وجهة نظر :
عيد المولد النبوي الشريف.. المقاوم
زهير سالم*
والمسلمون ثلاثة أعيادهم.. الفطر والأضحى وعيد المولد
وأسميه عيدا، لأن من معاني العيد في لغة العرب المناسبة التي تعود. ويقول صاحب مفردات القرآن عن العيد هو زمان أو مكان اجتماع الناس.
وكما تذكر الصلاة ويراد بها الهيئة المخصوصة للعبادة. ويراد بها الاستغفار للإنسان والدعاء له. قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
واحتكار لفظ العيد وتخصيصه بيومي الفطر والأضحى من ضيق العطن…
ويقول الأخ لأخيه: يوم لقياك يوم عيدي. وستكون عودتي لوطني إن أكرمني الله بعودة، بعد طول غياب يوم عيدي.
وأطل علينا شهر شباط من سنة 1966 بالانقلاب الأشأم وليس الأشد شؤما في تاريخ سورية الحديث بعد انقلاب الثامن من آذار..
انقلاب 23/ شباط قادته اللجنة العسكرية الكالحة والأشد شقاوة بثلاثيها جديد- والأسد- وعمران..
وانفرد الطائفيون بحكم سورية. وغطى عليهم حسب مخطط جديد الأشد مكرا، نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وكان ثالثهم وزير الخارجية إبراهيم ماخوس..
وعشنا تلك السنوات بكل ما فيها من هول وظلم واستبداد وتدمير ورفض وإباء..
كنتُ يومها طالبا في الثانوية. سأكتب عن مدينتي حلب لأنني عشت دكرياتها، وربما يكتب غيري عن مدينته..
انفرد الطائفيون القذرون بالسلطة، وغطى عليهم المجرمون الذين يحبون العلو ولو على الخازوق، وهم في كل عصر ومصر كثير..
أصبح نور الدين الأتاسي المسمى رئيس الجمهورية، موظفا صغيرا عند ابن جديد وابن الأسد. كان موضع النكتة والتظرف عند جميع السوريبن، ولاسيما عندما يغيّب عن الصلاة البرتوكولية في يوم عيد..
وأصبحت الأعياد التي يحتفل بها في سورية هي
ذكرى الثورة البلشفية 1917 في الاتحاد السوفياتي.. وذكرى ميلاد لينين، وذكرى تأسيس البعث السابع من نيسان..
تصبح هذه الأيام أعيادا شبه رسمية، وتحتفي بها الحكومة والحزب والإعلام والملصقات والندوات والمحاضرات.. هكذا هي الدنيا وكأنهم يتعمدون…
ويكون الشعب السوري، عفوا أنا طالب في الثانوية، كنت أتابع فقط ما يجري في مدينتي حلب، ولم يكن بمقدوري أن أرفع بصري إلى ما فوقها. كانت تلك الاحتفالات الرسمية فتنة بل محنة، بل أزمة دين وعقيدة وثقافة جعلت الناس كما قال الأول:
خيل صيام وخيل غير صائمة.. تحت العجاجة وخيل تعلك اللجما..
أنصحهم لوجه الله تعالى لا تعادوا الناس في أوطانهم. وإن غضب أهل دمشق وحمص وحماة وحلب.. لن ينفعكم أهل نجد..
يحتفل البعث بأعياده ثورة اكتوبر البلشفية ويوم ميلاد لينين، وذكرى تأسيس الحزب الكريه الأكره..كما يحتفل بعض الناس في ذكرى مولد رسول الله ببعض التافهات والتافهين..
في عيد المولد ننشد
أنت شمس .. أنت قمر
أنت نور .. فوق نور..
بمثل هؤلاء تغطون على :
حب النبي العـــــــــــــربي
ديني ويقيني ومذهبي
ويطل عيد المولد النبوي الشريف.. ذكرى مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم..كما يطل علينا هذه الأيام..
ويحاول المسلمون العاشقون لنببهم، والذين سيظلون على مدى الدهر يرابطون على ثغر: إلا رسول الله. يرددونها في وجه كل من هانوا واستهانوا..أن يردوا الصفعة على وجوه المستهينين..
فيكون الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في تلك الأعوام تدفق أمواج من عبير..
فإذا حلب كلها وكلها أعني كلها تموج:
عطّر اللهم قبره الشريف بعرف شذي من صلاة وتسليم
ولو دخلت حلب في تلك الأيام لوجدتها قد تحولت بكل حاراتها وساحاتها وأسواقها إلى صالة صغيرة مزدحمة بكل أنواع الزينة، وكأن كل سوق في حلب قد تحول إلى ديوان صغير يزدحم بأغصان الزيتون، ولافتات التهليل و التكبير وقصائد التحدي وانطلقت أصوات أجهزة التسجيل تشدو بليالي المولد.. وعمرت المساجد بالخطب والموالد والندوات
لم تكن لترى في حلب المسقوفة بالزينة فرجة تتبين فيها زرقة السماء..
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبســـــــــــــــــــم وثناء
كنا ونحن طلاب في ثانوية المأمون.. نجمع من قليلنا ربع ليرة ونصف وليرة وليرتين، حتى نزين غرف الصفوف.. نعم ونتبارى أي شعبة ستكون في الزينة أجمل وأكمل..فهذا اليوم وهذا الشهر لرسول الله الذي كنا وما زلنا نتدفأ على ذكراه:
ولـــــــد المشــــــــرف في ربيــــــــع الأول
فالكون يرقص والكواكب تنجلي
جاءت عروس جمالــــــــه في حلــــــــة
لم يكــــــــن أحــــــــد قبلــــــــه بها جلي..
وأصبحت ذكرى المولد في تلك الأعوام محطة للتحدي:
إسلامية.. إسلامية.. يخرب بيت البعثية
وكان الأجراء العاملون بالرغيف والمحشية، ضد دينهم ونبيهم وأهليهم وثقافتهم ، كلما حاولوا أن يلجموا الثورة أو الغضبة.. أو دفق الحب وجهوا بما لا قبل لهم به…
في محاولة لهم أن يقطعوا حبال الزينة في منطقة "جب القبة" في حلب، تصدى لهم فريق من العتالين ماركة "أبو غمزون" من بني الحسن.. وكانت الناس على فطرتها، وعلى محبتها، ففر أصحاب اللاندروفر على وجوههم لا يلوون على شيء: إلا رسول الله قلناها لأهل الدنمارك.. ولأهل شارلي إيبدو .. وتقولها لكل مبغض لنبينا يريد أن يسير على نهجهم.
ومضى الأمر في احتفالات التحدي على ما هو عليه حتى دخلت سنة 1970.. وجاء الذئب الأغبر حافظ الأسد فكرّ على الفعل المقاوم .وأعطى التعليمات: أن تشارك الفرق الحزبية، وعناصر المخابرات بالزينة، ويقوم عناصر شبيبة الثورة بتزيين المدارس والصفوف…
وظن أنه قد أفقد المناسبة معنى التحدي..
ولكننا أبينا ومضينا.. وزدنا وما ونينا..
وكلما أنبت الزمان قناة.. ركب المرء في القناة سنانا..
فانتقلنا بالتحدي بالمولد.. من طور إلى طور..
البقية في المقال القادم
لندن: 13/ ربيع الأحب والأنور/ 1447
5/ 9/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي