الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : حذارِ .. ثم حذارِ... حذارِ.. نداء للذين يتفكرون

وجهة نظر : حذارِ .. ثم حذارِ... حذارِ.. نداء للذين يتفكرون

01.09.2025
زهير سالم



وجهة نظر :
حذارِ .. ثم حذارِ... حذارِ..
نداء للذين يتفكرون

زهير سالم*
الفرق بين التماهي بمعنى الذوبان والتخلي عن السمع والبصر والفؤاد .. وبين التعارف والتعاون على.. والتأييد في..
والتماهي هو مفهوم نفسي وسوسيولوجي عميق، يعكس حالة من التوحد اللاواعي أو شبه الكامل بين فرد وآخر، أو بين فرد ومجموعة. أو بين مجموعة ومجموعة، هو أعمق بكثير من مجرد التوافق أو التشابه أو الانسجام.
يعني التماهي أن يذوب الفرد في الآخر، أو المجموعة في الأخرى، أو الكيان في الكيان.. إلى درجة يتبنى فيها طرف مواقف الطرف الآخر، وأفكاره، وقناعاته، وحتى مشاعره و هواجسه، ويدافع عنها وكأنها جزء من ذاته.
 على مستوى الفرد والمجموعة: عندما يتماهى الفرد مع فريق، فإنه لا يؤيد أهدافه فقط، بل يصبح مكررا لأقوالهم، مدافعا عن هواجسهم ورؤاهم، حاملا لأفكارهم، مناصرا لكل ما يقولون ويفعلون. معليا أمر سياساتهم الداخلية والخارجية بشكل غير واعٍ أحيانًا، حتى لو لم يكن مقتنعًا بها بالكامل في البداية. يصبح هو "هم". أو يصبحون هم هم. فكأن فريقا قد ذاب وتلاشى، وفريقا لم يستقبل أثرا بلون أو رائحة أو طعم.
التماهي يعني أن يتقمص شخص ما صفات شخص آخر، ويتبنى رؤيته للعالم. وهذا قد يحدث في علاقات التلمذة أو الإعجاب الشديد، حيث يرى الفرد في الآخر أنموذجًا يسعى لأن يكون مثله. أو أن يذوب فيه.
والسمة الأساسية في التماهي هي فقدان الحدود الذاتية بين الأنا والآخر. إنه عملية عاطفية وفكرية متشابكة تجعل الشخص يتصرف، ويفكر، ويشعر كما لو كان جزءً لا يتجزأ من الآخر. أو تابعا من توابعه، أو ظلا ضوئيا عابرا من ظلاله..
كانت الرافضة المنحرفة تقول عن سيدنا علي رضي الله عنه: إنه أشبه بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الماء بالماء. فأنت لو صببت كأسا من الماء فوق آخر، فأي فرق يكون؟؟
هذا بحث في فضاء الفلسفة العام لنظرية التماهي أو التلاشي أو الذوبان أو ما يسمى أحيانا الحلول والاتحاد الصوفيين.. هذه الحالة في بعدها السياسي التي يمارسها في هذا الزمان المتموج، بعض الهيئات والقوى والجماعات.. على طريقة من وصفهم القرآن الكريم بأنهم: لا يشعرون.. لا يعقلون.. لا يتفكرون.. لا يتدبرون…
المهم: الرغيف والمحشية وكل شيء بعد ذلك يهون.
العقلاء في كل زمان ومكان لا يضعون طِوَلهم في يد غيرهم. مهما أشعرهم الآخر أن هذا الطِوَل كان رخيا. ولكي أشرح معنى الطول المقصود، لا أجد في هذا السياق أجمل من قول طرفة بن العبد في معلقته:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه في اليد.
يشبه الطول بالحبل الطويل يكون في عنق الدابة، ترتع ما تشاء أن ترتع، ثم إذا شاء الممسك بطرف الطول أن يقودها حيث يشاء، حين يشاء…
في الحياة الخاصة والعامة.. المطلوب من الذوات أن تحدد دوائر وجودها وخصوصيتها. حتى عندما تقف مع صديق لك في مكان عام أو خاص، يجب أن يكون هناك دائرة للخصوصية محددة ومعترف بها تفصل بينكما. التماهي المطلق بأبعاده لا يكون إلا بين زوجين، وعبر عنه القرآن الكريم بقوله: (وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ).
نصحي للعقلاء الذين يتفكرون فقط، وإنما أنزل كتاب الله سبحانه وتعالى نداء للذين يعقلون والذين يتفكرون. قريبا من عشرين مرة في القرآن الكريم ذكر الفكر والتفكير والتفكر .. وخطابي لهؤلاء فقط ممن يقاربون:
المجتمع المفكر هي السمة الأولى للمجتمع المسلم. ليس من الإسلام أن يقال لي أو لك أطفئ سراج عقلك واتبعني. ليس من الإسلام في شيء: أن يقال لي أو لك ما أفلحت إذا تساءلت: لمَ..
ونصحي لأولئك الذين جعلوا من أنفسهم ملعقة السكر تحلي مرارة المر في كؤوس الآخرين:
لا بأس عليك أن تكون مؤيدا أو داعما أو منافحا ولكن بالعقل يا علاّم.. العنب حبة.. حبة يا علام..!!
وكما أؤكد أن الذوبان والاستسلام والمبالغة في التبعية حتى الذوبان، أمر مرفوض، يجب أن أذكّر أن التأييد والتعاون على مايظن أنه الرؤية المشتركة أمر محمود ومطلوب، وأول مستنده الشرعي بالنسبة لنا نحن المسلمين، قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
التأييد والدعم والتعاون والبذل..
مفاهيم عملية، تصف علاقات قائمة على الرؤى الموحدة والمصالح المشتركة، أو التنسيقات العملية، من أجل أهداف محددة. وقد نتفق هنا، ونتوقف هناك، ونختلف هنالك. علاقات واشجة تحافظ على استقلالية الأطراف. ومكانتها ودورها وتصون رؤيتها وإرادتها. لا تقل أنا متعاون وأنت منفذ مستسلم تنتظر الأمرَ للتهليل، والإعلانَ للمكاء والتصفيق. لا تجمع خضوعا وادعاء. ولا جوعا وكذبا..
 ومفهوم التعاون:
هو جهد مشترك، تبذله أطراف، كلٌ من موقعه. وبحسبه. لتحقيق هدف معين. ومن الشراكات التجارية ما تقوم على الشراكة بالكتف، رحم الله زمان أصحاب الأكتاف. عريض المنكبين يحمل، وصاحب الصوت الجهوري يهتف:
في ســـــــــــــــبيل الله ثرنا نبتغي رفع اللواء
إن يعد للدين مجده أو ترق منا الدماء
التعاون: شراكة. والدعم إمداد. وقد يدعم الأقوى الأقل.. وقد يدعم الأقل الأقوى!!وفي تراثنا يسألون الحكيم : هل تسند الحصوةُ الجرّة؟! يجيب الحكيم: تسند الحصوةُ الجبلَ!! أعيدها لعل واعيا يعيها: يجيب الحكيمُ: تسندُ الحصوةُ الجبلَ..
أول أمسِ سألني صحفي: لماذا تتمسك ببقاء جماعة الإخوان المسلمين وأثرها العام أصبح صفريا؟؟
أجبته: هذه الدول العظمى، والأنظمة الكبرى، والمنظمات الأكثر ريبة حول العالم؛أكثر جدية من أن تضيّع أوقاتها وأموالها وتجنيد مجنديها، في شن الحرب على جماعة أثرها في الحياة العامة صفري.. كما تزعم..!! مرة أخرى العنبُ حبةً.. حبةً يا علّام..ستون عاما والمطحنة بيد حافظ وبشار تطحن يا علام.. لم يحصدوا غير الدم ولعنة الأجيال يا علّام…
 ثم الدعم: هو فعل من طرف لآخر يهدف إلى المساعدة أو المساندة في تحقيق هدف ما. قد يكون الدعم مثاليا حبا للخير، وقد يكون الدعم مريبا فيكون وراء الأكمة ما وراءها، وفي كل الأحوال فإن باذل الدعم وقابله محكومان بمعادلة المصالح المشتركة قبولا ورفضا. شريطة أن يحافظ كل واحد منهما على ذاته ومناطاته واختياراته. وهذا يعود بنا إلى دوامة التماهي مقابل التعاون. والذوبان مقابل الدعم..
مقال في الفضاء العام
إياكم أعني ولا تسمعي ياجارة…قلت لا تسمعي يا جارة فانا لا أريدك بهذا الخطاب فلا تنتفشي ولا تبتدري..
  
لندن: 7/ ربيع الأول/ 1447
31/ 8/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي