الرئيسة \  تقارير  \  عودة السوريين من المنافي : طريق محفوف بالتحديات رغم سقوط الأسد

عودة السوريين من المنافي : طريق محفوف بالتحديات رغم سقوط الأسد

31.05.2025
هبة محمد



عودة السوريين من المنافي : طريق محفوف بالتحديات رغم سقوط الأسد
هبة محمد
القدس العربي
الخميس 29/5/2025
دمشق ـ “القدس العربي”: رغم سقوط نظام الأسد، لا تزال عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى وطنهم حلما مؤجلا يصطدم به عدد من التحديات، بينها غياب البنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية، وانعدام فرص كسب العيش.
ومنذ بداية الثورة، والسوريون تحديدا من اضطروا للهجرة واللجوء، “توجهوا بداية إلى دول الجوار أملا بالعودة السريعة إلى وطنهم. لكن مع طول أمد الحرب، وجد الكثيرون أنفسهم موزعين في مختلف أنحاء العالم، حيث أسسوا لحياة طويلة الأمد”، حسب ما قال الباحث السياسي طلال عبد جاسم لـ” القدس العربي”.
جاسم، وهو أحد مؤلفي كتاب “سوريا بين الحرب ومخاض السلام”، أضاف أن” سقوط النظام وتحول المشهد من فوضى إلى محاولة ضبط الأوضاع، إضافة إلى خطوات الإدارة السورية الجديدة، والدعم الإقليمي من السعودية وتركيا وقطر والأردن، الذي أسفر لاحقاً عن تخفيف العقوبات الغربية، فتح الباب واسعا أمام إمكانية العودة، حتى لدى من أسسوا مشاريعهم في دول المهجر”.
لكن، وفق جاسم، هناك عوائق العودة لا تزال كبيرة منها ما هو عام “مثل الأمن والأمان و الخدمات أي الكهرباء والماء والغاز والمشتقات النفطية والخدمات البلدية، ومنها ما هو متعلق بتوفر السكن اللائق وفرص العمل وتأمين سبل العيش ومنها موضوع الخدمات الصحية والعلاج”.
مع ذلك، هناك عوامل تشجع على العودة، أولها، وفق الباحث السياسي والاقتصادي، شكل الحكم المقبل في سوريا، ومدى قدرة الإدارة الجديدة على إدارة شؤون الدولة بكفاءة سياسية واقتصادية، إلى جانب مدى جديتها في تبني عقد اجتماعي جديد يُشعر جميع السوريين بأنهم شركاء حقيقيون في وطنهم.
من أبرز المعايير المحورية أيضا محاربة الفساد بآليات واضحة وشفافة. فإذا تسلل الفساد مجدداً إلى مفاصل الإدارة الجديدة، فسيكون عاملا طاردا لغالبية السوريين والسوريات، وربما السبب الأهم لعدم عودتهم. كما أن الوصول إلى مصالحة وطنية شاملة من شأنه أن يخفف من الضغائن والانقسامات العميقة التي تشقّ المجتمع السوري اليوم. المصالحة يجب أن تقترن بوجود قضاء عادل ومنصف يضمن الحقوق للجميع دون تمييز، وفق قوله.
الأولوية الأخرى تتمثل في تأمين فرص العمل، من خلال إشراف الدولة على المشاريع الاقتصادية وتوفير بيئة استثمارية محفزة تدير عجلة الاقتصاد وتوفر فرصا حقيقية للعيش. كذلك من الضروري فرض ضرائب على الأنشطة الاقتصادية الطفيلية التي تعتمد على الربح السريع، مقابل تقديم تسهيلات وإعفاءات للاستثمارات المنتجة، وخاصة في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات الأساسية.
ويُعد الاستثمار الأمثل لموارد البلاد وتطويرها خطوة ضرورية، على أن يتم التمهل والحذر في مسألة خصخصة مؤسسات القطاع العام أو بيع ممتلكات الدولة أو عرضها للاستثمار في ظروف غير مواتية.
واعتبر المتحدث أنه رغم أن العقبات لا تزال كثيرة، إلا أن الاستثمار في قطاعات اقتصادية ذو مردود سريع قد يشكّل الخطوة الأولى نحو التعافي، ويفتح الطريق أمام إعادة إحياء الاقتصاد الوطني، وبالتالي تسهيل عودة السوريين إلى وطنهم.
