الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز : إذا كان لديك بلد ينهار في منطقة الساحل فاستدع فاغنر

نيويورك تايمز : إذا كان لديك بلد ينهار في منطقة الساحل فاستدع فاغنر

14.08.2023
إبراهيم درويش



نيويورك تايمز : إذا كان لديك بلد ينهار في منطقة الساحل فاستدع فاغنر
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
الاحد 13/8/2023
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمدير البحث في مركز صوفان، كولين كلارك، قال فيه: “إذا انهار بلدك، فستكون قوات فاغنر هناك”، وأشار إلى أن زعيم مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين نشر فيديو من مقر قيادته الجديد في بيلاروسيا، مرحبا بالمقاتلين إلى بلد منفاهم بعد محاولة التمرد الفاشلة في روسيا، وأخبر مقاتليه: “حضّروا أنفسكم لرحلة جديدة في أفريقيا”.
وبعد أيام من الانقلاب في النيجر الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد بازوم، لم يضيّع بريغوجين وقتا، وعرض خدماته على الزعيم العسكري الجديد، مع أنه ليس من الواضح مدى السيطرة التي لا يزال بريغوجين يتمتع بها على رأس المجموعة بعد عملية التمرد في حزيران/ يونيو.
وقام أحد الانقلابيين في النيجر بالسفر إلى مالي، والتقى مع مسؤولين من فاغنر، بالعاصمة باماكو، حيث تقدم مجموعة المرتزقة، الأمنَ للحكومة العسكرية. وهو ما قاد للتكهنات بأن موسكو هي التي هندست الانقلاب، وهو مفهوم تزايد من خلال الفيديوهات التي كشفت عن مواطنين في النيجر وهم يلوّحون بالأعلام الروسية في العاصمة نيامي.
وتؤكد الولايات المتحدة أنه “لا توجد أدلة، عن تورط بريغوجين أو فلاديمير بوتين بالانقلاب”، فيما أشار إعلامي روسي بارز إلى أن الأحداث هي مثال على الجهود التي تقودها روسيا ضد الاستعمار في أفريقيا. ومهما كان الأمر، فإن الإطاحة بالرئيس بازوم على يد العسكر، تمثل فرصة لبريغوجين وبوتين، لإظهار قوة فاغنر في أفريقيا، في الوقت الذي يتراجع فيه التأثير الغربي.
وفي الوقت الذي تتعزز فيه قوة الجماعات الإرهابية بالجوار، فإن هذا الانعكاس يمكن أن يتحول لتهديد أمني كبير. وعلى مدى العقد، فقد أصبحت منطقة الساحل في غرب ووسط أفريقيا، مكانا جذابا للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، بوكو حرام وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
وانتهت العملية العسكرية الفرنسية التي استمرت ثمانية أعوام تحت مسمى “برخان” بالفشل، مع أن الهدف منها كان تحقيق الاستقرار بالمنطقة، وتركت فرنسا بعد خروجها فراغا ملأته سريعا الجماعات الجهادية ومرتزقة فاغنر.
وخلافا للسرد الذي ساد في مرحلة ما بعد الانقلاب، لم تكن النيجر -رغم أنها ديمقراطية- واحة استقرار. فقد وثّق مؤشر الإرهاب العالمي زيادة في الوفيات بالبلد، مرتبطة بالإرهاب خلال السنوات الماضية. إلا أن الحكومات المتعاقبة والمنتخبة، كانت على الأقل مستعدة للتعاون مع واشنطن، والسماح لها بأن تدير عمليات مكافحة الإرهاب بالمنطقة.
والولايات المتحدة لديها قاعدتان عسكريتان في النيجر و1100 جندي، وتعاونت مع المسؤولين في الحكومة، وأشرفت على برنامج مساعدة أمنية للقوات النيجرية لمقاتلة القاعدة وتنظيم الدولة بمنطقة الساحل. وعلقت الولايات المتحدة المناورات العسكرية المشتركة مع النيجر، ولم تطلق على التحرك العسكري انقلابا، مما كان سيتطلب قطع كل المساعدات الأمنية والاقتصادية.
ويحاول الدبلوماسيون الأمريكيون التفاوض لإعادة محمد بازوم إلى السلطة. ولو فشلت تلك الجهود وانقطعت الولايات المتحدة عن الوصول إلى قاعدة الطائرات المسيرة في النيجر، وأشكال المعلومات الأمنية، فإن قدرتها للوصول إلى الجهاديين بمنطقة الساحل ستكون محدودة.
لكن فاغنر مستعدة للدخول، فهي موجودة في ليبيا ومالي، بجوار النيجر، وكذا في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، ومنذ أن أرسلت قواتها عام 2017، فقد دخلت المجموعة في الكثير من الدول الهشة، واختلست المصادر المهمة منها. وهي خدمة بخدمة، تقوم على تقديم الدعم العسكري مقابل السيطرة على المناجم، والتي تسمح لفاغنر وشركاتها باستخراج الذهب والماس وغير ذلك من السلع.
 وأدت عمليات فاغنر لوفيات بين المدنيين، واتهامات موثقة بالعنف الجسدي والتعذيب والقتل الفوري. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بصمات فاغنر في أفريقيا ستظل باقية.
وفي نهاية الشهر الماضي، ظهر بريغوجين في سانت بطرسبرغ حيث التُقطت له صور مع القادة الأفارقة الذين شاركوا في القمة الروسية- الأفريقية، والتي ترأسها بوتين.
وفي الوقت الذي استعانت دول في أفريقيا بخدمات فاغنر، إلا أن قصص وحشيتها تركت أثرا معاكسا. فقد استخدمت المنظمات الإرهابية السخط المتزايد من فاغنر لتعزيز عمليات التجنيد وكفرصة للانتقام. وفي الوقت الذي زاد فيه التهديد المتطرف، إلا أن هناك مظاهر قلق مشروعة من التوسع في منطقة غرب أفريقيا، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار في توغو وبنين وغانا وساحل العاج.
ومثّل التدهور في الوضع الأمني، تحديا للولايات المتحدة وحلفائها قبل انقلاب النيجر. ولو انتهى الوضع الجديد بفتح ممرات بين الجماعات المتشددة والنيجر، فستكون قادرة على جلب أعضائها منه. والكابوس الأكبر أمام الولايات المتحدة، هو إغلاق ساحة النيجر أمامها، إلى جانب دخول فاغنر والجماعات الجهادية التي تزداد قوتها، بشكل يحوّل منطقة الساحل إلى نسخة مطابقة لأفغانستان في مرحلة ما قبل هجمات 9/11.
ويعتبر انقلاب النيجر آخر إضافة لـ”ممر الانقلابات” الذي تشكّل في شمال ووسط أفريقيا، في انتكاسة درامية لملايين من النيجريين الذي صوتوا لبازوم عام 2021، والدول الغربية الباحثة عن طرق للحد من نشاط الشبكات الإرهابية.
ولا يعرف ماذا سيحدث فيما بعد، حيث هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري.
لكن لو تحولت منطقة الساحل لرقعة من الدويلات الجهادية، لن يكون لدى الغرب أي خيار لاحتواء الخطر الجديد. وبالنسبة لفاغنر وروسيا، فهذا يعني مالاً في البنوك ومزيدا من التأثير في المنطقة.