لاريجاني في المنطقة.. على سوريا أن تحترس
23.08.2025
محمد فواز
لاريجاني في المنطقة.. على سوريا أن تحترس
محمد فواز
سوريا تي في
الخميس 21/8/2025
في أول تحرك خارجي لافت منذ تعيينه على رأس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قام علي لاريجاني بجولة في المنطقة شملت العراق ولبنان، في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا.
من حيث الشكل والإعلانات الرسمية، فان لاريجاني التقى في بغداد كبار المسؤولين العراقيين لبحث ملفات التعاون الأمني والسياسي، وتنسيق المواقف في مواجهة التحديات المشتركة، ولا سيما ما يتصل بالحدود والضغوط الخارجية المتصاعدة. أما على مستوى الرسائل السياسية، فقد جاءت الجولة لتؤكد أنّ إيران ماضية في الانخراط المباشر في معادلات المنطقة، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره تهديدًا لمصالحها أو محاولات لعزلها.
لم يختلف المشهد في بيروت، فقد التقى علي لاريجاني الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا، ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وكذلك رئيس الحكومة نواف سلام في السراي الحكومي، مؤكدا استعداد ايران للتعاون مع لبنان وتعزيز صموده ولكن برسالة أن المقاومة مستمرة وفكرة قطع يد إيران من لبنان والمنطقة لن تقبل بها الأخيرة.
بالمقابل، فقد صعّدت واشنطن تهديداتها وقطعت التمويل عن هيئة الحشد الشعبي في سابقة من نوعا، في محاولة لتجفيف منابع قوّة النفوذ الإيراني هناك. وعلى الرغم من أنّ البرلمان العراقي، الذي يهيمن عليه الإطار التنسيقي المقرّب من طهران، حاول تمرير قانون يشرعن وضع الحشد ويوفر له غطاءً رسميًا أكثر تعزيزا من قبل، إلا أنّه عجز عن ذلك تحت وطأة الضغوط والتهديدات الأميركية المباشرة. الأمر نفسه في لبنان فقد قررت الحكومة اللبنانية خلال جلستين متتاليتين اعتماد خطة زمنية — مدعومة أميركيًا — لسحب سلاح حزب الله وتسليمه للدولة، أثار ذلك ردود فعل متصاعدة من قيادة الحزب.
في الجلسة الأولى، صوّت المجلس الوزاري، برئاسة الرئيس جوزيف عون، لصالح “أهداف” خطة تقضي بأن تُصبح القوات المسلحة اللبنانية وحدها حاملة للسلاح، ويُسند إلى الجيش مهمة إعداد خطة تنفيذية بحلول نهاية العام في حين لم تخرج الجلسة الثانية عن نسق الجلسة الأولى.
هذه التحركات الأميركية الشرسة -دبلوماسيا حتى الآن- تؤكد أنها مستمكة بقرارها قطع يد إيران من المنطقة.
على المقلب الآخر، فإن أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أكد أن قرار الحكومة اللبنانية بسحب سلاح الحزب يصبّ في خدمة “المشروع الإسرائيلي-الأميركي” ويهدّد جوهر المقاومة، معلنًا رفضه القاطع لأي خطوة من هذا النوع في ظل استمرار إسرائيل في احتلال أراضٍ عربية وشنّ غارات متواصلة. وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس كتلة الحزب في البرلمان، محمد رعد، أنّ التخلّي عن السلاح سيكون بمثابة "انتحار" وتسليم للعدو، مؤكّدًا أنّ هذا السلاح يمثّل الضمانة الأساسية للكرامة والسيادة الوطنية.
في العراق، كذلك فان الحركة الإيرانية المكثّفة ورسائل لاريجاني تؤكد أن الاستسلام للمطالب الأميركية لن يكون.
هذا التحوّل من موقع النفوذ والتأثير المباشر إلى موقع المواجهة والرفض مثّل انعطافة حادة في علاقة لبنان بإيران، بل وصل إلى درجة صدمت لاريجاني نفسه وأوساط القرار في طهران.
