الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : لماذا أعدموا سيد قطب؟؟ محاولة فكرية

وجهة نظر : لماذا أعدموا سيد قطب؟؟ محاولة فكرية

02.09.2025
زهير سالم



وجهة نظر :
لماذا أعدموا سيد قطب؟؟
محاولة فكرية

زهير سالم*
مرت بنا قبل أيام الذكرى التاسعة والخمسون لاستشهاد المفكر الإسلامي سيد قطب رحمه الله تعالى. حيث تم تتفيذ حكم الإعدام فيه وفي اثنين من إخوانه في 29/ 8/ 1966..
بعيدا عن السياسة، وعن مقتضياتها؛ أظل أتساءل: ما هو الخط الأحمر العالمي الذي تجاوزه سيد قطب رحمه الله تعالى حتى توافق القطبان الأعظم في أوج الحرب الباردة على إعدامه؟! كما ما يزال كل أشرار العالم يتوافقون حتى اليوم طبقا عن طبق، على حرب جماعة.. ما وهنت على الرغم من كثرة السهام، وما يزال يجمع على حربها مع ما هي فيه: شعيط ومعيط ونطاط الحيط، كما تعودنا أن نقول.
ما سأكتبه في الفقرة التالية ليس للتباهي، بل لأجعله مدخلا لما سأقرره بعد من حيثيات…
وقد ولجت عالم الفكر والأدب والبحث والجد، في الفترة التي توهج فيها سيد قطب رحمه الله تعالى في عطائه حتى صار سيّد من يكتب، وسيد من يقرأ له أبناء الجيل..
و هو رحمه الله تعالى سيٌب أفكاره وجعلها مشاعا، وعكف جيل كامل من أبناء الأمة على الاغتراف من معينه، وكلٌ يغترف حسب واديه، فأحسن الاغتراف أقوام وربما أساء لأنفسهم آخرون…
بدأت مع سيد قطب الأديب في "طفل من القرية، ثم ديوانه الشاطئ المجهول، كأنه كان يبحث عن ..، ثم قصته أشواك التي يقال إنها كانت تعبيرا عن تجربة، ثم "مشاهد القيامة في القرآن" "والتصوير الفني في القرآن" اللذين كتبهما بوصفه ناقدا فنيا، وفي كتابه المتميز النقد الأدبي الذي تقدم فيه وتميز…
ثم على جناحي الأسلوب الأدبي المشبوب ولجت مع سيد قطب رحمه الله تعالى عالم كتبه الدعوية: العدالة الاجتماعية في الإسلام والإسلام ومشكلات الحضارة، والسلام العالمي والإسلام وهذا الذين والمستقبل لهذا الدين وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته ونحو مجتمع مسلم، ثم موسوعته الكبرى "في ظلال القرآن"
قلت لا أكتب لأتباهى، ولكن كل تلك الكتب، درست، أقول درست، وأحيانا، درّست، أما التفسير العظيم "في ظلال القرآن" فقد درسته أربع مرات، من الجلدة إلى الجلدة، ووضعت لأفكاره الكلية والجزئية فهرسا كاملا وبوبتها حسب تسلسل الصفحات، ثم حسب العناوين الكبرى للأفكار، حيث كان الشهيد رحمه الله تعالى، يشرح الفكرة الواحدة في أكثر من سياق، فكنت أبوبها في باب واحد، مشيرا إلى أماكن ورودها..
غادرت سورية، والفهرس المذكور عند الناشر للطبع، وقد اتفقنا على بضعة أشهر للإصدار، ثم قضى الله قضاءه فشرد المؤلف واعتقل الناشر، ولم يعد سعد يدري ماذا جرى لسُعيد…
حكيت هذا لأدلج بكم إلى محاولة الجواب على سؤال لماذا أعدم سيد قطب رحمه الله، ولأوحي إليكم أنني أقدّر تقدير متمكن، وإن كنت لا أجزم بشيء مما أقول..
في أواخر الأربعينات اختير سيد قطب رحمه الله تعالى بوصفه أديبا مرموقا مأمولا رائعا ليكون ضمن الفريق من الأدباء المصريبن الذين تستضيفهم المخابرات الأمريكية، لتجنيدهم كعقول في بلدانهم في إطار خوضها للحرب الباردة!! راجع كتاب فرنسيس اندرسن "من يدفع للزمار -الحرب الباردة الثقافية" الكتاب كان وما زال مهما لنعرف ماذا يجري حولنا، وكيف يجند في هذا العالم العملاء..
