هل يكفي الانفتاح السياسي لإعادة بناء سوريا؟
28.09.2025
محمد سرميني
هل يكفي الانفتاح السياسي لإعادة بناء سوريا؟
محمد سرميني
سوريا تي في
السبت 27/9/2025
تعيش سوريا واقعاً معقداً يتأرجح بين تطورات الخارج وتعقيدات الداخل، في مشهد يمكن وصفه بأنه محاولة طيران بجناحين غير متوازنين، فمن جهة يشهد المسار الخارجي انفتاحاً سياسياً مهماً تجلى مؤخراً في الزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع إلى الأمم المتحدة واللقاءات التي عقدها مع قادة وزعماء عدد من الدول.
هذا الانفتاح يشير بوضوح إلى بداية إعادة ادماج سوريا ضمن النظام السياسي العالمي بعد عزلة طويلة فرضتها حقبة حكم البعث وما تخللها من عقوبات وانقسامات على زمن النظام البائد ولا شك أن لهذا الانفتاح أبعاداً استراتيجية كبيرة، منها إعادة الاعتراف الدولي وفتح قنوات للتعاون الإقليمي والدولي وإمكانية الاستفادة من العلاقات مع الدول الحليفة والصديقة.
هذا الانفتاح السياسي رغم أهميته لا يزال غير مكتمل، فغياب الترجمة الاقتصادية لهذا التقدم السياسي يفرغ جزءاً كبيراً من قيمته، إذ لم تظهر بعد تطبيقات عملية ملموسة لاتفاقات أو شراكات اقتصادية ولم تدخل البلاد في مرحلة واضحة من التعافي المالي أو الاستثماري وبالتالي تبقى العجلة الاقتصادية شبه متوقفة والدعم الدولي في بعده الاقتصادي غائباً أو دون المستوى المطلوب واستمرار هذا الفراغ يهدد بجعل المكاسب السياسية رمزية فقط، ما لم تتبع بخطط اقتصادية واضحة واستثمارات تدفع بعجلة التنمية وتعيد الأمل للسوريين الذين يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة.
واجهت الدولة السورية الجديدة داخلياً تحديات جسيمة حاولت مواجهتها بإجراءات متعددة منها إعادة ترتيب المشهد السياسي والمؤسساتي، وقد شهدت الأشهر الماضية بعض الخطوات المهمة على هذا الصعيد منها تشكيل الحكومة المؤقتة وإعادة بناء مؤسسات الجيش والأمن وحاليا يجري تنظيم انتخابات مجلس الشعب وهذه الخطوات تحسب للقيادة السياسية، لكنها رغم ذلك لا ترقى بعد إلى مستوى الاستجابة الكاملة لحاجات الداخل السوري، حيث ما تزال هناك فجوات كبيرة في الأداء الإداري وضعف في الخدمات، وتراجع في الثقة الشعبية تجاه كثير من مؤسسات الدولة، والأزمة الاقتصادية لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الحياة اليومية للمواطن وهو ما يعمق من شعور الغضب والإحباط في أوساط المجتمع السوري.
في ظل هذا الواقع المزدوج تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً إلى مشروع وطني شامل يعيد تشكيل بنية المجتمع السوري ويؤسس لهوية سورية جامعة تتجاوز الانقسامات التي خلفتها سنوات الحرب وتعزز قيم الانتماء والمواطنة، وهذه الهوية لا يمكن أن تفرض من الأعلى، بل ينبغي أن تبنى من خلال حوار مجتمعي واسع وإصلاحات سياسية وثقافية شجاعة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
قدم الحلفاء والأصدقاء لسوريا دعماً مهماً، لا سيما في المجالات العسكرية والسياسية والإنسانية وهذا موضع تقدير، لكن التجربة أثبتت أن لا مستقبل حقيقي لسوريا من دون اعتمادها على ذاتها ومن دون استنهاض طاقات أبنائها في الداخل والخارج، فالدعم الخارجي لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإرادة الوطنية ولا يستطيع وحده أن ينهض بدولة تعاني من أزمات بنيوية عميقة في الاقتصاد والإدارة والمجتمع.
المطلوب اليوم هو توفير أدوات داخلية جريئة تعيد بناء التماسك الوطني على أسس صلبة، قادرة على الصمود في وجه التحديات وهذا يشمل إصلاحات سياسية تعيد ثقة الناس بالمؤسسات وتنشيط الاقتصاد الوطني عبر مشاريع إنتاجية وتنموية وتعزيز الاستثمار في التعليم والإعلام والثقافة لإعادة تشكيل الوعي العام، بما يخدم أهداف النهوض والتماسك الوطني، وفتح مساحات للحوار بين مختلف فئات المجتمع ومعالجة أسباب الخلافات والتوترات، هو جزء لا يتجزأ من عملية التعافي الوطني.
في النهاية لا يمكن التعويل على الخارج وحده لتحقيق أي إنجاز إذا لم تتم معالجة المشكلات الداخلية بشكل جذري وخاصة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة، فالتحدي الحقيقي الذي يواجه سوريا اليوم ليس فقط كيف تندمج من جديد في العالم، بل كيف تعيد بناء ذاتها من الداخل على أسس من العدالة والشفافية والمشاركة، بدون هذا التوازن بين جناحي الداخل والخارج، ستبقى سوريا تدور في حلقة مفرغة من الأزمات المؤجلة والمعالجات الناقصة، وآن الأوان لبدء مشروع وطني حقيقي تكون فيه سوريا أولاً ويكون فيه المواطن هو حجر الأساس في بناء الدولة.