الرئيسة \  تقارير  \  هل خفّفت زيارة الشرع نيويورك التزاماته أم أثقلتها؟

هل خفّفت زيارة الشرع نيويورك التزاماته أم أثقلتها؟

30.09.2025
سميرة المسالمة



هل خفّفت زيارة الشرع نيويورك التزاماته أم أثقلتها؟
سميرة المسالمة
العربي الجديد
الاثنين 29/9/2025
يضعنا شبح تقسيم سورية أمام تخيّلات مؤلمة. أتخيل أنني أقف خلف أسلاك شائكة عند حدود مدينتي، درعا، أمام لوحة تشير إلى دولة أخرى هي السويداء قلب جبل حوران، وأحتاج قبل أن أخطو بضعة سنتيمترات لأقابل أصدقاء طالما التقينا لنصرة الثورة السورية، ورفع رايتها، مثل أليس مفرّج وسميح شقير وبسام بلان وغيرهم، إلى "فيزا" عبور، وقد لا يُسمَح (لحورانية مثلي) بالحصول عليها، حالي حال كثيرين يرفضون فكرة التقسيم، ليس من منطلق تأييد السلطة الحالية، أو من باب تبعيتي "السُّنية" لها، حسب الاتهامات التي صارت شائعة ومستسهلة عند بعض المعارضين للسلطة الحالية، من دون أن يسمحوا برأي آخر يقول بضرورة إعطاء الفرصة لها لرتقِ ما مزّقته 14 سنة من الحرب، أو إصلاح ما أفسده تاريخ طويل من حكم الأسدَين، أو حتى ضرورة التقاط الناس أنفاسهم لاستعادة الأمن، والتعافي المعيشي، كي يتمكّنوا من تفحّص خياراتهم.
 الإصرار الدولي على رفض تقسيم سورية دلالة على تحوّل مهمّ في المناخ الدولي، يشكّل رافعة سياسية للدولة السورية
ربّما أكثر ما حدث خلال الأسبوع الماضي أهمية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو تأكيد الدول الفاعلة دولياً وإقليمياً وعربياً دعمها وحدة سورية ورفضها التقسيم. أيضاً، هذا ليس لاصطفاف سياسي مسبق، بل لأنه اللحظة التاريخية اللازمة لاستعادة الملفّ السوري إلى طاولة الحوار الداخلي، وتحمّل الرئيس أحمد الشرع مسؤولية تحقيق رؤيته التي قدّمها أمام العالم، وترتكز على وحدة سورية، دولة قانون ومؤسّسات ومصالحة وطنية.
من غير المفيد إنكار أن المشاركة حدث معني بصورة سورية الخارجية، وحضورها دولة طبيعية في المجتمع الدولي، لكن في المرحلة التي تعيشها البلاد تحمل أيضاً مضامين أعمق وأكثر واقعية، ورسائل اعتراف، هي إقرار بخطأ الماضي المنسحب حتى على شكل المقاومة التي يتحمّلها الشعب تجاه قضايا كبرى مثل القضية الفلسطينية، والعلاقة مع دول الجوار، وهذا لا يعني التخلّي عن تلك القضايا بإدارة الظهر، بل بالعمل وفق الممكن والمتاح، لأن الالتفات إلى معالجة الوضع الداخلي السوري، وتمتينه، ليكون قادراً على اختيار تموضعه السياسي تجاه الدول وقضاياها، يبدأ من تحويل الخطاب بأولوياته المذكورة إلى سياسة واقعية تنقلنا من الوعود إلى الأفعال، ومن مجرّد شعارات إلى الواقع.
أهمية توضيح الإصرار الدولي على رفض تقسيم سورية، ودعم وحدتها، دلالة على تحوّل مهمّ في المناخ الدولي، يُفترَض أن يشكّل رافعة سياسية للدولة السورية. لكن في الوقت ذاته، فإن هذا التوجّه الخارجي يجب أن يُقابله عمل داخلي حقيقي يكرّس الوحدة الوطنية، من خلال ردم الفجوات، وفتح الأبواب المغلقة بين الدولة والمجتمع. وإعادة تأكيد الرئيس الشرع هذه الأولويات الداخلية، التي أعلنها في نيويورك، في كلمته في احتفالية إدلب يوم الجمعة الماضي، أمام جمهور محلّي واسع، وتشديده على أن الحفاظ على وحدة سورية يتطلّب عدم الاستسلام لدعاة التقسيم أو المُغرَّر بهم بدعم خارجي، بل مواجهتهم بالحوار، وبالإصرار عليه، واتخاذ خطوات عملية لمحاسبة المتورّطين، في إشارة إلى أن العدالة ليست نقيضاً للحوار، وأن السلطة لا تحمي من المساءلة، بل شرطها الأساس الانضباط وتنفيذ القانون لا القفز عنه، وأنه يجب أن يفتح مجال الحوار للاختلاف السياسي وطرح البدائل، وليس للانقسام والتقسيم. أمّا الجرائم بحقّ السوريين، فلا بد أن توضع تحت قوس العدالة.
زيارة الشرع نيويورك ليست عبئاً سياسياً، لكنّها بمثابة تعهّد وطني، يضع السوريين في مواجهة استحقاقات الداخل وتحدّياته
في حقيقة الأمر، هناك تحوّل في الخطاب السياسي الرسمي، من منطق "من يحرّر يقرّر" إلى منطق الشراكة الوطنية، وعقلية الدولة، ومن الحماية بالقوة المسلّحة إلى الحماية بالقانون، لكن هذه الالتزامات، مهما بدت عقلانية ومتقدّمة في الخطاب، ستظّل معلّقة ما لم تتحوّل سياساتٍ ملموسة. فالوطن لا يُبنى على النيّات، بل على الأفعال التي يُتوقَّع ألا تتأخّر مثل فتح أبواب حوار وطني شامل، وحكومة تمثّل السوريين كلّهم، وإصلاحات دستورية وقانونية تفتح المجال لحياة سياسية حقيقية، واستعاد كاملة لدور الكفاءات السورية في مؤسّسات الدولة التي يجب أن تنهي مبدأ الولاء وتقاسم المناصب على أساس أنها غنائم.
من هنا كان السؤال: هل خفّفت زيارة الشرع التزاماته أم أثقلتها؟ كل ما حدث في الأسبوع الماضي يمكن اعتباره بمثابة مختبر، أو خريطة طريق على أساسه تختبر المصداقية، بالممارسة وبالقدرة على التنفيذ، وبخاصّة أننا أمام حكومة ليس لديها رِهاب من الدول المؤثّرة في العالم التي دعمت السلطة ووعدت بمساندتها وبكفّ يد التدخّلات الخارجية. فالزيارة إلى نيويورك (كما بدت) ليست عبئاً سياسياً، لكنّها بمثابة تعهّد وطني، يضع الدولة والرئيس، والسوريين كلّهم، في مواجهة مباشرة مع استحقاقات الداخل وتحدّياته.