الرئيسة \  تقارير  \  ما العمل الآن في سورية؟

ما العمل الآن في سورية؟

18.08.2025
عمار ديوب



ما العمل الآن في سورية؟
عمار ديوب
العربي الجديد
الاحد 17/8/2025
السياسة هي المدخل لحل كل الخلافات المجتمعية والنهوض بالدولة. ترفض السلطة في دمشق، منذ 8 ديسمبر، المشاركة والتعددية السياسية، وتحتكر كامل السلطات لصالح شخصيات قادمة من هيئة تحرير الشام. هل نجحت في وضع أسس للنهوض بالدولة بصيغتها الاحتكارية هذه؟ هنا المشكلة الكبرى. لم تنجح، وهناك تذمّر شعبي واسع من سياساتها في قضية إعادة تشكيل السلطة، وفي التوجه الاقتصادي، وفي العلاقة مع الطوائف ومع القوميات، وفشلت في استثمار الدعم الخارجي الكبير، والاتفاقات الاقتصادية بمعظمها مذكرات تفاهم.
سياساتها الإقصائية، وعدم التخلي عن سياساتها الطائفية والاقتصادية الاحتكارية وفي قضايا الجيش والأمن العام، بل والاستخبارات، التي كانت مُتبعة في إدلب، كانت سبباً في بدء أزمات جديدة، وانفجرت في الساحل وفي السويداء، والآن تتصاعد الأزمة مع الأكراد، وهناك تحشيد عشائري كبير، وبذلك أُضيفت أزماتٌ جديدة إلى أزماتٍ تركها بشّار الأسد في تدمير البلاد، وتهجير أكثر من نصف السكان، وفي جرائم ضد الثوار، وتصل إلى مليون شهيد ومعتقل ومغيب.
أدّت الأزمات التي أنتجتها سياسات السلطة إلى بداية تململ دولي تجاهها، وأعاد مجلس الأمن تأكيد قراره 2254، أي ضرورة تشكيل حكومة غير طائفية وممثلة كل السوريين، وتتم عبر الحوار والتفاوض بين القوى الممثلة للشعب السوري. الآن، هناك خطر صهيوني كبير يريد تفتيت سورية، وتمظهر في الادّعاء بحماية الدروز، وعبر التدخل العسكري والقيام بعمليات عسكرية ساهمت في إخراج الجيش وإيقاف هجوم فصائل من العشائر على السويداء. والآن هنا حديث عن ممرّ إنساني، عبر القنيطرة ودرعا، وهذا سيُنتج صراعاتٍ مريرةً بين السويداء ودرعا، وقد يؤدّي إلى تهجير ديمغرافي، وإلى مذابح جديدة، والأسوأ أنه يترافق مع استمرار فرض الحصار من السلطة، وفتح ممر إنساني عبر درعا، ولكنه لا يكفي لحاجات المدينة بأي حال، ورفض فتح طريق دمشق.
تجاوزت المطالب السياسية اللامركزية الإدارية، وصارت تتحدّد باللامركزية السياسية أو الفدرالية
تراجعت شعبية السلطة داخلياً، وخارجياً، وسورية لا تحتمل مزيداً من التأزّم، وتتطلب تشكيل سلطة وطنية وممثلة لكل المحافظات السورية، وهذا جوهر القرار 2254 المعاد تأكيده. رحبت السلطة بتقرير لجنة تابعة للأمم المتحدة بخصوص أحداث الساحل في مارس/ آذار الماضي، ولكن مصداقيتها ستتأكد في شكل المحاسبة للذين ارتكبوا الجرائم، وهذا وحده ما سيعيد بعض الثقة داخلياً وخارجياً، والأمر نفسه يخص السويداء. تُجري السلطة منذ أسابيع مفاوضات مع دولة الاحتلال بخصوص الجولان المحتل أو الأراضي الجديدة التي احتُلت، وأخيراً أصبح التفاوض يخص الوضع في السويداء. هناك اتفاق دولي وإقليمي، شاركت فيه دولة الاحتلال، وكان له دور في إيقاف الحرب على السويداء، وبالتالي، تتنازل سلطة دمشق عن قضية وطنية داخلية، وهناك تقارير صحافية تؤكد أن لقاءً سيجمع وزير خارجية سورية، أسعد الشيباني، ووزيراً صهيونياً لمناقشة وجود ممر إنساني من دولة الاحتلال إلى السويداء. يجب أن يتمسّك الشيباني بأن قضية الخلاف مع السويداء وطنية، ولكن ذلك يتطلب من السلطة فكّ الحصار عن هذه المحافظة، والبدء بالمفاوضات مع قواها الفاعلة، لتتجاوز سورية الكارثة الوطنية التي حصلت في هذه المدينة في 13 الشهر الماضي (يوليو/ تموز) ولم تنته بعد.
