الرئيسة \  تقارير  \  هل تكون طهران بعد موسكو على الرادار السوري؟

هل تكون طهران بعد موسكو على الرادار السوري؟

07.08.2025
محمد فواز



هل تكون طهران بعد موسكو على الرادار السوري؟
محمد فواز
سوريا تي في
الاربعاء 6/8/2025
أجرى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، زيارة مفاجئة إلى موسكو يوم الخميس 31 تموز، في خطوة اعتبرها كثيرون غير متوقعة.
لم تكن الزيارة عادية، إذ استُقبل الشيباني في الكرملين بضيافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء هو الأول من نوعه منذ سقوط الأسد. لم تتناول وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" تفاصيل اللقاء، إلا أن مشاركة الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وحديث بعض الأوساط عن مباحثات على مستويات متعددة، أوحى بخلفيات عميقة للقاء، خاصة أن التوقيت جاء عقب تصعيد إسرائيلي خطير وصل إلى مقر هيئة الأركان السورية في قلب العاصمة دمشق، بعد أن تجاوز الاعتداء الجنوبَ السوري، الذي تحاول إسرائيل التوسع فيه باستمرار.
هذه الزيارة، التي تجاوزت السقف المرتفع الذي وضعته الإدارة السورية مسبقًا – وهو سقف ارتبط أساسًا بالمطالبة بتسليم الأسد المختبئ في روسيا – فتحت الباب أمام تساؤلات عدة، كان أحد عناوينها إيران. فهل فتح صفحة جديدة مع روسيا يعني إمكانية فتح صفحة مماثلة مع إيران؟ خاصة أن كثيرين يرون أن إيران لا تختلف كثيرًا عن روسيا في تموضعها اللصيق بالأسد في فترته، وفي مسؤوليتها عن الجرائم التي طالت الشعب السوري.
ما الفرق بين روسيا وإيران في المنظور السوري؟
بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب السوري، تُرى إيران كقوة ذات مشروع مذهبي، تسعى إلى التغلغل في البنية الاجتماعية والديموغرافية عبر دعم ميليشيات محلية، ونشر الحسينيات، وتجنيس سكان في بعض المناطق. يُنظر في سوريا إلى هذا التغلغل كتهديد لهوية المجتمع. إضافة إلى ذلك، فإن الاحتكاك المباشر للشعب السوري مع مظالم الحرب كان مع إيران وأذرعها بدرجة أكبر مما هو عليه مع روسيا، التي شكّلت مظلة سياسية وعسكرية للنظام، من خلال الدعم الجوي والسياسي في المحافل الدولية، لكن من دون حضور اجتماعي ميليشياوي مباشر مشابه. أما الحضور الإيراني، فكان أكثر ميدانية وميليشياويًا، ما أكسبه طابعًا طائفيًا واضحًا، ومظالم مباشرة فردية وجماعية، وأثار حساسيات حادّة تجاهه، على الرغم من أن المثبّت الحقيقي لنظام الأسد لسنوات كانت روسيا أكثر مما كانت إيران.
إيران لا تزال تراهن على أدواتها الميليشياوية، وهو ما يعزز الاتجاه العربي – الأميركي لمواجهتها، ويزيد من حذر دمشق تجاه أي فتح لباب العلاقة مع طهران، التي باتت مرفوضة شعبيًا وسياسيًا داخل البلاد.
وهذا الفارق في طبيعة الاحتكاك الشعبي مع كل من الطرفين، انعكس أيضًا على نظرة الإدارة السورية، وإن كانت العوامل السياسية والدولية هي الأكثر تأثيرًا في صياغة الموقف الرسمي.
فالإدارة السورية تقرأ التحولات الإقليمية والدولية على ضوء تَكَوُّن واقع جديد في المنطقة، تُثبّت فيه واشنطن نفوذها عبر ملفات متشابكة، بينما يبقى "السيف الإسرائيلي" المُصْلَتُ على الرقبة السورية حاضرًا، إلى جانب السيف الاقتصادي والمعيشي، في ظل غياب القدرة على الردّ العسكري التقليدي أو إمكانية الإعمار الذاتي، لكون سوريا ما تزال في طور إعادة التشكّل، وكون الغرب يتحكم بالاقتصاد العالمي.
من هنا، يبدو أن الخيار الاستراتيجي الذي تتبناه دمشق حاليًا هو السير تحت المظلة الأميركية وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم تركيا والسعودية، اللتان تدعمان الإدارة السورية في إعادة بناء الهيكل السوري من نقطة الصفر تقريبًا، وتوفير الدعم الاقتصادي والسياسي اللازم. بالنسبة لهذا المحور، فقد وُضعت في الفترة الحالية خطوط حمراء في المنطقة، على رأسها إنهاء النفوذ الإيراني فيها بشكل نهائي. ولأجل الحصول على الرعاية السياسية والاقتصادية التي قد تتيح إعادة إنعاش البلاد، ولأجل دفع إسرائيل نحو كبح عدوانها بالطرق الدبلوماسية – في ظل غياب الظروف والقدرات والرغبة في خوض حرب – تُفضّل سوريا الالتزام بخط السياسة الأميركية – العربية – التركية، وبالتالي السير في تقليص النفوذ الإيراني، بل وقطعه كليًا من سوريا.
