الرئيسة \
تقارير \ من هو فادي صقر الذي فجر "السلم الأهلي" السوري ... وما علاقته بإيران وروسيا؟
من هو فادي صقر الذي فجر "السلم الأهلي" السوري ... وما علاقته بإيران وروسيا؟
14.06.2025
صبحي فرنجية
من هو فادي صقر الذي فجر "السلم الأهلي" السوري ... وما علاقته بإيران وروسيا؟
صبحي فرنجية
المجلة
الخميس 12/6/2025
قنابل كلامية تفجرت أمس في المؤتمر الصحافي الذي عُقد الثلاثاء 10 يونيو/حزيران الجاري في دمشق، والذي عقده كل من عضو "اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي" حسن صوفان، والمتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا. وذلك للوقوف على آخر مستجدات عمل اللجنة، إضافة إلى توضيح مقاصد القرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من الضباط في جيش النظام السابق والتي تمت خلال العيد.
أبرز تلك "الألغام" كان إعلان حسن صوفان أن قائد ميليشيات "قوات الدفاع الوطني" في دمشق فادي صقر "قد أُعطي الأمان من قبل القيادة" بدلا من توقيفه بناء على تقدير المشهد، وقال أيضا: "نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمّن استقرارا نسبيا في هذه المرحلة"، كما أكد أن العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة، وهو ما أثار كثيرا من التساؤلات حول طبيعة الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي قصدها صوفان إن كانت لا تشمل فادي صقر.
غضب "صحافي" شهده المؤتمر، حيث انهال الصحافيون السوريون بالتعليقات على قرار إعطاء الأمان لفادي صقر، ليتبعه غضب واسع بين أوساط السوريين على "السوشيال ميديا" الذين استنكروا أي قرار بالعفو عن المجرمين وعدّوا أن قرارات كهذه سيكون لها دور سلبي جدا في تحقيق العدالة للسوريين. كما انتشر الغضب بين أوساط المدنيين في سوريا وسط دعوات لوقفات في العاصمة دمشق يوم الخميس 12 يونيو/حزيران الجاري تحت عنوان "لا سلام مع الإفلات من العقاب"، وذلك تنديدا بالقرارات التي تُعطي الأمان لشخصيات ارتبط اسمها بنهج القمع والقتل الذي نفذه نظام الأسد ضد السوريين.
وعلى الرغم من أن حسن صوفان ونور الدين البابا حاولا خلال المؤتمر عدة مرات إيضاح أن قرار الدولة السورية إعطاء الأمان لفادي صقر-وربما لغيره- جاء نتيجة الدور الذي لعبوه في تسهيل انهيار النظام السوري والوصول إلى العاصمة السورية بأقل الخسائر البشرية والبنيوية، فإن ذلك لم يكن له وقع مخفف للصدمة التي اعترت وجوه الحاضرين والمشاهدين للمؤتمر.
يُعد فادي صقر أحد أهم "مهندسي عمليات القتل الممنهج" التي تمت في حي التضامن بدمشق عام 2013، فقد قامت قواته بإعدامات ميدانية للمدنيين وتصويرها كنوع من المتعة وإظهار الولاء والبطولة
من هو فادي صقر؟
هو فادي مالك أحمد، من مواليد مدينة جبلة في ريف اللاذقية، أُطلق عليه اسم "فادي صقر" بين جماعته للدلالة على قوته، كما أُطلق عليه اسم "صقر الدفاع الوطني" كونه كان أحد قياديي "قوات الدفاع الوطني" الميليشيا المعروفة بعنفها بين السوريين، والمعروفة أيضا بتعدد ولاءاتها، فهي كانت توالي الروس في دير الزور، وتوالي الإيرانيين في الحسكة والقامشلي، وتخدم أجندات الطرفين في ريف دمشق والجنوب. وقد تضاربت الأنباء حول ولاء فادي صقر في زمن النظام، فالبعض قال إنه أحد "مهندسي مد النفوذ الإيراني" في منطقة دمشق وريفها، في حين يرى آخرون أن نفوذه يمتد من ولائه للروس. ولعل هذا التضارب يأتي من كون فادي صقر كان يلعب على حبل رفيع بين الطرفين، فهو ظهر في عدة مناسبات مع ضباط روس، وفي مناسبات أخرى مع إيرانيين.
