الرئيسة \
تقارير \ مفاوضات باريس السورية الإسرائيلية... طريق دمشق ـ السويداء أقصر
مفاوضات باريس السورية الإسرائيلية... طريق دمشق ـ السويداء أقصر
23.08.2025
محمد أمين
مفاوضات باريس السورية الإسرائيلية... طريق دمشق ـ السويداء أقصر
محمد أمين
العربي الجديد
الخميس 21/8/2025
في أول إعلان رسمي من نوعه، أكدت وسائل الإعلام السورية الحكومية حصول لقاء بين وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووفد إسرائيلي في باريس أمس الأول الثلاثاء، ناقش عدداً من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري، ومنها ملف السويداء، وسط تساؤلات عن أسباب عدم علاج أزمة هذه المحافظة عبر حوار سوري ـ سوري، ولجوء الحكومة السورية للتفاهم حول هذا الملف مع مسؤولين إسرائيليين وتحويله إلى ورقة ضغط/تفاوض مع إسرائيل، بدل فتح حوار مع أهالي المحافظة، مع كل ما يستدعيه ذلك من خطوات في مقدمتها التحقيق الجاد في الجرائم والانتهاكات التي شهدتها المحافظة والمحاسبة السريعة للمتورطين بمختلف إنتماءاتهم إلى جانب تأمين طريق دمشق ــ السويداء والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى المحافظة وإنهاء الحصار المفروض عليها. كما برز حضور الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، مع الوفد الإسرائيلي، واللقاء الذي جمعه بالمبعوث الأميركي توم براك، بحسب ما أعلن الأخير على حسابه على منصة إكس.
لقاء سوري إسرائيلي في باريس
وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن الشيباني التقى الوفد الإسرائيلي في باريس، "وتركزت النقاشات حول خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاق 1974". وأضافت أن هذه النقاشات "تجري بوساطة أميركية، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في سورية والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها". ولفتت الوكالة إلى أن الشيباني كان قد التقى في عمّان في 12 من الشهر الحالي نظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سورية توماس برّاك، وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين الأطراف الثلاثة، بما يخدم استقرار سورية وسيادتها وأمنها الإقليمي، والاتفاق على تشكيل مجموعة عمل سورية ـ أردنية - أميركية لدعم جهود الحكومة السورية في تعزيز وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، والعمل على إيجاد حل شامل للأزمة.
ومساء أمس، أعلن مصدر حكومي سوري، أنه لن يكون هناك ممر إنساني عبر الحدود، مؤكداً أن تقديم المساعدات الإنسانية يجري حصراً بالتنسيق المباشر مع مؤسسات الدولة في العاصمة دمشق. ونقلت وكالة "سانا" الرسمية عن المصدر قوله إن هذا القرار جاء "حرصاً على ضمان وصولها بشكل آمن ومنظّم إلى جميع المستحقين، بما في ذلك محافظة السويداء وغيرها من المناطق". وأضاف المصدر أن الحكومة السورية "منحت المنظمات الأممية المختصة التسهيلات والموافقات اللازمة للقيام بمهامها الإنسانية، كما تواصل القوافل الوطنية والإغاثية السورية عملها بشكل منتظم بما يعكس التزام الجمهورية العربية السورية بتأمين الاحتياجات الإنسانية بالتعاون مع شركائها الدوليين".
من جهتها، نقلت "الإخبارية السورية" عن مصدر حكومي أن اجتماع باريس أمس الأول جرى بين الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وأكد اللقاء "التمسك بوحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تستهدف تقسيمها". وقال المصدر إنه "جرى التطرق إلى الأوضاع الإنسانية في الجنوب، واتفق الجانبان على ضرورة تكثيف المساعدات الموجهة لأبناء السويداء والبدو، للتخفيف من وطأة الظروف المعيشية الصعبة". وأشار إلى التشديد على "ضرورة التوصل إلى آلية واضحة تعيد تفعيل اتفاق وقف الاشتباك الموقَّع عام 1974، بما يضمن وقف التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية ويؤسس لبيئة أكثر استقراراً". واختتم اجتماع باريس بالتأكيد على "التزام الجانبين بالعمل من أجل خفض التصعيد في الجنوب، منعاً لانزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة"، بحسب "الإخبارية".
"الإخبارية السورية": أكد اللقاء التمسك بوحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تستهدف تقسيمها
وفي حين ذكر مراسل موقع أكسيوس الأميركي باراك رافيد أن هذه "المرة الثانية خلال شهر التي يلتقي فيها ديرمر والشيباني برعاية أميركية"، لفت إلى أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحاول "التوسط بين إسرائيل وسورية للتوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء ممر إنساني (وليس معبراً) من إسرائيل إلى مدينة السويداء جنوبي سورية، لتقديم المساعدة إلى الطائفة الدرزية هناك"، الأمر الذي تم تتطرق إليه "سانا".
