هل بتنا أمام "أوسلو جديدة" في الجنوب السوري؟
25.09.2025
مروان قبلان
هل بتنا أمام "أوسلو جديدة" في الجنوب السوري؟
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 24/9/2025
رغم أن الاتفاق الأمني الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه على سورية، يتمثل، أو يحيل، بحسب موقع أكسيوس الإخباري الأميركي، إلى الترتيبات التي اتفقت عليها إسرائيل مع مصر في سيناء بموجب معاهدة السلام (1979)، أي تقسيم الجنوب السوري إلى مناطق، بحسب القدرات العسكرية المسموح وجودها فيها، إلا أن المقترح الإسرائيلي، يعبر، برأيي، أكثر عن روحية اتفاق أوسلو، الذي أبرمته منظّمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993، وجرت مراسم توقيعه في واشنطن تماماً قبل 32 عاماً. فعدا أن مصر استعادت في اتفاقاتها مع إسرائيل سيناء كاملة (بما في ذلك جيب طابا الصغير)، في مقابل سكوت سورية، في مقترح الاتفاق الأمني الذي تعرضه إسرائيل، عن الجولان المحتل عام 1967، والإقرار فوق ذلك باحتفاظها بأجزاء من الأراضي التي احتلتها بعد 8 ديسمبر 2024، (قمة جبل الشيخ وتل الحارة) بذرائع أمنية واهية، فإن قبول مناقشة الإدارة التي "حرّرت" السوريين من سلطة الأسد، وصارت، من ثم، "تقرّر" مصير البلاد نيابة عنهم، مناقشة المقترح الإسرائيلي، يعطي انطباعا بأن همّها الأول هنا انتزاع اعتراف إسرائيلي بها، والتسليم بسلطتها، لقاء التخلي عن أجزاء من الأرض السورية، ونزع سيادتها كليّاً عن أجزاء أخرى، دع جانبا مسألة الأجواء، حيث يحظر مقترح الاتفاق الإسرائيلي على أي طيران سوري، بما في ذلك المروحي، التحليق فوق مناطق الجنوب ابتداءً من حدود مدينة دمشق الإدارية. ويعدّ هذا العرض حتى أقل من مناطق حظر الطيران التي فرضها التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، فوق جنوب العراق وشماله، عقب ما سميت "الانتفاضة الشعبانية" (تمرّد الكرد في الشمال والشيعة في المحافظات الجنوبية) ضد نظام الرئيس صدّام حسين بعد هزيمة العراق في حرب "تحرير الكويت"، حيث سمح التحالف للطيران المروحي العراقي بحرّية الحركة فوق أجواء العراق، خلاف الطيران الحربي. المفارقة، هنا، أن صاحب الحقّ ينشد اعترافاً به من المُعتدي، في مقابل أن يسامحه بحقه، وهذه أيضاً نقطة تشابه أخرى مع "أوسلو". وإمعانا في الخذلان، توحي الأجواء السائدة أن دمشق تتّجه، في حال إبرام الاتفاق، إلى الاحتفاء به على أنه إنجاز، كما حصل عام 1967، عندما خسرنا الأرض، لكن خسارة إسرائيل كانت أكبر، بزعمنا، كونها "فشلت" حينها في إسقاط النظام (!).
أوجه الشبه بـ"أوسلو لا تقتصر فقط على مساعي منظّمة التحرير الحصول على اعترافٍ إسرائيلي بسلطتها، ولو على جزء من فلسطين، بل قبلت، فوق ذلك، أن تكون سلطة منزوعة السيادة، لا تكتفي بالعمل، كما تفعل دول الجوار العربي، بما فيها نظام الأسد البائد، حارساً لحدود إسرائيل، بل تحوّلت عمليًا إلى جهاز أمني يعمل لصالحها، ينسّق معها في ضبط السكان المدنيين، يمنع تهريب السلاح، ويحبط أي عملية مقاومة ضدها، وهو عين المطلوب من سلطة دمشق أيضا، وفوقه، السماح لإسرائيل بحرية الحركة لضرب أي تهديد أمني محتمل انطلاقه من أراضي السلطة السورية. جرى في "أوسلو"، كذلك، تقسيم أراضي السلطة الفلسطينية إلى مناطق متمايزة (A, B, C) تتفاوت فيها السيطرة بحسب أهميتها لإسرائيل، بحيث تترك للسلطة الفلسطينية السيطرة، بما فيها الأمنية، على الكتل السكانية الكبيرة، فيما يبقى الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية تحت السيطرة الأمنية المباشرة أو غير المباشرة لإسرائيل. وفي نهاية المطاف، ستضم إسرائيل هذه المناطق، على الأرجح، وهو احتمال مرجّحٌ حدوثه أيضا في بعض مناطق الجنوب السوري الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل.
هذا تماماً جوهر مقترح إسرائيل الأمني الذي تعرضه على حكومة دمشق لقاء الاعتراف بها، وتركها تحكم. وقد تحسب الإدارة السورية أن لا مفر أمامها من قبوله من أجل الاستمرار في السلطة. هذا وهم، فما تقدّمه إسرائيل ليس إلا مقترحاً مسموماً سوف يضرب شرعية إدارة أحمد الشرع في الصميم، ويحوّلها إلى سلطة فاقدة للسيادة، تماماً كما سلطة محمود عبّاس. يجب أن نتفق، بالنتيجة، أن شرعية الحكم لا تأتي إلا من الداخل، وأن البقاء في السلطة يعتمد على الشعب ومرهونٌ بإرادته، وليس بإرادة خارجية. هذا يعني أن هناك بديلاً حقيقياً لاتفاق الإذعان الذي تعرضه إسرائيل، ويتمثل في وقف المفاوضات غير المتكافئة معها فوراً، والالتفات إلى الداخل لإيجاد إجماع وطني حول متطلبات المرحلة الانتقالية، وتوحيد الجبهة الداخلية وتعزيز قوى سورية الذاتية، والانطلاق بعدها إلى مفاوضاتٍ تكون فيها مواقعنا أفضل. خلاف ذلك يعني فقط أننا استبدلنا الإذعان لمستبدٍّ بالإذعان لمحتل.