علاقة الشركاء الأخلاء حين تفسد وتتحول إلى خصومة ثم إلى عداوة، ثم ينصب كل فريق منهما للآخر حتى يكون من كان يشاركه في الرؤية والرسالة عدوا مبينا، ويصبح أخوه وخليله، ومن غمس معه من قصعة واحدة، وقضم معه من رغيف واحد، واشتف معه الشاي من إبريق واحد، وأنشدا معا أناشيد الحب والثبات والوفاء.. ثم ترى أحدهم يميل إلى مصافاة زرق العيون على الوجوه السود، ولا يريد أن يسمع بذكر من كان يزعم أنه أخوه…
تابعت هذا في شراكات أهل السوق، ومكايداتهم حتى لا يبرد لأحدهم كيد حتى يقعد خليله عدوه، على حصير الإفلاس…
وتابعت هذا في نكد أهل السياسة، فما أن يتحول أحدهم عن الحزب أو عن التجمع أو عن الحراك، حتى يكون الشيطان الرجيم أقرب إليه ممن كان يدعوه أخا…!!
وربما كان القبقاب الذي يتطاول به قبقاق أخيه، وربما كان الشحم الذي عقده الزمان على بطنه، من أيام الغمس من قصعتهم الواحدة..
وحتى لا يلتبس كلامي، ولا يُلبّس، فأنا لا أدين في هذه الحالات طرفا دون طرف، ولا أعذر فريقا، لأقرّع آخر، أو أقرع عليه…
ذكرت لكم منذ أيام حكاية الخاطب الذي آل أمره إلى فسخ الخطبة، وأراد أن يسترد ما قدم.. فكان مما ذكر في جردة الحساب، وجبة غداء دعا إليها من كانت يوما خطيبة له.. سبعة دولارات …
يقول تعالى: "وأحضرت الأنفس الشحَّ" وكنت حكيت لكم منذ زمن طويل أنني كنت أقرؤها وأنا طالب في الثانوية: " وأحضرت الأنفسُ الشحُّ" على انه نعت، أو هكذا جرى بها لساني.
فقرأت يوما في حضرة شيخ رحمه الله تعالى، فصححني، فأشكل عليّ فعلمني، رحمه الله تعالى، فقال: وكأن الشحَّ أصبح بركة أو حوض ماء، ثم أُتي بهذه الأنفس فغمست فيه… أعني في حوض الشح.. حيلك .. حيلك هذا بالأمس كان صديقك ورفيقك وزميلك وصاحبك وجليسك وشريكّك وأكيلك وشريبك وسميرك ونديمك ومعينك، وموضع سرك، والمؤتمن على حياتك وعرضك ومالك؛ تركبان معا، وتنزلان معا، وتقدران الموقف معا.. ويفضي بعضكم إلى بعض إفضاء دونه إفضاء الحليل إلى حليلته…
وكم كتمنا عن حلائلنا أمورا، كنا نتعاور عليها مع إخوة الدرب بدون ريب ولا حذر ولا خوف ولا وجل ولا تردد ولا … ولا.. ولا…
في وصايا القرآن الكريم يوصي الذين عزموا الفراق والفراق أعم من الطلاق: "ولا تنسوا الفضل بينكم"…
لقد انقضى أجملُ العمر، وأبركه، وأروعه في صحبة قوم لن يفقد الإنسانُ مثلَهم
وأختم بأبيات من الشعر اثنان منهما للفزدق على جفائه…
يقول في أحدهما، في تصوير الصحبة العارضة، صحبة السفر العارض..
وكلُ رفيقيّ كل رحل وإن هما… تعاطى القنا قوماهما أخوان…
يقصد الرفقة العارضة، فما دمنا نقطع الطريق معا فنحن إخوة ؛ ولو كانت الحرب مشتعلة في ديارنا…
ويقول الفرزدق أيضا في مدح قومه، وأنه مهما تقلب بين الأقوام لن يجد…
وما أصاحب من قوم فأذكرهم… إلا يزيدهم حبا إليهم همُ
والبيت مذكور في أبيات المعاني لما فيه من معاظلة والتفاف…
أما الإمام الشافعي فقد نصح فوفى.. حين قال:
وعاشر بمعروف، وسامح من اعتدى… وفارقْ ولكن بالتي هي أحسن…
عزم ذو خلق ودين على طلاق زوجته، فسئل لماذا: فقال هي ما زلت زوجتي وعلى ذمتي فكيف أتحدث بريبة عنها؟؟
فلما انحل عقد الزواج وبانت الزوجة من زوجها، وفارقت.. سئل الرجل الحصيف: لماذا طلقتها؟؟
قال: امرأة غريبة عني، لا علاقة لي بها، فبم استحل الحديث عليها…لا تمدح نفسك بالقدح في غيرك، وكن بالله.. ولله.. وتوكل على الله
كفكفكفان…
الاحد 14/12/2025