لا يمكن ترميم تراجع شعبية السلطة بالسياسات المُتبعة، وزاد الأمر تعقيداً انعقاد مؤتمر لبعض ممثلي المكونات في الحسكة بعد إخراج الجيش (وبموافقتها) باتفاق دولي من السويداء، ويشير هذا إلى تحالفٍ بين عدّة محافظات وطوائف وقوميات مناهضة للسلطة.
ما العمل الآن؟ يستدعي تأزّم الوضع الداخلي، وقابليته للانفجار المجتمعي العنيف والطائفي والقومي، العودة إلى عقد مؤتمر وطني عام لكل الفاعلين السوريين، وتشكيل وفد مؤهل للتفاوض الجاد مع الفاعلين في السويداء أو لدى الإدارة الذاتية في الحسكة، وأيضاً بما يخصّ العلويين، فهناك انتهاكات واسعة حدثت، وحتى لجنة التحقيق التي شكلتها السلطة أقرّت بذلك، وراحت أطراف سورية علوية تستثمر فيها، وأيضاً لدى الدروز، وأيضاً لدى الأكراد. وبالتالي، هناك دور للسلطة في دمشق، أخفقت فيه في الأشهر السابقة، وصار لا بد من العودة إليه، وهو عقد هذا المؤتمر، وإيقاف تراجع الدعم الدولي والإقليمي، الذي كان في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
المدخل إلى إيقاف التدهور، وانتشال السلطة من ضعفها، وكذلك موقع سورية في المنطقة، وتأمين حقوق السوريين؛ سياسي بامتياز
تجاوزت المطالب السياسية اللامركزية الإدارية، وصارت تتحدّد باللامركزية السياسية أو الفدرالية، وسندع جانباً الحديث عن حق تقرير المصير أو الاستقلال الكامل، ويقول به بعضهم. الرفض المنهجي لسلطة دمشق لإشراك الشعب بالسلطة والسياسة بعامة، وبدءاً بعقد مؤتمر وطني عام، كان السبب المركزي للتأزم المتفاقم. والاستمرار بالسياسات نفسها سيفتح المجال واسعاً لإضعاف السلطة، الغارقة بالأزمات؛ ولدينا حالياً الدولة الصهيونية، وتُطالب بممرٍ "إنساني"، وهناك سياسة تركيا الرافضة هذا الممرّ، وتتدخل في كامل محافظات شرق سورية وشرقها، وأعطت السلطة نفسها للروس الحقّ بالتدخل، والأميركان يتدخّلون يومياً. ويشير هذا الواقع إلى ضعف شديد بموقع السلطة تجاه هذه التدخّلات، وكذلك تجاه الداخل، الذي أصبح يطالب باللامركزية، التي تعني استقلالاً أكبر لإدارة شؤون المحافظات "اقتصاداً، وإدارة، وتعليماً، وسياسة..." ومن دون اتفاق مع العاصمة.
المدخل إلى إيقاف التدهور، وانتشال السلطة من ضعفها، وكذلك موقع سورية في المنطقة، وتأمين حقوق السوريين؛ سياسي بامتياز؛ المدخل في تحديد السلطة لوضعها الدقيق باعتبارها سلطة انتقالية، ودولتها هشّة للغاية، وشعبها مقسّم طائفياً وقومياً وعشائرياً وبشكل شديد. الانطلاق من حل أزمات الواقع هو ما رفضته السلطة، ورفضت السير بتطبيق إجراءات العدالة الانتقالية، ورفضت التشاركية السياسية والدعوة إلى مؤتمر وطني عام، ورفضت الركون للخبرات الوطنية لوضع خطة استراتيجية لإعادة إعمار البلاد، اقتصاداً وسكناً وبنية تحتية وفرص عمل، والاستفادة الدقيقة من الاستثمارات الخارجية.
سيؤدّي استمرار السلطة بسياساتها إلى مزيد من الفشل، وربما انفجار الوضع برمته، ولا سيما أن الوضع الأمني في غاية الهشاشة، وما زالت الفصائل هي الفاعلة لا الجيش المُدعى؛ وأوضحنا انفكاك الدعم الخارجي وتراجع الشعبية الداخلية، وهناك التحالف بين عدة محافظات، ولدينا العمل الصهيوني اليومي لتفكيك سورية وإشعال الحرب الأهلية. تؤزّم سياسات السلطة المجتمع بكليته، وعلى أسس طائفية وقومية وعشائرية، بل وفصائلية ومناطقية، وبالتالي، لم تنتهِ فرصة السلطة بالاستمرارية بعد، ولكنها بدأت بالتراجع الشديد، فهل تعي المداخل لإيقاف هذا التراجع؟ إنّه العودة إلى الشعب، وتمثيله في السلطة والدولة.