الرئيسة \
تقارير \ واشنطن بوست : خطاب أردوغان عن التظلمات التاريخية والماضي المجيد سرّ انتصاراته المتكررة في الانتخابات
واشنطن بوست : خطاب أردوغان عن التظلمات التاريخية والماضي المجيد سرّ انتصاراته المتكررة في الانتخابات
20.05.2023
إبراهيم درويش
واشنطن بوست : خطاب أردوغان عن التظلمات التاريخية والماضي المجيد سرّ انتصاراته المتكررة في الانتخابات
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
الخميس 18/5/2023
قال الكاتب مصطفى أيكول، الزميل في معهد كاتو ومؤلف كتاب “لماذا أدافع كمسلم عن الحرية” إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتصر من خلال تعهده بجعل تركيا عظيمة مرة أخرى.
وجاء في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أنه “في يوم الأحد، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على شرفة مقرات حزبه الحاكم، العدالة والتنمية في أنقره لكي يقدم خطابه المعروف، تماما كما فعل في كل جولة انتخابية منذ عقدين. وكان أنصاره في حالة من النشوة، في وقت كان فيه المعارضون في حالة من القلق”.
وبالتأكيد لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية قد أعلنت. وهناك جولة ثانية في 28 أيار/ مايو، لكن من المحتمل أن الرئيس الذي يتقدم في السباق بأربع نقاط ضد منافسه الرئيسي كمال كيلشدار أوغلو، سينتصر. فقد أمّن تحالفه الحاكم الغالبية البرلمانية. وبعبارات أخرى، بعد 20 عاما في السلطة، يمكن أن يحصل أردوغان على خمسة أعوام أخرى للحكم، إن لم يكن أكثر، متجاوزا الزعيم التركي الآخر في القرن التاسع عشر، السلطان عبد الحميد الثاني. ولو فاز، فالسنوات الخمس المقبلة لا تبدو واعدة، فبعد كل هذا، حوّل أردوغان تركيا إلى دولة تشبه الدولة التي يحكمها الحزب الواحد.
وربما محا أردوغان ما تبقى من قضاء مستقل، والإعلام الحر، والأكاديميا الناقدة. ووعد أردوغان بدستور جديد يمكن أن يحقق أحلام اليمين الديني. ويقترح أنصار أردوغان، إلغاء المحكمة الدستورية، وزيادة جرعات الدين في التعليم الديني، والحد من حريات المرأة ومنع التفسيرات الخارجة “الهرطقة” للإسلام.
لكن السؤال عن سبب استمرار أردوغان بتحقيق الانتصارات في وقت اعتقد فيه الكثيرون أن دعمه سينهار في وجه التضخم المستشري والرد العقيم على الهزات الأرضية الأخيرة؟ الجواب ليس في أنه “سرق” الأصوات، فتركيا رغم تراجعها الدراماتيكي في حرية التعبير وحكم القانون، إلا أن لديها نظاما انتخابيا شفافا يفوز من خلاله أردوغان في صناديق الاقتراع.
والتفسير هو أن أردوغان أقام رابطة قوية مع الغالبية الاجتماعية- السياسية: المحافظون الدينيون، كما سحرهم بخطاب عظيم. فرغم الأعداء الخبثاء والمتآمرين الشنيعين، فإنه يجعل تركيا عظيمة ومسلمة مرة أخرى.
وتم ضخ الحكاية هذه عبر آلة دعائية ضخمة تضم الكثير من الوسائل. وتقول هكذا: “في يوم ما، كسلاطين للدولة العثمانية، حكم الأتراك العالم. وبسبب المؤامرات الأوروبية والخونة في الداخل، فقد ركّعوهم، والأسوأ من هذا سيطر العلمانيون القمعيون على تركيا منذ عشرينات القرن الماضي حتى بداية القرن الحادي والعشرين، وأهانوا العباد المتّقين من خلال إغلاق المساجد ومنع الحجاب. وكان أردوغان، وحده هو من أنهى هذا العار. ولهذا السبب، فهم يواصلون مهاجمته”.
و”هم” تشير إلى مزيج من أحزاب المعارضة والنقاد الليبراليين والإعلام الغربي، ورأس المال، وجورج سوروس والدولة الأمريكية العميقة، والمحاكم الأوروبية والإرهابيين الأكراد والمثليين والناشطين أو المنشقين في داخل المعسكر الديني. وهذا المزيج من الأعداء لتركيا، يحاولون إجبار الأمة المجيدة وزعيمها على السقوط، وضد صرخة أنصار أردوغان “يريدتماييز” وهو شعار يعني “لن نسمح لكم بإسقاطه”.
وتم الحفاظ على هذا الحماس من خلال الحفلات الصاخبة الدائمة، ولم تلاحظ إلا قلة في الغرب، لكن حملة أردوغان الانتخابية تضمنت الكشف عن آليتي حرب جديدتين. حاملة المسيرات التركية الأولى “تي سي جي الأناضول” وحاملة المقاتلات الجديدة “كان”. وكلاهما أُعلن عنهما في حفلات رسمية وبجماهير حاشدة وحماس حقيقي منقطع النظير.
وأعاد أردوغان تحديث صورته على تويتر، بصورة رجل حازم يرتدي زي طيار. ثم أنهى حملته الانتخابية وهو يصلي المغرب والعشاء في مسجد آيا صوفيا. وبالمقارنة، فقد ظهر زعيم المعارضة كليتشدار أوغلو من مطبخ بيته المتواضع، وهو ينتقد زيادة أسعار البصل. فردّ الإعلام الموالي لأردوغان: “هذا عن الاستقلال وليس البصل”.
في عام 1992، فاز بيل كلينتون برئاسة الولايات المتحدة، مستندا إلى شعار لاذع: “إنه الاقتصاد أيها الغبي”. وفي تركيا، فالأمر هو عن الحروب الثقافية والقومية الدينية. وفي الأسابيع المقبلة، سيواصل الاقتصاد التركي نزيفه، خاصة لو استمر أردوغان بفرض نظرياته الغريبة حول أسعار الفائدة برغم تراجع قيمة الليرة التركية.
اليوم، ليست تركيا هي الدولة الوحيدة التي تحولت فيها الديمقراطية إلى طغيان الأغلبية، فهناك دولة أخرى وهي الهند، حيث هدد ناريندرا مودي، وبخطاب مماثل عن التظلمات التاريخية، الأقليات وخاصة المسلمين والمسيحيين.
ويختم الكاتب بالقول:: “أعتقد أن العلاج لهذا التحدي في القرن الحادي والعشرين هو الليبرالية السياسية: حكومة محددة، ضوابط ورقابة وحرية وعدالة للجميع. لكن الليبرالية تحتاج إلى دفاع جديد، سرد عظيم جديد لينافس السرديات الجذابة للشعبوبيين الحماسيين. ونحن بحاجة لكي نظهر مرة أخرى أن الليبرالية هي أحسن نظام، ليس من أجل الحصول على بصل قليل الكلفة ولكن الكرامة الإنسانية. فالسلطويون يعدون الكرامة لأتباعهم ولكنهم يدوسون بأقدامهم على كرامة الآخرين”.