الرئيسة \
تقارير \ في دلالات الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية
في دلالات الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية
29.04.2023
محمود علوش
في دلالات الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية
محمود علوش
ديلي صباح
الخميس 27/4/2023
في الرابع عشر من مايو/أيار المقبل والأيام التي ستليه، ستكون أنظار العالم من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه مُركّزة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستُجريها تركيا. كبلد أضحى خلال عقدين من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان قوة اقتصادية من بين أكبر عشرين اقتصاداً في العالم وشهد تطوراً مذهلاً في صناعاته الدفاعية التي أضحت منافسة لصناعة الأسلحة في دول كبرى ويزداد الطلب العالمي عليها، ولاعباً فاعلاً في الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ويكتسب الآن أهمية كبيرة في الصراع الجيوسياسي بين القوى العظمى، فإن الاهتمام العالمي بالانتخابات التي يُجريها يعكس بشكل صريح أهميته بالنسبة للعالم ودوره المؤثر في عملية إعادة تشكيل النظامين الإقليمي والدولي.
مع ذلك، فإن جانباً كبيراً من هذا الاهتمام يتعلق بالتوقعات والآمال التي تضعها القوى الكبرى والقوى الإقليمية الفاعلة على نتائج الانتخابات لأنها ستُحدد طبيعة المكانة الخارجية لتركيا في هذا العصر من الاضطراب العالمي الشديد وتموضعها في المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى.
القوة في الداخل تولد قوة في الخارج. لذا، فإن انتخابات تتزامن مع لحظة تحوّلات عالمية كبيرة، لا تترك لتركيا رفاهية التراجع عن تفاعلها القوي مع التحولات الإقليمية والدولية والتخلي عن المكتسبات الكبيرة التي حققتها في هذا المجال.
حقيقة أن الدور الخارجي الجديد لتركيا خلال العقدين الماضيين ارتبط بالمفهوم الجديد الذي صاغه أردوغان لمجال الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد، والذي أعاد تشكيل الهوية الجيوسياسية لتركيا كقوة قائمة بحد ذاتها وتسعى للموازنة بين هويتها الأطلسية وبين مصالحها مع الشرق، تجعل من استمرار هذا الدور مرهوناً بشخص أردوغان. لأن التحالف السباعي للمعارضة التركية لم يستطيع صياغة رؤية واضحة لكيفية التعامل الفعال مع التحديات الأمنية التي تواجه تركيا في حال وصوله إلى السلطة وكيفية إدارة السياسية الخارجية بشكل لا يُضعف مكانة تركيا على الساحة الدولية والكيفية التي سيوزان فيها بين هويتها الأطلسية ومصالحها مع الشرق، يجعل من الصعب الاعتقاد بأن تركيا في ظل حكم المعارضة ستكون قادرة على الاستجابة الفعالة للتحديات الخارجية.
الولايات المتحدة والغرب عموماً لا يُخفي امتعاضه من النهج القوي لأردوغان في السياسة الخارجية لأنها ببساطة جعلت أنقرة أكثر استقلالية عن الغربيين في مجالات الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد وأتاحت لها فرصة تجنب صدام مع روسيا والدخول في تعاون تنافسي معها في محيطهما الإقليمي. لذلك، ليس سراً أن الغرب، الذي يُريد من تركيا أن تخاطر بمصالحها الحيوية مع روسيا ويسعى لتوريطها إلى جانبه في صراعه مع موسكو، يأمل أن تضع الانتخابات التركية حداً للإرث الخارجي لأردوغان.
مع أن القوة الخارجية التي كسبتها تركيا في ظل حكم أردوغان، كانت مصلحة للغرب لأنّها جعلت منها قوة أطلسية قادرة على منافسة روسيا في المناطق التي يصعب على الغربيين التفاعل فيها كآسيا الوسطى وجنوب القوقاز وملء الفراغ الذي أحدثه التراجع الغربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلآّ أن مُشكلة الغربيين مع أردوغان تكمن أولاً في نهجه الاستقلالي في مجالات الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد عن الغرب، وثانياً في إعطائه أولوية لمصالح تركيا الوطنية وجعلها غير قابلة للمساومة.