الرئيسة \  تقارير  \  في مصير اتفاق الدَّمج مع "قسد"

في مصير اتفاق الدَّمج مع "قسد"

13.09.2025
رانيا مصطفى



في مصير اتفاق الدَّمج مع "قسد"
رانيا مصطفى
العربي الجديد
الخميس 11/9/2025
مضى ستة أشهر على توقيع اتفاقٍ بين قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، يقضي بإدماج المؤسسات المدنية والعسكرية مع دمشق، ولم يبقَ من الوقت أمام اللجان المكلفة بإتمام الاندماج سوى ثلاثة أشهر؛ ورغم خطّ التفاوض المفتوح بين الطرفين في دمشق، لم يتحقق أي تقدّم ملموس، في ضوء واقع سوري شديد الدينامية، بفعل المتغيرات الداخلية والمصالح الدولية والإقليمية المتصارعة على الساحة السورية... كان اتفاق 10 مارس (2025) أقرب إلى مذكِّرة تفاهم حول حسن النيات بين الطرفين، ولا يخلو من دفع أميركي حينها باتجاه توحيد سورية تحت مظلّة السلطة التي يقودها الشرع، ولكن أيضاً مع إعطاء مكانة وازنة رمزياً لعبدي الذي حملته طائرة أميركية حينها إلى دمشق ليضع توقيعه بجانب توقيع الرئيس الشرع؛ وسارع الأخير إلى إصدار إعلانه الدستوري بعد ثلاثة أيام، ونصّ على حصر كل السلطات والقرارات بيد الرئيس، ورفضَتْه الإدارة الذاتية وطالبت بتغييره، ثم شكّل الحكومة الانتقالية وحده، وهو بصدد تعيين وانتخاب مجلس الشعب، الذي يبدو أنه سيكون مسيطراً على قراراته، وسيترك مقاعد ثلاث محافظاتٍ فارغةً، السويداء والرقّة والحسكة، إلى حين إمكانية تعيين ممثليها. وتريد دمشق أن تلقي "قسد" سلاحَها وتسلّم الشمال الشرقي، الذي تتركز فيه 70% من مصادر الطاقة والثروة، وتشاركَ في الجيش بصفة أفراد، مع تصريحاتٍ بقبول مبدأ اللامركزية الإدارية، بينما كانت "قسد" تسعى إلى مشاركة متكافئة في الحكم، في الوزارات والمناصب السيادية، إذ تعتبر نفسها أيضاً تحالفَ فصائل شاركت في التحرير لشرق الفرات من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؛ فيما أعطت المعالجة الأمنية بالفزعات ودعوات الجهاد لملفي الساحل والسويداء أوراق قوّة جديدة لـ"قسد" للتشدد في الاشتراطات مجدّداً، وجاءت على لسان القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، بتأكيده نظاماً لامركزياً ديمقراطياً، يشمل الاعتراف بالإدارة الذاتية، من دون استبعاد خيار الاستقلال، إضافة إلى محاولة ضمّ الأقليات التي خسر الشرع تأييدها إلى حلفها، وأخيراً فرض مناهج "الإدراة الذاتية" شرق الفرات ومنع مناهج الحكومة المركزية وكذلك الأمم المتحدة. لكن المفاوضات بين دمشق و"قسد" تجري على إيقاع واقعٍ إقليمي جديد يجري الصراع لتشكيله؛ فقد تصاعدت وتيرة القصف الإسرائيلي مواقع عسكرية سورية، جديدها أخيراً مساء الاثنين الماضي في تدمر وفي مسكنة بحمص وسقوبين باللاذقية، في رسالة صريحة ضدّ محاولات أنقرة ملءَ الفراغ الذي خلَّفه النفوذ الإيراني بعد سقوط نظام الأسد. ويجري هذا في وقتٍ يبدو فيه أن أنقرة جادَّة في المصالحة مع حزب العمّال الكردستاني وتشجيعه على ترك سلاحه، وهذا تجلى في اقتراح زعيم حركة القوميين الأتراك، دولت بهتشلي، للحزب، بالاجتماع جنوب تركيا بضمانة حزب المساواة الكردي، وتشجيع من الحكومة، وبدعم أميركي يقوده السفير توم برّاك.
تبدو فكرة الإدماج بعيدة المنال في ظلّ العطالة التي تبديها إدارة الشرع تجاه القدرة على بناء مؤسّسات الدولة بشكل وطني
