الرئيسة \  تقارير  \  من لبنان إلى سوريا والعراق : سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة

من لبنان إلى سوريا والعراق : سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة

24.06.2025
بلقيس عبد الرضا



من لبنان إلى سوريا والعراق : سيناريوهات سوداوية لاقتصادات المنطقة
بلقيس عبد الرضا
المدن
الاثنين 23/6/2025
يزداد المشهد الاقتصادي العالمي ضبابية، مع استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران لا سيما بعد دخول الولايات المتحدة الأميركية مباشرة على خط الاستهداف... وسط غياب أي أفق حالياً لتسوية الصراع بين الجانبين. ما يعني أن الخيارات العسكرية لا تزال متقدمة، وهذا ما يؤدي إلى حصول ارتدادات لا تطال اقتصادات كل من إيران وإسرائيل فحسب، بل أيضاً المنطقة والاقتصاد الإقليمي والعالمي.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في الثالث عشر من حزيران، بدأت الأسواق العالمية بإظهار حساسية مفرطة تجاه أي تطوّر ميداني، تمثّلت بارتفاع حاد في أسعار النفط، وتذبذب البورصات، واضطراب سلاسل الإمداد. في هذا السياق، تطرح تساؤلات جوهرية حول مصير الاقتصاد العالمي، ومقدار تأثر دول المنطقة بهذا النزاع المفتوح.
النفط والغاز على خط النار
تُجمع تقديرات مراكز الأبحاث والمؤسسات المالية على أن استمرار الحرب أو توسعها سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وسط ترجيحات بوصول برميل النفط إلى 130 أو حتى 150 دولاراً، بحسب "جي بي مورغان" و"آي إن جي". ويتوقّع أن تشهد أسعار الغاز الطبيعي قفزات مماثلة، خصوصاً إذا استُهدفت منشآت الإنتاج أو تعطلت الإمدادات في الخليج، أو أُغلق مضيق هرمز، ما سيفاقم أزمة الطاقة عالمياً ويرفع معدلات التضخم.
ومن المحتمل أن تزيد تلك التقديرات تشاؤماً مع اقتراب إيران من اتخاذ قرار إغلاق مضيق هرمز، عقب استهداف واشنطن لمنشأتها النووية.
الطيران وأزمة النقل البحري
توقفت العديد من شركات الطيران الدولية عن تسيير رحلاتها إلى وجهات في الشرق الأوسط، مع إعلان بعض الدول إغلاق أجوائها جزئياً أو كلياً. هذا الانكماش في حركة النقل الجوي انعكس سلباً على أسهم شركات الطيران، التي سجلت تراجعاً بين 3.7 في المئة و10 في المئة، مع توقعات بتكبّد خسائر إضافية إذا استمر التعليق أو توسّع نطاقه.
ويضع التصعيد في المنطقة مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 30 في المئة من تجارة النفط العالمية، في دائرة الخطر. فتهديدات إيران الجدية بإغلاق المضيق تُثير قلقاً حقيقياً من تعطّل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الشحن البحري، وخسائر فادحة في التجارة الدولية، لاسيما بعد توصية مجلسا لشورى الغيراني في السعاات الماضية بإغلاق المضيق وترك القرار للمجلس الأعلى للأمن القويمي، ما يرفع من تهديد الأمن الاقتصادي للمنطقة والعالم.
تأثيرات الحرب على اقتصادات المنطقة
تأثيرات الحرب نبدأ من مصر التي تأثرت فيها البورصة سلباً، ومنيت بخسائر تجاوزت 90 مليار جنيه (نحو 1.8 مليار دولار)، فيما تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار وسط موجة بيع، مع تحمّل الموازنة أعباء إضافية بفعل ارتفاع أسعار النفط. كما ألغت شركات سياحية أجنبية عديدة رحلاتها إلى مصر، ما يهدد موسم الصيف، ويعني خسائر محتملة في السياحة والدولار السياحي. وإذا توسعت الحرب لتشمل الملاحة، فإن عائدات قناة السويس ستكون مهددة بالتراجع.
من جهته، يواجه الأردن أزمة بالأمن الطاقوي، إذ يعتمد الأردن بشكل كبير على استيراد الغاز لتوليد الكهرباء. ومع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، من المتوقع أن ترتفع كلفة الإنتاج، وتتحمل شركة الكهرباء الوطنية أعباء إضافية، ما قد ينعكس على تعرفة الكهرباء للمواطنين. السياحة، التي تُعد رافعة أساسية للاقتصاد الأردني، تتأثر أيضاً بتعليق الرحلات وإغلاق الأجواء.
أما لبنان فيعاني تداعيات مزدوجة، فالبلد يعاني أساساً من أزمة اقتصادية خانقة، ويشكل ارتفاع أسعار الطاقة تهديداً مباشراً للقطاعات الإنتاجية والخدمية. تراجع الرحلات الجوية من وإلى بيروت، وتوقف شركات طيران عن العمل في الأجواء اللبنانية، يعيدان التذكير بحساسية الاقتصاد اللبناني تجاه الاستقرار الإقليمي، خاصة في قطاع السياحة الذي يشكل شرياناً حيوياً للبلاد.
أما سوريا ورغم التخفيف الدولي التدريجي من العقوبات، وتنامي الحديث عن إعادة الإعمار، جاءت الحرب لتضع حداً مؤقتاً لهذه الفرص. تراجعت الليرة السورية بنسبة 10 في المئة خلال أيام، ما يعني مزيداً من التضخم، وسط عزوف المستثمرين عن الدخول إلى الأسواق السورية، وتوقف النشاط السياحي الواعد.
وليس العراق بأفضل حالاً، فالعراق يعتمد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وأي استهداف للمنشآت الإيرانية يعني نقصاً حاداً في الإمدادات. كما أُغلقت المطارات العراقية وتوقفت حركة الطيران، بينما تراجع الدينار مقابل الدولار، وسط مخاوف من تضخم جديد يطال المواد الغذائية المستوردة من إيران.
ورغم عدم دخول دول الخليج بشكل مباشر في الحرب، فإن بورصاتها كانت من أوائل المتأثرين. شهدت مؤشرات الأسواق في السعودية والكويت وقطر والإمارات تراجعات قوية، مع تسجيل انخفاضات في بورصة الكويت بلغت دفعت إلى تعليق التداول في وقت سابق. كما سجل مؤشر أبوظبي أدنى مستوياته خلال 7 أسابيع، ومؤشر سوق دبي تراجع لأدنى مستوياته خلال شهر.
وفي حال استمر الصراع أو توسع ليشمل سلاحاً نووياً أو استراتيجياً، فإن المنطقة بأسرها ستواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية غير مسبوقة، تهدد استقرارها لعقود. ولا يحمل المشهد على تراجع التصعيد، والسيناريوهات القادمة تبدو أكثر قتامة، خصوصاً مع ازدياد انعدام الثقة، وغياب الحلول السياسية. ومع دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة حساسة من التعافي، فإن أي هزات إضافية ستقود إلى إرباك في الأسواق، وتغييرات طويلة الأمد في موازين التجارة والطاقة والسياحة في الشرق الأوسط.