الرئيسة \
تقارير \ نظرة في استراتيجيات الحرب الإعلامية بين السوريين
نظرة في استراتيجيات الحرب الإعلامية بين السوريين
01.09.2025
مصطفى إبراهيم المصطفى
نظرة في استراتيجيات الحرب الإعلامية بين السوريين
مصطفى إبراهيم المصطفى
سوريا تي في
الاحد 31/8/2025
تعد السياسة نشاطا بشريا اجتماعيا يمتاز به الإنسان عن سائر الكائنات الحية، وهي تدار من خلال وسيط بشري آخر هو اللغة؛ سواء كانت مكتوبة في كتب، ونشرات وبيانات، أو يُتغنى بها في المظاهرات والمسيرات. واللغة قوة إيجابية وفاعلة قادرة على إشعال الخيال وإثارة المشاعر. إن الكلمات لا تعكس فقط الحقائق حولنا، إنها تساعدنا أيضا على تشكيل ما نراه، وبناء موقفنا تجاهه. إن اللغة، في الحقيقة، تساعد على خلق العالم نفسه.
هذه المشكلة خطيرة بشكل خاص في السياسة، لأن اللغة غالبا ما تستخدم ببراعة من قبل من لديهم دافع للتلاعب والإرباك. أي، السياسيون المحترفون. وبما أن اهتمام السياسيين الأول هو الدفاع السياسي، فإنهم أقل اهتماما بدقة لغتهم عن اهتمامهم بقيمتها الدعائية. والقيمة الدعائية هذه، بالإضافة إلى الإيحاءات والتأثيرات النفسية أصبحت في يومنا هذا ترتكز على معطيات العلوم الحديثة من علم النفس وعلم النفس الاجتماعي إلى غيرها من العلوم الاجتماعية والإنسانية.
لقد أصبح الخطاب السياسي يلجأ إلى عدة إستراتيجيات؛ بهدف كسب الجمهور وتوجيهه، أو كسب المعركة وتحطيم الخصم عندما تدخل الأطراف السياسية في معركة كسر عظم كما في الصراعات السياسية الحادة.
يعتقد البعض أن استراتيجية "إثارة الشك" لا قيمة لها، وأن الأفراد لا يغيرون قناعاتهم بسهولة، لكن الأمر ليس على هذا المنوال دائما، إذ تشير نظريات علم النفس وأبحاثه إلى أنه حتى لو كان الشخص متأكدا تماما من معلومة أو رواية ما، فإنه بعد قراءة أو سماع الادعاءات المشككة بهذه المعلومة أو الرواية – مهما كانت متهافتة - يصبح أقل يقينا
الشيطنة بالتكرار
تفترض هذه الاستراتيجية إلصاق بعض الصفات أو الاتهامات بالخصم والإيعاز إلى الآلة الدعائية الرسمية وغير الرسمية إلى تكرار هذه النعوت في كل مناسبة وكل موقف. من ذلك مثلا أن كل من كان يتحدث باسم النظام البائد أو دفاعا عنه يستحيل أن يخلو حديثه من وصم الثوار بالإرهاب والعمالة لإسرائيل. والتكرار – حسب علماء النفس – هو أحد أشهر الوسائل التي تجعل الناس يتأثرون بالمعلومات غير المهمة أو غير الصحيحة، ثم يتقبلونها كحقائق.-
إن تأثير التكرار في الإقناع وتشكيل المعتقدات حول العالم معروف جيدا، وليس في دوريات علم النفس فقط. لقد سبق أن صرح بذلك "غوستاف لوبون" في أطروحته: "الحشد: دراسة في العقل الشعبي": كان نابليون، على ما أعتقد، أول من قال إنه في فن الخطابة هناك عنصر واحد يمثل أهمية حقيقية، وهو التكرار. يرسخ الشيء المؤكد بالتكرار نفسه في العقل بطريقة تجعله مقبولا في النهاية كحقيقة بينة. من هنا يمكن القول: عندما نلاحظ أن جهة ما تختار بعض العبارات أو بعض الصفات المسيئة للخصم وتعمد إلى تكرارها، فعلينا أن نعلم بأنها تخوض معركتها الدعائية باحترافية.
إثارة الشك
تستخدم استراتيجية "إثارة الشك" لتحفيز التساؤلات والارتياب حول بعض القضايا الجوهرية التي يستمد منها الخصم شعبيته أو شرعيته. من الأمثلة التي نستطيع ملاحظتها بوضوح اليوم في الساحة السورية محاولات الذين يعارضون الحكومة الجديدة التشكيك بعملية "ردع العدوان" من خلال الادعاء بأنها مجرد تمثيلية تم خلالها الاستلام والتسليم. وفي المقابل؛ يحاول مؤيدو الحكومة التشكيك بنوايا المعارضة وأهدافها، وكلا الطرفين يسعى لنزع الشرعية عن الآخر.
يعد الاستشهاد بما تكتبه الصحافة الغربية بانتقائية فجة أهم أشكال التضليل، حيث يتم نقل ما يثبت وجهة النظر التي تروج لها الجهة المضلِلة فقط، بينما يُغض الطرف تماما عما هو خلاف ذلك. وفي بعض الأحيان يلجأ المضلِل إلى أسلوب التدليس الذي يتجلى بعدة أشكال؛ كأن يتم التلاعب بترجمة النص مثلا، أو حذف أجزاء منه بحيث يصبح محتواه مغايرا لمحتوى النص الكامل
للوهلة الأولى يعتقد البعض أن استراتيجية "إثارة الشك" لا قيمة لها، وأن الأفراد لا يغيرون قناعاتهم بسهولة، لكن الأمر ليس على هذا المنوال دائما، إذ تشير نظريات علم النفس وأبحاثه إلى أنه حتى لو كان الشخص متأكدا تماما من معلومة أو رواية ما، فإنه بعد قراءة أو سماع الادعاءات المشككة بهذه المعلومة أو الرواية – مهما كانت متهافتة - يصبح أقل يقينا ولو قليلا، ويعتبر الأمر محتملا، وهذا مؤشر على مدى بساطة عقولنا نحن البشر؛ فهي تتأثر بأي معلومة عابرة حتى عندما نعتقد أو نعلم أن تلك المعلومة خاطئة.
النبوءة ذاتية التحقق
ثمة صنف من التنبؤات يصدق إذا صدقناه، وهو ما يسمى لدى علماء النفس وعلماء الاجتماع: "النبوءات ذاتية التحقق"؛ ذلك أن هذا النوع من النبوءات يحفز سلوكا من شأنه أن يجعل التصور الزائف واقعا. خير مثال على "النبوءة ذاتية التحقق" هو المصرف الذي قد يؤدي ارتكابه لخطأ فني بسيط إلى أن يتنبأ بعض العملاء بإفلاسه فيبادرون إلى سحب أرصدتهم، ثم يتبعهم الآخرون تحت تأثير ذات النبوءة، فيفلس البنك حقيقة رغم أنه لم يكن أصلا مهددا بالإفلاس، ولكن نبوءة بعض العملاء جعلت الأمر واقعا.
على أمل خلق نبوءة ذاتية التحقق؛ تطلق بعض الجهات نبوءة ما وتحاول أن توحي للجمهور أنها حقيقة مؤكدة؛ كأن يقول أحدهم مثلا: أراهن أن الحكومة سوف تسقط قبل نهاية هذا العام. يلجأ الساسة إلى إطلاق مثل هذه النبوءات لأنهم يعلمون أن أهم دوافع الجمهور للاهتمام بالتحليل السياسي هو التوصل إلى أفضل الخيارات. وبالتالي، إن استطاع مطلق النبوءة دفع العدد الأكبر من الجمهور للإيمان بنبوءته، فإن جمهور الحكومة قد يصبح أقل حماسا للانخراط في أنشطتها، بينما يصبح معارضوها أكثر نشاطا في مقارعتها. وهكذا في حال النجاح في إقناع الجمهور؛ قد يؤدي السلوك الذي حفزته النبوءة إلى انهيار فعلي للحكومة التي لم تكن مهددة فعليا وقت إطلاق النبوءة.
التضليل
إن صحت تسمية التضليل استراتيجية؛ فالأفضل أن نسميها "الاستراتيجية الداعمة"، حيث يلجأ الساسة عن طريق آلتهم الدعائية إلى التضليل عند محاولة شيطنة الخصم، وعند اللجوء إلى إثارة الشك أو إلى تصدير نبوءة. تستند عمليات التضليل بالدرجة الأولى إلى الاستثمار بالثقة التي يوليها الجمهور للمصادر الغربية، سواء على مستوى الإعلام أو الخبراء أو المحللين والكتاب، أو مراكز الدراسات، إذ يتم استثمار هذه الثقة بطرق ملتوية للوصول إلى النتيجة التي يرغبون أن يصلوا إليها.
يعد الاستشهاد بما تكتبه الصحافة الغربية بانتقائية فجة أهم أشكال التضليل، حيث يتم نقل ما يثبت وجهة النظر التي تروج لها الجهة المضلِلة فقط، بينما يُغض الطرف تماما عما هو خلاف ذلك. وفي بعض الأحيان يلجأ المضلِل إلى أسلوب التدليس الذي يتجلى بعدة أشكال؛ كأن يتم التلاعب بترجمة النص مثلا، أو حذف أجزاء منه بحيث يصبح محتواه مغايرا لمحتوى النص الكامل، وفي بعض الأحيان يبالغ المدلس لدرجة تصل به إلى أن ينسب نصا أو تصريحا مختلقا لشخصية شهيرة لا علم لها به.
أخيرا؛ كل الاستراتيجيات التي تطرق إليها المقال تستخدم بكثرة من قبل الفرقاء المتصارعة في لعبة السياسة السورية، ولكن الملفت، وعلى غير المتوقع، أنها تستخدم بحرفية أكثر من قبل الفرقاء المناهضة للحكومة، ولا أحد يعلم إن كان ذلك عائدا لإشراف جهات أجنبية على الحرب الإعلامية التي تخوضها القوى المناهضة للحكومة، أم أنه يعود لبقايا خبراء النظام البائد وبقايا جيوشه الإلكترونية المدربة، أو ربما يعود للاثنين معا. وهذا الحكم وجهة نظر تعتمد على الملاحظة التي قد تصيب وقد تخطئ.