هل من جديد في قصة الصراع على سورية؟
11.09.2025
مروان قبلان
هل من جديد في قصة الصراع على سورية؟
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 10/9/2025
منذ استقلالها، تزامناً مع تبلور النظام الإقليمي العربي بعد الحرب العالمية الثانية، تحولت سورية، نظراً إلى أهمية موقعها الجيوسياسي، ومكانتها التاريخية، إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية طامحة للزعامة والهيمنة. بدأ التنافس على سورية بين الثلاثي العربي (مصر والعراق والسعودية) مباشرة بعد استقلالها عن فرنسا. وعلى الفور، وجدت سورية نفسها مسرحاً لصراعات الطاقة التي نشبت بين الولايات المتحدة وحليفها الإقليمي بن سعود، من جهة، وبريطانيا وحليفها الإقليمي، الهاشميين في العراق، من جهة ثانية، وكان أبرز تجلياته انقلاب حسني الزعيم في مارس/ آذار 1949، الذي دعمته المخابرات الأميركية، وأطاح حكومة شكري القوتلي، ليقرّ اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، والتي كانت شرطاً لإنشاء خط التابلاين، الذي ينقل النفط السعودي إلى الساحل اللبناني، مرورا بالأردن وجنوب سورية. لكن انقلابا آخر بدعم بريطاني - عراقي سرعان ما أطاح الزعيم، وجاء بسامي الحناوي إلى الحكم، بغرض تمرير خط أنابيب نفط كركوك - بانياس، ليعود أديب الشيشكلي ليطيح، بدعم سعودي، حكم الحناوي.
مع احتدام الحرب الباردة، وخروج المنطقة من دائرة التنافس البريطاني - الأميركي، وتحوّلها إلى ساحة مواجهة إيديولوجية وجيوسياسية كبرى بين الغرب الرأسمالي والمعسكر السوفييتي، استعر التنافس على سورية، وتجسد إقليمياً بالصراع العراقي - المصري حول حلف بغداد. ربح جمال عبد الناصر المعركة ضد الحلف الذي انهار عمليّاً بعد الوحدة بين سورية ومصر في فبراير/ شباط 1958 وسقوط النظام الهاشمي في العراق في يوليو/ تموز من العام نفسه. لكن السعوديين والهاشميين لم يستسلموا أمام زعامة عبد الناصر العربية، فموّلوا الانقلاب السوري ضد الوحدة.
تراجع دور مصر الإقليمي بشدة بعد حرب 1967، وانهار بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد (1978)، ومعاهدة السلام مع إسرائيل (1979). ولحق بها العراق بعد حرب الكويت (1991)، ثم الغزو الأميركي (2003)، وانكفأت السعودية بسبب تعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول (2001)، وتناقص الاهتمام الأميركي بالنفط العربي بعد تحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للطاقة في العالم. انهيار الأدوار العربية، بالتزامن مع ضعف الدور الإقليمي لسورية بعد غزو العراق، وخروجها من لبنان (2005)، نقل التنافس على سورية إلى الحلقة التالية التي تضم القوى الإقليمية غير العربية، التي صعد نفوذها نتيجة انهيار الأدوار العربية، وهي إيران التي استفادت من سقوط العراق، وتركيا التي بدأت تتّجه بأنظارها نحو المنطقة العربية، بعد فشل محاولات التحاقها بالاتحاد الأوروبي، وحسم الصراع بين الجيش والنخب الكمالية، من جهة، والقوى المحافظة اجتماعيا، المتلبلرة اقتصاديا من جهة أخرى، لصالح هذه الأخيرة، ومشروعها.
بدأ التنافس على سورية تركياً إيرانيّاً، بعد غزو العراق، مع أدوار أقل أهمية لدول الخليج العربية، لكنه انفجر تماماً بعد عام 2011 ليتحول إلى صراع وكالة مدمر، شاركت فيه ما لا يقل عن 80 جنسية، بين دول ومليشيات ومتطوعين أفراد. في أواخر عام 2023 بدا وكأن الإيرانيين ربحوا الحرب في سورية، من خلال تثبيت نظام بشّار الأسد، وبدأ العرب والأتراك يقبلون هذه النتيجة بالانفتاح على الأسد وإعادة تأهيل نظامه. لكن عملية طوفان الأقصى قلبت المشهد، إذ دخلت إسرائيل، التي ظلت تتحرّك في الظل، منذ بداية الصراع السوري، بقوة على الخط وغيّرت كل نتائجه. وقد تبنّت إسرائيل منذ 2013 سياسة "المعركة بين الحروب"، لإضعاف الوجود العسكري الإيراني في سورية، لكنها قرّرت بعد "طوفان الأقصى" إخراج إيران كليّاً من سورية. ومع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، بدا ممكناً لتركيا، خصوصاً بعد فوز ترامب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تغيير نتيجة الحرب، بعد أن كانت قد سلمت بخسارتها لها في سورية. فوجئت إسرائيل بهشاشة نظام الأسد وسرعة انهياره، وتسلم هيئة تحرير الشام مقاليد الحكم في دمشق. وفيما وضعت تركيا ثقلها وراء النظام الجديد، شعرت إسرائيل بأنها استبدلت خصماً بآخر (إيران بتركيا).
بسقوط نظام الأسد وخروج إيران، انتهى فصل آخر من الصراع على سورية وبدأ فصل جديد، طرفاه الرئيسان تركيا وإسرائيل. وفيما يحاول الروس والعرب البقاء في المعادلة، أو انتزاع أدوار فيها، يحاول الأميركان الخروج منها، إنما بعد ترتيب الساحة وفق رؤيتهم. السؤال الآن: أين السوريون من هذا كله، وماذا حل بثورة 2011، وتضحياتها الكبرى، وإلى متى تبقى سورية ساحة، ويبقى السوريون أدوات، في صراع إقليمي ودولي مدمر، نتيجة انقساماتهم، ورفضهم تحقيق سلام نهائي بينهم، عبر تسويات وطنية كبرى، فيما ينشدون "سلاماً" مع الخارج، أو يستعينون به بعضهم على بعض؟