الرئيسة \
تقارير \ مؤتمر وحدة الموقف لمكونات الشعب السوري.. هل هو فعلًا حلف للأقليات؟
مؤتمر وحدة الموقف لمكونات الشعب السوري.. هل هو فعلًا حلف للأقليات؟
13.08.2025
حسان الأسود
مؤتمر وحدة الموقف لمكونات الشعب السوري.. هل هو فعلًا حلف للأقليات؟
حسان الأسود
سوريا تي في
الثلاثاء 12/8/2025
عقدت مجموعة من القوى السياسية والمدنية والمجتمعية في مدينة الحسكة يوم الجمعة بتاريخ 8 آب/أغسطس 2025 ما أطلقت عليه تسمية: "كونفرانس وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا".
وقد أصدر المؤتمرون بيانًا ختاميًا تضمّن الإشارة إلى وجود وثيقة منبثقة عنه سيتم الإعلان عنها في قادم الأيام، كما أوردوا جملة من المواقف، أهمها:
· الإعلان الدستوري الراهن لا يلبّي تطلعات الشعب السوري، مما يستدعي إعادة النظر فيه بما يضمن تشاركية أوسع وتمثيلًا عادلًا في المرحلة الانتقالية.
· ضرورة ترسيخ التعدد القومي والديني والثقافي في البنى السياسية والإدارية، وضمان تمثيل كافة المكونات بما يعزز من وحدة المجتمع.
· يتطلب تحقيق المصالحة الوطنية إطلاق مسار فعلي للعدالة الانتقالية، يقوم على كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر من دون تمييز، وضمان عدم التكرار.
· الحل المستدام يمرّ عبر دستور ديمقراطي يكرّس ويعزز التنوع القومي والثقافي والديني، ويؤسّس لدولة لا مركزية تضمن المشاركة الحقيقية لكافة المكونات في العملية السياسية والإدارية.
· أهمية إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية بما ينسجم مع الواقع الديمغرافي والتنموي لسوريا، ويعكس الخصوصيات الجغرافية والتاريخية والثقافية للمجتمعات المحلية.
· الدعوة لعقد مؤتمر وطني سوري جامع وشامل، تشارك فيه مختلف القوى الوطنية والديمقراطية، بما يسهم في رسم الهوية الوطنية الحقيقية الجامعة لكل السوريين.
بالمقابل، ردّت الحكومة السورية في اليوم التالي على هذا المؤتمر بلسان متحدّث رسمي لم تذكر وكالة سانا للأنباء اسمه، وقد جاء في ردّها ما يلي:
· المؤتمر شكّل ضربة لجهود التفاوض الجارية.
· ندعو قسد للانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 آذار.
· ما جرى في شمال شرقي البلاد لا يمثل إطارًا وطنيًا جامعًا.
· استضافة شخصيات انفصالية خرق واضح لاتفاق 10 آذار.
· نرفض فرض أي رؤية على شكل الدولة السورية بالقوة أو السلاح.
· المؤتمر محاولة لتدويل الشأن السوري واستجلاب التدخلات الأجنبية.
· الحكومة تدين استضافة شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية.
· شكل الدولة يُحسم عبر دستور دائم واستفتاء شعبي بمشاركة جميع السوريين.
· ندعو الوسطاء الدوليين لنقل المفاوضات إلى دمشق باعتبارها العنوان الشرعي للحوار.
· التحالف في شمال شرقي سوريا هش ويضم أطرافًا متضررة من انتصار الشعب السوري.
· لن نشارك في اجتماعات باريس المقبلة مع قسد، ولن نجلس مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد.
تحضر في الخلفية الظروف المعقّدة التي تشمل التدخّل الإسرائيلي السافر في سوريا، وبالأخص في الجنوب، والتهديدات المستمرة بفرض منطقة منزوعة السلاح، والتهديد بإقامة ممر "داوود" وصولًا إلى نهر دجلة شمالي سوريا.
واضحٌ أنّ المؤتمر جاء نتيجة لتحضيرات مسبقة أخذت وقتها، وهو برعاية مباشرة من مجلس سوريا الديمقراطية وبحماية من قواتها العسكرية (قسد). أمّا مشاركة جهات محسوبة على القبائل أو المكونات القومية والدينية الأخرى في المنطقة، فهو تحصيل حاصل طالما أنّ (مسد وقسد وإدارتهما الذاتية) تضمّ في تركيبتها السياسية والعسكرية والإدارية كثيرًا من هؤلاء من دون وزن فعلي في صنع القرار. وكان لافتًا للنظر مشاركة الشيخ غزال غزال متحدثًا باسم العلويين، والشيخ حكمت الهجري متحدثًا باسم الدروز، مما أعطى الوجاهة لوصف المؤتمر من جهة معارضيه بأنه مؤتمر الأقليات. ومما زاد الطين بلّة، خطاب الشيخ الهجري المصوّر في اليوم التالي للمؤتمر، والذي شكر فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلي على موقفها ودعمها للدروز وحمايتهم مما أطلق عليه تسمية "الهجوم الإرهابي على السويداء".
