الرئيسة \
تقارير \ موقوفون بلا محاكمات ولا حقوق: ملف المعتقلين السوريين في لبنان ينفجر بالصمت
موقوفون بلا محاكمات ولا حقوق: ملف المعتقلين السوريين في لبنان ينفجر بالصمت
02.08.2025
يحيى الصديق
موقوفون بلا محاكمات ولا حقوق: ملف المعتقلين السوريين في لبنان ينفجر بالصمت
يحيى الصديق
سوريا تي في
الخميس 31-7-2025
في زاوية مظلمة من المشهد اللبناني، بعيدًا عن صخب السياسة وتراشق الاتهامات، يقبع مئات الموقوفين السوريين في سجون البلاد، وعلى رأسها سجن رومية المركزي، في ظروف يُمكن وصفها بأنها إعادة إنتاج محليّة لجحيم صيدنايا. لا محاكمات عادلة، لا حقوق قانونية، لا تغطية إعلامية، ولا اهتمام جديا من الدولة اللبنانية أو المجتمع الدولي. إنها مأساة مستمرة ومقصية عن الضوء، تُهدد بانفجار حقوقي–سياسي إذا استمر الصمت على هذا الملف المفتوح على كل أشكال الانتهاك.
شهادات من داخل الزنازين وتقارير حقوقية موثقة تثبت أن ما يحدث يتجاوز مجرد احتجاز عشوائي، ليتحول إلى ممارسة ممنهجة للعنف والتعذيب والإذلال. ومن خلال هذا التحقيق، ننقل شهادة حصرية من موقوف سوري في سجن رومية يكشف فيها معاناته، إلى جانب قراءة قانونية وحقوقية للوضع، وأبعاد سياسية غير معلنة لهذا الملف المتفجر.
"افعلوا أي شيء من أجلنا": شهادة موقوف سوري
الاعتقال الأول: "منشور كلّفني عمري" يروي أحد المعتقلين السوريين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أنه اعتُقل للمرة الأولى في آذار/مارس 2023 من قبل شعبة المعلومات، بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي التي انتقد فيها أوضاع اللاجئين في مخيمات عرسال، وعبّر عن مخاوفه من العودة الطوعية إلى سوريا.
خلال خمسة أشهر، احتُجز في أحد مراكز التحقيق التابعة للشعبة، حيث تعرّض لتعذيب شديد شمل "البلانكو"، والفلقة، والتجويع، إضافة إلى تهديدات باعتقال خطيبته وتسليمه للنظام السوري. وُضع في الحبس الانفرادي، وطُلب منه تحت الإكراه الكشف عن أسماء صحفيين تواصل معهم لنقل شهادات عن انتهاكات الأجهزة الأمنية اللبنانية بحق اللاجئين.
الاعتقال الثاني: "استخدموا عائلتي سلاحاً ضدي" بعد خروجه من السجن بفترة قصيرة، وفي تموز/يوليو 2024، اعتُقل مجددًا من قبل الجهة نفسها، بناءً على تهم مشابهة تتعلق بـ"النشاط الإعلامي والتحريض ضد الدولة". غير أن وسيلة الضغط هذه المرة كانت أكثر قسوة: تم توقيف والده وشقيقه، وهددوه بتعذيب والده أمامه إن لم يعترف.
يقول المعتقل لموقع تلفزيون سوريا: "لم أعد قادرًا على التحمّل. أجبِرت على الاعتراف بتواصلي مع صحفيين عرب وأجانب. كما قلت لهم إنني كنت على تواصل مع ضباط منشقين من الجيش السوري، كانوا أصدقائي قبل الثورة."
بناءً على هذه الاعترافات المنتزعة، وُجهت إليه تهمة "التواصل مع إرهابيين" والانتماء لـ"المجلس العسكري الثوري في سوريا".
"نموت ببطء... لا أحد يتذكّرنا" في حديثه عن ظروف الاحتجاز، يؤكد المعتقل أن السجناء السوريين يعيشون في أوضاع مزرية: "نُحتجز في زنازين مكتظة، من دون تهوية أو رعاية صحية. الطعام سيئ، والماء شحيح. الأمراض تنتشر. وهناك مَن ماتوا بسبب غياب الدواء."
