الرئيسة \  تقارير  \  هذه مخاوفنا من المفاوضات السورية مع إسرائيل

هذه مخاوفنا من المفاوضات السورية مع إسرائيل

28.08.2025
مروان قبلان



هذه مخاوفنا من المفاوضات السورية مع إسرائيل
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 27/8/2025
تثير توجّهات السلطة السورية الجديدة نحو إسرائيل، وتسارع مسار التفاوض معها؛ خصوصاً بعد أحداث السويداء، قلقاً متزايداً في أوساط سورية عديدة، في ضوء أول إقرار رسمي من دمشق بحصول اجتماعات بين وزير خارجية الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وذيوع تقارير تفيد باحتمال ترتيب اجتماع في نيويورك الشهر المقبل بين الرئيس أحمد الشرع ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، قد يتخلّله، أو يسبقه، توقيع اتفاق أمني بين الجانبين، يكون بمثابة خطوة أولى نحو انضمام سورية إلى مسار "الاتفاقات الابراهيمية". نميل إلى تكذيب الجزء المرتبط بالتطبيع من التسريبات، لكن غياب الشفافية من الجانب السوري بشأن ماهية الاتفاق الأمني الذي يجري التفاوض بشأنه، في مقابل تقارير إسرائيلية عن اتفاق ينزع حرفيّاً سيادة الدولة السورية عن الجنوب، يعزّز مخاوفنا من وجود "طبخةٍ" ما، تفضحها تحركات المبعوث الأميركي، توماس برّاك، ولهفته لإنجازها قبل اجتماعات نيويورك.
يمكن للمرء أن يتفهّم حصول اتصالات على المستوى الأمني، بهدف وقف الاعتداءات الإسرائيلية التي تكثفت على الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد، ورغبة السلطة الجديدة في دمشق في تحييد التدخّلات الإسرائيلية في الشأن السوري، لكن العكس تماماً يحصل، إذ نجحت إسرائيل في فرض نفسها طرفاً، وشريكاً، في أزمة داخلية سورية بحتة، حتى أن اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء جرى ترتيبه بين سورية وإسرائيل، بوساطة أميركية، وكأن إسرائيل باتت صاحبة الوصاية في الجنوب. كما صار، فوق ذلك، واضحاً أن محاولات السلطة الجديدة في دمشق، وتعهّداتها، لم تفلح، حتى الآن، في إقناع الجانب الإسرائيلي بالاعتراف بها، أو الاطمئنان إليها، والكفّ، من ثم، عن مساعي تقويضها. وقد تضمن ذلك، بحسب ما نقلته وفود أميركية زائرة، إشارة الشرع إلى أن "سورية وإسرائيل تواجهان عدوّاً مشتركاً"(!).
تعتقد إدارة الشرع أن لا سبيل أمامها لمواجهة التحدّيات الداخلية، وتعزيز قبضتها على السلطة، إلا عبر تفاهماتٍ خارجية، مع إسرائيل، خصوصاً، وهذا يتقاطع مع نصائح تتلقاها دمشق من الجانب الأميركي الذي يسعى رئيسُه إلى ضم سورية إلى قائمة "إنجازاته" للترشّح لجائزة نوبل للسلام، ومن الطرف التركي الذي يشجّع دمشق على التفاهم مع إسرائيل، من أجل أن يضمن حصّته في سورية، ومن بعض حكومات الخليج التي تريد أن تطوي نهائياً صفحة الصراع مع إسرائيل. ... هذه قراءة خاطئة تماما للنيات الإسرائيلية، لا تحقّق مصالح سورية، وتجلب، فوق ذلك، نتائج عكسية لإدارة أحمد الشرع، بضرب صميم الشرعية التي حازتها لحظة سقوط نظام الأسد. فحكومة نتنياهو تسعى إلى استغلال تعثّر هيئة تحرير الشام في ترتيب أوضاع البلاد، وتجذّر الانقسامات حول مشروعها في الحكم، لانتزاع اعتراف منها بالواقع الجديد الذي تحاول فرضه في الجنوب، بما في ذلك اشتراط العودة إلى اتفاق فصل القوات لعام 1974 باعتراف دمشق، في مرحلةٍ ما، بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة عام 1967، والقبول باحتفاظها، "إلى حين"، بقمّة جبل الشيخ وأجزاء من المنطقة العازلة التي احتلتها أخيراً، والموافقة على تحويل كامل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح (نزع سيادة الدولة السورية تماما عنها تمهيداً لإنشاء مليشيات محلية مرتبطة بها، كما يحصل حالياً في السويداء)، وحظر امتلاك الجيش السوري صواريخ، ووسائل دفاع جوي، وكل ما من شأنه أن يشكّل تحدّيّاً للسيطرة الإسرائيلية المطلقة على المسرح السوري.
لا تملك السلطة السورية، مقارنة بإدارة الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، التمثيل الكافي، أو الشرعية اللازمة، للتنازل عن أي شبرٍ من الأرض السورية، أو توقيع اتفاقٍ يقود إلى ذلك، أمني أو خلافه. مع ذلك، يرفض زيلينسكي كل ضغوط ترامب للتنازل عن الدونباس لروسيا، وهو يدرك أنه قد يدفع الثمن رئاسته في لعبة القوى الكبرى. وعدا عن أنها غير منتخبة، لا ينبغي للحكومة الانتقالية الخوض في قضايا مصيرية من دون إجماع وطني حولها. استسهال التعامل مع قضايا وطنية كبرى، باعتباره "تفكيراً من خارج الصندوق"، لا يؤدّي إلا إلى تعميق الشروخ في النسيج الاجتماعي والوطني السوري الممزّق أصلًا. ترجمة هذا الكلام أن جزءاً معتبراً من "السنة"، الذين تدّعي السلطة الجديدة تمثيلهم، وتحكم باسمهم، لن يقبلوا أن يكون ثمن الاستبداد بالسلطة التضحية بالأرض والسيادة السوريتيْن، بزعم أن الأولوية الآن هي لبقاء الأغلبية في الحكم. ماذا سيكتب التاريخ عن ذلك؟ وبماذا يختلف هذا السلوك عن نظام "البعث" الذي ضحى بالجولان عام 1967 من أجل الاحتفاظ بالسلطة؟ إذا حصل هذا سنقول بعالي الصوت: هذه السلطة لا تمثّلنا، ولن تفعل هذا باسمنا.