الرئيسة \  تقارير  \  لماذا تفشل جهود وقف النزاعات المسلحة في أفريقيا؟

لماذا تفشل جهود وقف النزاعات المسلحة في أفريقيا؟

21.06.2023
أسامة السعيد



لماذا تفشل جهود وقف النزاعات المسلحة في أفريقيا؟
القاهرة: أسامة السعيد
الشرق الاوسط
الثلاثاء 20/6/2023
في الوقت الذي تسعى فيه دول بالقارة إلى حشد الدعم لمبادرتها لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث التقى وفد من الدول الست صاحبة المبادرة قادة البلدين المتحاربين، تتواصل وتيرة الصراعات والنزاعات المسلحة في القارة الأفريقية، التي تحتل صدارة قارات العالم معاناة من النزاعات، وفق تقارير دولية.
ويرى مراقبون وخبراء في الشأن القاري تحدثوا إلى “الشرق الأوسط” أن مساعي دول بالقارة إلى إطلاق مبادرتها لوقف إطلاق النار في أوروبا، “لا تتعارض مع حقيقة أن الكثير من البؤر المشتعلة بالصراعات في القارة الأفريقية لا تزال بلا حل، وأحدثها الصراع في السودان”، وأن أفريقيا كانت الأكثر تضرراً من الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً على أن الصراعات الداخلية في القارة تتسم بدرجات عالية من التعقيد والتشابك، يجعلها أحياناً “مستعصية الحل بما يفوق حتى بعض الأزمات الدولية”.
وتعاني القارة الأفريقية حالياً خليطاً من الصراعات والنزاعات المسلحة، معظمها داخلي، بسبب الصراع على السلطة أو الثروة، أو كلتيهما معاً، إضافة إلى انتشار الصراعات العرقية والقبلية، وكذلك التمدد اللافت لتنظيمات إرهابية في مناطق واسعة من شمال ووسط القارة ومنطقة الساحل والصحراء.
ووفق تقرير أممي صادر عام 2021 فإن من بين 41 صراعاً مستمراً حتى الآن في العالم، يدور 23 منهم في أفريقيا، بما يمثل 56 في المائة من صراعات العالم، وخلال العامين الأخيرين اندلعت صراعات جديدة، كان أبرزها الصراع الحالي في السودان، إضافة إلى مجموعة من الانقلابات العسكرية في عدد من دول القارة.
وأشار تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن الصراع في إثيوبيا (قبل وقف إطلاق النار)، وانتشار الإرهاب في دول الساحل والصحراء بأفريقيا، يأتيان ضمن قائمة الصراعات العشرة الأكثر بروزاً خلال 2022.
هذا الواقع الصعب تراه ريبيكا جلوبيغوفيتش، الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية بجامعة بريتوريا في جنوب أفريقيا “أمراً متكرراً” في معظم الدول الأفريقية، وتشير إلى أن “كل دول القارة شهدت صراعات بشكل أو بآخر في مراحل متعددة من تاريخها”.
وتضيف ريبيكا لـ”الشرق الأوسط” أن أفريقيا تمثل ساحة لصراعات متداخلة الأسباب والأنماط، فمن المعتاد أن تشهد بعض المناطق في القارة صراعات مسلحة على خلفية الصراع على السلطة، خصوصاً في مرحلة ما بعد الاستقلال، وعدم رسوخ مؤسسات دستورية منتخبة ديمقراطياً في كثير من دول القارة، إضافة إلى الصراعات على الثروة، والحروب القبلية والعشائرية المنتشرة أفريقيا، وهناك أيضاً حروب دينية ومذهبية.
وتذهب الباحثة في الشؤون الأفريقية إلى أن الظروف والتحولات الهشة التي مرت بها معظم دول القارة في مرحلة النضال من أجل الاستقلال إلى صراع ما بعد الاستقلال، إلى البحث عن الاستقرار وعمليات بناء الدولة، تركت ندوباً وقضايا لم تُحسم على نحو جذري وهو ما خلق مصادر متجددة للصراعات بالقارة”.
ومن جانبه، يبدي رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية، اتفاقاً مع الطرح السابق، إذ يشير إلى أن الصراعات في القارة الأفريقية “أكبر وأعقد من أن تُحصى”، لافتاً إلى أن مبادرات الحل الكثيرة التي شهدتها العقود الستة الماضية في القارة نجحت في تحقيق نجاحات محدودة بالنظر إلى التعقيدات التي تتسم بها الصراعات في القارة.
ويضيف زهدي لـ”الشرق الأوسط” أن معظم الصراعات في القارة هي صراعات داخل الدولة، وليس بين دول القارة إلا فيما ندر، موضحاً أن التشابكات الإثنية والقبلية والدينية في المجتمعات الأفريقية أضفت مزيداً من التعقيد على الصراعات السياسية في دول القارة.
وأشار إلى أن الصراعات على السلطة والثروة في الكثير من دول القارة ترتبط بطبيعة التكوين المجتمعي في تلك الدول، ومعظمها يعاني من غياب آليات الديمقراطية، وانتشار الإقصاء السياسي، إذا تجد كثير من القوى السياسية داخل الدول الأفريقية صعوبة في إدارة اختلافاتها بلغة الحوار، وتلجأ إلى حسمها بقوة السلاح.
وفي هذه المسألة تطرح ريبيكا جلوبيغوفيتش عاملاً تراه بالغ التأثير في النزاعات المسلحة المزمنة داخل الدول الأفريقية، المرتكزة على العنف السياسي وهو التوافر الجاهز للأسلحة الصغيرة والخفيفة، وانتشار تلك الأسلحة في أيدي الكثير من التنظيمات والجماعات داخل دول القارة، ما يجعلها قادرة على التدخل لفرض وجهة نظرها بالقوة، وبالتالي تنتشر ظاهرة الانقلابات المسلحة في قوس واسع من دول القارة.
وفي المقابل، يضيف رامي زهدي عاملاً آخر يبدو مرتبطاً بالصراع على القارة من جانب قوى دولية، فيشير إلى استمرار نفوذ قوى الاستعمار القديم والجديد على حد سواء، وبعضها يستخدم إذكاء تلك الصراعات وسيلة لخدمة مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية.
لكن زهدي يؤكد أنه من الإجحاف القول إن القارة الأفريقية كانت عاجزة عن طرح مبادرات لحل النزاعات داخلها، ويشير إلى نجاح الاتحاد الأفريقي في المساهمة بدور فاعل في إنهاء الحرب في إثيوبيا، في مقابل عدم القدرة على حسم صراعات أخرى مثل الأزمة الليبية والسودانية حتى الآن، لكنه يؤكد أيضاً أن المجتمع الدولي نفسه لم يقدم حلولاً قادرة على إنهاء تلك الصراعات.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقّعت الحكومة الإثيوبية اتفاقاً للسلام مع جبهة تحرير شعب تيغراي برعاية الاتحاد الأفريقي ودعم أميركي لإنهاء عامين من الحرب الأهلية، راح ضحيتها الآلاف، وشهدت جرائم حرب من طرفي الصراع وفق تقارير دولية.
ويضيف الخبير في الشؤون الأفريقية أن استمرار الصراعات في أفريقيا يجب ألا يقف حائلاً أمام مساعي دول القارة للعب دول أكبر على الساحة الدولية، ومحاولة البحث عن حل لصراعات كبرى كالحرب الروسية الأوكرانية، مشيراً إلى أن تلك المبادرة تعكس حجم التضرر الأفريقي من الأزمة.