وستنعكس هذه الجدّية في إنهاء ملف الكردستاني التركي على مستقبل العلاقة بين "قسد" ودمشق، وليس بالضرورة أن تتجه نحو التصالح والاندماج في الوقت القريب، بل العكس؛ فتركيا التي عطَّلت لقاءً بين الشرع وعبدي في باريس قد تُشعل، عبر وكلائها من الفصائل العسكرية السورية، حرباً تجرُّ إليها دمشق لإضعاف "قسد". وفي الوقت نفسه لا يبدو أن إدارة الشرع تطرح حلولاً دبلوماسية وطنية مع "الإدراة الذاتية"، ولا يتوقف التجييش والتحشيد بين الطرفين. ولا يبدو أن إدارة ترامب مهتمّة بمشروع إدماج "قسد" مع حكومة دمشق، لكنها بالتأكيد مهتمّة بتحقيق المصالح الأميركية في المنطقة، ومنها أنها ما زالت تدعم "قسد" شريكاً للتحالف الدولي لمحاربة "داعش"، ومنها أيضاً أنها تراهن على دعم إدارة الشرع لضمان عدم عودة النفوذ الإيراني إلى سورية، وستسمح له بإلقاء خطاب رسمي في 24 سبتمبر/ أيلول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد يلتقي ترامب، بجهود سعودية وتركية، دعماً دبلوماسياً لسورية، وتخفيفاً للضغوط الإسرائيلية.
وبغضّ النظر عن الصراعات الدولية والإقليمية في سورية وتأثيرها المحوري على ملفِّ الاندماج بين دمشق و"قسد"، تبدو فكرة الإدماج بعيدة المنال في ظلّ العطالة التي تبديها إدارة الشرع تجاه القدرة على بناء مؤسّسات الدولة بشكل وطني، وفي مقدمها الجيش السوري الجديد والجهاز الأمني، فما تزال عقلية الفصائل هي المسيطرة، وهناك هيمنة لهيئة تحرير الشام على مفاصل الدولة، وخلافات ضمنها يقودها المتشدّدون والجهاديون، ومنهم أجانب، ولا شفافية بشأن تمويل الجيش والقوى الأمنية، ولا موازنة عامة للدولة في ظلّ عدم اندماج إدارة إدلب والشمال مع دمشق. وتضاف إلى هذا كله الأزمة المستعصية في السويداء، ومطالب الانعزال، والحصار المطبق عليها. وسيشدّ ذلك كله تعاضد المجموعات المشكّلة لتنظيم قسد، من كرد وسريان وآشوريين، وحتى من العشائر العربية؛ إذ تملك تلك الفصائل المقاتلة أوراق قوّة في ظل استمرار اعتمادها من التحالف الدولي لمنع عودة تنظيم داعش، ولن تتخلّى عمّا تعتبره حصّتها في حكم المناطق الشرقية، وهي ترفض العودة إلى حكم مركزي يُهمّش منطقة الجزيرة، كما كان عليه الأمر في عهد الأسدين.
ليس لتأكيد المسؤولين في دمشق على تبنّي خيار اللامركزية الإدارية معنىً عمليٌّ في ظل وجود سلطةٍ تبدو مفكّكة
وأخيراً، ليس لتأكيد المسؤولين في دمشق على تبنّي خيار اللامركزية الإدارية معنىً عمليٌّ في ظل وجود سلطةٍ تبدو مفكّكة، وتحاول الهروب من أزماتها الداخلية بدلاً من حلها، غير مكترثة بحجم التدخلات والتهديدات الخارجية التي تستغلُّ كلَّ أشكال الانقسام المجتمعي لتحقيق مصالحها، وفي مقدمها دولة الاحتلال الإسرائيلي التي يستمر توغُّلها في العمق السوري، وكذلك تركيا التي يمثل شكل وجودها في الشمال احتلالاً فعلياً، وهناك روسيا التي تسعى إلى استعادة سورية منطقةَ نفوذٍ لها، والاحتلال الأميركي المتحكّم شرق الفرات والمسيطر على قاعدة التنف.
يحتاج تفكيك قوى الأمر الواقع، سواء في شرق الفرات أو السويداء أو الساحل أو الشمال أو كل الفصائل الموالية المشكلة للسلطة بما فيها هيئة تحرير الشام، والتي بمعظمها مشكَّلة على أسس هوياتية فرعية ومناطقية، ولها ارتباطات خارجية، إلى سحب مبرّرات وجودها، وأولها إيقاف التحريض الطائفي والعرقي والمذهبي، وفتح حوار جادّ بين كل السوريين، فصائل ونخباً سياسية وخبرات، حول مشروع وطني يجمع السوريين، وقائمٍ على أساس توسيع المشاركة السياسية، ويحقق درجة من اللامركزية الإدراية، أساساً لتجاوز المشكلات وتحقيق النهوض؛ ووجود مشروع وطنيٍ كهذا قائم على المواطنة والمساواة بين المواطنين على أساس الحقوق والواجبات سيعني فقدان قوى الأمر الواقع تأييد حواضنها الاجتماعية، ومن ثم، سيعطي فرصةً لتنفيذ اتفاق 10 مارس وغيره، ويسحب حدّة التدخلات الخارجية، فهل من عقلاء ضمن سلطة دمشق يفكِّرون في هذا الاتجاه؟ لا أعتقد.