الرئيسة \
تقارير \ قراءة في المهلة الأميركية التركية لإدماج "قسد" في الدولة السورية
قراءة في المهلة الأميركية التركية لإدماج "قسد" في الدولة السورية
31.07.2025
فايز الأسمر
قراءة في المهلة الأميركية التركية لإدماج "قسد" في الدولة السورية
فايز الأسمر
العربي الجديد
الاربعاء 30/7/2025
بعد أكثر من ثمانية أشهر، لا يزال ملف دمج ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في الحكومة السورية الجديدة عالقًا ويراوح مكانه، رغم كل المباحثات والتفاهمات التي أُجريت في شهر آذار الماضي، والتي أفضت إلى إمكانية توقيع اتفاق رسمي بين الطرفين لتحقيق هذا الهدف.
ولكن، للأسف، لا تزال "قسد"، المدعومة أميركيًا، متمسكة برؤيتها التعجيزية، عبر اشتراطها على القيادة السورية قبول نظام اللامركزية السياسية واحتفاظها بـكتلة عسكرية مستقلة، الأمر الذي يعيد المباحثات في كل مرة إلى نقطة الصفر بسبب رفض دمشق القاطع لهذا الطرح.
باتت تلك المهَل التي منحتها الدولة السورية للميليشيات لتنفيذ بنود اتفاق "10 آذار" بين "مظلوم عبدي" والرئيس أحمد الشرع مجرد محاولات دون جدوى. ويتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار، واندماج قسد الكامل في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تفاهمات أخرى. إلا أن قيادات تلك الميليشيات تُماطل وتشتري الوقت، محاولةً التهرب من تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها.
إن أنقرة تتابع بدقة جولات التفاوض الصعبة بين دمشق وقسد لتنفيذ اتفاق آذار، لكن، في حال استمرار المماطلة ورفض قسد الاندماج الكامل ضمن مؤسسات الدولة، فلا خيار سوى الحل العسكري.
لكن إلى متى؟
وإلى أي مدى يمكن للدولة السورية أن تواصل صبرها وتغليب الحوار على الخيار العسكري؟
هذا الصبر يأتي من حرص دمشق الصادق على صون الدم السوري، واعتبار أن كل نقطة دم تُراق في صراع داخلي بين أبناء الوطن الواحد من مختلف الإثنيات والطوائف هي دم حرام، ولا يمكن التساهل معها إلا في سبيل وحدة الأرض والدولة والشعب.
من جانب آخر، كررت القيادات التركية مرارًا أنها قبلت عرض دمشق بإعطاء فرصة للمفاوضات الدبلوماسية مع قسد على أمل الوصول إلى حل يُرضي جميع الأطراف. وعليه، فإن أنقرة تتابع بدقة جولات التفاوض الصعبة بين دمشق وقسد لتنفيذ اتفاق آذار، لكن، في حال استمرار المماطلة ورفض قسد الاندماج الكامل ضمن مؤسسات الدولة، فلا خيار سوى الحل العسكري.
وقد أظهرت أنقرة في عملياتها السابقة (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) عزمها الواضح على رفض وجود أي كيان مسلح قرب حدودها لا يكون مندمجًا فعليًا في جيش الدولة السورية. يأتي هذا الموقف أيضًا بعد الإعلان التاريخي لحزب العمال الكردستاني على لسان قائده عبد الله أوجلان بنهاية التمرد والعمل المسلح الذي استمر لأكثر من أربعة عقود.
أما اللقاء الثاني بين الرئيس أحمد الشرع ووفد قسد برئاسة مظلوم عبدي في بداية تموز، بحضور المبعوث الأميركي توماس براك، فقد جاء مخيّبًا للآمال، بعيدًا عن تطلعات دمشق وأنقرة. أصر عبدي خلال اللقاء الذي عُقد في قصر الشعب على إقامة حكم "لا مركزي"، وهو ما ترفضه الدولة السورية رفضًا قاطعًا، وتراه محاولة مدعومة خارجيًا لفرض واقع انفصالي، خاصة من قبل أطراف معادية في مقدمتها إسرائيل.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في السويداء دعم تل أبيب المباشر لمليشيات درزية مسلحة بقيادة ما يُسمى "الشيخ حكمت الهجري"، والتي استهدفت رموز الدولة السورية بالقصف، في محيط القصر الجمهوري، ووزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان.
واشنطن تدرك ذلك تمامًا، ويبدو أن صبر دمشق وأنقرة بدأ بالنفاد. وقد أفادت صحيفة "ميدل إيست آي" مؤخرًا أن الجانبين الأميركي والتركي عبّرا عن امتعاضهما الشديد من مماطلة قسد، وخاصة رفضها حل هيكليتها العسكرية والسياسية، وتمسكها بما تسميه "الإدارة الذاتية".
قسد بدأت تدرك أن واشنطن لم تعد مهتمة بمطالبها التي تحاول فرضها على الدولة السورية.
وعليه، منحت الولايات المتحدة وتركيا قسد مهلة 30 يومًا لإنهاء عملية اندماجها الكامل مع الحكومة السورية، مع تحذير شديد اللهجة من المماطلة، والتنبيه إلى أن فشل الالتزام قد يؤدي إلى تداعيات سياسية وأمنية خطيرة.
ومن اللافت أن المبعوث الأميركي توماس براك دعا قسد للتخلي عن طموحاتها الفيدرالية لصالح دولة مركزية، مؤكدًا أن "النظام الفيدرالي لا يصلح في سوريا"، ومضيفًا أن "الطريق الوحيد أمام قسد هو الذهاب إلى دمشق".
ويبدو أن قسد بدأت تدرك أن واشنطن لم تعد مهتمة بمطالبها التي تحاول فرضها على الدولة السورية، كإدراج ضمانات دستورية لحقوق القومية الكردية. كما أن التصريحات الأميركية الأخيرة تُشير إلى تراجع في الدعم السياسي، وربما بداية تقليص للدعم العسكري أيضًا، خاصة بعد تقارب واشنطن مع دمشق.
تشير مؤشرات كثيرة إلى أن الولايات المتحدة لا ترى في قسد شريكًا استراتيجيًا طويل الأمد، بل مجرد أداة مؤقتة في مرحلة معينة، وربما تكون مهمتها في قادم الأيام المساعدة على تنظيم انسحاب القوات الأميركية من سوريا، خصوصًا مع إعلان ترامب سابقًا نيته إنهاء الوجود الأميركي، وبقاء ملف معتقلي "داعش" هو العقبة الأخيرة.
في هذا السياق، من المتوقع أن تُسلم الولايات المتحدة هذا الملف إلى الدولة السورية، بتنسيق وإشراف تركي، مما يعني أن قسد باتت تعي أن الأميركيين لن يبقوا إلى الأبد، وقد يغادرون قبل أن تتمكن من التوصل إلى اتفاق مع دمشق.
ختامًا
لا شك أن دمشق وأنقرة وواشنطن ترفض مجتمعة مطالب قسد الانفصالية، وتدعم رؤية واحدة:
"سوريا موحدة، بجيش واحد، ودولة واحدة".
هذا ما أكده بوضوح المبعوث الأميركي توماس باراك في تصريحات جديدة من نيويورك بعد اجتماع ضم ممثلي قسد، والحكومة السورية، ومسؤولين أميركيين وفرنسيين، حين قال:
"إذا لم تتفقوا، فلا تتفقوا، لكننا لن نبقى إلى الأبد"، مضيفًا أن فشل التوصل إلى اتفاق "قد يؤدي حتماً إلى خيارات صعبة بديلة".