الرئيسة \  تقارير  \  مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟

مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟

26.05.2025
فاطمة ياسين



مَن نقَل الجولاني إلى الانفتاح؟
زوايا      
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 25/5/2025
ظهرت في الأيام الماضية محاضرة لدبلوماسي أميركي سابق، دعمتها تقارير، تفيد بأن أحمد الشرع تلقّى تدريبات من نوع خاص، وأن شخصيته الحالية المنفتحة على العالم تعود إلى دروس حضرها بانتظامٍ خلال سنوات وجوده في إدلب.. تنطلق هذه الطروحات من أن الشرع شخصية "ممنتجة"، جرى التلاعب بها عن طريق التغذية الإعلامية، والتثقيف الكثيف، كي ينتقل من حالة الجهادي الذي يؤمن بفكر القاعدة العنيف، والمتطرّف الذي يكفّر الآخر، إلى رجل متفهم للحاجات الدولية ومطالب المواطن في الداخل، ويستوعب وجود مذاهب وأديان ثانية، عليه النظر إليها مكوّناً وطنياً، يمكن أن يساهم في عملية البناء.. تبدو المهمة كما جرى عرضها صعبة جداً، فهي أشبه بعملية تغيير دماغ يجري فيها فتح الجمجمة والعبث بالمكوّن الفكري لتعديل مساره بالاتجاه المرغوب.. عرض المهمّة بهذا الشكل يحمل تدليساً ما، وربما كذباً واضحاً، لأسباب عديدة، منها طبيعة العلاقة التي جمعت أبو محمد الجولاني بالغرب عموماً، ووجوده على قائمة مطلوبين، وتصنيف جماعته ضمن قوائم الإرهاب.
صرّح الجولاني سابقاً إنه يحاول الاتصال بالغرب، وبشكل صريح تحدّث إلى صحافي أميركي يدعى مارتن سميث في مقابلة نشرها موقع "فرونت لاين" في بدايات عام 2021، تحدّث فيها عن ثورة ضد نظام الأسد، يحاول تنظيمها وتحديثها ورعاية كل لاجئيها. وكان صريحا منذ السؤال الأول حين أجاب بأن هذه المنطقة لا تشكل أي تهديد لأوروبا وأميركا، في رسالة بالغة الوضوح، إن ما يحدث هو حرب ضد ديكتاتور يعرفه الغرب جيّداً.. وبالفعل، لم يُسجَّل أي هجوم خارج الحدود السورية لهيئة تحرير الشام. وأظهر زعيمها الجولاني وجهاً مثيراً للدهشة عندما قال للصحافي إنه ومجموعته جزء من الثورة السورية، وقد اعترف بوجود فصائل أخرى تحمل التطلعات نفسها، وتنطلق من جبهاتٍ أخرى، فلم يتّهمها ولم يتحدّث عنها بسوء، بل قال إنها مثل تنظيمه تتطلع إلى الهدف نفسه.
واجهه الصحافي بسؤالٍ ظن أنه مُحرج عندما قال له إنه في العام 2014 تعهد بمحاربة الولايات المتحدة وحلفائها، وسأله: هل تغيّرت؟ لم يتنصل الجولاني من الاتهام، ولكنه عدّله بما ينسجم مع الوضع الذي أصبح عليه بقوله: لقد وجّهنا انتقادات للولايات المتحدة بالفعل، ولكننا لم نقل إننا سنهاجمها من سورية.. في تلك اللحظة، كانت شخصية أحمد الشرع قد اكتملت ووضعت خلفها الجولاني إلى الأبد، ولا يمكن لهذا النضوج السياسي المستوعِب متطلبات تلك المرحلة، وما سيليها، أن يكون قد تلقاه في محاضراتٍ أو جلسات تدريس، بل هو حالة طبيعية انطلقت من نقطةٍ وتطوّرت بفعل ما واجهته من ظروف صقلتها وبلورت فيها فكراً آخر. ولم تكن تركيا بعيدةً عن إدلب، عاصمة الجولاني، وقد رأى فيها وجهاً آخر للدولة التي يتطلع إلى بنائها، ما ساهم في تحوّل تلك الشخصية الجهادية التي تركت رداء حركة طالبان، ولبست ثوباً حديثا، واستطاعت التأثير على كل رؤوس التنظيم وحتى التنظيمات الأخرى المتحالفة معها، لتعديل الرؤية المتطرّفة نحو منظور وطني موحّد، وهو أمر لا يقدر عليه أي محاضرٍ أو خبيرٍ تنمية بشرية.
الغرض مما تروّجه تلك الشخصية الغربية مصادرة إنجازات سورية محضة، وعدم التطلّع إلى بروز حالاتٍ جديرةٍ بالملاحظة، قادرة على تحمّل المسؤولية، وعلى قدر كبير من فهم سياسية المنطقة، وقد خرجت من رماد الواقع ذاته الذي كان يغلي بالعنف والتطرف القائم على التديّن الأعمى والراديكالية الراغبة بالانتقام من الأطراف الأخرى، وتجاوزت ذلك كله بعمليةٍ اجتماعيةٍ وحقوقيةٍ أفرزت العدالة الانتقالية، وحملةٍ سياسيةٍ كبرى عبرت عواصم العالم، واتصلت بأطرافٍ عربيةٍ وإقليمية للمساهمة في رفع العقوبات بشكل كامل عن سورية، ولم يبق إلا أن تبرهن للجميع بأنها أصلية، غير مفبركة بالتغذية بالمحاضرات، وذلك بإطلاق شرارة تنمية وطنية حقيقية كبرى تصل بسورية إلى التغيير المنشود.