الرئيسة \  تقارير  \  مشكلة سورية في تحدّياتها أم في حلولها؟

مشكلة سورية في تحدّياتها أم في حلولها؟

18.09.2025
مروان قبلان



مشكلة سورية في تحدّياتها أم في حلولها؟
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 17/9/2025
بعد أكثر من تسعة أشهر على تسلّمها مقاليد الحكم، ما زالت الإدارة السورية الجديدة، بقيادة هيئة تحرير الشام، تفتقر إلى برنامج (أو رؤية واضحة) لكيفية التعاطي مع الأزمات والتحدّيات التي تواجهها البلاد في المرحلة الانتقالية، وهي كثيرة، أبرزها تزايد الاحتقان الطائفي، انتشار السلاح وثقافته، استمرار تقسيم البلاد، النهوض بالاقتصاد وتحسين أوضاع الناس المعيشية... وأخيراً، التدخّلات الخارجية، الإسرائيلية خصوصاً. وحتى يكون المرء مُنصفاً، لا بدّ أن يلحظ أن إدارة الرئيس أحمد الشرع لا تواجه مشكلةً في تشخيص المشكلات التي تواجهها البلاد، بل في الحلول التي تقترحها للتعامل معها. تدرك إدارة الشرع، مثلاً، أن التوترات الطائفية باتت تمثّل تهديداً وجودياً للدولة السورية، وخطراً كبيراً على وحدة البلاد وتماسك نسيجها المجتمعي، لكنّها ترى أن معالجتها تكون في رفض المحاصصة، أو التمثيل القائم على أسسٍ طائفية، وهذا موقفٌ صحيح، ذلك أن المحاصصة الطائفية هي أسرع وصفة لتفكيك الدولة والمجتمع، ونموذج العراق ولبنان ماثلٌ أمامنا. لكن رفض المحاصصة الطائفية من دون تقديم بديل يعطي انطباعاً بأن هذا كلام حقٍّ يُراد به باطل، بمعنى أنه يُستخدم لتهميش فئات وشرائح اجتماعية واسعة، وحرمانها من التمثيل بحجّة رفض المحاصصة الطائفية.
لا يمكن لدولةٍ كسورية التعامل مع هذا القدر من التنوع الطائفي والإثني والقَبَلي والمناطقي، فضلاً عن الانقسام الريفي - المديني، وداخل أحياء المدن نفسها وفي البلدات، إلا من خلال السماح بإنشاء أحزاب سياسية، تقوم على أسسٍ وطنيةٍ عابرة لتلك الانقسامات كلّها، تدفع الناس بعيداً من التعبير عن أنفسهم وتحقيق مصالحهم من خلال انتماءاتهم التقليدية، فتصبح الأقلية والأغلبية مقترنتين بالبرنامج السياسي، وليس بالانتماء الطائفي والمذهبي... لا يمكن فوق ذلك نقل السياسة من الشارع (وسائل التواصل الاجتماعي الآن) إلى المؤسّسات، ولا استبدال العنف بالحوار، إلا إذا وجد الناس تمثيلهم في الأحزاب، ومن خلال برلمان مُنتخَبٍ يعبّر عن إراداتهم، ويشعرهم بأهمية وجودهم، عبر المشاركة النشطة في الحياة السياسية، وفي صنع القرارات التي تمسّ حياتهم. لا توجد (حتى الآن) مؤشّرات إلى أننا ذاهبون بهذا الاتجاه، فالسلطة الجديدة ترى في انخراط السوريين في أيّ شكل من أشكال التنظيم السياسي تهديداً لها، وهي لذلك ترفض التعامل مع أيّ قوى أو تيّارات سياسية، حتى لو كانت مواليةً لها، في حين أنها مستعدّة للتسامح مع أشكال المعارضة كلّها، طالما ظلّت في إطار فردي. إذا ظلّ هذا التوجّه قائماً، فلن يجد الناس بديلاً من التمثيل الطائفي، القبلي أو الإثني، لأن الناس، في نهاية المطاف، يحتاجون شكلاً من أشكال التنظيم لتحقيق ذواتهم وبلوغ مصالحهم وحماية أنفسهم، ما يعني أننا ندفع البلاد في عكس الاتجاه الذي نريده.
بالمثل، يُلاحظ كيف أن إدارة الشرع تبذل ما في وسعها لتوحيد البلاد وحصر السلاح بيد الدولة، لكن هذا غير ممكن من دون حوار وطني، ومشاركة القوى السياسية والمجتمعية في وضع رؤية مشتركة لشكل الدولة ونظامها السياسي. المحاضرات التي تلقيها السلطة على مسامع شخصياتٍ تختار اللقاء بها، وتسمّيها "حواراً"، لا تحقّق هذا الهدف. الحوار يجب أن يكون حول طاولة مستديرة وبين أنداد (مع الاعتراف بوجود طرفٍ أول بين متساويين). هذا فقط ما يقنع الناس بأنهم جزء من الدولة الجديدة، وأن مكانتهم فيها محفوظة. الثقة والاطمئنان فقط ما يدفعان إلى تسليم السلاح وحصره بيد الدولة، بعيداً من العنف وإراقة الدماء، والدخول في فصل جديد من الصراع.
تبذل الإدارة الجديدة أيضاً جهدها لتحسين الأوضاع المعيشية، والخدمات العامة، لكن هذا لا يكون من خلال الحفلات والاحتفالات، وحملات العلاقة العامة، والحديث إلى الكاميرات، بل من خلال الشفافية في التعاقدات، وإصلاح القوانين والتشريعات، وتأكيد نزاهة القضاء، ومنع الاحتكار، والابتعاد عن محاولة تقليد نموذج "العدالة والتنمية" التركي في إدارة الاقتصاد، لأن هذا ينذر بنشوء شبكة فساد مماثلة حول السلطة، ترتبط بمراكز إقليمية وعالمية. أخيراً، لا يكون وقف التدخّلات الخارجية، الإسرائيلية خصوصاً، من خلال صيغة استسلامية، بذريعة أننا ضعفاء لا نملك إمكانات المواجهة، فيما يظهر بأسنا بيننا شديداً. في مطلق الأحول، لا ينبغي عقد سلام مع إسرائيل، بأيّ صيغة كانت، قبل أن نعقد سلاماً داخلياً بيننا، يعزّز موقفنا في أيّ مفاوضات مستقبلية، ويقطع الطريق على التدخّلات الخارجية. من نافل القول إن الأمن والازدهار لا يتحقّقان إلا بشرعية الحكم، والشرعية منبعها داخلي، إذا جاءت من الخارج يصبح لها اسم آخر.