من جهته، قال موقع "واينت" العبري إن لقاء باريس الثلاثاء كان من المقرر أن يُعقد الأسبوع الماضي، إلا أن وزير الخارجية السوري أوضح أنه بحاجة إلى "إجراء نقاش معمّق إضافي" قبل اللقاء، وطلب تأجيله لبضعة أيام، حتى انعقد فعلياً أمس الأول. كما تبيّن، وفق الموقع العبري، أن إسرائيل تلقت رسالة تفيد بأن تنظيمات إرهابية في جنوب سورية تستعد لاستغلال "الممر الإنساني" بين هضبة الجولان ومنطقة السويداء لتهريب أسلحة ومواد متفجرة. وزعم "واينت" أن اللقاء عُقد بعد أن رفضت عمّان طلباً إسرائيلياً لنقل الغذاء والأدوية والمعدات الطبية إلى الدروز في محافظة السويداء. وسبق لقاء الشيباني وديرمر مساء الثلاثاء، لقاء جمع برّاك بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، والذي يدفع باتجاه فتح "ممر انساني" ما بين هضبة الجولان السورية المحتلة ومحافظة السويداء.
وقال برّاك في حسابه على منصة إكس أول من أمس "عقدتُ اجتماعًا ودّيًا ومثمرًا مع الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف وفريقه. ناقشنا الوضع في السويداء وسبل توحيد مصالح جميع الأطراف، وخفض التوترات، وبناء التفاهم".
كما نقلت قناة i24NEWS الإسرائيلية عن "مصدر رفيع المستوى ومطلع" على تفاصيل اللقاء بين طريف وبرّاك أن "أبناء الطائفة الدرزية، بقيادة الشيخ طريف، خرجوا من اللقاء بانطباع إيجابي". بحسب المصدر "ركز الاجتماع بشكل أساسي على فتح الممر الإنساني، وأعرب الأميركيون عن التزامهم بالتعمق في الحدث ومعالجته". ووفقاً للمصدر نفسه "هذا حدث مهم، لأنه للمرة الأولى يستمع مسؤولون مؤثرون عالميا ويعترفون بأبناء الطائفة الدرزية بما هي جهة مركزية. بالإضافة إلى ذلك، يمنح هذا التحرك شرعية للاعتراف بأن القضية واسعة النطاق وليست مجرد نزاع داخلي".
وفيما ركزت التسريبات الإسرائيلية على "الممر الإنساني"، فإنه ينظر بخطورة إلى تداعيات خطوة كهذه إن تمت. ويقتضي فتح الممر، عبور محافظة درعا المتاخمة للسويداء من الجهة الغربية، وهو ما يحمل الكثير من المخاطر الأمنية في ظل رفض شعبي في هذه المحافظة لأي محاولة من شأنها تسهيل فتح ممر بري عبرها إلى السويداء، يمكن أن تستغله إسرائيل للوصول إلى العمق السوري.
السويداء ملف تفاوضي
وتتهم فعاليات دينية في المحافظة الحكومة بمحاصرة السويداء منذ أكثر من شهر، ما تسبّب بكارثة إنسانية تتفاقم يومياً مع انقطاع في العديد من الأدوية تحديداً للأمراض المزمنة، بينما تنفي الحكومة هذه الاتهامات، وتؤكد أن أطرافاً مرتبطة بإسرائيل هي من دفعت الأوضاع في الجنوب السوري إلى هذا المآل بسبب رفضها كل الحلول التي تقدمت بها الحكومة لمعالجة ملف المحافظة بشكل سلمي. وأعلنت الحكومة عن لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق عن الأحداث التي عصفت بالسويداء، إلا أن الفعاليات الدينية والمجتمعية في السويداء رفضت التعاطي معها، مطالبة بلجنة تحقيق دولية. وجرت قطيعة كما يبدو كاملة بين الحكومة السورية والشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل في الطائفة الدرزية. ومنذ استلام الإدارة الجديدة زمام الأمور في البلاد أواخر العام الماضي، مرت العلاقة بين دمشق والسويداء بالعديد من المنعرجات التي أدت في النهاية إلى مشهد متأزم تشابكت خيوطه.
