمشرمحي بالقلم العريض"، أن الرفض كان لأسباب أمنية.

وتتساءل وأنت شارد الذهن: ما العمل؟ فيأتيك صوت "أبي علي"قائلا: لم لا تقابل المسؤول الأمني؟. وتقول في نفسك: لم لا؟ "الحق الكذاب إلى باب الدار".

تطلب من "أبي علي" أن يرتب لك لقاء مع "أبي هاني" مندوب الأمن العسكري في القنصلية.

وستعجب عندما يقول لك: إن أبا هاني في انتظارك الآن. ولكنها القنصلية، قلعة العجائب يا صاحبي.

مندوب الأمن العسكري في خدمتك.

يستقبلك "أبو هاني" في مكتبه الكائن في الدور الثاني، ويطلب لك كأسا من الشاي، وينفخ دخان سيجارته، وقد وضع رجلا فوق رجل، يسأل وهو شارد الذهن: أية خدمة؟ ثم يتذكر  مهمته فيقول: هل أنت جاهز لتسوية وضعك، حتى ترجع إلى بلدك الذي يسكن في صميم قلبك؟. وتحاول أن تشرح له أن الأمر يتعلق بولدك الذي ولد في المهجر،وتخرّج من الجامعة، وترغب بتمديد جوازه ليتمكن من تجديد رخصة الإقامة التي انتهت صلاحيتها. فيقول: "ومالو!"، نحن جاهزون لتسوية وضعك ووضع ابنك.

تعتدل في جلستك وتقول له: يا أخي أنا محكوم عليّ بالإعدام. فيجفل أبو هاني خوفا من أن يكون الجالس أمامه إرهابيا خطيرا. ثم يهدأ روعه عندما تقول له: إنك من الإخوان المسلمين، وإن القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ما يزال ساريَ المفعول و..و. فيقطع عليك الاسترسال ليقول لك: إن القانون مجمد، وإن تسوية وضعك ستجعلك بريئا! كيوم ولدتك أمك. ويمسك بالقلم بعد أن وضع الأوراق أمامه ويقول: ها! هل نبدأ؟.. فتقول:على كل حال أنا جئت من أجل ولدي، وسأبحث معه الأمر. فيقف مودعا قائلا لك: نحن بالانتظار وبالخدمة على كل حال. 

ثم يتبين لك فيما بعد، عندما تخبر معارفك بدماثة خلق أبي هاني واستعداده للخدمة، أن عقدة المصائب في القنصلية ليست في مكتب أبي هاني، وإنما عند "أبو طارق" مندوب مخابرات أمن الدولة، ولا بد من أخذ رأيه في كل شاردة وواردة، وعند كل موافقة على منح جواز سفر.

تسوية الوضع والعودة من البوابة الأمنية.

"تسوية الوضع" ليست من الأمور المقبولة عند جميع المنفيين. فبعض من يقدم عليها ،إما غادر سورية قبل أحداث 79 – 80 ،ومضى عليه سنوات دون أن يعود إلى سورية، خوفا على نفسه من سطوة المخابرات إن عاد إلى سورية. والبعض الآخر ليس له انتماء إخواني أصلا، ولكنه طال به الزمن وعومل أمنيا كأنه واحد منهم، فأراد أن يزيل هذا الاشتباه.

وهناك قلة من الإخوان شعروا بإرهاق طول الطريق، وأتعبتهم المعاناة التي يلاقونها فقرروا الاستقرار في سورية بعد أن تقدم بهم العمر.

ولكن الأمر المؤكد أن تسوية الوضع ليست بالضرورة حلا لمشكلات المنفي، كما أنها ليست متيسرة لكل من يرغب بها. إذ لا بد من دفع الفدية، وهو مبلغ لا يقل بحال من الأحوال عن نصف مليون ليرة سورية، وليس كل منفي يستطيع دفع مثل هذا المبلغ. ونادرا ما يكون مندوب الأمن العسكري هو الوسيط في ذلك، لأن مهمته محصورة بإغراء من تقطعت به السبل أمام أبواب القنصليات فيلجأ إلى آخر الدواء عند "أبي هاني".

وغالبا ما يقوم بهذه المهمة رموز من داخل سورية، لهم مكانتهم عند الناس وحظوة عند أجهزة المخابرات، نضرب صفحا عن الإشارة إلى أسمائهم ومناصبهم، لأن تلك المناصب تتصل بوظائف كانت حتى عهد قريب لا يصل إليها إلا أهل الثقة وأهل العلم الشرعي.

وهذه الرموز تُشعر من يتابع قضيتك من أقربائك في سورية، بأنهم إنما يقومون بهذه الخدمة لوجه الله. وبعضهم يفعل ذلك حقا،ولكنه من القليل النادر، خصوصا إذا اطلع على وضعك وما تعانيه أسرتك، التي يعيش نصفها معك في المنفى ونصفها الآخر في سورية.

ولابد أن نذكر هنا أن كثيرا ممن سووا وضعهم عن طريق أمثال "أبي هاني"قد انتهى بهم الأمر إلى السجن. وهم إما من أبناء المنفيين، عادوا تحت ضغط الوثيقة، وبقي آباؤهم في المنفى، أو ممن لم يدفعوا الفدية أصلا.

 تسوية الوضع إهانة للمواطن السوري

لا يستطيع أحد أن يتهم مواطنا منفياسوّى وضعه ليعود إلى وطنه تحت ضغط الظروف الصعبة التي يلاقيها في بلاد الغربة.وإذا كان هناك متهم فهو النظام السوري الذي أجبر هذا المواطن السوري على تسوية وضعه، واضطره ،أكثر من مرة،أن يدفع من كرامته ثمنا للعودة إلى وطن أبيه وجده.ويتكرر دفع هذا الثمن عدة مرات:

مرة عند ما منع النظام السوري هذا المواطن حقه الشرعي  في العيش في وطنه، وشرده في الآفاق يعاني من آلام الغربة ومن وشظف العيش، من دون أن يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون.

ومرة ثانية عندما ألجأ هذا المواطن بسبب ضغط الغربة وما تجره عليه،أن يدين نفسه عن أعمال لم يقم بها، وإلا فلا عودة. ومرة ثالثة يرغمه على نقل أخبار من قابله في المنفى، أو من عاش معه قبل الهجرة. ورابعة أن يتردد على فروع المخابرات كلما عاد إلى وطنه، يقدم لها تقارير دورية، صحيح أنها روتينية، ولكن الصحيح ،أيضا، أن المرور على تلك الفروع مما يثقل على النفس وينغص العيش. ولو لم يكن إلا هذه الرابعة، لكفى بها ثمنا باهظا يضطر إليه من سوّى وضعه.

 ولو علمنا أن أجهزة أمن النظام لم تترك سلاحا نفاذا تضغط به على المنفي إلا جردته في وجهه. ولعل أمضى سلاح كان سلاح جواز السفر، الذي يستحق أن نقف معه وقفة نوضح فيه للقارئ الكريم كيف اضطهدت أجهزة أمن النظام السوري المنفي عندما شهرته في وجهه. وسيكون موضوعنا المقبل هو جواز السفر الحلم! و"ضرورات المصلحة"

* كاتب سوري / عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

 

أعلى الصفحةالصفحة الرئيسة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