وجهة نظر :
(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)
زهير سالم*
وأردت أن أكتب مقالا أزينه لكم بأسلوبي، عن معنى الانتصار في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)، والتفصيل بين مواطن حض فيها القرآن الكريم على العفو والتسامح .. وبين أخرى حض فيها القرآن الكريم على الانتصار، وهو أن تأبى الظلم، وأن نحرص على استيفاء الحقوق، وقمع الظالمين من كفرة وفسقة وفجرة... فلم أجد أوفى مما نقله عمدة المفسرين القرطبي في أحكام القرآن.. فإليكموه ...
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ) أي أصابهم بغي المشركين . قال ابن عباس : وذلك أن المشركين بغوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة فأذن الله لهم بالخروج ومكن لهم في الأرض ونصرهم على من بغى عليهم ، وذلك قوله في سورة الحج : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا..) الآيات كلها . وقيل : هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره ، أي : إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه . وهذه إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود . قال ابن العربي : ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح ، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح ، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر ، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين ، إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور ، وقحا في الجمهور ، مؤذيا للصغير والكبير ، فيكون الانتقام منه أفضل . وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق . الثانية: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة ، فالعفو هاهنا أفضل ، وفي مثله نزلت : وأن تعفوا أقرب للتقوى . وقوله : (فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ) . وقوله : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) قلت : هذا حسن ، وهكذا ذكر إلكيا الطبري في أحكامه قال : قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله سبحانه وتعالى وإقام الصلاة ، وهو محمول على ما ذكر إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق ، فهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك . والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا . وقد قال عقيب هذه الآية : (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به ، وقد عقبه بقوله : (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وهو محمول على الغفران عن غير المصر ، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها . وقيل : أي : إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه ، قاله ابن بحر . وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا. انتهى...
يقول زهير وعجبا لقوم كتاب الله بين ظهرانيهم ثم يتقولون...جميل ما قال الأول...
أعددت للأعداء سما ناقعا .. فسقيت آخرهم بكأس الأول
لندن: 16/ ذو الحجة / 1446
12/ 6/ 2025
____________
*مدير مركز الشرق العربي