ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 12/07/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

الحملة الإنسانية من أجل المفقودين في وطنهم سورية

صلاح مياتي : أسير آخر

بمناسبة شهر التضامن مع معتقلي الرأي في سورية

من سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين وعرب آخرين

بقلم : محمد الحسناوي*

صدق الشاعر أبو الطيب إذ يقول :

خُلِقتُ ألوفاُ لو رجعتُ إلى الصِّبا       لًفارقتُ شيبي موجَعَ القلبِ باكيا

والبكاء من الرجال عيب ، لاسيما في الشدائد ، وإذا حصل البكاء ، فهذا يعني أن الطامة كبيرة . وكيف لا تكون كبيرة ، وقد خسرتَ المئات من إخوانك وجيرانك وأصدقائك ومعارفك ، بلا ذنب اقترفوه ، بل لأمور يستحقون عليها التبجيل والاحترام ، ثم يكتب عليك أن تهجر وطنك ومسقط رأسك ، ليتغول فيه الظلمة والمرتشون واللصوص وحتى الغرباء !! وفوق ذلك لا تلمح أدنى مؤشر باقتراب الفرج أوتصحيح الأمور .

في مكان إقامتي بعد التعيين في تدريس مادة اللغة العربية في أرياف حلب الشهباء وفي المدينة ، اتسعت دائرة معارفي وأصدقائي وزملائي ، غير الذين أعرفهم في جسر الشغور أو اللاذقية أو دمشق أيام الدراسة . ولما بدأت المأساة الأخيرة في اضطهاد التيار الإسلامي في الثمانينات من القرن الماضي ، وقع المئات من هؤلاء الأحباب في شراك الاعتقالات على الرأي ، أو الارتهان بسبب قرابة أو جيرة أو معرفة لأحد المنظمين في جماعة الإخوان المسلمين . ولو ذهبت أعدّد الآن من أعرفهم من محافظة حلب وحدها لسودت الصفحات لا وجوه الجلادين المسودة أصلاً .

أذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض المدرسين من زملائي مثل الأساتذة عدنان شيخوني ومصطفى ذاكري مدرسَي اللغة العربية ، والشيخ عبد الوهاب محمد مدرس التربية الإسلامية ، وعدنان المنلا مدرس العلوم والرياضيات ومحمد خير زيتوني العالم الزاهد . وكل واحد منهم شامة في أخلاقه وإخلاصه في عمله وسيرته الحميدة بين الناس . أما طلابي الذين كبروا وشبوا ونجحوا في دراستهم وحياتهم فما أكثرهم عدداً ، وما أسماهم خلقاً وفضلاً ، وسأكتفي بذكر الشاب الحيي صلاح مياتي .

هذا الفتى الذي غدا رجلاً ، كان من أبناء الحي الذي سكنته في بداية انتقالي إلى حلب ( حي المسبح البلدي ) بجوار منطقة ( إبراهيم هنانو) ، وكان أيضاً من طلابي في ثانوية الكواكبي في الستينات من القرن الماضي ، وهي الثانوية التي قضيت فيها معظم أيام عملي في ثانويات حلب ، فأصبحت جزءاً من تاريخها ، كما أصبحت جزءاً من كياني النفسي . والطالب الذي يتفوق في دراسته وفي احترام مدرسيه ، يحس أستاذه بعطف خاص تجاهه ، وربما عدّه مثل أولاده الحقيقيين ، فإذا كان حيياً أنيساً مهذب اللسان والجنان ، استوفى من محبة أستاذه وتقديره الشيء الكثير . وهكذا كان شأني وشأن الطالب صلاح مياتي ، وهذا يفسر  استمرار الصلة بيننا حتى بعد تخرجه من الحلقة الثانوية ، ودخوله الجامعة ، وتخرجه في كلية الآداب بجامعة حلب قسم اللغة العربية ، وبحثه الدؤوب عن فرصة عمل شريف . وهل هناك أشرف , أو أقدس من حرفة التدريس ، وقد حُرم منها لأنه غير حزبي ، أو ليس من أبناء الحزب الحاكم ، مع العلم أن منبته اجتماعي كادح ، وكنيته ( مياتي ) تدل على صنعة أهله ( سقاية الماء ) للناس . وهذا يدل على كذب الشعارات ، ومحاولة استعباد الناس وإفسادهم .

لقد أكرمني الشاب المهذب صلاح مياتي بالتعرف على والديه الكريمين ، وكان يحب أن يُفرح والديه باحترامه لمن أحسن إليه من أساتذته ، فوجدتُ في والديه الطيبة والكرم والروح الأريحية ، وتقديرهم لأهل العلم وللجيران . وشعرت بأنهم مبتهجون بتخرج ابنهم بالشهادة  الجامعية ، واحتمال أن يجد عملاً شريفاً ، يكفي به نفسه ، ويعين الأسرة على تحسين أحوالها المعاشية . لكن خاب ظنهم - بعد محاولات كثيرة - بالحزب الحاكم ، وبسياسات الاستئثار والاستزلام ، والتمييز بغير حق بين المواطنين . بل جوبهوا كغيرهم بحرمان أصحاب الكفاءة والإخلاص من أن يسهموا في بناء البلد . ثم يسألونك : من أين هذا الفساد والانهيار    العظيمان ؟ ولا يكفون عن السؤال: كيف العلاج ؟ وهم قتلوا القتيل وساروا بجنازته .