يتقاطع هذا الموقف بوضوح مع تصريحات سابقة لقادة في قسد، ترى في التواصل مع الإسرائيليين ودعمهم شيئًا عاديًا لا يمكن اعتباره مثلبة وطنية، بل هو حنكة سياسية أو تعامل مع الواقع كما هو، من منطلق المصلحة البحتة.
شعبيًا، تباينت ردود الفعل بين السوريين ـ كما العادة والطبيعي ـ حول هذا المؤتمر، بين رافضٍ مستنكر أو متحمّس بشدّة أو مترقّبٍ متشكك غير مستعجل، أو غير مكترث بالأساس في كل ما يجري. وقد أتى المؤتمر في ظروف داخلية معقّدة جدًا، بعد أحداث الساحل وصحنايا وتفجير كنيسة مار إلياس وأحداث السويداء الراهنة.
إقليميًا، تحضر في الخلفية الظروف المعقّدة التي تشمل التدخّل الإسرائيلي السافر في سوريا، وبالأخص في الجنوب، والتهديدات المستمرة بفرض منطقة منزوعة السلاح، والتهديد بإقامة ممر "داوود" وصولًا إلى نهر دجلة شمالي سوريا، وأخيرًا تنصيبها نفسها حامية للأقلية الدرزية، التي انجرّ بعض أطرافها وراء هذا الوهم مصدقين أنّ الاستجارة بالنار الإسرائيلية ستقيهم حر الرمضاء التي يصمون الحكومة السورية بها.
يمكن القول بوضوح إن هذه الانشغالات السياسية الخارجية جميعها لا تنفي جوهر الانقسام الداخلي السوري.
تحضر في الصورة أيضًا زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق قبل يوم من هذا المؤتمر، والنظر فيما يمكن أن يكون قد بحثه مع الرئيس الشرع، ولم تتطرق إليه وسائل الإعلام. الصراع على أشدّه بين المعسكرات الثلاثة المؤثرة في سوريا: العرب والأتراك من جهة، والإسرائيليين من جهة ثانية، ثم هناك الأدوات الخفيّة التي لا تزال حاضرة/غائبة والتي تتلقى دعمها من إيران، وهذه لها ارتباطاتها أيضًا بما يجري في لبنان، وهذا كله مرتبط بسوريا بشكل لا فكاك منه.
رغم كل ما سبق، فإنه يمكن القول بوضوح إن هذه الانشغالات السياسية الخارجية جميعها لا تنفي جوهر الانقسام الداخلي السوري، بل تتكامل معه لتصنع المشهد السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي الراهن. وإذا كان من الممكن التلميح لبعض ارتباط المصالح الخارجية مع "مؤتمر وحدة الموقف في الحسكة"، إلا أنه من غير الممكن ربط هذه المصالح بجميع المطالبات السورية بإعادة تقويم مسار العملية الانتقالية.
القول بأن المناشدات والمبادرات المقدّمة من عدد لا بأس به من القوى والشخصيات السورية المشهود لها بالوطنية أو الثورية، هو جزء من المؤامرة على سوريا الجديدة، هو ضرب من دفن الرأس في الرمال بدل مناقشتها من قبل السلطة السياسية بجدية، وأخذها بعين الاعتبار على أنها مؤشرات ناعمة لعدم القبول بالمسار الحالي.
ليس كل من يطالب السلطة السياسية بالعدول عن مسارها الذي اختطته بدءًا من مؤتمر إعلان النصر وحتى اليوم هو خائن أو متآمر أو من الفلول أو من عملاء إيران أو إسرائيل. هناك شرائح واسعة لم تقبل من السلطة الجديدة استئثارها الكامل بالدولة، انطلاقًا من مبدأ: "من يحرر يقرر".
قد يكون المؤتمر حلفًا للأقليات، وقد يكون هناك ارتباط بين بعض القائمين على "مؤتمر وحدة الموقف" وإسرائيل أو غيرها، أو قد يكون هناك تقاطع مصالح على الأقل بين بعض الفرقاء وغيرها من الدول أو القوى الإقليمية، لكن المطالب التي رفعها المؤتمر هي مطالب مشروعة، ويتكلم بها كثير من السوريين والسوريات، خاصة إذا ما أخذنا الأمور وفق القاعدة القائلة: "تجري الأحكام على الظاهر والله أعلم بالسرائر".
ولا يعيب الديمقراطية ولا الليبرالية ولا العلمانية أن يطالب بها شيوخ قبائل أو شيوخ عقل أو رعاة كنيسة أو رجال دين، لكن يعيب الدولة أن تعلن عن هويتها باسم جزء من الشعب بمواجهة جزء آخر منه، مهما كان بنظرها هذا الجزء صغيرًا أو غير مهم، خاصة وأن السلطة السياسية في دمشق لم تدخر جهدًا في إعطاء رجال الدين أدوارًا في الدولة ومؤسسات الحكم أكبر حجمًا وأكثر تأثيرًا مما تتهم به خصومها في المؤتمر المذكور.
الطريق إلى سوريا الجديدة طويل وشائك، ونحن جميعًا مسؤولون أمام أنفسنا وأمام أحفادنا وأمام الله عمّا نصنعه اليوم، فطوبى لمن آثر سوريته على أي انتماء آخر.