الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : مخاضة غير شكل

وجهة نظر : مخاضة غير شكل

25.06.2025
زهير سالم



وجهة نظر :
مخاضة غير شكل

زهير سالم*
سأخوض بكم اليوم مخاضات أخرى..في حلب كان عندنا بساتين اسمها "بساتين المخاضة" لعلها ما تزال باقية، هي عموما على ضفة قويق اليمنى.
على بعد منها بحدود 2كم باتجاه المسلمية، جسر القرّي. المسلمية كان فيها مصنع للاسمنت، زرنا المصنع ونحن طلاب في الصف السادس وأخذنا فكرة جميلة عن طريقة صناعة الاسمنت. وبعد جسر القرّي بحدود واحد كم، وعلى الضفة اليسرى لقويق…اليمنى للطريق.
كان هناك نبع ماء صغير، يكفي لسقيا عشرة رجال على مدى اليوم. النبع على ضفة النهر اليمنى، وفوقه بخمسة أمتار تمر القناة الحلبية المشهورة تعرف "بالقناة الرومانية" التي كانت تسقي أهل حلب، وتتثعبن، تدور مثل الثعبان على بيوتهم..
قلبي مشغول على النبع أكثر. كانت لنا عنده ذكريات فتوة، كنا مجموعة من الإخوة الزملاء الدراجين، نقضي بالقرب من هذا النبع نزهاتنا القريبة.. الافطار فول أو مامونية، والغداء شوي على الفحم. واللعب على "السومانيا" وتلخيص لكتاب عند الضحا، وجلسة للتفكر بعد العصر، وعود إلى البيت قبيل المغرب. كان المغرب موعدا لا يجمل بنا نتجاوزه..
أهل حلب قبل أن تجر إليهم ماء الفرات، تم ذلك في عام 1955 في عهد الرئيس شكري القوتلي، وكانت فرحة الحلبيين غامرة، وأنا كطفل في الثامنة فرحت بفرح الذين حولي، أهل حلب أولئك كانوا يشربون من أكثر من عين..
ومنها نبع في حيلان، والحلبي إذا أراد أن يشكو من رجل يائس ميّئس يقول: "فلان بيقطع الماء من حيلان". ويشربون أيضا من عين يطلقون عليها "عين الجحش" لا أعرف عنها شيئا، ثم من عين ثالثة يسمونها "عين التل"
وكانت إحدى هذه العيون ملوثة، بجرثومة الليشماتيا، وكانت هذه الجرثومة تفتك بأجسام الحلبيين والحلبيات وتترك مكانها أحيانا حفرة بقطر 3 سم، وكم قلقت الأمهات في الزمن الأول على وجوه بناتهن الجميلة أن تأكلها "حبة السنة" هكذا يسميها الحلبيون.
قادني إلى كل هذا أننا في أيام الربيع هذه تكثر الرحلات، وتذكرتني مع الفريق الذي أنتمي إليه، وأستحيي أن أقول فريقي، نمتطي صهوة دراجاتنا وننطلق إلى الشمال الشرقي فنمر على الباب. ونحط الرحال في تادف، أو ننطلق غربا حتى "كفر جنة" فنخيم قليلا ثم نتريض حتى نصعد جبل حنان، ونتذكر على رأس الجبل حكاية الشيخ زنكي. لم يكن جبل حنان أعلى قمة صعدناها، ولكن كان ذلك في الجبل الأقرع، حيث نصحنا بعض المهربين أن لا نمعن صعودا فالطريق مزروع بالألغام..ومن كفر جنة إلى شلالات ميدنكي أول مرة رأيت شلالا كنت في رحلة مدرسية في العاشرة.
الجبل الأقرع آخر جبل من سلسلة جبال لبنان الغربية، والذي قال الشاعر فيه
من جبل الشيخ إلى سعسع
خازوق دق ولم يقلع
لو أدى البعث رسالته
لقبضنا من ثمن الأقرع
سعسع وجبل الشيخ في أقصى الجنوب، وجبل الأقرع في أقصى الشمال..
أنا أعرف حرج الظرف السياسي الذي يعيشه وطننا أشتهي فقط على السيد رئيس الجمهورية وفريقه أن يقطعوا لنا وعدا صريحا بينا على الهواء أنهم سيقلعون الخازوق
والله السوريون يفهمونها على الطاير..
لندن: 28/ ذو الحجة/ 1446
24/ 6/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي