الرئيسة \
تقارير \ ما التالي بالنسبة لإمبراطورية "فاغنر" الأفريقية؟
ما التالي بالنسبة لإمبراطورية "فاغنر" الأفريقية؟
12.07.2023
الإيكونومست
ما التالي بالنسبة لإمبراطورية "فاغنر" الأفريقية؟
تقرر خاص* – (الإيكونوميست) 2023/6/27
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الثلاثاء 11/7/2023
من غير المرجّح أن تحزم مجموعة "فاغنر" حقائبها وترحل من القارة. لكن الدول كيب تاون وداكار- حتى الأحداث التي جرت في أوكرانيا وروسيا مؤخرًا، بدا أن البؤرة التالية لمجموعة "فاغنر" هي أكثر احتمالًا لأن تكون بوركينا فاسو من بيلاروسيا. ولكن، في 27 حزيران (يونيو)، وصل يفغيني بريغوزين إلى الأخيرة كجزء من صفقة بين الزعيم المتمرد للشبكة شبه العسكرية وفلاديمير بوتين. ومن هناك، يأمل بريغوزين في إدارة العمليات الوحشية في أفريقيا التي أصبحت حاسمة- ليس لإمبراطوريته الخاصة فحسب، ولكن لكامل نهج الكرملين في القارة.
اشتكى السيد بريغوزين في رسالة عبر "تلغرام" يوم 26 حزيران (يونيو) من أن فاغنر نفذت "عددًا كبيرًا من المهام لصالح الاتحاد الروسي" في الدول الأفريقية والعربية. وأصر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على أن جماعة المرتزقة أرسلت مقاتلين إلى خمس دول أفريقية، بما فيها جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث ستستمر عملياتها. وكان لفاغنر أيضًا نوع من التواجد في سبع دول أخرى على الأقل في القارة (بالإضافة إلى سورية).
ما يزال ما يحدث حتى كتابة هذه السطور غير واضح. ولكن، حتى لو تم تهميش بريغوزين، رئيس المجموعة، فمن غير المرجح أن ترحل فاغنر من أفريقيا. للمنظمة مصلحة راسخة في البقاء. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون الكرملين مترددًا في فقدان مصدر نفوذه في القارة. ويغلب أن لا تنسحب فاغنر من أفريقيا إلا إذا بدأ الأفارقة أنفسهم في رؤية روسيا كشريك ضعيف وغير جدير بالثقة.
لفهم ما قد يحدث بعد إمبراطورية فاغنر الأفريقية، من المفيد فهم كيفية عملها. لا يوجد شيء مثل شركة "فاغنر المسجلة"، وإنما هناك شبكة من الشركات التي لها صلات بالدولة الروسية وتعمل بموجب عقود مع حكومات أجنبية. وكما هو الحال مع المؤسسات الاستعمارية في القرن التاسع عشر، تسمح هذه الصفقات لروسيا بالمشاركة في مغامرات خارجية بمساءلة ضئيلة لا تكاد تُذكر.
في أفريقيا، تستخدم فاغنر نموذجًا تجاريًا يحتوي على ثلاثة عناصر محتملة، يعتمد مقدار كل منها في المزيج على البلد الذي توجد فيه. ولهذه العناصر الثلاثة– العسكري، والاقتصادي، والسياسي- مثال واضح تمكن دراسته في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي مستعمرة فرنسية سابقة دخلتها مجموعة فاغنر في العام 2018. ووفرت المزيد من الأدلة على دور المجموعة هناك في 27 حزيران (يونيو) وكالة التحقيق الأميركية، "ذا سينتري" The Sentry، في تقرير حديث.
الركيزة الأولى هي العسكرية في الحالات التي تحولت فيها الحكومات الأفريقية إلى روسيا، وبالتالي إلى فاغنر، من أجل توفير الأمن. ولا توجد تقديرات رسمية لعدد مقاتلي فاغنر في أفريقيا، لكن المحللين يشيرون إلى أن العدد يبلغ حوالي 5.000 مقاتل، معظمهم في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. (ما تزال لدى المجموعة أعداد غير معروفة في سورية، حيث عززت الجهود العسكرية الروسية). وقد يكون هذا العدد الإجمالي صغيرًا نسبيًا، لكن المقابلات مع المنشقين عن المجموعة تشير إلى أن مقاتليها في أفريقيا يتمتعون بالمهارة والصلابة القتالية المكتسبة في ساحات المعارك.
كما تقوم المجموعة بتعزيز قدرات القوات الخاصة في الدول الأفريقية. في جمهورية أفريقيا الوسطى، قامت فاغنر بتشكيل "جيش موازٍ" قوامه حوالي 5.000 مقاتل. وتم تجنيد العديد من هؤلاء من نفس المجموعة العرقية التي ينتمي إليها فوستان آرشانج تواديرا، رئيس الدولة، خارج نطاق الإجراءات التي تراقبها الأمم المتحدة، وفقًا لوكالة "ذا سينتري". وتزعم الوكالة أن فاغنر دربت المقاتلين على تقنيات التعذيب. ويُزعم أن فاغنر استوردت أسلحة ومسيّرات وطائرات، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلد.
استخدمت فاغنر هذا الجيش الموازي كجزء من "حملة إرهاب"، كما يقول تقرير "ذا سينتري" الذي يتهم فاغنر بارتكاب المذابح والتعذيب والاغتصاب كجزء من استراتيجية المجموعة "لتطهير" القرى. ونقلت الوكالة عن أحد جنود جمهورية أفريقيا الوسطى الذي يعمل تحت قيادة فاغنر قوله: "إننا نقتل القرويين فقط، وندفنهم، أو نرميهم في الأدغال". (لم يرُدّ المتحدثون باسم السيد تواديرا ومجموعة فاغنر على طلبات التعليق).
على الرغم من أن "الإيكونوميست" لم تستطع التحقق بشكل مستقل من مزاعم تقرير "ذا سينتري"، إلا أن مكتشفاته تتناغم مع نتائج تحقيقات أخرى، بما في ذلك تحقيقات منظمة "هيومن رايتس ووتش". وتقدر الأمم المتحدة أن واحدًا من كل خمسة أشخاص في جمهورية أفريقيا الوسطى أجبر على ترك منزله. وتشير دراسة مذهلة نُشرت في نيسان (أبريل) في مجلة "الصراع والصحة" Conflict and Health، إلى أن 5.6 في المائة من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى ماتوا العام الماضي، أي أكثر من أربعة أضعاف تقديرات الأمم المتحدة لوفيات البلد في العام 2010 وأكثر من ضعف الحصة في أي بلد آخر. ويقول الباحثون، بلهجة دبلوماسية، إن وجود فاغنر "ساهم على الأقل في زيادة صعوبات البقاء على قيد الحياة".
العنصر الثاني في نموذج فاغنر اقتصادي– كمقابل للأمن. لا ينبغي التفكير في فاغنر كعمل هرمي، وإنما بدلاً من ذلك كتكتل فضفاض من شبكة من الشركات التابعة. وهناك القليل من المعلومات الظاهرة علنًا حول عائداتها أو ربحيتها، لكنَّ ما يبدو واضحًا هو أن أفريقيا تشكل جزءًا أساسيًا من وسائلها لجني الأموال. في 27 حزيران (يونيو)، فرضت أميركا عقوبات على العديد من الشركات المرتبطة بفاغنر، بما في ذلك الشركة التي تسيطر على منجم "نداسيما" في جمهورية أفريقيا الوسطى، التي لديها احتياطيات من الذهب تزيد قيمتها على مليار دولار.
يدعي تقرير "ذا سينتري" أن مقاتلي فاغنر قتلوا ونهبوا قرى بالقرب من مناطق تعدين الذهب والماس في جمهورية أفريقيا الوسطى. وبالإضافة إلى ذلك، أحصت "ذا سينتري" 15 رحلة جوية قامت بها طائرات مرتبطة بفاغنر إلى السودان، وهو مركز لتهريب الذهب، حيث لدى فاغنر روابط أيضًا.
كما تشكل جمهورية أفريقيا الوسطى أيضًا دراسة حالة للخدمات السياسية التي تقدمها فاغنر- العنصر الثالث في نموذجها. ويشير تقرير "ذا سينتري" إلى أن المجموعة قامت بتنظيم حملات مؤيدة لتواديرا في الفترة التي سبقت الانتخابات التي فاز بها في العام 2020، ثم ساعدت في التفاوض على صفقات سياسية مع قادة من مختلف الفصائل. وفي أماكن أخرى من أفريقيا، أدارت شركات فاغنر حملات للدعاية والتضليل، ونظمت مجموعات زائفة لمراقبة الانتخابات.
