وجهة نظر :
لا أحد أولى من هذا الشعب العظيم بالثقة
زهير سالم*
ولا أحد أبعد من هذا الجيل الثائر الحر عن أن تفرض عليه الوصاية…
ولقد عاش شعبنا من قبل تجارب الانتخابات البرلمانية على التي هي أحسن. وأذكرني وأنا في السابعة من عمري من سنة 1954 أقف أمام المركز الانتخابي في حينا أتأمل وأتابع..
وأحصل على قائمتين انتخابيتين إحداهما لحزب الشعب والأخرى للحزب الوطني..
ثم أجدني بعد سبع سنوات أتابع بوعي انتخابات 1961 بنتائجها المعروفة التي اكتسح فيها الأصوات في مدينة حلب، الدكتور معروف الدواليبي والدكتور ناظم القدسي إلى جانب الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ عبد الفتاح ابو غدة.. ورحم الله جميع من ذكرت..
التجربة الانتخابية لتقديم من يمثل الناس عريقة في سورية الحبيبة، صحيح أن مفردات التجربة لم تكن دائما مثالية، ولكنها كانت دائما الأصدق تعبيرا عن رأي المنتظم السياسي الوطني بروحه المتألقة..
في سورية البرلمانية كان هناك برلمانات تسقط حكومات وتقول نعم في سياقها، ولا في سياقها.. حيث أن الحياة العامة ليست اصطفافا وراء إمام يردد فيها المؤتمون خلف الإمام: آمين..
إذا كنتم تريدون البرلمان حكما بين خيارات السوريين، فينبغي أن تمكنوا السوريين من اختيار ممثليهم برشد، وبعيدا عن الاصطفاف والالتفاف. لقد مل السوريون بل سئموا مجالس التصفيق!! مجالس "الأيدي الأوتوماتيكية" التي تصنع خصوصا لمجلس الشعب، وترتفع مباشرة بكبسة زر من مكتب الحاجب أو العريف…
في تراثنا السياسي الفقهي الإسلامي عندما بايع الأنصار رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، وكانوا نحو سبعين رجلا وامرأتين، عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختاروا عرفاءهم، ممثليهم، في مجلسه، فقال: أخرجوا لي عن كل عشرة منكم عريفا…
نحن اليوم حين نفكر أن نختار العرفاء عن شعبنا، لا نخترع العجلة من جديد لا إسلاميا ولا عالميا. فالطرق إلى الحكم الرشيد أو الحكم الراشد، لم تعد تخفى على أحد..
لا شعب في شعوب العالم أولى بالثقة، من شعب هاجر أكثر من ثلثي سكانه دفاعا عن حقهم في الحكم الراشد أو الرشيد..
ولا يحق لمن يتقدم لييسر مسيرة هذا الشعب إلى مراده، أن يقلق من خيارات الناس، أو أن يتشكك أو يشكك فيها، أو أن يحاول الالتفاف عليها لا من قريب ولا من بعيد. لا أحد أولى من أحد في السهم الوطني الأولي.
إن مجلسا لا يختاره الناس بملء إرادتهم المباشرة، لن يكون له سلطان لا على الضمير، ولا على الموقف!!
السوريون على خلفياتهم الوطنية والفكرية والسياسية سواء في سهمهم الوطنية، لا ينازعهم فيه، ولا يلتف على حقهم فيه عادل..
كل الذرائع التي تصطنع للالتفاف على إرادة السوريين الأخيار بجمعهم، لا تصمد أمام أي حوار جاد أو صادق.
في فقه شريعة الإسلام الغراء إنما تفرض الوصاية على الأيتام والقصّر من جهة، وعلى السفهاء من الناس من جهة أخرى، ولا نظن أن شعبا ما زال ينازل الظالمين والمستبدين والسفهاء ستة عقود، يمكن أن يوصف أنه من هؤلاء أو هؤلاء..
بشار الأسد في 2010 في لقاء مع صحفية أمريكية قال إن الشعب السوري يحتاج إلى جيل آخر لينعم بما سموه الديمقراطية الحقيقية… فهل بيننا اليوم من يريد أن يقول بقوله، ويسير على نهجه. وصاية الجبهة الوطنية التقدمية تحت عنوان جديد!!
ما زال خوض تجربة شورية حقيقية حلم من شابوا بل ذابوا على طريق المطالبة بالحق!! لم أحلم أن أستمتع بها يوما منخوبا بل مجرد ناخب يختار لوطنه ما يظنه الأقرب إلى الرشد وإلى الحق المبين..
لا أريد أن أقلل من شأن الناس، ولكنني أريد أن أؤكد أن شعبنا العربي السوري بكل تركيبته، أولى من جميع شعوب الأرض بحق الاختيار الراشد أو الرشيد…
لا شعب قدم من أجل حريته كما قدم هذا الشعب. لا شعب صبر كما صبر هذا الشعب، لا شعب يستحق الثقة والتجلة والتحية كما يستحقها هذا الشعب…
عاشت سورية حرة أبية قوية مستقلة. وعاش شعبها حرا أبيا مستقلا..
اللهم وألهم الرئيس أحمد الشرع الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وهيئ له البطانة الصالحة التي إذا نسي ذكرته وإذا ذكر أعانته..
لندن: 20 ربيع الأول/ 1447
15/ 9/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي