مؤرخ أميركي : لا وجود لقوة عظمى بالعالم
02.07.2023
الجزيرة
مؤرخ أميركي : لا وجود لقوة عظمى بالعالم
الجزيرة
السبت 1/7/2023
أوضح مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الأميركية أن مصطلح "القوة العظمي" -الذي استخدم كثيرا لوصف بعض الدول- ليس دقيقا بل هو مضلل ويشوه فهم الوضع الجيوإستراتيجي في العالم، كما يتسبب بارتكاب أخطاء عملية في الحروب والمواجهات بين الدول.
وحتى أن الواقعيين الذين يستخدمون المصطلح بشكل متكرر -يقول كاتب المقال فيليبس أوبراين المؤرخ الأميركي والأستاذ بالدراسات الإستراتيجية- لم يقدموا أبدا تعريفا واضحا ومقنعا لما يجعل القوة عظيمة.
ويضيف الكاتب أن عدم الدقة هذا أدى ويؤدي إلى تشويه تحليل سلطة الدولة واستخدامها، ويجعل الدول تبدو أكثر تهديدا عسكريا مما هي عليه بالفعل. لهذه الأسباب، يدعو المؤرخ المحللين إلى التوقف عن التساؤل عما يجعل دولة ما قوة عظمى والبدء باستخدام مصطلح آخر وهو "القوة كاملة الطيف".
القوة كاملة الطيف
ويشير الكاتب إلى أن مصطلح "القوة العظمى" لم يكن مفيدا على الإطلاق، وأن مصطلح "القوة كاملة الطيف" هو المصطلح الأكثر دقة والأكثر فائدة.
ويقصد الكاتب بـ "الطيف" القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية مجتمعة. فعشية الحرب العالمية الأولى، كان يُعتقد أن أوروبا تهيمن عليها قوى عظمى: النمسا-المجر، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، روسيا، المملكة المتحدة. لكن الحرب أظهرت أنه لم يكن هناك سوى قوتين أوروبيتين مهيمنتين: ألمانيا والمملكة المتحدة.
وكانت روسيا تبدو للمحللين قوة نووية وتقليدية مدججة بالسلاح قادرة ومستعدة لفرض إرادتها، ليس فقط على جيرانها ولكن على بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فهي "قوة عظمى". لكن تحت هذه الصورة المروعة للكرملين كانت هناك صورة رثة عن العناصر الأساسية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية للقوة، وكلها توحي بأن روسيا يمكن وصفها بأي شيء إلا العظمة.
قليل من الدول حققت اكتمال طيف القوة
وخلال 150 عاما الماضية -يقول الكاتب- لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدول "كاملة الطيف" مثل الولايات المتحدة التي أصبحت أكبر اقتصاد في العالم في وقت ما في تسعينيات القرن 19، وكان لديها القليل من المخاوف الأمنية مقارنة بمعظم البلدان، كما كانت المملكة المتحدة قوة كاملة الطيف من أواخر القرن 19 حتى عام 1943.
وأضاف المؤرخ الأميركي أن السياسة والمجتمع يشكلان القوة ويستخدمانها أكثر بكثير مما يعترف به العديد من الباحثين الواقعيين، وأن الدول تتنافس على النفوذ العالمي بطرق مختلفة، وغالبا ما تتلخص هذه الاختلافات في من يقود، ونوع النظام الذي يقوده، وما إذا كانت مجتمعاتهم تساعد أو تعيق ممارسة السلطة.
دور المجتمع
وأشار الكاتب إلى أن الدور الذي تلعبه المجتمعات في تحديد متى وكيف يتم نشر القوة العسكرية معقد. فبعض المجتمعات أكثر دعما للتوسع العسكري من غيرها، وبعض المجتمعات تنقل الأفكار بشكل أكثر كفاءة وإبداعا وتطورا أو تتبنى التطورات التكنولوجية -وكلاهما مفتاح لتوليد القوة العسكرية- بينما نجد لدى البعض الآخر أولويات مختلفة. ويبدو أن بعض المجتمعات تفضل العمل العسكري الذي يتجاوز بكثير ما تستطيع حكوماتهم القيام به.
وليس من السهل قياس الالتزام المجتمعي -حسب رأي أوبراين- لكن من الواضح أنه يحدث فرقا كبيرا، على سبيل المثال في حرب أوكرانيا. فرغم أن القادة الروس يحبون التحدث عن التضحية الوطنية، إلا أنهم لم يطلبوا من النخب في موسكو أو سان بطرسبرغ المشاركة في الحرب. وعلى النقيض من ذلك، حشدت أوكرانيا شريحة واسعة من المجتمع. ولا تظهر مثل هذه الاختلافات المجتمعية في حسابات الواقعيين الذين بدت كتاباتهم قبل اندلاع الحرب وكأنها تحرم الأوكرانيين من أي قرار في تحديد مستقبل بلدهم "ولحسن الحظ، اعتقد الأوكرانيون خلاف ذلك".
لو كانت أوكرانيا تمتلك أي شيء قريب من الترسانة التي تمتلكها اليوم -بمجموعة الأسلحة الحديثة المتوافقة مع معايير الناتو- لكان الجيش الروسي قد تعرض بالفعل لهزيمة كاملة في وقت مبكر.
وأوضح الكاتب أن الالتزام المجتمعي يوجد غالبا في الأنظمة السياسية المرنة والتعددية، التي حققت أكبر قدر من النجاح في الحفاظ على سلطة كاملة الطيف، مضيفا أن مثل هذه الأنظمة تخلف قوة عسكرية أكثر قابلية للتكيف وأقل عرضة لأهواء الدكتاتور. ولذلك نجد أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد نجحتا في الوصول إلى مستوى القوة كاملة الطيف، بينما فشلت ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي في التكيف مع الظروف المتغيرة، وبالتالي تضاءلت قوتهما.
فهم سلطة الدولة
واستمر يقول إن سوء فهم سلطة الدولة كانت له عواقب وخيمة السنوات القليلة الماضية، ويمكن أن يكون لذلك المزيد من الكوارث في المستقبل. فلا شك أن ميل صانعي السياسة الغربيين إلى المبالغة في تقدير القوة الروسية قد أثر على قراراتهم بالحد بشدة من الدعم العسكري لأوكرانيا قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ جادل كثيرون بأن الغرب لا ينبغي أن يسلح أوكرانيا، لأن الأسلحة الغربية لن تحدث فرقا كبيرا في الحرب بل إنها ستحدث أمورا أسوأ من خلال إعطاء أوكرانيا فكرة خاطئة عما يمكن أن تحققه.
وأوضح أن هذه العقلية ساعدت في الحد من المساعدات لأوكرانيا طوال فترة الحرب، مما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا من كلا الجانبين وإطالة الصراع. ولو كانت أوكرانيا تمتلك أي شيء قريب من الترسانة التي تمتلكها اليوم -بمجموعة الأسلحة الحديثة المتوافقة مع معايير الناتو- لكان الجيش الروسي قد تعرض بالفعل لهزيمة كاملة في وقت مبكر.
المصدر : فورين أفيرز
=====================
لوفيغارو : متى يدرك بوتين أنه هو من يصنع مصائبه بنفسه؟
الجزيرة
السبت 1/7/2023
تساءلت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هل كان يعيش في برج عاجي منفصلا عن الواقع، عندما وصف تمرد مجموعة فاغنر بأنه "طعنة في ظهر روسيا وشعبها"، مشبها ذلك "بالضربة التي تعرضت لها روسيا عام 1917، أثناء مشاركتها في الحرب العالمية الأولى، حين سرق منها النصر، وأصبحت مسرحا للمؤامرات والمشاجرات والسياسات من وراء ظهر الجيش والشعب، مما أدى إلى تدمير الجيش وانهيار الدولة وخسارة مساحات شاسعة من أرضها وحرب أهلية مأساوية في النهاية.
وفي عموده بالصحيفة، تساءل رينو جيرار: كيف لرئيس روسيا أن يقارن فكريا بين الأحداث الدرامية والتاريخية لثورة 1917 وظاهرة التمرد الصارخ لفيلق صغير من المرتزقة هو من ساهم في خلقه؟ مشبها بوتين بفرانكنشتاين في خوفه من مخلوقه بريغوجين الذي صنعه بيديه من الصفر في مختبرات الكرملين.
ورأى الكاتب أن الأيديولوجيا التي أعمت الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عندما قرر غزو العراق عام 2003، معتقدا أنه يفعل الخير، هي نفسها التي تعمي بوتين الذي انتهى به المطاف إلى تصديق ما يقوله من أنه يقوم بعمل جيد بغزوه لأوكرانيا، وتساءل الكاتب هل سيدرك الرئيس الروسي في النهاية أنه هو من يصنع المصائب لنفسه؟
وخلص رينو جيرار إلى أن بوتين عندما ذهب إليه رئيس وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز في خريف عام 2021، لثنيه عن ارتكاب خطأ غزو أوكرانيا، كانت بلاده في ذروة عزها، تبيع غازها للأوروبيين الذين يستثمرون فيها بالمقابل، وتبدو على قدم المساواة مع أميركا، وهي محترمة، ولها أصدقاء وأفضل العلاقات مع دول العالم، ومع الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.
وختم الكاتب بحث الغرب على الاستمرار في حماية أوكرانيا من جنون الكرملين دون الابتهاج بالمصيبة الروسية، لأن مصلحته على المدى الطويل هي ألا تغرق روسيا أبدا في الفوضى أو في الفلك الصيني، بل أن تنضم إلى الأسرة الأوروبية التي ربطتها بها ثقافتها منذ القرن الـ18.
المصدر : لوفيغارو