“القدس العربي” تفتح الملف… وتحاور عدداً من الباحثين
عودة اللاجئين والنازحين السوريين، خاصة إلى دمشق والمدن الكبرى، لا تزال تصطدم وفق ما قال مدير مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، عمار قحف لـ “القدس العربي” بجملة من التحديات الأساسية التي تعيق أي تفكير جاد بالعودة.
من أبرز هذه التحديات، وفق قحف، غياب البيئة الآمنة قانونيا وأمنيا، إذ ما زال كثير من السوريين يشعرون بعدم الأمان القانوني، مع غياب ضمانات حقيقية لحقوقهم في حال العودة، خاصة من هم مطلوبون أو خسروا ممتلكاتهم دون مسار قانوني عادل.
إضافة إلى ضعف البنية التحتية والخدمات العامة: المنازل المتضررة، الخدمات الصحية المتدهورة، والانقطاع المزمن للكهرباء والمياه كلها تجعل العودة غير ممكنة من الناحية العملية.
يضاف لها أزمة السكن وفرص كسب العيش: إذ لا توجد مساكن كافية، والبطالة مرتفعة جدا، خاصة بين الشباب. لكن العنصرين الأهمين هنا هما التعليم والعمل: فالعائدون يبحثون عن مدارس لأولادهم وجامعات معترف بها، وفرص عمل تحفظ كرامتهم وتوفر الاستقرار.
وحول الحلول الممكنة، قال قحف: الحل يبدأ من خلق بيئة تشجع على العودة الطوعية والآمنة، وذلك عبر برامج قروض إنتاجية لإنشاء أعمال صغيرة ومتوسطة تحرك عجلة السوق. ومبادرات تعليم تقني ومخيمات رقمية تستوعب الشباب وتفتح أمامهم أبواب العمل التكنولوجي منخفض التكلفة، وإصلاح قوانين العمل والاستثمار لتشجيع رأس المال السوري في الداخل والخارج، وإعادة تأهيل المدارس والخدمات الأساسية لضمان بيئة تعليمية مستقرة للعائلات العائدة، مؤكدا أن “العودة لا تُفرض، بل تُبنى. والتعليم والعمل هما حجر الأساس لهذه العودة الكريمة”.
وحول التحديات أمام عودة السوريين إلى مدنهم في محيط العاصمة دمشق، يقول الباحث السياسي والاقتصادي عبد الرحمن رياض لـ “القدس العربي”: تواجه عودة اللاجئين والنازحين السوريين، وخاصة من أبناء ريف دمشق، تحديات معقدة تتعلق بالبنية التحتية والخدمات والأمن والاقتصاد، معتبرا أنه “على الرغم من التغيرات السياسية الأخيرة، لا تزال البيئة غير مهيأة بالكامل لعودة آمنة وكريمة”.
أبرز العوائق أمام عودة اللاجئين من أبناء هذه المنطقة، وفق رياض، الدمار الواسع في البنية التحتية، حيث تعرضت أحياء مثل جوبر والقابون والقدم، بالإضافة إلى المخيم ومعظم مناطق الغوطة الشرقية، لتدمير شبه كامل، مما يجعل العودة إليها صعبة دون جهود إعادة إعمار واسعة.
إضافة إلى نقص الخدمات الأساسية، حيث يعاني العائدون من نقص في الكهرباء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية، مما يعيق استقرارهم ويجعل الحياة اليومية تحدياً بحد ذاته.
فضلا عن البطالة وانعدام فرص العمل، إذ يعيش حوالي 90٪ من السوريين تحت خط الفقر، مع ضعف شديد في فرص العمل، الأمر الذي يدفع الكثير من اللاجئين إلى التردد في العودة خوفاً من العجز عن تأمين لقمة العيش.
وحسب المتحدث فإنه بالرغم من رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية مؤخرا عن سوريا، لا تزال الاستثمارات وإعادة الإعمار متعثرة نتيجة غياب التمويل الفعّال، وتعقيدات السياسات الداخلية، وضعف ثقة المستثمرين إلى حدٍ ما، ما يجعل توفير الخدمات وفرص العمل للعائدين أمراً بطيئاً وغير كاف.