وأخيراً ، أي بعد سنوات من البطالة والبحث المضني ، عثر الشاب الحيي صلاح مياتي على عمل له في القطاع الخاص . قطع الله من قطَّع أوصال الأمة وأوقع بين أفرادها وقواها الشلل والفرقة . وجد الرجل فرصة عمل إداري في ( جمعية النهضة الخيرية ) في مدينة حلب ، أي جمع التبرعات من المحسنين وردّها على الأرامل واليتامى والمعوزين والمعوقين . إنه عمل إنساني نبيل ، يستحق صاحبه قبل غيره أن يستضيفه سجن (تدمر ) العسكري أو سواه من سجون الرأي ، التي لا تعد ولا تحصى في سورية التوازن  الاستراتيجي . 

من الطبيعي أن يكون الرجل قد تزوج ، ورزق ببعض الأولاد قبل اختطافه من حضن أهله ، وبالطبيعي أنَّ هناك غير أمه وأبيه المسنَّين ، من ينتظر عودته ، بل يتشمم أخباره : هل هو في عداد   الشهداء ، فيحتسبوه عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع ، أم هو ما زال حياً ، يعاني من أحد الأمراض المزمنة التي ابتلي بها من طال سجنه ، ونيف على ربع قرن من أمثاله ؟ إن التعتيم على مصير المعتقل نوع من التعذيب لأهله ومعارفه مع تعذيبه هو نفسه ، ففضلاً عن تجميد وضع الزوجة أو تقسيم الميراث ، هناك الظنون والأوهام وتلقف الشائعات ، والتقلب على نار الوعود الخداعة ، وغير ذلك من وسائل الضغط والابتزاز الذي يعف القلم عن سردها .

بلغني فيما بلغني تفاصيل عن أنواع التعذيب الجسدي والنفسي اللذين تعرض لهما في بداية اعتقاله ، ممن نجوا ، وقليل ما هم . وهي تفاصيل تقشعر لهولها الأبدان ، ويأنف الراوي من وصفها للآخرين . والتهمة الموجهة إليه أن بعض أقاربه أجر بيتاً لأناس ، تبين أنهم من المعارضة ، فصدّق أو لا تصدّق . أما لماذا توجد معارضة ، ولماذا تصل المواجهة إلى حد الصدام العنيف ، والقتل على الهوية ، فضلا عن الاعتقال ، ونكران وجود المعتقلين ، أو تصفيتهم في ساعة انتقام بالجملة في سجن تدمر الصحراوي .. فأسئلة لا جواب لها بعد كل هذا الزمن المتطاول .

أخبار تردي حقوق الإنسان في قطرنا لا تبشر حتى الآن بخير ، ففضلا عن قمع الناشطين في ربيع دمشق ، والحكم على عشرة منهم بالسجن لمدد مؤسفة ، ثم مواجهة المواطنين الأكراد بسيف القمع الأمني ، واستمرار اعتقال الكثيرين منهم ، وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة ، ثم اعتقال الناشط في ميدان حقوق الإنسن أكثم نعيسة وتعرض صحته للخطر ، واضطهاد طلاب الجامعة واعتقالهم لمجرد المطالبة السلمية بحقوقهم أو التعبير عن الرأي ، وأخيرًا اعتقال تسعة عشر مواطناً من منطقة ( قطنا) بتهمة الانتساب لحزب التحرير الإسلامي ، وهي أخبار لا تنسينا معتقلي الثمانينات والآخرين ، بل تزيد في تراكم الأسى والمأساة وتفاقم المخاطر . ولماذا لا يكون هناك قانون للأحزاب ، وسماح بالعمل العلني إلا للحزب الذي اثبت أنانيته وإخفاقه وخواءه ، وتحوله إلى أجهزة أمنية تتجسس على المواطنين ، لا لخدمتهم وتحقيق سعادتهم ورفاهتهم كما كان وما يزال يزعم ؟؟

هذه عينة من وطن تحيق به المخاطر من كل جانب وعلى كل صعيد ، والحاجة تقتضي مداواة الجراح ، والمسح على الآلام ، وجمع الصفوف والقلوب ، وتصليب الجبهة الداخلية ، وكأنك تنفخ في رماد ، أو تخطب ودّ المستحيل . ولكن هل تجني من الشوك العنب ؟؟

* كاتب سوري وعضو رابطة أدباء الشام

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