الرئيسة \  تقارير  \  ما الأسباب وراء دخول العلاقات التركية - الروسية مرحلة جديدة من التذبذب؟

ما الأسباب وراء دخول العلاقات التركية - الروسية مرحلة جديدة من التذبذب؟

22.07.2023
الشرق الاوسط



ما الأسباب وراء دخول العلاقات التركية - الروسية مرحلة جديدة من التذبذب؟
واشنطن: “الشرق الأوسط”
الخميس 20/7/2023
شهدت الأشهر القليلة الماضية مؤشرات كثيرة على دخول العلاقات التركية - الروسية مرحلة جديدة من التذبذب بعد فترة من التقارب الشديد في بدايات الحرب الروسية ضد أوكرانيا وقبلها. ومنذ فوزه بفترة حكم ثانية في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو (أيار) الماضي يميل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى التركيز على تعزيز علاقات بلاده مع الغرب.
في المقابل، تعاملت موسكو بهدوء مع موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ونقل تركيا لخمسة قادة أوكرانيين كانت روسيا قد أسرتهم وسلمتهم لأنقرة إلى كييف، ثم تصريحات إردوغان المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، رغم أن هذه العضوية خط أحمر بالنسبة لروسيا.
ويقول المحلل والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، في تحليل نشره موقع مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي: إن موسكو حالياً ليست في موقف يتيح لها السماح بتدهور علاقاتها مع أنقرة، كما أنه من المهم بالنسبة للأخيرة تجنب هذا التدهور حتى تواصل الاستفادة من لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب. في الوقت نفسه، فإن تحول إردوغان نحو الغرب يرجع إلى عوامل داخلية في مقدمتها أزمة اقتصادية حادة تفرض الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من الغرب.
ويمكن القول: إن تركيا الآن وبعد الانتخابات أصبحت تواجه الواقع. فالليرة التركية تواصل تراجعها السريع أمام الدولار لتفقد نحو 30 في المائة من قيمتها خلال شهر واحد بعد الانتخابات الرئاسية. كما ارتفعت أسعار المستهلك في يونيو (حزيران) الماضي بنسبة 38 في المائة عن الشهر نفسه من العام الماضي.
ويقول سليمانوف، كبير مراسلي وكالة “تاس” الروسية للأنباء في الشرق الأوسط ومدير مكتبها في القاهرة سابقاً: إن إردوغان يدرك أن إجراءاته الداخلية لن تكفي لتحقيق استقرار شامل للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشدة على الاستثمارات الأجنبية. وتركيا في أمس الحاجة لتدفق الأموال الأجنبية، كما أن أكبر المستثمرين في تركيا ما زالوا من الدول الغربية، وبخاصة
هولندا والولايات المتحدة وبريطانيا والتي تمثل معاً نحو 30 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا.
في الوقت نفسه، فإن جزءاً كبيراً من الصادرات التركية تتجه إلى الغرب. ورغم النمو القياسي لحركة التجارة مع موسكو، ما زالت روسيا تمثل 3.7 في المائة من إجمالي صادرات تركيا.
في ظل هذه الظروف أدرك إردوغان حاجته إلى التوجه نحو الغرب من أجل استقرار اقتصاد بلاده. في الوقت نفسه، فإن قطع العلاقات مع روسيا التي أصبحت في العام الماضي أكبر دولة مستوردة من تركيا ليس خياراً.
وإلى جانب المشكلات الاقتصادية، يجب أن يتعامل إردوغان مع الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مارس (آذار) من العام المقبل. ولكي يستعيد السيطرة على المدن الرئيسية مثل أنقرة وإسطنبول من المعارضة، على إردوغان جذب أصوات الناخبين المؤيدين للغرب من سكان المناطق الحضرية إلى صفه. وبعد انتخابات الرئاسة أعاد إردوغان فتح ملف انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، بل وطالب بفتح الطريق أمام هذه العضوية مقابل موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى حلف “الناتو”.
والحقيقة، أن موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الـ”ناتو” لم تكن مفاجأة كبيرة بالنسبة للكرملين، كما أكد المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، الذي قال “تركيا ملتزمة بتعهداتها. هذا لم يكن سراً بالنسبة لنا، لم ننظر إلى الأمر أبداً من نظارة وردية”.
وربما التصرف الأشد إيلاماً بالنسبة لموسكو كان تسليم تركيا للقادة الأوكرانيين الخمسة لبلادهم على هامش زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأخيرة لإسطنبول. كانت روسيا قد أسرت قادة كتيبة أزوف الأوكرانية الخمسة، ثم نقلتهم إلى تركيا مع تأكيدات بعدم إعادتهم إلى أوكرانيا قبل انتهاء الحرب.
ويرى الكرملين أن التصرف التركي “انتهاء للاتفاق القائم”. ولكن إردوغان يقول: إن “روسيا ستغضب في البداية لكنها ستنظر إلى الموقف بشكل إيجابي عندما تعرف بعض التفاصيل”.
وبالتحول نحو الغرب يختبر الرئيس التركي بشكل جوهري الخطوط الحمراء الجديدة لموسكو، ومدى استعداد روسيا للرد على أي موقف تركي في الوقت الذي تتصدى فيه لهجوم أوكراني مضاد وتسعى للتعافي من تداعيات تمرد مجموعة “فاغنر” المسلحة؟
ويرى سليمانوف أن تسليم قادة أزوف الأوكرانيين لبلادهم يبدو أنه كان محاولة تركية للضغط على روسيا لتجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي انتهى أجله يوم 17 يوليو (تموز) الحالي.
فهذا الاتفاق الذي تم بواسطة تركية يسمح بخروج السفن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من ميناء أوديسا في أوكرانيا دون أي تهديد روسي. ورغم رفض القيادة الروسية تمديد الاتفاق،
فإنه في ضوء التحولات التي تمر بها العلاقات الروسية - التركية، قد تتوصل الدولتان إلى اتفاق بديل.
ففي أزمتي توسيع حلف “الناتو” وتسليم القادة الأوكرانيين لدولتهم، أظهر رد الفعل الحذر أن روسيا حالياً ليست في موقف يسمح لها بتصعيد التوترات مع تركيا التي تبقى الوسيط الوحيد الحقيقي بين موسكو وكل من كييف والغرب، إلى جانب أنها واحدة من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لها.
من ناحيته، لا ينسى إردوغان الدعم الذي حصل عليه من موسكو أثناء حملته الانتخابية، حيث وافقت على سبيل المثال على تأجيل مدفوعات بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على أنقرة مقابل مشترياتها من الغاز الروسي. كما لا ينسى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، وكذلك قدرته على ممارسة الضغوط على شركائه في حلف الأطلسي بمساعدة روسيا.
الخلاصة، أن كلتا الدولتين تدرك أهمية تجنب أي تصعيد في التوتر بينهما وضرورة إبقاء أي خلافات تحت السيطرة.