"التجمع المدني في جرمانا": نرفض رفع غير العلم السوري، ويجب أن تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة بمحاسبة كل المتورطين في الانتهاكات من أي طرف كان
وبرز إعلان صادر عن "التجمع المدني في جرمانا" أعرب عن القلق من "التظاهرة التي خرجت في مدينة السويداء، ورُفع فيها العلم الإسرائيلي، في مشهد لا يمكن تجاهل رمزيته ولا التقليل من خطورته"، لكنه شدد على أنه "لا يجوز أيضاً إسقاطه من سياقه الاجتماعي والسياسي العميق". وأضاف أن "رفع هذا العلم لا يُقرأ على أنه خيانة ولا تحوّل في الهوية والانتماء، بل بما هو صرخة رمزية عنفها في معناها أكثر من كونه في شكلها. هو احتجاج على دولة فقدت توازنها مع مواطنيها، وانهارت الثقة بينها وبين مكوّن أساسي من مكونات المجتمع السوري". ورفض التجمع "أي قراءة طائفية لهذا الحدث. فالدروز لم يكونوا يوماً أقلّ وطنية أو انتماءً، بل كانوا في مقدمة النضال الوطني السوري منذ الثورة ضد الاستعمار وحتى اليوم". وشدد على أن "ما جرى في السويداء لا يمثل كل أبناء المحافظة، ولا يعكس رغبة في تبعية أو انفصال، بل هو فعل احتجاجي استثنائي أمام انسداد الأفق وغياب الدولة الحاضنة، وهو ما نعتبره لحظة إنذار وطني حادّة، يجب عدم التعامل معها بالأمن والعصا الغليظة، بل بالفهم والمعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وإذ شدد التجمع على رفض رفع غير العلم السوري في سورية كلها، أكد "ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة بمحاسبة كل المتورطين في الانتهاكات من أي طرف كان وبضرورة فتح طريق دمشق السويداء فوراً وتأمينه تمهيدا لعودة الحركة العادية والتجارية للمحافظة والعمل مع كافة الأطراف على إنهاء ملف المخطوفين والمفقودين". وختم بالقول "إن تجاهل هذا الحدث أو الرد عليه بالوعيد والاتهام، لن يفضي إلا إلى مزيد من الانهيار".
وقال الباحث السياسي زيدون الزعبي، لـ"العربي الجديد"، إن الطرف الذي يرفض الحوار "يتحمّل مسؤولية تحويل ملف السويداء إلى مشكلة عصية على الحلول الوطنية"، مضيفاً أنّ "رفض الحوار خيار انتحاري. الطرفان معنيان بالحوار والحوار فقط".
وتعليقا على اجتماع باريس أمس الأول الثلاثاء، رأى الأكاديمي المنحدر من السويداء يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الطريق بين دمشق والسويداء أقصر، وأقل كلفة من الذهاب باتجاه باريس وباكو وتل أبيب". وتابع: "إنه أقل كلفة من ارتكاب جرائم حرب، وأخف وطأة على السوريين من أخذ التعليمات الإسرائيلية، وبرعاية أميركية، وبشكل علني". وأشار إلى "أن السويداء وأهلها جزء من سورية"، مضيفاً: "السويداء محاصرة؛ الأمر الذي استوجب إنقاذ هؤلاء السوريين بممر إنساني، وبالفعل الإسرائيلي، والرعاية الأميركية، والشهادة الفرنسية". وتساءل: "بعد كل هذا، كيف يمكن المطالبة بالجولان السوري المحتل؟ أو العودة إلى اتفاقية 1974؟ والسؤال الأهم: لماذا يحدث كل ذلك؟".
عبد الكريم العمر: ملف السويداء كان يمكن أن يكون ملفاً وطنياً يُحل عن طريق الحوار
إلى ذلك، أبدى المحلل السياسي عبد الكريم العمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أسفه لـ"تحوّل ملف داخلي سوري إلى ورقة تفاوضية مع جهة إقليمية وتحديداً إسرائيل"، مضيفاً: "كان يمكن أن يكون ملفاً وطنياً يُحل عن طريق الحوار مهما كانت علاقة مجموعات بالسويداء مع إسرائيل". وتابع: "كان بإمكان الحكومة السورية سحب البساط من تحت أولئك الذين يتآمرون على البلاد في السويداء ومن تحت أقدام إسرائيل. مؤسف الحديث عن معبر إنساني بين إسرائيل والسويداء". وأشار إلى أن هناك بالفعل مجموعات في السويداء "رفضت الحوار وانقلبت على الاتفاقات مع الحكومة"، لكنه لفت إلى أن "الوقت لم يفت بعد لفتح حوار جديد بين الدولة وكل الأفرقاء في السويداء من أجل التوصل إلى حلول وطنية كيلا يتم تدويل أي ملف داخلي. على الحكومة ترتيب الأوراق من جديد ليعود ملف السويداء ملفاً وطنياً بعيداً عن إسرائيل التي تستغل هذا الملف لفرض إملاءات وشروط على الحكومة".