بالمقابل، ورغم التوتر بين موسكو وواشنطن، فإن الولايات المتحدة لا تنظر إلى روسيا كما تنظر إلى إيران. فروسيا تُعدّ دولة كبرى "غربية" بالمعايير الدولية، ولا علاقة عدائية مفتوحة أو قطيعة شاملة بينها وبين واشنطن. وبالتالي، قد لا تمانع واشنطن قيام روسيا بدور محدود في سوريا، يسهم في تقليل الأعباء الأميركية في بعض الزوايا، من دون السماح لها بتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
من هذا المنطلق، فإن التواصل السوري مع روسيا، إذا لم يحمل ضريبة دولية، قد يُعتبر إيجابيًا بالنسبة لها، خاصة فيما يتعلق بتخفيف التوترات مع الأطراف السورية وغير السورية الساعية إلى قدر من الاستقلالية في الجنوب والشرق والساحل، بعد أن تبيّن لدمشق محدودية الخيار العسكري إذا كان وحيدًا. فروسيا، التي ما تزال تحتفظ بعلاقات مع تلك الأطراف، قد تلعب دورًا دبلوماسيًا مهمًا في هذا السياق.
أما إيران، فقد بدت مواقفها متناقضة. فمن جهة، سعت إلى إعادة وصل العلاقة بالقيادة السورية الجديدة عبر قنوات متعددة، ومن جهة أخرى استمرت في دعم فلول النظام السابق والتهريب باتجاه حزب الله. بل إن زيارة وفد من حزب الله إلى وئام وهاب، عقب مواقفه المتطرفة في وجه سوريا والمنحازة كليًا لإسرائيل في أحداث السويداء – رغم تموضعه السابق في الخندق الإسرائيلي السياسي ضد حزب الله – أوحت بأن حزب الله، الذراع الإيرانية الأولى في المنطقة، يعطي أولوية لبناء علاقات مع خصوم القيادة السورية الجديدة، مهما كانت مواقفهم في الأمور الأخرى، على قاعدة "عدو عدوي صديقي". هذا المشهد بكليته أيضًا عزز عمق الفجوة بين القلوب السورية والإيرانية.
إضافة إلى ذلك، فالمؤشرات الإقليمية والدولية، من العراق إلى لبنان واليمن، تؤكد أن إيران لا تزال تراهن على أدواتها الميليشياوية، وهو ما يعزز الاتجاه العربي – الأميركي لمواجهتها، ويزيد من حذر دمشق تجاه أي فتح لباب العلاقة مع طهران، التي باتت مرفوضة شعبيًا وسياسيًا داخل البلاد.
اندفاع دمشق نحو إعادة العلاقة مع إيران قد يدفع واشنطن إلى تشديد موقفها أكثر، ما يجعل هذا الخيار – حتى في لحظة اللاعودة – غير مضمون التوفر، أو غير مفضّل بالنسبة لسوريا.
في المحصلة، فإن هذا المشهد يتصل بالخيار السياسي الراهن لسوريا، التي ما تزال تراهن على المسارات الدبلوماسية، والعلاقات العربية – الأميركية، لإعادة بناء الدولة، واحتواء التهديدات الإسرائيلية، إضافةً إلى مجموع المؤشرات التي لا تطمئن بشأن النوايا الإيرانية المعادية للقيادة السورية.
لكن تبقى هناك حالتان قد تدفعان سوريا إلى فتح أبوابها من جديد أمام إيران: الأولى، في حال غيّرت إيران وجهتها وأُعيد دمجها في النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، مما قد يفتح الباب أمام إعادة تطبيع العلاقة معها. أما الحالة الثانية، فهي أن تقرر إسرائيل إسقاط النظام السوري بدعم مباشر من واشنطن؛ عندها، وربما عندها فقط، قد تجد القيادة السورية نفسها مضطرة إلى التمركز في مواجهة إسرائيل بكل الوسائل المتاحة، في ما سيكون صراعًا وجوديًا.
لكن حتى في تلك اللحظة، تبرز إشكاليتان: الأولى، أن الوقت قد يكون قد فات لاتخاذ خطوة حاسمة إذا وصلت الأمور إلى هذه المرحلة، والثانية، أن اندفاع دمشق نحو إعادة العلاقة مع إيران قد يدفع واشنطن إلى تشديد موقفها أكثر، ما يجعل هذا الخيار – حتى في لحظة اللاعودة – غير مضمون التوفر، أو غير مفضّل بالنسبة لسوريا.