أين سوريا من هذا؟
في ما يخصّ سوريا، كان موقف علي لاريجاني لافتًا في مقابلة مع قناة "الميادين"، حيث قال إنّ تطبيع العلاقات بين إيران وسوريا ممكن لكنه يبقى مشروطًا، موضحًا أنّ ذلك يعتمد على "تصرفات الحكومة السورية الحالية". وانتقد لاريجاني ما وصفه بـ"الوضع المشوّش وغير الواضح" في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، معتبرًا أنّ التطورات هناك فاجأت الجميع، بمن فيهم روسيا والدول التي كانت تدعم النظام السابق. وفي سياق متصل، كشف أنّ زيارته السابقة إلى دمشق جاءت بدعوة شخصية من الأسد نفسه، لا بدافع توقع انهيار النظام. غير أنّ الرسالة الأبرز في الجولة الأخيرة تمثّلت في منع السلطات السورية مرور طائرته عبر أجوائها في أثناء انتقاله من بغداد إلى بيروت، وذلك في إطار سياسة جديدة تتّبعها دمشق منذ كانون الثاني/يناير الماضي، تقضي بحظر دخول الطائرات الإيرانية. هذا التطور يعكس بوضوح حقيقة العلاقة بين البلدين في مرحلتها الراهنة، ويؤشر إلى برود وجفاء غير مسبوق.
أما في لبنان، فقد كانت صدمة لاريجاني كبيرة؛ إذ سمع كلامًا قاسيًا من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية الذي لم يرتب لقاء معه لما تسرب من كلام عنه أساسا، في وقت كان هو وغيره من المسؤولين الإيرانيين يجولون في بيروت وكل لبنان خلال السنوات الماضية باعتبارهم أنهم أصحاب الكلمة الفصل فيها. هذا التحوّل من موقع النفوذ والتأثير المباشر إلى موقع المواجهة والرفض مثّل انعطافة حادة في علاقة لبنان بإيران، بل وصل إلى درجة صدمت لاريجاني نفسه وأوساط القرار في طهران.
إنّ أيّ تصعيد في لبنان أو العراق لن يكون معزولًا عن الساحة السورية. فالدولة المحورية الواقعة في قلب المشرق، والتي تخشى إيران استقرارها تحت القيادة الجديدة، لن تكون بعيدة عن التوترات المقبلة.
سوريا ليست بعيدة عن هذا المشهد. فخطاب حزب الله لا يكاد يخلو من التذكير بسوريا ونظامها الجديد، غالبًا من باب التخويف والتهويل، كما أنّ الأيادي الإيرانية كانت حاضرة في خلفيات عدد من أعمال التخريب داخل سوريا. ولم يعد خافيًا أنّ الرؤية الإيرانية تجاه سوريا تعتبر أنّ النظام القائم غير مستقر- كما صرح لاريجاني-، وهذا ما يضمر حقيقة أن نسج علاقات طيبة مع سوريا ليست الخيار الموجود على الطاولة لأنه لن تكون بل بالسعي لاهتزاز النظام نفسه في سوريا ومحاولة إيران استعادة شيء من حضورها في سوريا عندما تموج. هذا الخيار يتعزّز في ظلّ المشهد الإقليمي المتوتر، حيث تصرّ الولايات المتحدة على تقليص نفوذ إيران ونزع سلاحها في المنطقة، فيما تتمسك طهران وحلفاؤها بعدم السماح بتحقيق ذلك.
وانطلاقًا من هذه المعادلة، فإنّ أيّ تصعيد في لبنان أو العراق لن يكون معزولًا عن الساحة السورية. فالدولة المحورية الواقعة في قلب المشرق، والتي تخشى إيران استقرارها تحت القيادة الجديدة، لن تكون بعيدة عن التوترات المقبلة. ومع ازدياد الضغط الإسرائيلي جنوبًا، واستمرار تعليق المشكلات الداخلية، يصبح المشهد السوري مرشحًا لمزيد من الضغط الإيراني المباشر وغير المباشر. وهذا ما يجعل من الضروري تعزيز اللحمة الداخلية في سوريا، وسدّ الثغرات، استعدادًا لمواجهة استفحال الضغوط الخارجية إسرائيليا كما إيرانيا وتفادي تحوّل الساحة السورية إلى الحلقة الأضعف في لحظة إقليمية بالغة التعقيد.