فادي مالك أحمد الملقب بـ "فادي صقر"، قائد ميليشيات "قوات الدفاع الوطني" في نظام الأسد.
يُعد فادي صقر أحد أهم "مهندسي عمليات القتل الممنهج" التي تمت في حي التضامن بدمشق عام 2013، والتي راح ضحيتها أكثر من 280 مدنيا، فقد قامت قواته بإعدامات ميدانية للمدنيين وقاموا بتصويرها كنوع من المتعة وإظهار الولاء والبطولة. كما ظهر فادي صقر في فيديوهات وهو يأمر بتوجيه المدافع نحو منطقة الحجر الأسود قرب دمشق، ويُشرف على إطلاقها.
بقي فادي صقر يقود "قوات الدفاع الوطني" حتى بدأ تدريجيا منذ عام 2020 التحول إلى مجال الأعمال التجارية، مستغلا سلطته كأحد أبرز قياديي "الدفاع الوطني" في سوريا، كما يرى البعض أن توجه فادي صقر إلى التجارة جاء نتاج حجم الأموال التي كسبها من عمليات سرقة المنازل في المناطق التي هجرها أهلها، وهي العمليات التي يُطلق عليها السوريون اسم "التعفيش"، ووفق المعلومات فإن فادي صقر كان المالك الحقيقي لمول "بيغ فايف"، على الرغم من أن العقار يعود إلى بلال نعال، الواقع في منطقة الميدان بدمشق، قبل أن تقرر محافظة دمشق وضع يدها عليه عام 2023 في قضية أثارت كثيرا من الجدل حينها في أوساط النظام السابق بشار الأسد.
وفي شهر أغسطس/آب من عام 2020، وضعت الإدارة الأميركية اسم فادي صقر على لوائح العقوبات. وقد شمل قرار وزارة الخزانة الأميركية حينها كلا من فادي صقر، ولونا الشبل المستشارة الإعلامية لبشار الأسد والتي ماتت في ظروف غامضة في يوليو/تموز 2024 إثر حادث سير، وزوج الشبل محمد عمار ساعاتي. وبحسب وزير الخارجية الأميركية حينها، فإن وزارة الخارجية فرضت عقوبات على قيادات عدة وحدات عسكرية سورية، بما في ذلك قائد "قوات الدفاع الوطني" فادي صقر، بسبب جهودهم لمنع وقف لإطلاق النار.
الحكومة السورية اليوم أمام امتحان ليس سهلا للحفاظ على التوازن وإرضاء الشعب السوري الذي عانى على مدار السنوات الماضية من أعتى أنواع القتل والتعذيب والتشريد الممنهج
كما زاد التركيز على اسم فادي صقر بعد أن نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقا في عام 2022 كشفت فيه النقاب عن عدة فيديوهات تُظهر عناصر للنظام السوري ينفذون إعدامات ميدانية لمدنيين في حي التضامن الدمشقي، حيث كان لفادي صقر دور كبير في العمليات العسكرية التي نُفذت في الحي حينها. الفيديوهات كانت صادمة وتعكس عمليات قتل بدم بارد ودون خوف أو تعاطف مع الضحايا الذين كان يتم جلبهم معصوبي العينين ليتم إطلاق الرصاص عليهم وهم متجهون دون دراية إلى حفرة امتلأت بإطارات السيارات، وهو ما يُشير إلى نية العناصر حرق الجثث بعد الانتهاء من عمليات القتل الجماعي.
الحكومة السورية اليوم أمام امتحان ليس سهلا للحفاظ على التوازن وإرضاء الشعب السوري الذي عانى على مدار السنوات الماضية من أعتى أنواع القتل والتعذيب والتشريد الممنهج، فهي أعطت الأمان لفادي صقر- وربما شخصيات أخرى مثله- ضمن تفاهمات تزامنت مع عملية "ردع العدوان" التي أسفرت عن إسقاط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أو عمليات الوساطة التي تتم في الوقت الحالي في منطقة الساحل السوري ومناطق أخرى لحقن الدماء، لكن وعدَ الأمان هذا يصطدم بالغضب الشعبي الذي ينادي بإنصاف الضحايا من جهة، ووجود أطراف تنتظر الفرصة المناسبة لخلق الفوضى واستغلال أي ثغرة أمنية أو اجتماعية لزعزعة الاستقرار من جهة ثانية.