استضيف سيد قطب في الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون مجندا عاملا في طابور العملاء الأمريكيين حول العالم.. ولكنه خيّب الظن به، وعاد ليكتب تحت عنوان:
"أمريكا التي رأيت" سلسلة مقالات متمادية تفضح بريق الأضواء الأمريكية بأبعادها..
وليحذر قومه منذ الخمسينات من عنوان ربما يصدمنا اليوم أكثر "الإسلام الأمريكاني" هو هذا الإسلام الذي نراه اليوم ونعيشه..
كثيرا ما أتساءل هل لهذا السبب قرر العم سام إعدام الشهيد سيد قطب، ودعمه في ذلك صاحب مقولة "الدين أفيون"!! لا نكن بسطاء فننظر إلى اليد المباشرة التي نفذت القتل في مصر أو في سورية أو في فلسطين أو في العراق..
بديع الزمان النورسي يعلمنا: "إذا رأيت قلما يكتب فلا تغفل عن اليد التي تحمله، وإذا رأيت يدا تحمل قلما فلا تغفل عن الرأس الذي.."
أحيانا أقول لهذا السبب قتل الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى…عنوان "الإسلام الأمريكاني وحده" كاف.. لقتل أجيال من الناس…
وأحيانا أرى حالنا وما نحن فيه من عجز وتهويم واضطراب وتواكل وخنوع.. أتذكر الخديوي اسماعيل يدخل حربه للحفاظ على الوحدة مع السودان، فيعد لحربه بجمع علماء الأزهر ويطلب منهم أن يقرؤوا له البخاري لينتصر!! ثم يلومهم لأنه لم.. !!البخاري الذي تحول في لهجتنا السوقية إلى الباخوري.. كلمات نتحصن بها عندما نخاف، وأقرأ كلماتنا جميعا على مجموعات الواتس إسلام أمريكي بامتياز…
وأتذكر الكتيّب الصغير لسيد قطب "هذا الدين" في فصله الأصغر الأول "منهج للبشر" علمنا فيه سيد قطب رحمه الله تعالى أن الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتصر بالمعجزة.. وإنما انتصر بالجهد والصبر والمصابرة والعطاء..
أقول في نفسي من أجل هذا السطر وحده الذي يفضح السر لتغيير واقع المسلمين أعدم سيد قطب رحمه الله تعالى، ومن حق أعدائه وهو يتهددهم بمثل هذا التعليم أن يعدموه..!! هذا خطر عليهم حقيق!! أكثر من قنبلة عبد القدير خان..
وأعود إلى فكرة أن "الجاهلية ليست حقبة زمنية" وأنها حالة اعتقادية فكرية ثقافية سلوكية، ينغمس فيها الأفراد وتنغمس فيها المجتمعات.. فأقول بل من أجل هذا أعدموه..!!
أقفز إلى كتابه "نحو مجتمع إسلامي" وكيف قرر أن يحذف من عنوانه وصف متحضر أو معللا إن المجتمع الإسلامي لا يكون إسلاميا إلا إذا كان متحضرا!! فأقول أواه أواه لمثل هذا أعدموه!!..
أقرؤه يميز بين مصطلحي "المدنية والحضارة" ويعلي الثاني ويتجاوز عن الأول، ثم أذكر معاناتنا مع كثير من المتمدنين فأقول هذا..
أقف عند كتابه خصائص التصور الإسلامي الذي يقدمه كنسخة من علم التوحيد للقرن الغشرين فأقول لهذا أعدموك يا سيد المفكرين والعلماء!!
أقرأ رسالته الصغيرة "أفراح الروح" "لم أعد أجزع من الموت ولو جاء اللحظة" فأقول وأي فرح فوق فرحك يا سيد المتصوفين…أهوّم مع قصيدته
أخي هل سمعت أنين التراب
تدك حصاه جيوش الخراب
فأعلم أن أنين التراب هو أنين هذه الأجساد تظل تتلوى تحت مطارق الفتنة: وتصفعه وهو صلب عنيد!!
كان سيد قطب رحمه الله تعالى إنسانا وكنت وأنا أقرأ كلماته الملتهبة في كل سياق أعلم أن الذي يحترق يمكن أن..
ولو أحببت أن أسترسل لأفضت ولكنه بعض وفاء محب لعلي أو عساي..
 
لندن: 8/ ربيع الأول/ 1447
1/ 9/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي