وجهة نظر :
تفاعلا مع التعليقات على مقاليّ عن الوضع الاقتصادي في سورية
زهير سالم*
وتضرب العرب المثل بلاحس المبرد.
وأما التعليق العلمي فأنت لن تضيف جديدا إذا بزلت ليترا من الدم، من جسم إنسان يعاني من فقر الدم، ثم أعدت حقنه في جسم صاحبه.
بل ربما بين البزل والحقن، تفقد بعض الدم، وقد يتعرض الدم المبزول والمحقون لأنواع من الملوثات والمهددات. ولذا كتبت لن تنفعنا البعثرة، ونحتاج إلى الرفد بدماء جديدة. وبعد كل الذي تعرضنا له، من نزيف أو استنزاف مقصود. نزيف أقله خطرا، نزيفنا الاقتصادي. وهذه قناعتي، ولا يضيرني أن يخالفني فيها المخالفون.
أما حكاية المثل العربي عن "لاحس المبرد" فهي حكاية مَثَلٍ أجمل أثرا وأبلغ تأثيرا…
وقالوا وكان قارض من القوارض يأوي إلى دكان حداد. وكان كل ليلة بعد أن يخرج الحداد من دكانه يخرج القارض إلى مملكته الليلية، فيتعيش منها على بقايا تسقط من يد الحداد من غدائه، أو فضلات طعام يغفل عنها من هنا وهناك. في ليلة خرج القارض المسكين جائعا يتلمس رزقه، وظل ساعة يلوب على شيء يقتات به فلم يجد، إلا أنه شم رائحة زيت على مبرد مركون على رف من رفوف محددة الحداد، فارتقى إليها، وبدأ يلحس ما يظن أنه بقايا الزيت الذي اشتم، بعد لحسة أو لحستين، بدأ الدم ينزف من لسان القارض، ويقع على المبرد، واستساغ القارض ريح الدم وطعمه فانهمك أكثر في اللحس، وكان كلما لحس أكثر، شعر أن الدم ينبع من مبرده أكثر.
هكذا حكى لنا العرب الحكاية، لعلنا نعي الأمور كيف تكون.
إن الدمار الذي أصاب سورية الحبيبة، أهدر ثروة وطنية ربما عكف الأجيال على تكريسها على مدى قرون..
اسألوا متى غطي سوق المدينة في حلب، وفي أي جيل. مباني حلب القديمة التي صنفتها اليونسكو من التراث العالمي، من بناها؟؟!!
شجرات السرو الحلبي من زرعها ومن قصمها.
بالأمس سألت هل تموت الأشجار نتيجة الشيخوخة. أو نتيجة العوامل الخارجية، كان الجواب العلمي الشجرة كلما عمرت قويت، ولا تهلك إلا بالعوامل الخارجية من قوارض أو عواصف أو بكتريا أو قصف..في الجواب العلمي هناك أشجار في بعض الغابات بعمر خمسة آلاف عام. وهناك جذور حية بعشرة آلاف عام!!
في أكثر بيوت حلب وحدائقها كان يعتمد السرو كشجرة من أشجار الزينة. في قصيدة الصنوبري المئوية الحلبية يتحدث عن السرو في حلب:
سروها الداني كما
تدني فتاة من فتاها..
نحمل العالم مسؤولية ما جرى علينا..
نطلب الحق برفق، ونجعل الواجب دابا..
لندن: 17/ ربيع الأول/ 1447
11/ 9/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي