اخر تحديث
السبت-13/09/2025
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أسماء شهداء الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
قطوف وتأملات
\ نظرات تأملية في قصة ملإ بني إسرائيل ونبي لهم
نظرات تأملية في قصة ملإ بني إسرائيل ونبي لهم
13.09.2025
الدكتور عثمان قدري مكانسي
قطوف وتأملات
نظرات تأملية في قصة ملإ بني إسرائيل ونبي لهم
أ.د: عثمان قدري مكانسي
(ألم ترَ إلى الملإ من بني إسرائيل) :
دعوة إلى التأمل والتدبر ، للعظة والعِبرة ، فرسول الله محمّدٌ صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم بالقصة قبل نزولها ،إن في القصة مواقف تربوية اجتماعية دعوية سياسية وقيادية.
لعل أشراف يهود في عهد نبي كريم جاء بعد موسى عليهما السلام نُكبوا بعدو قاهر قتل منهم بعضَ رجالهم وسلبهم ديارَهم وأبناءهم ، فعاشوا في غربة قاسية دعتهم إلى رصِّ صفوفهم تحت قيادة رجل منهم ليستعيدوا ما فقدوه، وكأن ملكهم قتل، فاجتمعوا يختارون من بينهم من يقودهم في جهادهم ، فلم يقفوا على أحد لأن فيهم عدداً ممن تشوّفوا للقيادة فاختلفوا، فطلبوا من نبيهم أن يختار ملكهم بعد ان فشلوا هم في ذلك،
وإذا أحسنّا الظنّ بالملإ منهم قلنا إن إيمانهم بربهم ووجودَ نبيٍّ كريم بينهم جعلهم يطلبون من نبيهم أن يختار لهم ما عجزوا عنه كما أن القيادة الدينية أحرى أن يكون لها الدور الأكبر في ذلك، وبهذا يضطر المتنافسون ان يقبلوا اختيار النبي، فاختياره أتمُّ وأكمل ويجعل للتنافس بينهم حداً لا يتجاوزونه فتنتفي الحِدّة بينهم ويتراضى المتنافسون.
ولعلنا نستمتع بالصورة التمثيلية في الآية الأولى بطلب القوم من نبيهم ، فكأننا نسمع المحاورة بينهم وبينه ، ونرى مجلسهم أمامه يعُج بالحركة والحديث والسؤال والجواب.
وكأنني أرى النبي الكريم يشُك في دعواهم للجهاد في سبيل الله لأنه رآهم هربوا من ديارهم تحت وطأة القتال الأوّل ، وتركوا نساءهم وأبناءهم وديارهم يحوزها عدوُّهم ، فقال لهم ( هل عسيتم إن كُتب عليكم القتالُ ألّا تقاتلوا) فقد خبِرَهم وعاين ضعفهم وأنهم سيتخلّون عن القتال كما فعلوا سابقاً ، وأعتقد أن هذا السؤال بالإضافة عدم قناعته بصدق ادعائهم يحمل في طياته التوثيقَ وبذلَ العهد والتشجيعَ على القتال والثبات في المعركة، فبذلوا له الوعود وتعللوا بأنهم سيبذلون كل جهدهم لاسترداد ما فقدوه ومحو العار الذي لزمهم فأكدوا بصيغة السؤال الذي لا يحتاج جواباً (وما لنا ألّا نقاتل في سبيل الله ، وقد أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا)؟!
هؤلاء نكصوا حين أمِروا بالقتال، وكانوا قد أظهروا الرغبة والعزم فتوَلّى أكثرُهم هرباً وانكشافاً، ونتساءل : هل يليق بالمرء وقد وعد وعاهد أن يتخلّى عما عاهد عليه؟! كان أولى بهم ان لا يفعلوا ذلك وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون ذلك! ولماذا العهد والميثاق ابتداءً؟!، هؤلاء ظلموا أنفسهم مرتين : الأولى حين هربوا أمام عدوهم ورضُوا ان يلسبهم عدوه شرفهم وعرضهم وأموالهم، والثانية حين انكشف موقفهم الكاذب وضعفُهم، فرَضُوا بالدونية ولبسوا ثوب المهانة . ولعل قوله تعالى (والله عليم بالظالمين) يعني أن الله تعالى يعلم خبيئة نفوسهم وذلتَهم ويريد أن ينكشف أمرهم فلا يبقى لهم عذر يعتذرون به.