يساعد فهم نموذج فاغنر في التفكير فيما قد يحدث تاليًا. يتكهن البعض بأنه كجزء من أي صفقة بين بريغوزين وبوتين، قد يتمكن الأول من الحفاظ على دوره في أفريقيا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم الوفاء بأي صفقة من هذا القبيل. في السابع والعشرين من حزيران (يونيو)، بدا أن الرئيس الروسي يشدد على تحديد مَن يتحكم في مَن عندما اعترف بأن الدولة مولت عمليات فاغنر بشكل مباشر، في أوكرانيا على الأقل.
نظرًا لبنيتها، "فإن ما يحدث لبريغوزين يقول القليل جدًا عما سيحدث لمجموعة فاغنر في أفريقيا"، كما تقول كيمبرلي مارتن من كلية بارنارد بجامعة كولومبيا. إنه ليس الرئيس التنفيذي لشركة فاغنر موحدة، ولا هو قائد يطيع أوامره الجميع . وتجادل كيمبرلي بأنه على الرغم من أن بريغوزين قد يكون قائداً يتمتع بشخصية كاريزمية ومهارة في مجال الخدمات اللوجستية، إلا أنه سيكون "من السهل نسبياً" على مؤسسة الدفاع الروسية أن تستبدله.
لدى الأشخاص والكيانات في شبكة فاغنر أيضًا مصالحهم الخاصة التي يرغبون في حمايتها. وبعض هؤلاء مرتبطون بالسيد بريغوزين، في حين أن البعض الآخر أقل ارتباطًا منهم بكثير. غالبًا ما يُفتقد التطور التصاعدي، من أسفل إلى أعلى، في المجموعة، كما يقول جون ليشنر، مؤلف كتاب قادم عن فاغنر. ويقول ليشنر: "حتى لو كان هناك تحول كبير في أعلى الإدارة، فإنك لن تقوم بطرد كل الآخرين".
كانت فاغنر أيضًا جزءًا مهمًا من اهتمام الكرملين المتجدد بأفريقيا خلال العقد الماضي. بعد ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، ومرة أخرى العام الماضي، ضاعفت روسيا من انخراطها في القارة. وفي تموز (يوليو)، سيستضيف بوتين القادة الأفارقة في قمة في سان بطرسبرغ. وليست فاغنر الأداة الوحيدة في مجموعة أدواته الأفريقية، لكنها كانت أداة منخفضة التكلفة وعالية التأثير. وتقول جوليا ستانيارد من "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود"، والتي شاركت في كتابة تقرير عن المجموعة نُشر في شباط (فبراير)، واصفة نموذج أعمال فاغنر "الثلاثي": "المزايا التي تقدمها فاغنر للدولة الروسية سوف تظل قائمة مع ذلك".
المزايا التي تقدمها فاغنر لروسيا متعددة. فهي مصدر للذهب الذي تساعد مخزوناته روسيا على مقاومة تأثير العقوبات الغربية. كما أنها تساعد في نشر الرسائل المعادية للغرب في البلدان التي تعمل فيها. وبحسب ما ورد، كانت فاغنر وراء الكذبة القائلة بأن الجنود الفرنسيين كانوا مسؤولين عن مقتل تسعة مواطنين صينيين في جمهورية أفريقيا الوسطى هذا العام. وتؤسس المجموعة قنوات نفوذ غير رسمية مع السياسيين الأفارقة يمكن تحويلها إلى علاقات رسمية. وقال سفير جمهورية روسيا الوسطى في روسيا مؤخرًا أن الأمور سارت على ما يرام مع فاغنر لدرجة أن حكومته ستفكر في استضافة قاعدة عسكرية روسية في البلاد.