كما أن مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة لا تزال العديد من المناطق، خصوصا في ريف دمشق والغوطة الشرقية، مهددة بالألغام والذخائر غير المنفجرة، ما يشكل خطراً كبيراً على العائدين، وفقدان الوثائق الرسمية، حيث يواجه كثير من اللاجئين صعوبات في الحصول على وثائق الهوية أو إثبات ملكية العقارات، مما يعوق وصولهم إلى الخدمات الأساسية ويعرضهم لمشاكل قانونية.
الغوطة الغربية
يعتبر الدمار الواسع من أبرز عوائق العودة، في ريف دمشق الغربي، حسب الباحثة السورية رهف اللحام، التي تحدثت عن مدن ريف دمشق، وعلى وجه الخصوص مدينتي معضمية الشام وداريا.
وقالت اللحام وهي مساعد باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” لـ “القدس العربي”: هناك أحياء مدمرة بشكل كامل، وأخرى مدمرة دمارا كبيرا وأغلب أبنيتها المتبقية غير صالحة للسكن بسبب ما خلفته شدة القصف من آثار أدت إلى تضعضع الأساسات، بينما الأحياء التي لم تتعرض لقصف شديد، فهي مهملة والأبنية فيها مهترئة وبناها التحتية قديمة ولا تغطي احتياجات السكان.
وأضافت: خلال ما يزيد على عقد من الزمان لم يقم النظام السابق بتطوير هذه البنى أو تنفيذ مشاريع تنموية كبيرة بذريعة وجود العقوبات، لكن عمليا لم يكن هناك عمل حتى على صعيد توافر الخدمات الأساسية وتطوير خدمات البلديات والمديريات، في حين كانت تلك المناطق – الأقل تعرضا للقصف – ملجأ لقاطني المناطق المدمرة من غير القادرين على اللجوء خارجيا، الأمر الذي كان يستدعي زيادة العمل على الخدمات بما يوازي زيادة الكثافة السكانية وتركزها في أحياء محدودة وصغيرة، مما اضطر السكان لإيجاد حلول فردية للتأقلم مع غياب خدمات الدولة.
يضاف إلى هذا الواقع المعقد، ما أتاحه التحرير من فرص عودة الكثير من اللاجئين، سواء عن إرادة شخصية أو بدافع وطني، أو بموجب انتقال مراكز العمل إلى دمشق وحلب (وكلتا المدينتين بريفيهما تعانيان من نسبة دمار مرتفعة وغياب الخدمات وسوء البنى التحتية وكثافة سكانية عالية) مما سيزيد من الضغط على كل من البنى التحتية وارتفاع الطلب على العقارات وبالتالي زيادة أسعارها بشكل جنوني غير متناسب مع مستويات الدخل.
بيئة مشجعة على العودة
رغم هذه التحديات، هناك بعض المؤشرات الإيجابية حسب الباحث السياسي والاقتصادي عبد الرحمن رياض لـ “القدس العربي”، تتمثل بتحسن التعاون مع المنظمات الدولية، إذ تشير تقارير إلى تحسن العلاقة بين الحكومة السورية والمنظمات الدولية، مما يساعد على تنفيذ برامج دعم العائدين على نحو أكثر فاعلية.
رغبة اللاجئين في العودة: نحو 80٪ من اللاجئين، حسب استطلاعات غير رسمية، أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى سوريا إذا توفرت الظروف المناسبة، ما يعكس ارتباطهم بوطنهم واستعدادهم لبذل الجهد للعودة.
برامج دعم العائدين، حيث تعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على دعم العائدين من خلال مساعدات نقدية، إصلاح المنازل، وتسهيل إصدار الوثائق الثبوتية.
المشاريع الصغيرة والمنتاهية الصغر، حيث يرى العديد من السوريين في الخارج أنهم قادرون على البدء بمشاريعهم الصغيرة في هذه الفترة في ظل غياب حيتان السوق ومحدودية المنافسة مما يفسح المجال لرؤوس الأموال الصغيرة في الانطلاق بمشاريعها التي قد تكون حجر أساس الاقتصاد السوري.
وفي رأي المتحدث، فإن “عودة السوريين ليست مجرد رحلة من اللجوء إلى الوطن، بل اختبار لإرادة سياسية وإنسانية لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة من العدالة والكرامة والعيش المشترك”.
4 تصنيفات للاجئين السوريين
يميز الباحث عبد الله جاسم بين مجموعات اللاجئين والمهاجرين السوريين والسوريات حسب مغترباتهم، ودول مهاجرهم.
وحسب قوله، يمكن وضع تصنيف مبدئي لأربع فئات: لاجئو دول الجوار، وهم الأكثر ميلا للعودة عند توفر ظروف معيشية بسيطة، حتى لو لم تكن مثالية ويأملون في أن يكونوا جزءا من المجموعات التي تريد إعادة إعمار بلداتهم وقراهم ومدنهم.
فيما تضم الفئة الثانية المقيمين في دول الخليج العربي ومصر، حيث يتمكن معظمهم من تدبر شؤون حياتهم اليومية، مع قيام الكثير منهم بإرسال الدعم المالي لعائلاتهم الباقية في الداخل السوري. هؤلاء يحملون رغبة واضحة في العودة، لكن بشروط واقعية، إذ يشترطون توفر فرص عمل تضمن لهم ولمن يعيلونهم مصادر دخل كريمة، وإلا فإنهم لن يجازفوا بالعودة ليجدوا أنفسهم وأسرهم تحت وطأة الفقر والحاجة.
وهناك من اللاجئين في هذه الدول من لم يتمكن من تأمين متطلبات الحياة، ما دفعهم للعودة إلى بلداتهم وقراهم رغم صعوبة الأوضاع. أما أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال، فغالباً ما يفضلون البقاء بين سوريا وبلدان إقامتهم، ويرجّح أن يؤجلوا قرار العودة النهائية إلى حين التأكد من أن سوريا باتت بلداً مستقراً وجاذباً للاستثمار، وقد يستغرق هذا سنوات.
أما الفئة الثالثة فتضم اللاجئين والمهاجرين المنتشرين في دول أوروبا وأمريكا الشمالية وكندا وسائر الدول الغربية. هؤلاء يعيشون في بيئات توفر لهم الرعاية الصحية والخدمات العامة، وتؤمن لهم سبل العيش الكريم بسهولة، حتى بالنسبة لمن لا يعملون، حيث يحصلون على طبابة مجانية، وسكن لائق، ومخصصات مالية شخصية.
لهذا، فإن قرار العودة بالنسبة لهم ليس عاطفيا فقط، بل يخضع لحسابات دقيقة تتعلق بجودة الحياة. وقد حصل العديد منهم على جنسيات الدول المضيفة، مما يزيد من تعقيد القرار. فرغم الحنين والرغبة العاطفية بالعودة، إلا أن الفارق الكبير بين مستوى المعيشة والخدمات في بلدان المهجر وسوريا يجعل العودة خيارا صعبا، بل معقدا، ما لم تتوفر في الداخل السوري مقومات حقيقية للحياة الكريمة.
الفئة الرابعة: تضم هذه الفئة مهاجرين ولاجئين لديهم ظروف خاصة، أو مواقف سياسية وفكرية من الإدارة الجديدة في سوريا، أو تحفظات على توجهاتها وانتماءاتها. هؤلاء ينتظرون وضوح ملامح المستقبل السوري، سواء من ناحية التوجهات السياسية والاقتصادية، أو من ناحية الآليات التي ستُعتمد لانتقال السلطة بشكل ديمقراطي، ومدى توفر الحريات السياسية والفكرية.
هم كذلك يراقبون عن كثب السياسات الحكومية المستقبلية، وخاصة ما يتعلق بإعادة الإعمار، إدارة الموارد، وآليات الشفافية والمساءلة، والطرف أو الجهات التي ستتولى تنفيذ هذه السياسات. موقفهم من العودة سيظل معلّقاً إلى أن يطمئنوا إلى أن سوريا تسير نحو دولة مؤسسات حقيقية.
تكاليف معيشية وتأرجح أسعار الصرف
رغم الأمل في تحسن الواقع مستقبلا في سوريا، ألا أن الواقع يفرض نفسه على الأهالي، من حيث فرص العمل القليلة والرواتب المتدنية جدا مقارنة بتكاليف المعيشة شديدة الارتفاع في ظل فقدان العملة لقيمتها وتأرجح أسعار الصرف، وعدم بدء مشاريع إعادة الإعمار أو المشاريع الاستثمارية بعد.