طلبوا من نبيّهم أن يختار لهم ملكاً عليهم، فأجابهم أن الله اختار طالوت ملكاً ، لو أنه قال اخترتُ طالوتَ ما كان لهم أن يعترضوا فهو نبيهم ، وهم من سألوه أن يختار ، لكنه عليه السلام أخبرهم أن الله تعالى اختار الملك . ولئن اعترضوا على اختيار نبيهم – وهذا لا ينبغي أن يكون – فإنه أخبرهم أن الله تعالى هو اختار ملكهم ، فمن باب أولى أن يذعنوا ويرضوا بمن يختاره الله تعالى ، ولكنهم اعترضوا على ما اختاره المولى سبحانه ، وهذا دأب يهود مذ وجدوا لفساد دينهم وسوء طويتهم.
إن صفات الملك عند هؤلاء أن يكون شريفاً ذا نسب بينهم وأن يكون غنياً ، إنهما شرطان لا بد منهما عند المادّيين اليهود ! وعوامل المُلك عند الله تعالى أن يكون قوياً مادة ومعنى، وأن يكون عالماً بدينه ودنياه بالإضافة إلى الشرف والنسب ، وليس للمال تلك المكانة التي يدّعونها. فاصطفاه الله وفضله عليهم قوة في الجسم ووفرة في العلم، وهاتان صفتان أساسيتان في الحكم ،
ولأنه ذو شرف ونسب لم يصرحوا بالنَّسبِ وتناسَوه، لكنهم صرّحوا بأنه اقل منهم مالاً و لم يُؤت سعة من المال ، وهذا يؤكد أنه ذو مال ، ولكنه لم يكن غنياً مثلهم، فقالوا (ولم يؤت سعة من المال).
اعترضوا على اختيار الله تعالى مما يدل على تفاهتهم وسوء تقديرهم، ولا ننسَ أن الله سبحانه عالم الغيب والشهادة يعلم ما يفيد فوهب طالوتَ المُلكَ ، وكان أهلاً لذاك.
ولأن الله سبحانه اختاره ثبّت الأمر بانتزاع آثار النبيين الكريمين موسى وهارون من ايدي الأعداء حملتها الملائكة على أعين الناس جميعاً.
ينبغي للجيش أن يكون مطيعاً لقائده ، فإذا خاض معركة كان لُحمة قوية وبناء ثابتاً وهمّة قوية ، فلا بد من تنقيته من الشوائب . إن القلّة المتماسكة خير من الكثرة المتهاوية، ولا بدّ قبل المعركة من الاختبار والتمايز. فكان اختبار الطاعة والالتزام أن يصبر الجنود على عطشهم والماء بين أيديهم فلا يشربون منه، فإذا نازعتهم أنفسهم فلا بأس أن يرشفوا رشفات قليلة تُسكن بعض ظمئهم وتدل على حُسن طاعتهم والتزامهم ، وسماح القائد لهم بذلك يدل على حكمته ورجاحة عقله ويدل على سعة إدراكه ، ويتأكد من طاعتهم دون أن يكلفهم شططاً. إن النهر أمامعم وهم عِطاش.
شرب أكثرهم ، فظلموا أنفسهم إذ تنكبوا عن الوعد الذي بذلوه لنبيهم، وضعفوا فلم يصبروا . وجنود لا يطيعون ولا يصبرون سهام تؤذي الصديق قبل العدو ، فلا ينبغي أن يكون هؤلاء في جيش يقاوم عدوّاً شرساً ، إنهم سيكونون –لا شك– وبالاً وسبباً في الخسارة الكبيرة ، فليُطردوا ، ليس لهم مكان بين الصابرين.
لم يتعدّ الصابرون ثلاث مئة وأربعة عشر مقاتلاً ، هذا ما تبَقّى من الجيش العرمرم، فهل يمتنع طالوت عن القتال ويعود أدراجه؟! أم يصبر ويتكل على الله فالنصر نصرُ الله سبحانه؟ وهذا يذكرنا بعدد المسلمين في غزوة بدر ، إنه هو! إن هذا العدد نفسه، وسيتكرر العدد ذاته في القلة المؤمنة بقيادة المهديّ آخرَ الزمان، فما سِرُّ هذا العدد؟
هؤلاء قالوا : (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وفي بدر قال بعض المسلمين ذلك، وجادلوا النبي صلى الله عليه وسلم (يجادلونك في الحق بعدما تبيّن ، كأنهم يُساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، وكما ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أمام جحافل قريش وقال "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد بعد اليوم" وجاهدَ الكفرَ وأهله فكان النصر حليفه قال المؤمنون وطالوتُ معهم (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين) إن الإيمان بالله ثم الإصرار والعزيمة تبعث القوة في النفوس فيكون النصر بإذن الله حليف المؤمنين. إنها القاعدة التي لا تتغير على مر الدهور وكرِّ العصور .
وكانت النتيجة النصرَ المبين حين قتل نبيُّ الله داودُ تعدوَّ الله جالوتَ ، وكان الفوز دائماً للمؤمنين.