مع ذلك، قد ترغب أجهزة الأمن الروسية في السيطرة بشكل أكبر على عمليات فاغنر الخارجية. قد يكون أحد الخيارات هو تأميمها، على الرغم من أن ذلك قد لا يناسب الدولة الروسية -التي يمكنها (بشكل غير معقول) إنكار مسؤوليتها عن فظائع فاغنر- ولا الحكومات الأفريقية، التي يمكن أن تجادل بشكل معقول بأنها ستسيطر على أمنها الخاص بشكل أفضل إذا استخدمت المرتزقة بدلاً من القوات النظامية الأجنبية. وقد يكون من بين الخيارات الأخرى إعادة تسمية المجموعة، أو جلب قيادة جديدة، أو تغيير الشركات المكوِّنة بحيث تصبح النخب المختلفة هي المسيطرة. في الأيام التي أعقبت التمرد، ورد أن الكرملين سارع إلى طمأنة الدول التي تستضيف فاغنر بالتزامها المستمر بالمهمات، سواء كان ذلك تحت راية المجموعة أو غير ذلك. وقال لافروف إن نائب وزير الخارجية الروسي زار سورية لطمأنة نظام بشار الأسد، في حين أن "المدربين" العاملين في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي لن يذهبوا إلى أي مكان. ومهما يكن، قد يبدو من غير المنطقي أن تنسحب روسيا من جانب واحد من المشاريع المثمرة. وتضيف السيدة ستانيارد: "سيكون من شأن ذلك أن يلحق الضرر بصورة روسيا في نظر الحكومات الأفريقية إذا قامت بسحب مقاتلي فاغنر منها".
قد يكون العامل الأكبر في تقرير مستقبل فاغنر في القارة هو زبائنها الأفارقة -السياسيون الذين لجأوا إلى روسيا لطلب المساعدة. في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث ترسخت فاغنر، تبدو الحكومة غير متأثرة. وصرح مستشار السيد تواديرا، فيديل جوانجيكا، لوكالة الأنباء الأفريقية بأن "الجمهورية وقعت اتفاقية دفاعية في العام 2018 مع الاتحاد الروسي وليس مع فاغنر"، مضيفًا أن "روسيا تعاقدت من الباطن مع فاغنر؛ إذا لم تعد روسيا تتفق مع فاغنر فسوف ترسل لنا وحدة جديدة". التوترات بين بريغوزين وبوتين هي "مسألة روسية داخلية".
في الوقت نفسه، في مالي، تبدو المقامرة الأخيرة التي يخوضها المجلس العسكري الحاكم أكثر خطورة. في 16 حزيران (يونيو)، طلبت الحكومة التي يقودها الجيش من بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة قوامها 13 ألف جندي المغادرة "من دون تأخير". ومن المتوقع أن تغادر آخر الخوذات الزرقاء في موعد أقصاه نهاية العام. ويعتمد المجلس العسكري على فاغنر لمساعدته في محاربة الجهاديين الذين قتلوا الآلاف في السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك، مع انتشار التمرد، كان ساديو كامارا، وزير دفاع المجلس العسكري، "محمومًا تقريبًا" بسبب القلق، حسبما ذكرت مجلة "جيوني أفريك"، ومقرها باريس.
بعد تمرد فاغنر ربما تغير النخب الأفريقية رأيها في روسيا. يلاحظ زيديزتش شاريب، من المعهد البولندي للشؤون الدولية، أن بعض مشجعي روسيا الأكثر نفوذاً في أفريقيا التزموا الهدوء في الأيام الأخيرة. ويعكس هذا الموقف كيف يعتمد تقديم الدعم لروسيا على اعتبارها قوية بما يكفي لمساعدة عملائها الأفارقة على تحقيق أهدافهم الخاصة. ويجادل بالقول: "ستفقد (روسيا) سحرها بمجرد أن تبدو ضعيفة وغير قادرة". ومن المؤكد أن النشر الذي طال انتظاره لقوات فاغنر في بوركينا فاسو، التي تديرها زمرة عسكرية مثل مالي، أصبح الآن أقل احتمالاً.
يشير ذلك إلى مفارقة لن يفوتها الكثير من المراقبين الأفارقة: أن الرئيس الروسي يروج لبلاده -ليس فقط كحليف قوي للزعماء الأفارقة، وإنما كنوعٍ من النموذج. ومع ذلك، فإن نفس المجموعة التي أرسلتها حكومته لمساعدة القادة الأفارقة في محاربة أعدائهم الداخليين، قامت هي نفسها بانتفاضة في روسيا. وليس هذا إعلانًا جيدًا بالضبط لنظام يبيع حماية الانقلابات للحكام المستبدين والطغم العسكرية في الخارج.