وبالتأكيد هناك عوامل اجتماعية واقتصادية تلعب دورا في تحديد قرار عودة اللاجئين منها: الوضع المستقر إن وجد، أو وجود ارتباطات متعلقة بالعمل أو الاستثمار، مستوى التعليم في سوريا وتحدي اللغة بالنسبة لأبناء اللاجئين المقيمين في دول غير ناطقة بالعربية، اكتساب ثقافات مختلفة عن النمط الاجتماعي السائد في سوريا.
الحلول، وفق الباحثة رهف اللحام، دراسة خطط العودة على أن تنفذ على مراحل متزامنة مع إعادة تأهيل البنى التحتية ومشاريع إعادة الإعمار والتي باتت أقرب بعد رفع العقوبات، مشيرة إلى أن الأولوية فيها لسكان المخيمات، وإيجاد بيئة مناسبة لقيام مشاريع استثمارية لتأمين فرص عمل وتحسين الواقع الاقتصادي.
وأكدت على أن تكون خطط اللاجئين – القادرين على الاختيار- حول العودة مبنية على أسس واقعية وأهمها عدم خسارة العمل في الخارج في حال عدم وجود عمل في الداخل، مما يؤدي لخسارة عائد مالي إضافي يستفيد منه الداخل، ويخلق ضغطا ناتجا عن الطلب الإضافي على مساحات محدودة.
أزمة سكن حادة في دمشق وحلب
تواجه سوريا اليوم أزمة سكن حادة تفاقمت بعد عودة أعداد متزايدة من اللاجئين والنازحين إلى مناطق سيطرة الإدارة الجديدة، خاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب.
وفي هذا الإطار يقول الباحث في الشؤون الاجتماعية عرابي عبد الحي عرابي: لم يعد الحديث يدور فقط عن نقص المساكن، في دمشق وحلب، بل عن انعدام القدرة على تأمين مأوى إنساني لائق، فأسعار الإيجارات تضاعفت بشكل جنوني، حتى في الأحياء الشعبية المدمرة والعشوائيات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، لتصل إلى مئات الدولارات شهريًا، في وقت يعاني فيه معظم السكان من انهيار الدخل وفقدان مصادر الرزق.
المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع الطلب، بل في ترك السوق العقاري فريسة للمضاربة والاحتكار، ويتجلى هذا بغياب التشريعات الرادعة، مما سمح للمالكين بفرض شروط قاسية، مثل الدفع المسبق لأشهر طويلة، أو التسعير بالدولار مع تحصيله بالليرة بأسعار صرف مجحفة، ناهيك عن انعدام الخدمات العامة في معظم المناطق، ما جعل العودة إلى البيوت القديمة، حتى المملوكة منها، خيارًا معقدًا ومكلفًا.
وأضاف عرابي: هذه الأزمة ليست عابرة، بل تهدد بشكل مباشر فرص الاستقرار وإعادة الإعمار. كما أنه لا يمكن التفكير في مستقبل آمن أو حياة كريمة في ظل فوضى سكنية تُقصي الفقراء وتُثقل كاهل العائدين. لذلك، لا بد من تدخل مباشر وحازم.
وتابع: يجب أن تبدأ الحكومة بإعادة تنظيم سوق الإيجارات عبر قوانين تحمي المستأجرين، وتمنع الاستغلال، وتضع سقوفًا عادلة للإيجار، كما أن الاستثمار في مشاريع الإسكان بات ضرورة لا رفاهية، إضافة إلى إعادة تأهيل المناطق المدمرة والمهمشة، لتقليل الضغط عن مراكز المدن.
وقال إن معالجة هذه الأزمة تتطلب خطة سريعة المدى لتخفيف معاناة العائدين، وخطة استراتيجية طويلة الأمد لإعادة التوازن إلى النسيج السكاني، وتوفير بيئة عمرانية قابلة للعيش.
وانتهى بالقول: “السكن ليس سلعة، بل حق أساسي، ومن دونه لا يمكن الحديث عن أي تعاف اقتصادي أو استقرار اجتماعي”.