ويختم بالقول: "أحمّل الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية، لكن أيضًا أحمل المسؤولية لرفاق السلاح في سوريا الذين أصبحوا اليوم في موقع القرار.. لقد نسونا.. تركونا نواجه مصيرنا وحدنا".
رغم الدعوات والاحتجاجات.. مجلس النواب اللبناني يؤجل البت بقانون السجون
قراءة قانونية وحقوقية
التقى موقع تلفزيون سوريا بالمحامي اللبناني محمد صبلوح، المتخصص في قضايا التعذيب وحقوق الموقوفين، والذي كشف عن أرقام ومعلومات تؤكد ما ذهب إليه المعتقل.
وأفاد صبلوح بأنه"في سجن رومية وحده، هناك ما لا يقل عن 170 سوريًا يُعتبرون معتقلي رأي، بينما يبلغ العدد الإجمالي للموقوفين السوريين في لبنان أكثر من 2000، معظمهم لم يُدانوا بجرائم مثبتة. التهم غالبًا ما تكون ملفقة، والاعترافات تُنتزع تحت التعذيب،" يقول صبلوح.
ويتابع: "هناك من اعتُقل فقط لأن هاتفه يحتوي على منشورات تنتقد النظام السوري. ومنهم من تم توقيفه لمجرد عبوره من سوريا إلى لبنان خلال موجة النزوح في 2012، رغم امتلاكه أوراقًا قانونية."
صبلوح يشير إلى تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، أبرزها تقرير بعنوان "كما تمنيت أن أموت" (24 آذار 2021)، يوثق أساليب تعذيب تُستخدم ضد السوريين في لبنان، منها الصعق بالكهرباء، الضرب في المناطق الحساسة، التهديد بالاغتصاب، والحرمان من الطعام والدواء.
ويكشف صبلوح عن حالة انتحار حصلت في الخامس من الشهر الحالي: "السجين السوري محمد أشرف انتحر بعد أن رفضت إدارة السجن إدخال دواء لعلاج مرض الصدفية، رغم تدهور وضعه الصحي."
البُعد السياسي: رهائن في لعبة نفوذ
من جهة أخرى، يشير صبلوح إلى أن ملف الترحيل الذي نشط في عهد الوزير السابق بسام مولوي، أدى إلى إعادة عدد من المعتقلين إلى سوريا، حيث تم إعدام البعض منهم في سجن صيدنايا، وفق شهادات أسرهم. اليوم، توقف هذا المسار دون إعلان رسمي، ما يفتح باب التكهنات حول وجود صفقات سرية أو صراع بين الأجهزة.
ويقول صبلوح: "رئيس الحكومة اللبناني كان متفهمًا، لكن العرقلة تأتي من جهات أمنية نافذة تتحكم بمفاصل الدولة.. هناك من يريد إبقاء الملف مفتوحًا لاستثماره سياسيًا."
خرق واضح للقانون الدولي
وفقا لصبلوح فإن ما يجري في رومية وخارجها يُعد خرقًا فاضحًا للاتفاقيات الدولية:
• المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر التعذيب والمعاملة القاسية.
• اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقّع عليها لبنان عام 2000، تُلزم الدولة بمنع كل أشكال الإيذاء الجسدي والنفسي.
• مبدأ عدم الإعادة القسرية (Non-refoulement) يمنع ترحيل أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب أو الموت.
ورغم هذه الالتزامات، لا تزال الأجهزة اللبنانية تحرم المعتقلين من أبسط حقوقهم، بما في ذلك الاتصال بمحامٍ أو زيارة الأهل.
والملف لم يعد محصورًا بجدران السجن، بل بات قنبلة موقوتة داخل الدولة اللبنانية نفسها؛ استمرار الصمت، وتجاهل المؤسسات الرسمية، وتواطؤ بعض القوى الأمنية، سيقود، وفقا لصبلوح، عاجلًا أو آجلًا إلى مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، وربما مع المجتمع اللبناني نفسه حين يتكشّف كل شيء.