وجهة نظر :
في تسطيح العقل المسلم
زهير سالم*
وهذه حالة نرصدها في واقعنا وأحوالنا ومخرجات تأسيسنا، وفي سلوك علمائنا وتوجهاتنا ومداخلاتنا وطرائق رد بعضنا على بعض؛ حتى من أبناء المدرسة الواحدة..
منذ يومين أتابع فيديو لفاضل ثقة غير متهم، يقيم الحجة من نصوص الكتاب والسنة أن إيران سوف تنتصر، وأن إسرائيل سوف تنتهي في هذه الجولة من الحرب..!!
لا أملك تعليقا..
تربينا على حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. من ستين سنة أسمع هذا الحديث من علماء ثقات، لم أسمع له توجيها مناسبا، لأن الاستشهاد بالحديث تحت عنوان الترهيب…من سل السيف أولى عند الفقهاء…
اليوم اضطررت إلى البحث عن صحة الحديث فوجدته من المتفق عليه!! فقلت من الأولى أن نعيد الفهم.
ولكي يتهرب الخوارج ومن تلاهم في متوالية التكفير، أن يسوغوا الاقتتال الذي يجدون أنفسهم مضطرين إليه، ذهبوا إلى استدعاء التكفير… كفروا خصمهم المسلم ليستحلوا قتاله، وما يزالون!!
وضع الحديث في إطاره الفقهي العام كان ضرورة وواجبا أكثر..
كيف يكون حال المسلم إذا سل صائل عليه السيف، ليسفك دمه أو ينتهك عرضه، أو يسلبه ماله، وإذا لم يرتد ذلك الصائل إلا بسيف، فهل يعتبر المدافع عن نفس أو عن عرض أو عن مال؛ مشمولا بذلك الوعيد.. أنه من أهل النار!!
أرجو من كل الذين يتمترسون وراء الحديث بظاهر، أن يتنحنوا ويرشفوا رشفة من كأس الماء..
الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين أن يسلوا سيوفهم على البغاة من المؤمنين، حتى يفيئوا!! فهل هؤلاء الذين يمتثلون لأمر الله فيقاتلون البغاة من المؤمنين والمسلمين مشمولين بحديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما..!!
نحن أمام إشكالية تأسيسية في طرائق تعليمنا وتربيتنا وتهذيبنا.. كثيرا ما أصطدم بمواقف لشباب مسلم يستنكر أن نذكر أن الله قد يغفر لفلان أو لفلان.. ويستعظمون ذلك!! فأين نحن من حديث قاتل التسعة والتسعين!! والذي كملهم بالمائة، ثم زوى الله له الأرض بعد أن تاب لينجو!!
تسطيح العقل المسلم، على نحو أمزجة فقهائنا الكرام، يذهب بنا المذاهب، ويدخلنا في المتاهات والمهامه والمفاوز.. لا مخرج منها!!
نحن ننتظر من الفقيه الواحد أن يكون الأئمة الأربعة في واحد. وأن يكون الإمام الغزالي والإمام الجويني وابن تيمية والسبكي في واحد..
وشيخنا يظن أنه بما لديه من فقه يستطيع أن يجيبنا عن فقه الكون وثقب الأوزون والثقوب السوداء وفيزياء الكم، وحكاية الجين والميكرو جين.. وعلوم الذرة، وأنواع الأسلحة، وأن يستنبطوا لنا من فقه الكتاب والسنة أن إسرائيل ستزول في هذه الحرب بالذات..
كانت لي طريقة منذ كنت في حلب أن أتتبع المنهج الذي يدرس في الثانوية الشرعية، وفي المدرسة الشعبانية فهي كانت أقرب إلى قلبي، ثم المنهاج الكلي لكلية الشريعة، وأفترض أن الخريج قد أحاط إحاطة تامة بكل ذلك المنهاج، ثم أتساءل عن إحاطة ذلك الطالب- الخريج من محيط العلم العام في معادلة بحر واحد من المداد وشجر الأرض أقلام!!
تعليم التواضع، ووضع علم الشريعة في إطاره وفي سياقه، وختم كل رأي نقدمه بختم: والله أعلم، سيكون أرفق بنا وأحسن.
والله أعلم
لندن: 22/ ذو الحجة/ 1446
18/ 6/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي